الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أول الأحاديث في هذا اليوم هو حديث حفص بن عاصم عليه رضوان الله قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً يؤذن ثم أدركه وهو يقول: قد قامت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا المغرب بإقامة هذا العبد الأسود ).

هذا الحديث فيه إشارة إلى أن الإنسان إذا سمع مؤذناً وأقام ذلك المؤذن وهو يسمعه أنه لا يقيم، ويكتفي بإقامته تلك ولو لم يصل معه، ويصلي وحده، هكذا يستدلون به، وهذا نص عليه البيهقي رحمه الله، أخرج هذا الحديث الشافعي كما في كتابه الأم، وكذلك أيضاً ورد في كتابه المسند، وعنه البيهقي رحمه الله كما في كتابه السنن، فقال الشافعي رحمه الله: حدثنا إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى ، عن عمارة بن غزية ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و حفص بن عاصم هذا الذي يروي عن النبي عليه الصلاة والسلام هو حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو من التابعين، يروي عن عبد الله بن عمر و أبي هريرة ، وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن روايته عن النبي عليه الصلاة والسلام مرسلة، وهذا الحديث أخذ به الشافعي واحتج به.

علة حديث (صلوا المغرب بإقامة هذا العبد الأسود)

وهذا الحديث ضعيف لإرساله، روى وكيع كما في كتابه من حديث دلهم بن صالح عن ابن عون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه مرسلاً، وهو مرسل أيضاً، ولا يصح في هذا الباب شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن الإنسان إذا سمع مقيماً يقيم أنه لا يقيم ولو كان بعيداً عنه، ويكفي في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر نساءه بشيء من الزيادة في ذلك مع أن الحجرات كن بجوار مسجده فيسمعن الأذان ويسمعن الإقامة، ومعلوم أنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزمن الأول عموماً أن المقيم يقيم خارج المسجد، ولا يقيم في المسجد، وهذا أمر معلوم، عادة الناس في السابق أن الإنسان إذا أذن في المسجد وأراد أن يقيم فإنه يخرج إلى موضع الصلاة فيقيم، فإذا سمعه غيره أتى إلى الصلاة، لهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم الإقامة فأتوا )، وفي رواية: ( فامشوا )، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان ولو كان بعيداً يسمع الإقامة.

تكبير الإمام للصلاة قبل انتهاء المؤذن من الإقامة

وهنا يرد مسألة خلافية عند الفقهاء في مسألة إذا كبر الإمام في الصلاة قبل انتهاء المؤذن من الإقامة، ماذا عليه، هل تكبيره في ذلك صحيح أم لا؟ ولهذا بلال كما يروى في الخبر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبقني بآمين )، يعني أنه يقيم فوق سطح المسجد ثم يأتي ليصف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث في المرسلين هنا هل يعضد أحدهما الآخر؟ نقول: محتمل أن يعضد أحدهما الآخر، ولكن هذه المسألة بحاجة إلى شيء من عمل السلف في ذلك، ولا أعلم في هذا شيء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث ضعيف لإرساله، روى وكيع كما في كتابه من حديث دلهم بن صالح عن ابن عون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه مرسلاً، وهو مرسل أيضاً، ولا يصح في هذا الباب شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن الإنسان إذا سمع مقيماً يقيم أنه لا يقيم ولو كان بعيداً عنه، ويكفي في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر نساءه بشيء من الزيادة في ذلك مع أن الحجرات كن بجوار مسجده فيسمعن الأذان ويسمعن الإقامة، ومعلوم أنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزمن الأول عموماً أن المقيم يقيم خارج المسجد، ولا يقيم في المسجد، وهذا أمر معلوم، عادة الناس في السابق أن الإنسان إذا أذن في المسجد وأراد أن يقيم فإنه يخرج إلى موضع الصلاة فيقيم، فإذا سمعه غيره أتى إلى الصلاة، لهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم الإقامة فأتوا )، وفي رواية: ( فامشوا )، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان ولو كان بعيداً يسمع الإقامة.

وهنا يرد مسألة خلافية عند الفقهاء في مسألة إذا كبر الإمام في الصلاة قبل انتهاء المؤذن من الإقامة، ماذا عليه، هل تكبيره في ذلك صحيح أم لا؟ ولهذا بلال كما يروى في الخبر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبقني بآمين )، يعني أنه يقيم فوق سطح المسجد ثم يأتي ليصف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث في المرسلين هنا هل يعضد أحدهما الآخر؟ نقول: محتمل أن يعضد أحدهما الآخر، ولكن هذه المسألة بحاجة إلى شيء من عمل السلف في ذلك، ولا أعلم في هذا شيء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثاني: هو ما يتعلق بمسألة الاستدارة للمؤذن، وضع الأصبعين، وهو حديث أبي جحيفة يرويه عنه ابنه عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالاً عليه رضوان الله تعالى يؤذن، وهو يتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه، ويستدير، هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق كما في كتابه المصنف، ورواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الترمذي ، وأخرجه أيضاً البزار و أبو عوانة و الحاكم في المستدرك، وغيرهم، رواه عبد الرزاق في المصنف في حديثه عن سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، أنه رأى بلالاً يؤذن فذكره.

علة حديث (الاستدارة في الأذان ووضع الأصبعين في الأذنين)

وهذا الحديث في ذكر الاستدارة في حديث أبي جحيفة وكذلك وضع الأصبعين في الأذنين، هذا الحديث بهاتين الزيادتين منكر، وهو من جهة الأصل ثابت، وهو في الصحيح، أخرجه البخاري عن سفيان الثوري ، فقال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه أنه رأى بلالاً ، وبهذا نعلم أن محمد بن يوسف قد خالف سفيان الثوري في حديثه هذا، وقد خالف عبد الرزاق في روايته عن سفيان هذا الخبر، وهذا الخبر من مفاريد عبد الرزاق في روايته عن سفيان ، وقيل: إن هذه الزيادة أخذت على سبيل الاستنباط فأدرجها عبد الرزاق في حديث سفيان ، و عبد الرزاق مع جلالة قدره فإنه في روايته عن سفيان فيها نكارة، خاصة ما سمعه عبد الرزاق من سفيان الثوري بمكة، ومعلوم أن عبد الرزاق ليس بمكي، وكذلك سفيان الثوري ليس بمكي، وهم في غربة، وعادة المغتربين أن السماع يكون في الأغلب يكون على عجل، بخلاف إذا كان أحدهما مستوطناً، فإنه ربما يكون فيه اعتدال من جهة الحفظ، وكذلك من جهة الضبط والتدوين، وبهذا مال غير واحد من العلماء إلى أن هذا من إدراج عبد الرزاق في حديث سفيان ، وذلك أن الثابت في عمل بلال هو الالتفات هاهنا وهاهنا، كما جاء في لفظ الصحيح قال: وأنا أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأما الزيادة الأخرى وهي وضع الأصبعين في الأذنين فهي زيادة أيضاً منكرة، وعلى هذا نقول: إن في الحديث زيادتان: الزيادة الأولى وهي في الاستدارة، ومعلوم أن الاستدارة شيء والالتفات شيء آخر، الالتفات أن يبقى الإنسان متوجهاً جهة القبلة، أو إلى أي جهة كان، ويلتفت يمنة ويسرة، هذا لا يستدير، أما الاستدارة هو أن ينحرف الإنسان بجميع جسده، وهذه الزيادة هي التي جاء فيها عبد الرزاق في روايته عن سفيان ، أما أصل الحديث قال: وأنا أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، إشارة إلى الالتفات، وقد جاء في بعض الألفاظ زيادة قال: يلتفت يميناً وشمالاً، على هذا نقول: إن الاستدارة في الأذان منكرة، كذلك وضع الأصبعين في الأذنين في حديث بلال أيضاً ضعيف، وقد مال إلى إعلاله البخاري كما في كتابه الصحيح، فذكر هذا الحديث حديث أبي جحيفة عن بلال ، ذكره بصيغة التمريض قال: ويذكر عن بلال ، وذكر بصيغة الجزم أثراً عن عبد الله بن عمر أنه كان لا يضع أصبعيه في أذنيه في الأذان، وهذا فيه إشارة إلى أنه يميل إلى ترجيح الموقوف على المرفوع الضعيف، وحينما ذكره بصيغة التمريض إشارة إلى ضعفه، ويؤيد هذا أن الإمام مسلماً رحمه الله قد أخرج أيضاً حديث سفيان الثوري ، ولم يذكر فيه الزيادتين وهي الاستدارة ووضع الأصبعين في الأذنين في الأذان، فأخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث وكيع عن سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، فذكره ولم يذكر فيه الاستدارة، ولم يذكر فيه الأصبعين، ما يدل على أن رواية وكيع قد خالف فيها عبد الرزاق ، كذلك أيضاً محمد بن يوسف ، قد رواه جماعة عن سفيان ولم يذكروا فيه الزيادتين، رواه وكيع بن الجراح ، و عبد الرحمن بن مهدي ، و محمد بن يوسف ، و إبراهيم بن عتيبة ، ورواه الحسين بن جعفر ، وأيضاً رواه مؤمل بن إسماعيل في أحد وجهيه، كلهم يروونه عن سفيان الثوري ، ولا يذكرون الزيادتين، وقد جاء رواية عن مؤمل بن إسماعيل ، وقد جاء رواية عن مؤمل بن إسماعيل بذكرها، وجاء أيضاً عند الطبراني كما في كتابه المعجم من حديث إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، ذكره عن سفيان وذكر فيه إحدى الزيادتين وترك الأخرى، وهذا فيه إشارة إلى أن هذه الزيادة في هذا الحديث أنها منكرة، وأنها من مدرجات عبد الرزاق .

حال حديث عبد الرزاق عن سفيان الثوري

يبقى لدينا مسألة حديث عبد الرزاق عن سفيان الثوري في إخراج البخاري و مسلم له، وقد أخرج البخاري و مسلم لـعبد الرزاق في روايته عن سفيان نقول: إن أحاديث عبد الرزاق عن سفيان لا تخلو من أحوال:

الحالة الأولى: ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان ويتفرد به أي: يخالف فيه الثقات، فهذا مما يستنكر من حديثه.

الحالة الثانية: ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان ، عن عبيد الله بن عمر العمري ، وهذا تقع فيه النكارة، كما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله، فإنه يخلط في هذا بين أحاديث عبيد الله بن عمر العمري وبين أخيه عبد الله بن عمر ، بين المصغر والمكبر، فيجعل أحاديث هذا لهذا، والعكس، فيقع في ذلك الوهم والغلط، ولهذا يحترز من رواية سفيان عن عبيد الله في رواية عبد الرزاق عنه.

الحالة الثالثة: في رواية عبد الرزاق عن سفيان ، فيما يوافق فيه الثقات، فإن هذا الأصل فيه القبول وهو الذي يخرجه البخاري و مسلم له.

الحالة الرابعة: وهي ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان الثوري في اليمن، عبد الرزاق لقي سفيان الثوري بمكة، ولقيه باليمن، حديثه باليمن أقوى من حديثه بمكة، وقد طعن الإمام أحمد رحمه الله في حديث عبد الرزاق فيما يرويه عن سفيان الثوري بمكة أنه لم يحفظه، ومال إلى تقوية حديث عبد الرزاق عن سفيان في اليمن، وأن حديثه صحيح.

والذي يظهر والله أعلم، أن هذه الرواية، رواية عبد الرزاق عن سفيان هي من حديثه بمكة، ولهذا قد خالف الثقات في روايته هنا، رواه وكيع ، و عبد الرحمن بن مهدي ، و إسحاق الأزرق ، و إبراهيم ، وغيرهم، يروونه عن سفيان الثوري ولا يذكرون فيه الزيادتين، وهي الاستدارة ووضع الأصبعين في الأذنين.

طرق أخرى لحديث (الاستدارة في الأذان)

وهنا إشارة إلى أن الزيادة في الاستدارة جاءت من وجوه أخر أيضاً لكنها ضعيفة، جاءت من حديث الحجاج بن أرطأة وقد رواه ابن ماجه في كتابه السنن وغيره من حديث الحجاج بن أرطأة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، عن بلال ، وهذه الزيادة فيه ضعيفة، ولهذا تعل بـالحجاج وتفرده بها من هذا الوجه، وقيل: إن الحجاج لم يسمع هذه الزيادة من عون، وفيه تدليس، ولهذا قد ذكر سفيان الثوري بنفسه، وأؤيد أن هذا الحديث ليس من أحاديث سفيان ، أن الحجاج حدثه عن عون بالاستدارة قال: فلقينا عون، فسألناه ولم يذكر الاستدارة، مما يدل على أن هذا من أوهام وأغلاط الحجاج بن أرطأة فيما يرويه عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء أيضاً من حديث مؤمل بن إسماعيل في روايته عن سفيان الثوري ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، عن بلال ، ورواية مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري فيها ضعف، وقد جاء أيضاً من وجه آخر، من حديث إبراهيم بن بشار ، عن ابن عيينة ، وهذا الطريق أيضاً ضعيف؛ لأنه تفرد به إبراهيم بن بشار الرمادي ، وحديثه ضعيف، ضعفه غير واحد، ضعفه علي بن المديني ، وكذلك يحيى بن معين ، وغيرهم، وحديثه في ذلك ضعيف، وقد جاء من وجوه أخر مسألة الاستدارة وهي واهية، إما من مراسيل بعض المتأخرين، ولا يعتد بشيء من ذلك، والثابت في هذا هو أنه يلوي عنقه يميناً وشمالاً، وقد جاء هذا النص بلي العنق عند أبي داود كما في كتابه السنن من حديث وكيع بن الجراح عن سفيان به، قال: ولوى عنقه، وقد جاءت الاستدارة أيضاً عند أبي داود من حديث قيس بن الربيع ، عن سفيان الثوري به، وذكر الاستدارة، و قيس بن الربيع متروك، تركه غير واحد من الحفاظ، كـعبد الله بن المبارك ، و النسائي ، وغيرهم، وهذا من مناكيره.

حكم الاستدارة في الأذان

وهنا مسألة وهي مسألة الاستدارة في الأذان عمل بعض العلماء بها، كما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: يستدير إذا أراد أن يسمع غيره على سطح المسجد، نقول: هذا يتعلق بالمصلحة لا يتعلق بمسألة العبادة، فالعبادة شيء ولو لم يسمع الإنسان، فالعبادة شيء والاستدارة لأجل إسماع الناس هذه مسألة أخرى، وأما فيما يتعلق بمسألة تيسير أمر الناس فإنهم يؤذنون بالأجهزة الحديثة التي لا يحتاج معها إلى الاستدارة نقول: إن ذلك يكره، أولاً: لعدم الدليل، كذلك أيضاً لعدم وجود الحاجة، فانتفت من الوجهين: من جهة النقل ومن جهة العقل، فلا حاجة إليها، لهذا يقال بأنها خلاف السنة، وهل يبقى على الالتفات مع ورود الدليل؟ الذي يظهر والله أعلم، أنه بهذا الالتفات يريد الإسماع أيضاً، وهنا إشكال، وهو ما يتكلم عليه كثير من الفقهاء، وفي مسألة الالتفاتة عند أي لفظ من ألفاظ الأذان، لم يثبت في ذلك شيء، وإنما هو اجتهاد، يجتهدونه ويقولون أن: حي على الصلاة على اليمين، أو حي على الفلاح على الشمال، أو واحدة هنا والثاني يسار من جنسها، فيكون لكل جهة نصيبها من اللفظين، وهذا من أمور الاجتهاد الذي يجتهد فيها الفقهاء.

وهذا الحديث في ذكر الاستدارة في حديث أبي جحيفة وكذلك وضع الأصبعين في الأذنين، هذا الحديث بهاتين الزيادتين منكر، وهو من جهة الأصل ثابت، وهو في الصحيح، أخرجه البخاري عن سفيان الثوري ، فقال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه أنه رأى بلالاً ، وبهذا نعلم أن محمد بن يوسف قد خالف سفيان الثوري في حديثه هذا، وقد خالف عبد الرزاق في روايته عن سفيان هذا الخبر، وهذا الخبر من مفاريد عبد الرزاق في روايته عن سفيان ، وقيل: إن هذه الزيادة أخذت على سبيل الاستنباط فأدرجها عبد الرزاق في حديث سفيان ، و عبد الرزاق مع جلالة قدره فإنه في روايته عن سفيان فيها نكارة، خاصة ما سمعه عبد الرزاق من سفيان الثوري بمكة، ومعلوم أن عبد الرزاق ليس بمكي، وكذلك سفيان الثوري ليس بمكي، وهم في غربة، وعادة المغتربين أن السماع يكون في الأغلب يكون على عجل، بخلاف إذا كان أحدهما مستوطناً، فإنه ربما يكون فيه اعتدال من جهة الحفظ، وكذلك من جهة الضبط والتدوين، وبهذا مال غير واحد من العلماء إلى أن هذا من إدراج عبد الرزاق في حديث سفيان ، وذلك أن الثابت في عمل بلال هو الالتفات هاهنا وهاهنا، كما جاء في لفظ الصحيح قال: وأنا أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأما الزيادة الأخرى وهي وضع الأصبعين في الأذنين فهي زيادة أيضاً منكرة، وعلى هذا نقول: إن في الحديث زيادتان: الزيادة الأولى وهي في الاستدارة، ومعلوم أن الاستدارة شيء والالتفات شيء آخر، الالتفات أن يبقى الإنسان متوجهاً جهة القبلة، أو إلى أي جهة كان، ويلتفت يمنة ويسرة، هذا لا يستدير، أما الاستدارة هو أن ينحرف الإنسان بجميع جسده، وهذه الزيادة هي التي جاء فيها عبد الرزاق في روايته عن سفيان ، أما أصل الحديث قال: وأنا أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، إشارة إلى الالتفات، وقد جاء في بعض الألفاظ زيادة قال: يلتفت يميناً وشمالاً، على هذا نقول: إن الاستدارة في الأذان منكرة، كذلك وضع الأصبعين في الأذنين في حديث بلال أيضاً ضعيف، وقد مال إلى إعلاله البخاري كما في كتابه الصحيح، فذكر هذا الحديث حديث أبي جحيفة عن بلال ، ذكره بصيغة التمريض قال: ويذكر عن بلال ، وذكر بصيغة الجزم أثراً عن عبد الله بن عمر أنه كان لا يضع أصبعيه في أذنيه في الأذان، وهذا فيه إشارة إلى أنه يميل إلى ترجيح الموقوف على المرفوع الضعيف، وحينما ذكره بصيغة التمريض إشارة إلى ضعفه، ويؤيد هذا أن الإمام مسلماً رحمه الله قد أخرج أيضاً حديث سفيان الثوري ، ولم يذكر فيه الزيادتين وهي الاستدارة ووضع الأصبعين في الأذنين في الأذان، فأخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث وكيع عن سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، فذكره ولم يذكر فيه الاستدارة، ولم يذكر فيه الأصبعين، ما يدل على أن رواية وكيع قد خالف فيها عبد الرزاق ، كذلك أيضاً محمد بن يوسف ، قد رواه جماعة عن سفيان ولم يذكروا فيه الزيادتين، رواه وكيع بن الجراح ، و عبد الرحمن بن مهدي ، و محمد بن يوسف ، و إبراهيم بن عتيبة ، ورواه الحسين بن جعفر ، وأيضاً رواه مؤمل بن إسماعيل في أحد وجهيه، كلهم يروونه عن سفيان الثوري ، ولا يذكرون الزيادتين، وقد جاء رواية عن مؤمل بن إسماعيل ، وقد جاء رواية عن مؤمل بن إسماعيل بذكرها، وجاء أيضاً عند الطبراني كما في كتابه المعجم من حديث إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، ذكره عن سفيان وذكر فيه إحدى الزيادتين وترك الأخرى، وهذا فيه إشارة إلى أن هذه الزيادة في هذا الحديث أنها منكرة، وأنها من مدرجات عبد الرزاق .

يبقى لدينا مسألة حديث عبد الرزاق عن سفيان الثوري في إخراج البخاري و مسلم له، وقد أخرج البخاري و مسلم لـعبد الرزاق في روايته عن سفيان نقول: إن أحاديث عبد الرزاق عن سفيان لا تخلو من أحوال:

الحالة الأولى: ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان ويتفرد به أي: يخالف فيه الثقات، فهذا مما يستنكر من حديثه.

الحالة الثانية: ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان ، عن عبيد الله بن عمر العمري ، وهذا تقع فيه النكارة، كما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله، فإنه يخلط في هذا بين أحاديث عبيد الله بن عمر العمري وبين أخيه عبد الله بن عمر ، بين المصغر والمكبر، فيجعل أحاديث هذا لهذا، والعكس، فيقع في ذلك الوهم والغلط، ولهذا يحترز من رواية سفيان عن عبيد الله في رواية عبد الرزاق عنه.

الحالة الثالثة: في رواية عبد الرزاق عن سفيان ، فيما يوافق فيه الثقات، فإن هذا الأصل فيه القبول وهو الذي يخرجه البخاري و مسلم له.

الحالة الرابعة: وهي ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان الثوري في اليمن، عبد الرزاق لقي سفيان الثوري بمكة، ولقيه باليمن، حديثه باليمن أقوى من حديثه بمكة، وقد طعن الإمام أحمد رحمه الله في حديث عبد الرزاق فيما يرويه عن سفيان الثوري بمكة أنه لم يحفظه، ومال إلى تقوية حديث عبد الرزاق عن سفيان في اليمن، وأن حديثه صحيح.

والذي يظهر والله أعلم، أن هذه الرواية، رواية عبد الرزاق عن سفيان هي من حديثه بمكة، ولهذا قد خالف الثقات في روايته هنا، رواه وكيع ، و عبد الرحمن بن مهدي ، و إسحاق الأزرق ، و إبراهيم ، وغيرهم، يروونه عن سفيان الثوري ولا يذكرون فيه الزيادتين، وهي الاستدارة ووضع الأصبعين في الأذنين.

وهنا إشارة إلى أن الزيادة في الاستدارة جاءت من وجوه أخر أيضاً لكنها ضعيفة، جاءت من حديث الحجاج بن أرطأة وقد رواه ابن ماجه في كتابه السنن وغيره من حديث الحجاج بن أرطأة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، عن بلال ، وهذه الزيادة فيه ضعيفة، ولهذا تعل بـالحجاج وتفرده بها من هذا الوجه، وقيل: إن الحجاج لم يسمع هذه الزيادة من عون، وفيه تدليس، ولهذا قد ذكر سفيان الثوري بنفسه، وأؤيد أن هذا الحديث ليس من أحاديث سفيان ، أن الحجاج حدثه عن عون بالاستدارة قال: فلقينا عون، فسألناه ولم يذكر الاستدارة، مما يدل على أن هذا من أوهام وأغلاط الحجاج بن أرطأة فيما يرويه عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء أيضاً من حديث مؤمل بن إسماعيل في روايته عن سفيان الثوري ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه، عن بلال ، ورواية مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري فيها ضعف، وقد جاء أيضاً من وجه آخر، من حديث إبراهيم بن بشار ، عن ابن عيينة ، وهذا الطريق أيضاً ضعيف؛ لأنه تفرد به إبراهيم بن بشار الرمادي ، وحديثه ضعيف، ضعفه غير واحد، ضعفه علي بن المديني ، وكذلك يحيى بن معين ، وغيرهم، وحديثه في ذلك ضعيف، وقد جاء من وجوه أخر مسألة الاستدارة وهي واهية، إما من مراسيل بعض المتأخرين، ولا يعتد بشيء من ذلك، والثابت في هذا هو أنه يلوي عنقه يميناً وشمالاً، وقد جاء هذا النص بلي العنق عند أبي داود كما في كتابه السنن من حديث وكيع بن الجراح عن سفيان به، قال: ولوى عنقه، وقد جاءت الاستدارة أيضاً عند أبي داود من حديث قيس بن الربيع ، عن سفيان الثوري به، وذكر الاستدارة، و قيس بن الربيع متروك، تركه غير واحد من الحفاظ، كـعبد الله بن المبارك ، و النسائي ، وغيرهم، وهذا من مناكيره.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [4] 2293 استماع
الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [2] 1977 استماع
الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [7] 1858 استماع
الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [3] 1238 استماع
الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [1] 1209 استماع
الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [5] 959 استماع