الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [7]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أول أحاديث اليوم: هو حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تغولت لكم الغيلان فأذنوا )، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في كتابه المسند، وغيره من حديث يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن الحسن عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توبع يزيد في روايته في هذا الحديث عن هشام بن حسان على هذا الوجه, تابعه عن ذلك محمد بن سلمة و يحيى بن اليمان و سويد بن عبد العزيز كلهم يروونه عن هشام بن حسان عن الحسن البصري عن جابر .

هذا الحديث معلول؛ وذلك أن الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله , وقد نص على ذلك غير واحد كـعلي بن المديني , فإنه كان ينكر أن يكون الحسن قد سمع من جابر بن عبد الله شيئاً.

كذلك من علل هذا الخبر: الاضطراب في إسناده؛ وذلك لأن الجماعة هنا يروونه يزيد بن هارون و محمد بن سلمة و يحيى بن اليمان و سويد بن عبد العزيز كلهم يروونه عن هشام بن حسان عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله ، واختلف فيه على هشام , تارة يجعله من حديث جابر بن عبد الله ، وتارة يجعله من حديث سعد بن أبي وقاص ، فقد رواه ابن عدي في كتابه الكامل من حديث يونس بن عبيد و عمرو بن عبيد عن هشام عن الحسن عن سعد بن أبي وقاص فجعله مرسلاً لــسعد ، وعلى كل فإن الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئاً, ولا من سعد , كما نص على ذلك البيهقي رحمه الله، وكذلك نص عليه البزار وغيره.

وقد جاء أيضاً هذا الحديث مرسلاً من حديث الحسن مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغيلان: هي الجن, وقيل سحرة الجن, التي تخرج للمسافرين خيالاً في الطرقات فيتوهمونها شيئاً, يريد أن يغتال حياتهم فسميت غول أو غيل.

والأذان لها عند رؤيتها الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفة, وإنما الكلام على مسألة مثلاً هنا في حال رؤية شيء من الجان, كخيال أو وسواس أو خوف أو صوت؛ فهل الأذان يشرع عند ذلك أم لا؟ لا يثبت في هذا شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الشيطان يُدْبر وأما إدباره هنا فهو مقيد في حال الصلاة, ويأتي هذا في حديث أبي هريرة وهو الحديث الثاني.

الحديث الثاني: حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تغولت الغول بكم فعليكم الأذان )، وهذا ربطه بظهور الجان، وجاء في ألفاظ هذا الحديث: ( فإنه إذا أذنتم أدبر الشيطان )، وإدباره هنا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عند الأذان للصلاة.

علة حديث: (إذا أذنتم أدبر الشيطان)

الحديث هذا رواه البيهقي وغيره من حديث عدي بن الفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بهذا اللفظ, أنه الأذان عند رؤية الغول، والذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح ( أنه إذا أذن المؤذن للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ), وهو في الصحيحين، جاء من هذا الطريق ويدل على أن عدي بن الفضل قد تفرد بهذه اللفظة في الحديث، ( إذا تغول الغول )، يعني: إنه عند رؤية الغول يؤذن، فهو وهم وغلط في ذلك والصواب أن هذا الحديث عند ورود الأذان للصلوات الخمس فإن الشياطين تولي وتدبر، وهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح الإمام مسلم من حديث روح بن القاسم و خالد بن عبد الله الواسطي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، قال: ( إذا أذن المؤذن للصلاة أدبر الشيطان )، فهنا خالف عدي بن الفضل روح بن القاسم و خالد بن عبد الله الواسطي ، فهؤلاء جعلوه للصلاة وهذا جعله للغول، وذكر الغول عند ... منكر, وهكذا سائر من يرويه عن أبي هريرة عليه رضوان الله فإنهم لا يذكرون الغول فيه، رواه عن أبي هريرة جماعة من أصحابه، رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن وحديثه في الصحيحين، ورواه الأعرج وحديثه في الصحيح أيضاً، ورواه همام بن منبه وحديثه في المسند، ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، كما رواه الإمام أحمد في المسند، كلها عن أبي هريرة ولا يذكرون فيه الغول, وإنما يذكرون الصلاة, مما يدل على أن علي بن الفضل قد تفرد بذكر الغول فيه وذكره فيه منكر.

وعلى هذا فإن الحديث سواء كان حديث جابر بن عبد الله ، أو سعد بن أبي وقاص أو حديث أبي هريرة هي أحاديث ضعاف، ولكن ثبت عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله مشروعية الأذان عند الغول، رواه عبد الرزاق وغيره, رواه عبد الرزاق في كتابه المصنف، ورواه غيره أيضاً من حديث أسيد بن عمرو ( أن الغول ذكرت عند عمر بن الخطاب فقال: إنه ما من أحد يستطيع أن يغير صورة خلقها الله, وإنما فيهم سحرة منكم, فإذا رأيتم الغول فأذنوا )، وهذا موقوف على عمر بن الخطاب وإسناده صحيح.

الأذان لطرد الجان من البيت وغيرها

وهنا لدينا مسألة وهي ما تتعلق بالأذان فيما يفعله مثلاً بعض الرقاة, أو يفعله بعض الناس في بيوتهم التي يشعر أن فيها جن، هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وإنما الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه الأذان للصلوات الخمس يدبر الشيطان، قد يقول قائل: إدبار الشيطان عند الأذان للصلوات الخمس ألا يدل ذلك أيضاً أن يدبر في غيرها؟ نقول: إنه ثمة فرق بين قولنا بمشروعية ذلك وبين ثبوت الإدبار، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما بين أن الصلوات الخمس كفارة لما بينها هل يسوغ للإنسان أن يحدث صلاة سادسة أو سابعة كلي يزداد التكفير؟ نقول: لا، مع أنه ثبت الدليل أن الصلاة تكفر، كما ثبت بالدليل أن الأذان يطرد الجان، ولهذا نحن نقول: بأن هذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو فعله الإنسان فهو ذكر عام لا يشرع بهذا القيد؛ كحال الإنسان الذي يريد أن يصلي نقول: صل لكن بلا قيد، صل بلا قيد، فتصل صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وذكر النهار غير محفوظ، وهنا فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذان عند سماع أو رؤية الغول نقول: إن ذكر الإنسان في ذلك فلا حرج عليه، وهو من جملة الذكر, وإنما قلنا أنه يؤذن لثبوت النص جعلنا هذا الذكر مشروع بخصوصه عند وجود الدفع من الجان، كما يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن آية الكرسي يقرؤها الإنسان لا يقربه شيطان، فإذا أثبتناها شرعت أن تذكر عنده وجود الجن, وإذا لم يشرعها كانت كغيرها من الأذكار، ولهذا نقول: إن الإنسان إذا أراد أن يؤذن عند الشعور بوجود جان أو ورود الوسواس أو سماع صوت أو في الدور التي فيها الجان نقول: لا حرج في ذلك، ولكن لا يتخذ ذلك ديدناً على سبيل التعبد في مثل هذا، فيقدم ذكراً لم يأت في الشريعة تقديمه على غيره، لهذا نقول: إنه يشرع في مثل هذا أن تستوي الأذكار, سواء كانت في الأذان أو في غيره، ويؤكد هذا أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى لم يشتهر عندهم هذا الأمر, وهو الأذان عند وجود الجان، وإنما كانوا يرقون بالقرآن، ولو ثبت الأصل في ذلك صراحة عن جمهورهم لنقل, وقد جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله في ذلك وإن كان إسناده صحيح إلا أنه لا يعني أن العمل مشتهر عنده، ويكفي في هذا أنه تفرد أسيد بن عمرو مع صحة تفرده في هذا عن عمر بن الخطاب بمثل هذا الحكم، وهذا يدل على جواز فعله على الإطلاق لا على سبيل المشروعية والسنية، وفرق بين الأمرين.

جاء عند الديلمي في الفردوس من حديث الحسين بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ساء خلق إنسان أو صبي أو دابة فأذنوا في آذانهم )، وهذا الحديث حديث منكر، تفرد به المعلى بن مهدي وهو منكر الحديث، وهذه الأحاديث الواردة في الباب لا يعضد بعضها بعضاً، ولكن نقول: من جهة الجواز فإن الذكر جائز كسائر الأذكار، كسائر آي القرآن وكسائر أيضاً الذكر الذي يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرد الجان.

الحديث هذا رواه البيهقي وغيره من حديث عدي بن الفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بهذا اللفظ, أنه الأذان عند رؤية الغول، والذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح ( أنه إذا أذن المؤذن للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ), وهو في الصحيحين، جاء من هذا الطريق ويدل على أن عدي بن الفضل قد تفرد بهذه اللفظة في الحديث، ( إذا تغول الغول )، يعني: إنه عند رؤية الغول يؤذن، فهو وهم وغلط في ذلك والصواب أن هذا الحديث عند ورود الأذان للصلوات الخمس فإن الشياطين تولي وتدبر، وهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح الإمام مسلم من حديث روح بن القاسم و خالد بن عبد الله الواسطي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، قال: ( إذا أذن المؤذن للصلاة أدبر الشيطان )، فهنا خالف عدي بن الفضل روح بن القاسم و خالد بن عبد الله الواسطي ، فهؤلاء جعلوه للصلاة وهذا جعله للغول، وذكر الغول عند ... منكر, وهكذا سائر من يرويه عن أبي هريرة عليه رضوان الله فإنهم لا يذكرون الغول فيه، رواه عن أبي هريرة جماعة من أصحابه، رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن وحديثه في الصحيحين، ورواه الأعرج وحديثه في الصحيح أيضاً، ورواه همام بن منبه وحديثه في المسند، ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، كما رواه الإمام أحمد في المسند، كلها عن أبي هريرة ولا يذكرون فيه الغول, وإنما يذكرون الصلاة, مما يدل على أن علي بن الفضل قد تفرد بذكر الغول فيه وذكره فيه منكر.

وعلى هذا فإن الحديث سواء كان حديث جابر بن عبد الله ، أو سعد بن أبي وقاص أو حديث أبي هريرة هي أحاديث ضعاف، ولكن ثبت عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله مشروعية الأذان عند الغول، رواه عبد الرزاق وغيره, رواه عبد الرزاق في كتابه المصنف، ورواه غيره أيضاً من حديث أسيد بن عمرو ( أن الغول ذكرت عند عمر بن الخطاب فقال: إنه ما من أحد يستطيع أن يغير صورة خلقها الله, وإنما فيهم سحرة منكم, فإذا رأيتم الغول فأذنوا )، وهذا موقوف على عمر بن الخطاب وإسناده صحيح.

وهنا لدينا مسألة وهي ما تتعلق بالأذان فيما يفعله مثلاً بعض الرقاة, أو يفعله بعض الناس في بيوتهم التي يشعر أن فيها جن، هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وإنما الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه الأذان للصلوات الخمس يدبر الشيطان، قد يقول قائل: إدبار الشيطان عند الأذان للصلوات الخمس ألا يدل ذلك أيضاً أن يدبر في غيرها؟ نقول: إنه ثمة فرق بين قولنا بمشروعية ذلك وبين ثبوت الإدبار، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما بين أن الصلوات الخمس كفارة لما بينها هل يسوغ للإنسان أن يحدث صلاة سادسة أو سابعة كلي يزداد التكفير؟ نقول: لا، مع أنه ثبت الدليل أن الصلاة تكفر، كما ثبت بالدليل أن الأذان يطرد الجان، ولهذا نحن نقول: بأن هذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو فعله الإنسان فهو ذكر عام لا يشرع بهذا القيد؛ كحال الإنسان الذي يريد أن يصلي نقول: صل لكن بلا قيد، صل بلا قيد، فتصل صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وذكر النهار غير محفوظ، وهنا فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذان عند سماع أو رؤية الغول نقول: إن ذكر الإنسان في ذلك فلا حرج عليه، وهو من جملة الذكر, وإنما قلنا أنه يؤذن لثبوت النص جعلنا هذا الذكر مشروع بخصوصه عند وجود الدفع من الجان، كما يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن آية الكرسي يقرؤها الإنسان لا يقربه شيطان، فإذا أثبتناها شرعت أن تذكر عنده وجود الجن, وإذا لم يشرعها كانت كغيرها من الأذكار، ولهذا نقول: إن الإنسان إذا أراد أن يؤذن عند الشعور بوجود جان أو ورود الوسواس أو سماع صوت أو في الدور التي فيها الجان نقول: لا حرج في ذلك، ولكن لا يتخذ ذلك ديدناً على سبيل التعبد في مثل هذا، فيقدم ذكراً لم يأت في الشريعة تقديمه على غيره، لهذا نقول: إنه يشرع في مثل هذا أن تستوي الأذكار, سواء كانت في الأذان أو في غيره، ويؤكد هذا أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى لم يشتهر عندهم هذا الأمر, وهو الأذان عند وجود الجان، وإنما كانوا يرقون بالقرآن، ولو ثبت الأصل في ذلك صراحة عن جمهورهم لنقل, وقد جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله في ذلك وإن كان إسناده صحيح إلا أنه لا يعني أن العمل مشتهر عنده، ويكفي في هذا أنه تفرد أسيد بن عمرو مع صحة تفرده في هذا عن عمر بن الخطاب بمثل هذا الحكم، وهذا يدل على جواز فعله على الإطلاق لا على سبيل المشروعية والسنية، وفرق بين الأمرين.

جاء عند الديلمي في الفردوس من حديث الحسين بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ساء خلق إنسان أو صبي أو دابة فأذنوا في آذانهم )، وهذا الحديث حديث منكر، تفرد به المعلى بن مهدي وهو منكر الحديث، وهذه الأحاديث الواردة في الباب لا يعضد بعضها بعضاً، ولكن نقول: من جهة الجواز فإن الذكر جائز كسائر الأذكار، كسائر آي القرآن وكسائر أيضاً الذكر الذي يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرد الجان.

الحديث الثالث في هذا: هو حديث جابر بن عبد الله في الذكر بعد الأذان في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة )، الخبر, وفيه لفظان: ( اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة )، هذه لفظة, ( بحق هذه الدعوة ), الثانية: ( إنك لا تخلف الميعاد )، هاتان اللفظتان أخرجهما البيهقي في كتابه السنن من حديث محمد بن عوف , قال: حدثنا علي بن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث معروف عن علي بن عياش وغيره، وجاء من حديث غير جابر أيضاً, ولكن ليس فيه هاتان اللفظتان وهي: ( اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة )، وليس فيه: ( إنك لا تخلف الميعاد )، تفرد بها محمد بن عوف عن غيره، وكل من يرويه عن علي بن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله لا يذكرون فيه هاتين اللفظتين، وهذا منكر من وجوه:

أولها: أن الذي رواه عن علي بن عياش جماعة من الثقات؛ كـالبخاري وقد رواه في كتابه الصحيح عن علي بن عياش وما ذكرها.

ورواه أحمد في كتابه المسند عن علي بن عياش وما ذكرها، ورواه محمد بن يحيى الذهلي ، و أبو زرعة الدمشقي ، و محمد بن مسلم بن واره و محمد بن سهل وغيرهم من الحفاظ, كلهم يروونه عن علي بن عياش ولا يذكرون هاتين اللفظتين، ومخالفة محمد بن عوف وهو ثقة لأمثال هؤلاء الأئمة نكارة، ولو خالف الواحد من أضراب أحمد و علي بن المديني و البخاري لما احتمل القبول لتفرده.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر لمخالفة هؤلاء الأئمة.

الأمر الثاني الذي ينكر لأجله: أن طبقة محمد بن عوف متأخرة وهي في طبقة الإمام أحمد رحمه الله و البخاري و علي بن المديني ، وهذه طبقة متأخرة جداً عن الزيادات، فلماذا لم ترد هذه اللفظة إلا في هذه الطبقة ومنه هو؟ كذلك فإنه من أهل حمص، ومفاريد الحمصيين عن غيرهم من الحجازيين فيها نكارة, خاصة في مثل هذه الأحكام التي تختلف؛ لأن مثل هذا الذكر يحتاج إليه كثيراً، فلماذا لم ينقل لا بالموقوف ولا بالمرفوع؟ وهذا من أمارات الإنكار.

ولكن ثمة إشكال قد يورده البعض وهو أن هذه الزيادة أعني: الزيادة الثانية وهي: ( إنك لا تخلف الميعاد )، جاءت عند البخاري برواية الكشميهني ذكرها في روايته، فهل تعد هذه من رواية البخاري في الحديث؟ نقول: لا؛ وذلك أن للصحيح رواة كثر، و الكشميهني رحمه الله يتفرد ببعض الألفاظ وربما زادها توهماً من عنده، وربما أدرج في المتون، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه )، زاد الكشميهني : ( من الإثم )، وليست في الصحيح، وهو ربما يسبق إلى ذهنه شيء من الألفاظ أنها في الصحيح، أو يذكرها للبيان وتذكر عنه على أنها من المتن وهي مدرجة، أو ربما وجدها في بعض الحواشي، ولهذا من أدق رواة الصحيح أبو ذر الهروي كان يحذف بعض ألفاظ الكشميهني إذا تفرد بها.

ثم أيضاً إن طبقة الكشميهني في تفرده عن البخاري في ذلك عن سائر الرواة دليل أيضاً وأمارة على عدم وجود ذلك الأصل, خاصة أن طبقته غير متأخرة، ولهذا نقول: إن هذه الزيادة وجودها في هذه النسخة لا يعني أنها في رواية الصحيح، والحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح قد مال إلى تخطئة الكشميهني في عدة مواضع؛ وذلك بإتيانه بعض الألفاظ، ولهذا لا نقول بصحة هذه الزيادة ونكارتها قائمة.

كذلك أيضاً فإن مثل هذا المتن ومثل هذه الألفاظ إن شاعت في أكثر من موضع مغايرة لأحاديث الثقات فهذا من علامات النكارة، وأن الوهم لدينا في موضعين: ( اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة )، الثاني: ( إنك لا تخلف الميعاد )، مما يدل على أن لديه سوء حفظ في رواية هذا الحديث، فإن الغلط إذا كان في أكثر من موضع أمارة على عدم الحفظ، وتقدم معنا الإشارة إلى أن الخطأ في الإسناد أمارة على الخطأ في المتن وقرينة، وأن الخطأ في المتن قرينة على الخطأ في الإسناد، وليس هذا من النص وإنما هو قرينة؛ وذلك أننا إذا قلنا بوجود وهم وغلط في الإسناد فتحنا باباً على من حفظ, على الراوي، وإذا فتح لنا الباب دل على احتمال وروده في أكثر من موضع، ولهذا لما زاد هاتين اللفظتين في هذا الحديث دل على أنه لم يحفظه على وجهه، بخلاف الذي يضبط المتن تاماً ولا يأتي إلا على موضع فيقال: إنه جاء به على وجهه بحروفه وزاد في هذا الموضع بخصوصه، فهذا قد يقال بأن هذا من أمارات القصد فيه, إما أن يكون مدرج أو غيره، نرده على الإدراج، وهذا يتنازع، هل الراوي قد حفظ هذا أو لم يحفظه؟ نقول: القرائن في ذلك تتنازع بحسب دقة نظر الناقد، ولهذا نقول: إن محمد بن عوف الحمصي في تفرده بهذا الحديث لا يقبل تفرده لما تقدم الإشارة إليه.

الحديث الرابع: هو حديث عبد الرحمن بن سعد قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عمار عن آبائه عن أجداده عن بلال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يبدل قوله في الأذان: حي على خير العمل إلى قوله: حي على الصلاة )، هذا الحديث رواه البيهقي وغيره من حديث عبد الرحمن بن سعد به، وهذا الحديث منكر، فإنه تفرد به عبد الرحمن بن سعد وهو منكر الحديث، وقد ضعفه غير واحد، ويرويه عن عبد الله بن محمد بن عمار وهو ليس بشيء كما قال ذلك يحيى بن معين ، بل إن يحيى بن معين سئل كما نقله العقيلي عنه عن عبد الله بن عمار في روايته عن آبائه عن أجداده من هم؟ قال: يدرى من هم وليسوا بشيء، يعني: أنهم يتفردون في أشياء لا توافق أحاديث الثقات، وهذه السلسلة وهي رواية عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد بن عمار عن آبائه عن أجداده عن بلال جاء فيها بصيغة الأذان جملة من المناكير. عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد بن عمار عن آبائه عن أجداده عن بلال ، جاء فيها جملة من المناكير، وقد بين غير واحد من العلماء أنهم مجاهيل، قد نص على ذلك غير واحد؛ كـيحيى بن معين وكذلك ابن دقيق العيد ، وقال: لا تعرف أحوالهم.

الحديث الخامس: ما رواه الدارقطني و البيهقي وغيرهم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يقول في إقامته: قد قامت الصلاة مرة واحدة )، يعني: لا يثنيها بل يفردها، وهذا من مفاريد هذا الإسناد ولا يصح.

الحديث السادس وهو من مفاريده أيضاً: ما رواه البيهقي وغيره من حديث عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد بن عمار عن آبائه عن أجداده ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يؤذن وأمره بالترجيع ), والترجيع ليس لـبلال وإنما هو لـأبي محذورة , فوهم وغلط، وهذا من أمارات الضعف، وحديثه في الأذان منكر.

الحديث السابع: حديث بلال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن لا يثوب بشيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر )، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و الترمذي و ابن ماجه وغيرهم من حديث أبي إسرائيل عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال .

الحديث ضعيف وقد أخطأ فيه أبو إسرائيل فيرويه عن الحكم ، والصواب أنه سمعه من الحسن بن عمارة ، كما نص على ذلك غير واحد؛ كـالدارقطني كما في كتابه الأفراد, فتفرد به الحسن بن عمارة عن الحكم يعني: أنه بين أبي إسرائيل و الحكم الحسن بن عمارة وهو متروك.

وكذلك فإنه معلول بعلة أخرى وهي الثانية: أن ابن أبي ليلى لم يسمع من بلال , وقد نبه على ذلك غير واحد من الأئمة؛ كـيحيى بن معين ، و الشافعي ، و أبو حاتم ، و البيهقي وغيرهم، و ابن أبي ليلى عراقي و بلال كان في الشام, ولم يسمع منه.

العلة الثالثة: أن هذا الحديث اضطرب في إسناده ومتنه، تارة يجعل من حديث الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال ، وتارة يجعل من حديث الحكم بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب ، وتارة يجعل من حديث الحكم عن ابن أبي ليلى مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما اضطراب المتن فإنه يأتي في بعض الأحاديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن لا يثوب إلا في صلاة الفجر )، وفي بعضها قال: ( نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثوب في صلاة العشاء )، وفي بعضها: ( نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثوب في صلاة المغرب )، المعنى واحد, ولكن اللفظ يختلف، والثقات الحفاظ يؤدون الحديث كما سمعوا، وفرق بين قول النبي عليه الصلاة والسلام إن صح عنه: ( لا تثوب إلا في صلاة الفجر )، وبين ( لا تثوب في صلاة المغرب )، يعني: أن النهي هنا خاص في المغرب أو النهي خاص في العشاء، ولا يدخل فيها غيرها، وأما إذا قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثوب إلا في صلاة الفجر ), يعني: لا تثوب في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا يدل على أن الحديث لم يضبط, لا من جهة الإسناد ولا من جهة المتن، وهذا هو الذي يتبع به بعض الأئمة كراهة التثويب ضد بعض أهل الرأي من الحنفية قولهم: ( لا يشرع أن يثوب إلا في الفجر ), يوردون هذا الحديث والحديث فيه ضعيف، لكن الأمر استفاض أن التثويب لا يكون إلا في صلاة الفجر، قوله: ( الصلاة خير من النوم ).