شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 15


الحلقة مفرغة

حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال ) .

يقول المصنف رحمه الله: (أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف).

تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

الحديث أخرجه أيضاً غير من ذكر المصنف: البيهقي والشافعي والطحاوي وعبد بن حميد وابن مردويه في تفسيره، وابن حبان في كتاب الضعفاء والمجروحين له، فهؤلاء خمسة أئمة خرجوه غير من ذكر المصنف، البيهقي والدارقطني والشافعي وعبد بن حميد وابن مردويه . لعلني قلت: الطحاوي والصواب الدارقطني وغيرهم.

أما قول المصنف رحمه الله: (وفيه ضعف) فسنقف عندها قليلاً، فإن هذا الحديث قد روي عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر، فالتابعي الذي روى الحديث عن الصحابي هو زيد بن أسلم، رواه عن ابن عمر .

ومن ثم اختلف الرواة عن زيد بن أسلم انتبهوا لهذا، اختلف الرواة عن زيد بن أسلم، فرواه أبناء زيد بن أسلم وهم ثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بن زيد، أسامة بن زيد بن أسلم تابعي، عبد الله وعبد الرحمن -أو من أتباع التابعين لكن أظنه من التابعين-

عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بنو زيد بن أسلم، رووا الحديث عن أبيهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فـالبيهقي مثلاً قال: عن عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بني زيد بن أسلم عن أبيهم عن ابن عمر: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أحلت لنا ميتتان ودمان )، وهذا يسمى -كما سبق مراراً- مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأولاد زيد بن أسلم هؤلاء الثلاثة ضعفاء، أولاده ضعفاء، حتى قال الإمام أحمد عن عبد الرحمن : حديثه منكر. وإن كان الإمام أحمد وثق عبد الله، لكن أكثر أهل العلم على تضعيف الثلاثة، ونتركها مجملة حتى لا يختلط عليكم الأمر، فأكثر أهل العلم على تضعيف الثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة أولاد زيد بن أسلم .

ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر من قوله هو، لا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسليمان بن بلال ثقة ... أبو زرعة وغيرهم من أهل العلم؛ ابن حجر وابن القيم رحمه الله أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر، يعني الذي يقول: (أحلت لنا ميتتان ودمان) من هو؟ هو ابن عمر رضي الله عنه، ولكن هذا الحديث وإن كان موقوفاً، إلا أن له حكم المرفوع، كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره، له حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال: أحل لنا أو حرم علينا، فالتحليل والتحريم ينصرف إلى من؟ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان الصحابة يتلقون عنه التحليل والتحريم، ولذلك يقولون في مثل هذا الحديث: هذا الحديث وإن كان موقوفاً إلا أنه في حكم المرفوع، له حكم الرفع، فكأن ابن عمر رضي الله عنه يقول: أحل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتتين ودمين: الكبد والطحال، والجراد والحوت.

و القول بأن الحديث موقوف -كما سبق- هو رأي كثير من أهل العلم كـأبي زرعة والحاكم والدارقطني والبيهقي وابن حجر وابن القيم وغيرهم، يصححون الموقوف لضعف أولاد زيد بن أسلم .

ولذلك فقول المصنف رحمه الله: (وفيه ضعف)يعني الحديث الذي ساقه المصنف، نعم لأن المصنف ساق الحديث مرفوعاً كما قرأتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال: (وفيه ضعف)، لكنه صحيح موقوفاً على ابن عمر.

كلام أهل العلم في الحديث

أما قول المصنف رحمه الله: (وفيه ضعف) فسنقف عندها قليلاً، فإن هذا الحديث قد روي عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر، فالتابعي الذي روى الحديث عن الصحابي هو زيد بن أسلم، رواه عن ابن عمر .

ومن ثم اختلف الرواة عن زيد بن أسلم انتبهوا لهذا، اختلف الرواة عن زيد بن أسلم، فرواه أبناء زيد بن أسلم وهم ثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بن زيد، أسامة بن زيد بن أسلم تابعي، عبد الله وعبد الرحمن -أو من أتباع التابعين لكن أظنه من التابعين-

عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بنو زيد بن أسلم، رووا الحديث عن أبيهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فـالبيهقي مثلاً قال: عن عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بني زيد بن أسلم عن أبيهم عن ابن عمر : أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أحلت لنا ميتتان ودمان )، وهذا يسمى -كما سبق مراراً- قولهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى ماذا؟ موقوف؟ كذا؟ أجيبوا! نعم.

مداخلة: مرفوع.

الشيخ: مرفوع، يسمى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأولاد زيد بن أسلم هؤلاء الثلاثة ضعفاء، أولاده ضعفاء، حتى قال الإمام أحمد عن عبد الرحمن : حديثه منكر. وإن كان الإمام أحمد وثق عبد الله، لكن أكثر أهل العلم على تضعيف الثلاثة، ونتركها مجملة حتى لا يختلط عليكم الأمر، فأكثر أهل العلم على تضعيف الثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة أولاد زيد بن أسلم .

ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر من قوله هو، لا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسليمان بن بلال ثقة ... أبو زرعة وغيرهم من أهل العلم؛ ابن حجر وابن القيم رحمه الله أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر، يعني الذي يقول: (أحلت لنا ميتتان ودمان) من هو؟ هو ابن عمر رضي الله عنه، ولكن هذا الحديث وإن كان موقوفاً، إلا أن له حكم المرفوع، كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره، له حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال: أحل لنا أو حرم علينا، فالتحليل والتحريم ينصرف إلى من؟ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان الصحابة يتلقون عنه التحليل والتحريم، ولذلك يقولون في مثل هذا الحديث: هذا الحديث وإن كان موقوفاً إلا أنه في حكم المرفوع، له حكم الرفع، فكأن ابن عمر رضي الله عنه يقول: أحل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتتين ودمين: الكبد والطحال، والجراد والحوت.

و القول بأن الحديث موقوف -كما سبق- هو رأي كثير من أهل العلم كـأبي زرعة والحاكم والدارقطني والبيهقي وابن حجر وابن القيم وغيرهم، يصححون الموقوف لضعف أولاد زيد بن أسلم .

ولذلك فقول المصنف رحمه الله: (وفيه ضعف) يعني ماذا الذي فيه ضعف؟ ما هو الذي فيه ضعف؟

نعم يا أخ عبد الكريم !

مداخلة: ...

الشيخ: يعني الحديث الذي ساقه المصنف، نعم لأن المصنف ساق الحديث مرفوعاً كما قرأتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال: (وفيه ضعف)، لكنه صحيح موقوفاً على ابن عمر .

فوائد الحديث

ولذلك فلا بد من أخذ الفائدة أو الفوائد الموجودة في هذا الحديث ما دام صح عن ابن عمر، وما دام في حكم المرفوع.

فالفائدة الأولى، أو المسألة التي ساق المصنف الحديث من أجلها هي: بيان أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت.

ما معنى هذه الكلمة؟

أولاً: ما معنى كون الشيء ليس له نفس سائلة؟

النفس هي الدم كما ذكره ابن قدامة وغيره من أهل العلم، المقصود بالنفس هي: الدم.

إذاً حين يقال: ما لا نفس له سائلة، يعني ما ليس له دم يسيل، والعرب يطلقون النفس على الدم كما هو موجود في أشعارهم، فما لا نفس له سائلة من الحشرات وغيرها لا ينجس بالموت كالجراد مثلاً، وكذلك الحوت كما في هذا الحديث، ومثله سائر الحشرات كالذباب والصرصار وغيرها، الخنافس، الجعلان وسواها، فكل شيء ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس بالموت، وإذا كان لا ينجس بالموت فلو افترض أنه مات في ماء، نفترض ماء مات فيه شيء من هذه الحشرات التي لا تنجس بالموت، فما حكم هذا الماء؟

نقول: ليس بنجس.. طهور، لا ينجس بهذا الشيء، وهذه هي المناسبة التي ساق المصنف الحديث من أجلها؛ لأن الحديث الآن في أي باب؟

في باب المياه، فكأن هذا إشارة إلى أن الماء لو سقط فيه شيء مما لا نفس له سائلة ومات فيه فإنه لا ينجس بذلك.

ودلالة الحديث على هذا الأمر من أي وجه؟ كيف استدللنا بالحديث على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت؟ لأنه قال: (أحلت لنا) يعني: أحل أكلها، وما جاز أكله فهو طاهر، أو نعكس القاعدة فنقول: كل نجس فأكله حرام بلا استثناء إلا في حالة الضرورة، فكل أمر نجس يحرم أكله، ولو لم يرد نص خاص به إلا في حالة الضرورة.

وعكس القاعدة أيضاً: أن ما جاز أكله فهو طاهر، فما دام الرسول صلى الله عليه وسلم أحل لنا الجراد والحوت دل هذا على أنها طاهرة وأن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، هذا وجه دلالة الحديث على المسألة.

وهل في هذه المسالة خلاف؟ فيها خلاف يسير فأكثر أهل العلم على القول السابق، أنها لا تنجس بالموت، ولا تنجس الماء إذا وقعت فيه، حتى قال ابن المنذر رحمه الله: لا أعلم فيه خلافاً بين أهل العلم إلا ما يذكر من أحد قولي الشافعي، أي أن الشافعي في أحد قوليه يذهب إلى نجاستها بالموت.

وقال ابن القيم رحمه الله: لا يعرف في السلف مخالف في ذلك، يعني: في طهارة ما لا نفس له سائلة إذا مات، وأنه لا ينجس بالموت.

إذاً: هذه المسألة الخلاف فيها هو قول للشافعي رحمه الله، وحتى على القول بأنها نجسة عند الشافعي في أحد قوليه، فكثير من فقهاء الشافعية يعتمدون أنها لا تنجس الماء بوقوعها فيه إذا كانت مما يكثر وقوعها في الماء وتعم البلوى بها، فيخففون في ذلك تيسيراً على الناس.

فالخلاصة: أن هذه المسألة خالف فيها الإمام الشافعي في أحد قوليه.

والرأي الصحيح هو الأول، أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت.

وهناك مسألة متفرعة عن هذه المسألة وهي: أن هناك بعض الحشرات التي ليس لها نفس سائلة تكون متولدة أصلاً من النجاسة مثل ماذا؟ مثل الصراصير، فهل حكم الصراصير حكم غيرها مما لا نفس لها سائلة، أم لها حكم خاص؟

أيضاً القول الذي عليه كثير من أهل العلم أن حكمها حكم غيرها مما لا نفس له سائلة وأنها طاهرة، وحين يقال: طاهرة يجب أن يعرف أنها بذاتها طاهرة، أما كونها لامست نجاسة فكل شيء لامس نجاسة ثم وقع فالنجاسة نجسة، إنما المقصود الشيء بذاته.

فكثير من أهل العلم يذهبون إلى أن المتولد من النجاسة مما لا نفس له سائلة طاهر أيضاً كالصراصير، وحجتهم في هذا نفس الأدلة السابقة، وأن هذا هو الأصل، فإن الأصل في الأعيان الطهارة أو النجاسة؟

جميع الأعيان الأصل فيها الطهارة، وكذلك يقولون بأن النجاسة تزول بالاستحالة كما سبق في المسألة في أول الدرس، فلو افترض مثلاً أن هناك زرعاً سقي بماء نجس هل يكون هذا الزرع نجساً؟ لا، وكذلك مثل الصرصار الذي تولد من نجاسة هو طاهر، وإن كانت النجاسة التي كان منها في أصله لا شك معروف أنها نجسة.

الشيخ: وكذلك المني عند من يقول بأنه نجس، جزاك الله خير.

نكمل المسألة حتى تنتهي منها ولا نعود إليها، فأيضاً مسألة المتولد من النجاسة مما لا نفس له سائلة سبق أن أكثر أهل العلم على أنه طاهر، وهناك رواية في مذهب الإمام أحمد على أنه نجس، والقول الأول أقوى لعموم الأدلة وكون هذا مما لا نفس له سائلة فحكمها واحد؛ ولأن الأصل في الأعيان الطهارة وليس النجاسة والقائل بالنجاسة يلزمه الدليل، ولأن الاستحالة تغير النجاسة كما سبق، ومن ذلك أن كثيراً منهم يقولون بنجاسة المني، ومع ذلك فهم مجمعون على طهارة المسلم، مع أن الإنسان أصله من هذا الماء. فهذا يدل على أنها ليست بنجسة، والله أعلم.

والحديث فيه فوائد أخرى نؤجلها إن شاء الله للأسبوع القادم، بحيث نأخذ بقيتها ونأخذ معها الحديث الآخر الذي قرأتموه الآن، وحديث أبي واقد الليثي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أبين من البهيمة وهي حية فهو ميت ).

بحيث إن شاء الله في الجلسة القادمة ننتهي من الباب الأول، وهو باب المياه.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4761 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4393 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4212 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4094 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4045 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4019 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3972 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3916 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3898 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3877 استماع