خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - مقدمة
الحلقة مفرغة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19].
أما بعد:
فإن دراسة علم الحديث النبوي من خير ما بُذلت فيه الأوقات, وأفنيت فيه الساعات؛ وذلك لما للسنة النبوية من أهمية عظمى في بناء الإسلام, فهي مصدر من مصادر التشريع, مستقل بذاته؛ إذ إن كثيراً من الأحكام الشرعية، سواءً الأحكام المتعلقة بالعقائد، أو المتعلقة بالأمور العملية، لا يمكن معرفتها إلا عن طريق السنة النبوية . فهي مصدر للتشريع مستقل بذاته, وهي أيضاً شارحة للقرآن, وموضحة له, ومبينة لمجمله، ولذلك لما جاء بعض الذين ينكرون سنة النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الخوارج إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وسألوه عن السنة, وكيف نقول بأن السنة حجة ودليل قائم بنفسه؟ قال لهذا السائل: [ أرأيت قول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] هل تجد في القرآن أن صلاة الظهر أربع، وأن صلاة العصر أربع, وأن صلاة المغرب ثلاث, وأن صلاة العشاء أربع, وأن صلاة الفجر ركعتان؟ قال: لا. قال: أرأيت قول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] هل تجد في القرآن الكريم أنصباء الزكاة ومقدار ما يؤخذ من الزكاة؟ قال: لا. قال: إنك لم تكن لتعرف ذلك إلا عن طريق سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له: شفيتني شفاك الله ]. وقد أشار الإمام أحمد رحمه الله فيما ينسب إليه من أهمية السنة النبوية في الشريعة, فكان رحمة الله عليه كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات, يقول:
دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى الآثار
لا ترغبن عن الحديث وآلـه فالرأي ليل والحديث نهار
يشبه رحمه الله الذي يعبد ربه بناءً على الرأي والعقل المجرد كأنه في ظلمة, وأن الحديث المعزو إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو النهار أو الشمس التي تزيل هذه الظلمة.
ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس طالعة لها أنوار
فالإنسان قد يضيع طريقه في وضح النهار، فالشمس إذا طلعت لا يضيرها ألا يراها الأعمى أو الأعشى, وهكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما دامت محفوظة مضبوطة، لا يضيرها أن يترك بعض الناس العمل بها, أو يهملوها أو يقدموا عليها أقوال الرجال وآرائهم.
وكان الإمام أحمد رحمه الله يمشي يوماً من الأيام في طريق فرأى مجموعة من الطلاب يتدارسون حديث النبي صلى الله عليه وسلم, فقال عليه رحمة الله: إني لأحسب هؤلاء من الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ). فجعل الإمام أحمد رحمه الله الذي يشتغل بطلب الحديث والسنة ويتعلمها، لا ليفاخر بها وإنما ليعمل بها ويدعو إليها ويجتهد في الصبر عليها، جعل هؤلاء من الطائفة المنصورة التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال باقية في هذه الأمة إلى قيام الساعة, وأقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر الناس معرفة بحياته صلى الله عليه وسلم وبأقواله وأفعاله وأخلاقه هم أهل الحديث المشتغلون به؛ وذلك لأنهم وإن لم يصحبوه في حياته عليه الصلاة والسلام, إلا أنهم صحبوا سنته بعد وفاته, ولذلك يقول القائل:
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
فهم وإن لم يصاحبوه في حياته عليه الصلاة والسلام إلا أنهم صاحبوا سنته بعد وفاته.
ومعرفة السنة هي التي تجعل الإنسان يرد الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ويأتمر بقوله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. فإن الرد إلى الله تبارك وتعالى هو الرد إلى القرآن، أما الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو في حياته الرد إلى شخصه عليه الصلاة والسلام، أما بعد وفاته فهو الرد إلى سنته المحفوظة .
لذلك فإننا في هذه الحلقة الأسبوعية في يوم الإثنين ليلة الثلاثاء بعد صلاة المغرب من كل أسبوع إن شاء الله سوف نتعاون جميعاً في دراسة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم, وقد اخترت كتاباً لنقرأه ونقف عند معانيه, وهو كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني .
وسبب اختياري لهذا الكتاب لأنه في أحاديث الأحكام, فهو يجمع الأحاديث التي يستشهد بها الفقهاء رحمهم الله. ويتكلم على هذه الأحاديث من عدة جوانب, فبعدما يذكر متن الحديث يذكر من خرج الحديث من الأئمة, ثم يتكلم على من صححه أيضاً, وقد يتكلم على إسناده ورجاله, وما قد يكون فيه من العلل.
وقد رتب الحافظ كتابه هذا على حسب أبواب الفقه, بدءاً بكتاب الطهارة وأبواب المياه, وسار على هذه الطريقة, وهي طريقة الترتيب حسب الأبواب الفقهية.
في هذه الجلسة باعتبارها أول حلقة سأتحدث فيها عن بعض المقدمات التي لابد منها في هذا الموضوع، والمقدمة الأولى: هي الحديث عن بعض مصطلحات المؤلف في هذا الكتاب، فإنه رحمه الله يستعمل كغيره من أهل العلم مصطلحات تحتاج إلى أن يعرفها الطالب, وهي تمر معنا كثيراً, فلابد من معرفتها:
مصطلح (متفق عليه)
الجواب: المتفق عليه هو ما رواه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد. أما لو اختلف الصحابي كأن يكون المتن واحداً ولكنه في البخاري من طريق أبي هريرة مثلاً، وفي مسلم من طريق عبد الله بن عمر، فهو حينئذٍ لا يسمى متفقاً عليه .
مصطلح (رواه الأربعة)
الجواب: مقصوده بالأربعة: أصحاب السنن الأربع, وهم أربعة أئمة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
مصطلح (رواه الخمسة)
الجواب: مقصوده بالخمسة: أصحاب السنن الأربع مضاف إليهم: الإمام أحمد في مسنده.
مصطلح (رواه الستة)
الجواب: المقصود بالستة: أصحاب السنن الأربع مع البخاري ومسلم , وقد يعبر عن الستة بـ(رواه الجماعة), فيكون المقصود بالجماعة البخاري ومسلماً وأبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
مصطلح (رواه السبعة)
الجواب: المقصود بالسبعة هم الستة الذين سبقوا مع الإمام أحمد في مسنده.
مصطلح (رواه الثلاثة)
الجواب: هم أصحاب السنن ما عدا الأخير منهم, وهو ابن ماجه .
فالثلاثة إذاً: أبو داود والترمذي والنسائي .
وهذه المصطلحات بعضها عام لدى ابن حجر رحمه الله وغيره من العلماء, وبعضها قد يكون اصطلاحاً خاصاً به, والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح, فالعالم له أن يصطلح كيف شاء, شريطة أن يبين طريقته في الاصطلاح في مقدمة الكتاب؛ لئلا يلتبس ذلك على الناس, وهذا ما صنعه الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة كتابه.
أما إذا كان الحديث في مصادر أخرى غير ما سبق كـالبيهقي في سننه أو ابن خزيمة في صحيحه أو ابن حبان في صحيحه أو الطبراني في معجمه أو مالك في موطئه أو الشافعي أو غيرهم فإنه حينئذٍ يشير إليهم, ويذكرهم تصريحاً, فقد يقول عن حديث ما: رواه الثلاثة وابن خزيمة , أو رواه الثلاثة والطبراني أو غير ذلك, فمن عدا هؤلاء الذين ورد النص على اصطلاحه بشأنهم فإنه يذكرهم تصريحاً.
هذه هي المقدمة الأولى التي لابد من معرفتها قبل الدخول في الكتاب.
من المصطلحات التي يستعملها: قوله في الحديث: (هذا حديث متفق عليه) فما معنى قوله رحمه الله: (متفق عليه)؟
الجواب: المتفق عليه هو ما رواه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد. أما لو اختلف الصحابي كأن يكون المتن واحداً ولكنه في البخاري من طريق أبي هريرة مثلاً، وفي مسلم من طريق عبد الله بن عمر، فهو حينئذٍ لا يسمى متفقاً عليه .
من المصطلحات التي يستعملها المصنف أنه قد يقول: (أخرجه) أو (رواه الخمسة), فما مقصوده بالخمسة؟
الجواب: مقصوده بالخمسة: أصحاب السنن الأربع مضاف إليهم: الإمام أحمد في مسنده.
وقد يقول: (رواه السبعة). فما مقصوده بالسبعة؟
الجواب: المقصود بالسبعة هم الستة الذين سبقوا مع الإمام أحمد في مسنده.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4761 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4393 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4212 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4094 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4045 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4019 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3972 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3916 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3898 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3877 استماع |