نداء الفطرة بين الرجل والمرأة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرج به إلى السماء جاءه جبريل عليه السلام بإناءين: في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل له: اختر أحدهما، فأخذ صلى الله عليه وسلم الإناء الذي فيه اللبن فشربه، فقال له جبريل عليه السلام: هُديت الفطرة}وفي لفظ: {أصبت! أصاب الله بك، أمتك على الفطرة} وهذا الحديث العظيم المتفق عليه هو حديثنا في هذه الليلة.

فوائد من الحديث

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاث فوائد عظيمة:

الفائدة الأولى: أن الإنسان مفطور على أشياء كثيرة، خُلق عليها وجبل عليها، وهي ما تسمى بـ"الفطرة".

والفطرة: هي ما جُبل الإنسان عليه في أصل الخلقة من الأشياء الظاهرة والباطنة، تلك الأشياء التي هي من مُقتضى الإنسانية، والتي يكون الإخلال بها أو مخالفتها خروجًا عن الإنسانية، إما خروجاً كلياً أو خروجاً جزئياً. هذه هي الفطرة على أصح أقوال أهل العلم.

وهذا هو المعنى الذي اختاره عدد من العلماء : كـابن دقيق العيد، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم.

الفائدة الثانية: أن الإسلام بل الرسالات السماوية كلها جاءت موافقةً للفطرة، ومؤيدةً لها، ومنطلقةً منها؛ ولذلك كان الإسلام دين الفطرة، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِينُ القَيّم [الروم:30] وهكذا الرسالات السماوية الأخرى كلها جاءت موافقة للفطرة في الظاهر وفي الباطن.

الفائدة الثالثة: إن هناك وسائل ومناهج أخرى يمكن أن يسلكها الإنسان وهي معارضة للفطرة ومخالفة لها؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أُتي بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر.

فالإناء الذي فيه اللبن: هو رمزٌ لإشباع الفطرة وتوجيهها بالطريقة الصحيحة التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.

والإناء الآخر فيه خمر، وهو إشارة أو رمز إلى من يوجهون الفطرة توجيهاً منحرفاً، ويستغلون هذه الأشياء التي جبل عليها الإنسان استغلالاً سيئاً.

ولذلك سيكون حديثي في هذه الليلة في ثلاث نقاط:

أولاهـا: ذكر الفطرة، والأشياء التي فُطر عليها الإنسان.

والثانيـة: هي ذكر موقف الإسلام من الفطرة.

والثالثـة: هي ذكر موقف الجاهلية أو المناهج المنحرفة من هذه الفطرة.

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاث فوائد عظيمة:

الفائدة الأولى: أن الإنسان مفطور على أشياء كثيرة، خُلق عليها وجبل عليها، وهي ما تسمى بـ"الفطرة".

والفطرة: هي ما جُبل الإنسان عليه في أصل الخلقة من الأشياء الظاهرة والباطنة، تلك الأشياء التي هي من مُقتضى الإنسانية، والتي يكون الإخلال بها أو مخالفتها خروجًا عن الإنسانية، إما خروجاً كلياً أو خروجاً جزئياً. هذه هي الفطرة على أصح أقوال أهل العلم.

وهذا هو المعنى الذي اختاره عدد من العلماء : كـابن دقيق العيد، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم.

الفائدة الثانية: أن الإسلام بل الرسالات السماوية كلها جاءت موافقةً للفطرة، ومؤيدةً لها، ومنطلقةً منها؛ ولذلك كان الإسلام دين الفطرة، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِينُ القَيّم [الروم:30] وهكذا الرسالات السماوية الأخرى كلها جاءت موافقة للفطرة في الظاهر وفي الباطن.

الفائدة الثالثة: إن هناك وسائل ومناهج أخرى يمكن أن يسلكها الإنسان وهي معارضة للفطرة ومخالفة لها؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أُتي بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر.

فالإناء الذي فيه اللبن: هو رمزٌ لإشباع الفطرة وتوجيهها بالطريقة الصحيحة التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.

والإناء الآخر فيه خمر، وهو إشارة أو رمز إلى من يوجهون الفطرة توجيهاً منحرفاً، ويستغلون هذه الأشياء التي جبل عليها الإنسان استغلالاً سيئاً.

ولذلك سيكون حديثي في هذه الليلة في ثلاث نقاط:

أولاهـا: ذكر الفطرة، والأشياء التي فُطر عليها الإنسان.

والثانيـة: هي ذكر موقف الإسلام من الفطرة.

والثالثـة: هي ذكر موقف الجاهلية أو المناهج المنحرفة من هذه الفطرة.

فمن المعلوم أن الإنسان مفطورٌ على أشياء كثيرة:

فالإنسان مفطورٌ على حب الحياة، والتعلق بالبقاء؛ ولذلك تجد أن الطفل -مثلاً- وهو صبي صغير، لو هددته بأن تسقطه من فوق جدار أو في بئر، أو ترمي به من سيارة؛ فإنه يرتعد ويبكي خوفًا من الموت والفناء، وهذه فطرة لا يحتاج الطفل إلى أن يتعلمها؛ بل هي مخلوقة معه.

ولذلك: تجدون أيضاً أن الصحف والإحصائيات في كثيرٍ من الأحيان تتحدث عن نسبة الانتحار في العالم، وأن نسبة الانتحار مثلاً، في أمريكا كذا، ونسبة الانتحار في بريطانيا كذا، ونسبة الانتحار في روسيا كذا، وأن أعلى نسبة للانتحار هي في البلد الفلاني.

ويعتبرون الانتحار مسألة شاذة، بغض النظر عن أضرارها أو آثارها، فهم ينظرون إليها على أنها مسألة شاذة وتدل على انحراف في تربية هذا المجتمع، ولو كان أي مجتمع، لماذا؟

لأن حب البقاء وحب الحياة، أمرٌ فطري غريزي مركب في أصل طبيعة الإنسان.

فمن الفطرة: أن الإنسان يحب الحياة.

ومن الفطرة: أن الإنسان يحب الوطن، يحب الأرض التي نشأ فيها بطبيعته.

ومن الفطرة: أن الإنسان الذكر يميل إلى الأنثى أي يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل.

ومن الفطرة: أن الإنسان يحب الولد.

ومن الفطرة: أن الإنسان يحب المال.

ومن الفطرة: أن الإنسان يميل إلى العبودية.

فالإنسان -بطبيعته- ضعيف يحتاج إلى أن يُكّمل ضعفه، أو يتوجه بضعفه إلى شيئٍ يعبده؛ أيَّاً كان هذا المعبود، سواء كان بحق أم بباطل لكن الإنسان مفطور على العبودية.

من الفطرة: أن الإنسان يميل إلى التستر، وألا ينكشف أو يتّعرى أمام الناس؛ ولذلك فالعلماء الذين يتحدثون عن المجتمعات القديمة، ويتكلمون عن مجتمع الغابة؛ يصفونه بأنه مجتمع متعرٍ، متهتك، ليس فيه حجاب ولا لباس، فقضية التستر هي قضية فطرية غريزية مركبة مع الإنسان.

والطفل - منذ صغره - تجد أنه يحس شيئًا فشيئًا بالخجل من ظهور سوءته أو عورته أمام الآخرين.

وهكذا تجد أن هناك أشياء كثيرة جداً الإنسان مفطور عليها، صحيح أنها تنمو مع نمو الإنسان، ومع تربيته، ومع معايشته للمجتمع؛ لكن هذه الأشياء موجودة في أصل الإنسان حتى لو لم يوجد شيءٌ يُنمي هذه الأمور، ولا شيء يعارضها ويدمرها فإذا نشأ الإنسان، نشأ عليها، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة} والحديث -أيضاً- متفق عليه، وفي لفظ: {ما من مولود إلا يولد على الفطرة}.

إذا كان من البدهيات في حس كل مسلم ومسلمة أن خالق هذه الفطرة هو مُنَـزِّل الأديان، هو مُنَـزِّل القرآن، وهو الله تعالى؛ فمن الطبيعي أن نعلم يقينًا: أن هذا الدين وهذا القرآن لابد أن يكون موافقًا للفطرة؛ لأن خالق الإنسان هو منـزل القرآن، فيستحيل أن يكون في دين الله، أو شـرعه أمرٌ يعارض هذه الفطرة أو يخالفها؛ ولذلك قال الله عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فالخالق سبحانه هو أعلم بمن خلق؛ ولذلك أنـزل الأديان الملائمة لهذه الفطرة التي فطر عليها الإنسان... فما أنـزل الدين للملائكة -مثلاً- ولا نـزل الدين للشياطين! وإنما نـزل للإنسان... فكان الدين يعالج قضية الفطرة معالجة صحيحة.

والكلام في هذه النقطة يمكن أن يلخص في عدة أمور:

إقرار الدين للفطرة

الأمر الأول: أن الدين جاء مقراً بالفطرة معترفاً بوجودها، وإقرار الدين بالفطرة هو أمرٌ طبعي، ولكن يؤكد لنا ما عرفه الناس وعلموه من واقع الحياة.

فمثلاً:- حب الحياة الذي هو فطرة مركوزة عند الإنسان، جاء في القرآن ما يدل على ذلك، يقول الله عز وجل عن اليهود: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:196] تأمل قوله تعالى: (أَحْرَصَ) واحرص كما يقول علماء اللغة أفعل تفضيل، أي: أشد الناس حرصاً فكأن معنى الآية أن الله عز وجل يقول: إن اليهود أشد الناس حرصاً على الحياة.. معنى ذلك: أن الناس كلهم حريصون على الحياة، لكن اليهود هم أشد الناس حرصاً.

فمن هذه الآية عرفنا أن الإسلام يبين أن غريزة حب البقاء فعلاً غريزة فطر الإنسان عليها.

مثلاً:- غريزة حب الزوجة، حب المال، وحب الولد جاء الدين مقراً لذلك، قال الله عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14].

وهذا السياق لا يدل على مدح ولا ذم؛ إنما إشارة إلى أن هذه الأشياء عبارة عن فطرة فُطر عليها الإنسان، وغريزة رُكِّبت فيه، ويأتي بعد ذلك ذكر: متى تكون هذه الأشياء محمودة؟ ومتى تكون مذمومة؟ المهم أن هذه الأشياء أمور من حيث الأصل لا يلام عليها الإنسان.

انظر أيضاً إلى قوله الله عزوجل في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:29-30] ثم عقب على هذا السياق بقوله: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] ليتأمل الإنسان قوله تعالى : فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] يجد أشياء عجيبة فعلاً! فإنهم غير ملومين لا يلامون على هذا الأمر، فالقضية من حيث الأصل ليست قضية يحمد أو يذم عليها؛ إنما الإنسان لا يلام فيها.

قد يكون في قضية الزواج والنكاح أمور قد يستقذرها الإنسان لو تأمل فيها بطبيعته، خاصةً الإنسان الذي فيه سمو وترقّ، وكمال وحياء، قد يستقذر قضايا من قضايا النكاح والزواج، ولذلك جاء النص القرآني: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] أي: أن هذه قضية خارجة عن إرادة الإنسان، فالله عز وجل ركبها في الإنسان. حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم كغيرهم في هذا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، كما قال تعالى في الآية الأخرى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] فالقضية قضية فطرة.

ومن الطريف ما رواه أهل السير ورواه أيضاً النسائي في سننه -وهو في سنن ابن ماجة -عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها، وكان زوجها مصعب بن عمير رضي الله عنه: {فقُتل مصعب في أحد شهيداً في سبيل الله وقتل أخوها عبد الله بن جحش شهيداً أيضاً، فقيل لـحمنة: قُتل أخوك، عبد الله بن جحش، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل لها: قُتل زوجك مصعب بن عمير، فبكت وولولت وقالت: واحزناه!، هذا الموقف يدل فعلاً على مكانة الزوج عند زوجته، والعكس بالعكس، وأن القضية في الأصل قضية فطرية، وعقب الرسول عليه الصلاة والسلام، كما تقول هذه الرواية بقوله: {إن للرجل لشعبة لدى المرأة ليست لأحد} مكانة الرجل عند المرأة في أصل الفطرة ليست لأحدٍ غيره.

وهكذا تجد أن الدين جاء مقراً بهذه الفطرة، معترفاً بوجودها، لا ينكرها، وهذا أمر طبعي -كما ذكرت- لأنه يستحيل أن يأتي الدين مخبراً بخلاف الواقع... فما دام الإنسان مفطوراً على أشياء معينة؛ فلا بد أن يكون الدين -حين يأتي- مقراً بهذه الأشياء، معترفاً بها.. هذا الأمر الأول، في موقف الإسلام من الفطرة.

موافقة الدين للفطرة

وجاء الدين موافقًا لهذه الفطرة، فشرع الزواج الذي يلبي فطرةً غريزيةً عند الإنسان، وهي إشباع لا أقول الغريزة الجنسية فحسب؛ بل إشباع الظمأ العاطفي الموجود عند الرجل تجاه المرأة، والموجود عند المرأة تجاه الرجل، والذي إن لم يشبع بالحلال أشبع بالحرام.

وجاء الدين آذناً بالكسب الحلال -مثلاً- وشرع تشريعات كثيرة، موافقة لهذه الفطرة، ولا يمكن -وهذه قاعدة لا يختلف فيها اثنان، لا يمكن- أن يوجد في الدين أي تشريع مخالف لفطرة فُطِِرَ عليها الإنسان، وإذا سبق إلى وهمك أو ظنك، أن هناك أمراً من أمور الشرع مخالفاً للفطرة؛ فيجب أن تعلم أن الحالة حينئذٍ لا تخلو إما أن يكون هذا الأمر غير مشروع... ولكن الناس توهموا أنه مشروع، وهناك أشياء كثيرة ينسبها الناس إلى الدين جهلاً منهم، وفي الواقع أنها ليست من الدين، وحينئذٍ هذه الأشياء يمكن أن تكون مخالفة للفطرة في بعض الأحيان.

وإما أن يكون هذا الأمر من الدين فعلاً، ولكنك توهمت أنه مخالف للفطرة، والواقع أنه موافق للفطرة، ومخالفته للفطرة وهمٌ عندك.

والاحتمال الثاني: أن يوجد أمر مشروع فعلاً، ومخالف للفطرة، فهذا مستحيل! فالدين جاء موافقاً للفطرة.

تنظيم الدين للفطرة

أن الدين جاء منظماً للفطرة أي: شرع لها الطرق المشروعة التي تلبي هذه الفطرة وتوافقها؛ فشرع مثلاً طرق الكسب الحلال؛ ليستغني بها الإنسان عن طرق الكسب الحرام.

ولذلك جمع الله تعالى بينهما، فقال: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] أي: أن أمام الفطرة كما سبق طريقان للإشباع:

الطريق الحلال.. والطريق الحرام.. فالإسلام فتح طريق الحلال ونظّّمه لإشباع الفطرة، وأغلق الطريق الحرام؛ فأحّل الله البيع وحرّم الربا، فالإنسان يُلَبِّي الرغبة في التملك، والتي هي رغبة فطرية وغريزة موجودة حتى لدى الأطفال، يلبيها عن طريق الكسب الحلال، وليس عن طريق الربا المحرم.

وكذلك أحل الإسلام الزواج؛ بل أمر الإسلام بالزواج، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج}.

فأمر الإسلام بالزواج؛ ولذلك كان الزواج على المستطيع الذي يشعر بالحاجة إليه واجباً على الصحيح من أقوال أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج } فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

وفي مقابل ذلك: حرّم الزنا، وهكذا أباح الإسلام الطريق الحلال وحرم الطريق الآخر.

تزكية الدين للفطرة

إن الإسلام لم يكتفِ بالاعتراف بالفطرة فقط، ولا بالموافقة لها فحسب، ولا بتنظيمها؛ بل أضاف إلى ذلك كله، الأمر الرابع، وهو تزكية الدين للفطرة.

انظر إلى قوله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24].

لقد اعترف الإسلام بأن الإنسان بطبعه قد يحب ولده، أو زوجه، أو ماله، أو مسكنه، أو وطنه.. أو غير ذلك.

لكن أن يصل ذلك إلى حد أن يفضل الإنسان هذه الأشياء على حب الله ورسوله، وجهاد في سبيله؛ فهو حينئذ إنسان فاسق يتوعده الله عزوجل بالوعيد الشديد :فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ]التوبة:24]

ولما ذكر الله تزيين الشهوات للإنسان: من النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ عقَّب بقوله: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ [آل عمران:14-15].

إذاً: هذه الفطرة يجب أن توجه في الطريق الصحيح، ويجب أن تُزكّى بحيث تكون دافعاً إلى الخير، مصروفةً في سبيل الله، وألا تحول بين الإنسان وبين مرضاة الله عز وجل، وبين الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.

انظر أيها المسلم إلى المسلمين الأوائل الذين صنعهم الإسلام! وكيف كان موقفهم وتعاملهم مع هذه الأشياء التي فطروا عليها!!

فطروا على حُب الحياة كغيرهم من البشر! ولكنهم كانوا يبذلون أرواحهم رخيصة في سبيل الله عز وجل، وكان الواحد منهم يحمل روحه على راحته، ويُلقي بها في مهاوي الردى، مقاتلاً في سبيل الله عز وجل! يفرح بالموت في سبيل الله ويسعى إليه! كما يفرح أهل الدنيا وأهل الحياة بالبقاء والسلامة!!

ولعلّ من أبلغ من يصور مواقفهم تلك: الشاعر.. والشعر عند العرب هو المترجم عن حقائق ما في نفوسهم؛ فهو ديوانهم، وسجل حياتهم..

يقولالطرماح بن حكيم، معبراً عن حبه أن يقتل في سبيل الله، وأن يلقى الموت شهيداً في ميدان المعارك، يقول:

وإني لمقتادٌ جـوادي فقـاذف     به وبنفسي العامَ إحدى المقاذف

فيا ربِّ إن حانت وفاتي فلا تكن     على شَرْجعٍ يُعلى بخُضْرِ المَطارفِ

ولكن أحن يومي سعيدًا بعصبـةٍ     يصابون في فجٍّ من الأرض خائفِ

يسأل الله أن يكون موته موت شهادة على عصابة من المؤمنين يصابون ويقتلون في فج من فجاج الأرض:

عصائب من شيبان ألَّف بينهـم     تُقى الله، نـزَّالون عند التزاحـف

إذا فارقوا دنياهُمُ فارقـوا الأذى     وصاروا إلى موعود ما في المصاحف

يفارقون الدنيا فيفارقون ما فيها من الأذى والحياة لا بد فيها من الأذى، فيفارقون هذا الأذى ويصيرون إلى موعود ما في القرآن الكريم.

فأُقتل قعصًا ثم يُرمى بأعظمـي     كضغث الخلا بين الرياح العواصفِ
ويصبح قبري بطن نسرٍ مقيلـه بجو السماء، في نسورٍ عواكفِ

أي إن المـوت في سبيـل الله مع هذه العصـابة من فوارس بني شيبان الشجعان المغاوير، ممن تحابوا في ذات الله وألَّف بينهم تقى الله هو أقصى ما يتمناه؛ إذ هذه الميتة تعني مفارقة هذه الدنيا المليئة بالأذى والكدر، وتعني الوصول

إلى جنات الله التي وعدها المتقين والشهداء، ولا يضير الشهيد أن يُقتل قتلاً سريعًا، ثم تُرمى عظامه في الصحراء لتتنازعها تلك النسور العواكف العوائف.

وهذا الوعد الموعود هو: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ [آل عمران:15].

فإذا كان الإنسان يحب البقاء، فلا بد له في الدنيا من الموت، وإنما البقاء الأبدي الذي لا يكدره خوف الموت، ولا يكدره حلول الأجل؛ هو البقاء في الجنة.

توجيه الدين للفطرة

وإذا كان الإنسان يحب الزوجة في هذه الدنيا، والزوجة تحب زوجها في هذه الدنيا، فإن المحبة بينهما مع ذلك يكدرها وينغصها أشياء كثيرة: من اختلاف الطبيعة بين البشر، من كون الإنسان يرى في زوجته ما لا يرضى، أو الزوجة ترى في زوجها ما لا ترضى، إلى منغصاتٍ أخرى كثيرة. وإنما اللقاء الذي فيه كمال السرور والتنعم واللذة هو في الجنة، ولذلك قال الله عز وجل: ((قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ)) [آل عمران:15]. فكلُّ ما يرغبه الإنسان في هذه الدنيا يجده في الدار الآخرة، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان يجب أن يوجه هذه الأشياء التي فُطر عليها توجيهاً سليماً، وإذا كان -أيضاً- حب الإنسان للمال أمراً فطرياً، فإن الإسلام يوجه الإنسان إلى النفقة في سبيل الله، والاستعلاء على هذا الحب للمال، بحيث أن يكون حب الله ورسوله والجهاد في سبيله أعظم في نفسه من حب المال؛ ولذلك تنفق هذا المال في سبيل الله عز وجل... وفي الحديث الصحيح: {لما أنـزل الله قوله تعالى: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ))[آل عمران:92] جاء أحد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن أحب ماله إليه -بيرحاء- وهي بئرٌ ومزارع في المدينة} كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث السابق؛ فليقدمه أمامه ليوم الحساب. وإذا كان الإنسان يحب المتعة والبقاء في قرب زوجته وأولاده، ويكره الخروج للدعوة، أو الخروج للجهاد -مثلاً- فإنك تجد أن أحد المسلمين الأوائل، وهو النابغة

، أراد أن يخرج في سبيل الله عز وجل، فأمسكت به زوجته وهي تبكي وتسائله: كيف تخرج وتتركني؟ فولى وهو يقول لها: يا بنت عمي! كتاب الله أخرجني كُرهًا وهل أمنعنّ الله ما فعلا؟ فإن رجعت فربُّ الكون يرجعني وإن لـحقت بربي فابتغـي بدلا ما كنت أعرج أو أعمى فيعذُرني أو ضارعًا من ضنىً لم يستطع حولا أي: أنا رجلٌ قادر مستطيع، أسمع نداء الجهاد، فلا يمكن أن أترك الجهاد في سبيل الله عز وجل رغبةً في البقاء إلى جوار زوجة. ومن الطريف في هذا المقام.. ما ذكره ابن إسحاق

وغيره من أهل السير عن فروة بن عمرو الجذامي

، وهو ملك عرب الروم، وكان هذا الرجل قد أسلم ودان بدين الإسلام، فَعلِمَ به الروم، فأمسكوا به وحبسوه وأرادوه على الردة عن دين الإسلام، فأبى وأصّر على دينه، فصلبوه إلى خشبه، وفوقوا إليه السهام، وهم يهددونه إن لم يرتد عن الإسلام أن يقتلوه؛ وهذا موقف صعب ولكن أصر هذا الرجل على دينه، فأبى أن يخرج منه، وكان يتمثل بأبياتٍ من الشعر في هذا الموقف، أو قال أبياتاً من الشعر في هذا الموقف. فتأمل وانظر! ما هي المشاعر التي جالت في نفسه، بطبيعة الحال أن هذا الرجل بشر، وإن كان مسلماً، فالإسلام يخاطب فطرة الإنسان -كما سبق- ولا يخرج الإنسان عن بشريته، بل يزكي هذه البشرية، ويقويها وينميها، فهذا الرجل يتذكر أولاً إخوانه المسلمين الموافقين له على الدين، فيقول: بلِّغ سـراة المسلمين بأنـني سـلمٌ لربي أعظـمي ومقامي ومعنى سراه: أي كبراء المسملين وهأنا الآن أموت مسلمًا لله، لحمي وعظمي، وعصبي ومخي قد خشع لله عز وجل هذا شعور عظيم عند رجل كهذا الرجل. ثم يتذكر زوجته وحب الزوجة - كما سبق- هو فطرة، فيقول: ألا هل أتى سلمى بِأن حليلهـا على ماء عفرا، فوق إحدى الرواحل هل علمت بأن الرجل الذي أحلها الله له وهو حليلها قد صلب الآن على ماء في فلسطين يقال له: ماء عفراء، فوق إحدى الرواحل وقد شبهها بالخشبة التي صلب عليها بالناقة أو الراحلة. على ناقةٍ لم يطرق الفحل أمها مشذبـةٍ أطرافـها بالمناجـل إذاً: هذه الفطرة التي فُطِر عليها الإنسان، من حب المال.. من حب الحياة.. من حب الملكية.. من حب الزوجة أو الزوج.. من حب الولد؛ جاء الإسلام معترفاً بها؛ موافقاً لها؛ مُنظماً لها؛ مزكياً لها. وكان المسلمون الأولون الذين ربَّاهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه من بعده، كانوا صورةً صحيحة لمن يسلك المسلك الصحيح، فتكون هذه الفطرة بشأنه موجهةً الوجهة الصحيحة، وليست عائقاً يحول دون الجهاد في سبيل الله، أو دون البذل، أو دون الإنفاق، أو غير ذلك من الأشياء التي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بها.

الأمر الأول: أن الدين جاء مقراً بالفطرة معترفاً بوجودها، وإقرار الدين بالفطرة هو أمرٌ طبعي، ولكن يؤكد لنا ما عرفه الناس وعلموه من واقع الحياة.

فمثلاً:- حب الحياة الذي هو فطرة مركوزة عند الإنسان، جاء في القرآن ما يدل على ذلك، يقول الله عز وجل عن اليهود: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:196] تأمل قوله تعالى: (أَحْرَصَ) واحرص كما يقول علماء اللغة أفعل تفضيل، أي: أشد الناس حرصاً فكأن معنى الآية أن الله عز وجل يقول: إن اليهود أشد الناس حرصاً على الحياة.. معنى ذلك: أن الناس كلهم حريصون على الحياة، لكن اليهود هم أشد الناس حرصاً.

فمن هذه الآية عرفنا أن الإسلام يبين أن غريزة حب البقاء فعلاً غريزة فطر الإنسان عليها.

مثلاً:- غريزة حب الزوجة، حب المال، وحب الولد جاء الدين مقراً لذلك، قال الله عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14].

وهذا السياق لا يدل على مدح ولا ذم؛ إنما إشارة إلى أن هذه الأشياء عبارة عن فطرة فُطر عليها الإنسان، وغريزة رُكِّبت فيه، ويأتي بعد ذلك ذكر: متى تكون هذه الأشياء محمودة؟ ومتى تكون مذمومة؟ المهم أن هذه الأشياء أمور من حيث الأصل لا يلام عليها الإنسان.

انظر أيضاً إلى قوله الله عزوجل في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:29-30] ثم عقب على هذا السياق بقوله: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] ليتأمل الإنسان قوله تعالى : فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] يجد أشياء عجيبة فعلاً! فإنهم غير ملومين لا يلامون على هذا الأمر، فالقضية من حيث الأصل ليست قضية يحمد أو يذم عليها؛ إنما الإنسان لا يلام فيها.

قد يكون في قضية الزواج والنكاح أمور قد يستقذرها الإنسان لو تأمل فيها بطبيعته، خاصةً الإنسان الذي فيه سمو وترقّ، وكمال وحياء، قد يستقذر قضايا من قضايا النكاح والزواج، ولذلك جاء النص القرآني: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] أي: أن هذه قضية خارجة عن إرادة الإنسان، فالله عز وجل ركبها في الإنسان. حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم كغيرهم في هذا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، كما قال تعالى في الآية الأخرى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] فالقضية قضية فطرة.

ومن الطريف ما رواه أهل السير ورواه أيضاً النسائي في سننه -وهو في سنن ابن ماجة -عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها، وكان زوجها مصعب بن عمير رضي الله عنه: {فقُتل مصعب في أحد شهيداً في سبيل الله وقتل أخوها عبد الله بن جحش شهيداً أيضاً، فقيل لـحمنة: قُتل أخوك، عبد الله بن جحش، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل لها: قُتل زوجك مصعب بن عمير، فبكت وولولت وقالت: واحزناه!، هذا الموقف يدل فعلاً على مكانة الزوج عند زوجته، والعكس بالعكس، وأن القضية في الأصل قضية فطرية، وعقب الرسول عليه الصلاة والسلام، كما تقول هذه الرواية بقوله: {إن للرجل لشعبة لدى المرأة ليست لأحد} مكانة الرجل عند المرأة في أصل الفطرة ليست لأحدٍ غيره.

وهكذا تجد أن الدين جاء مقراً بهذه الفطرة، معترفاً بوجودها، لا ينكرها، وهذا أمر طبعي -كما ذكرت- لأنه يستحيل أن يأتي الدين مخبراً بخلاف الواقع... فما دام الإنسان مفطوراً على أشياء معينة؛ فلا بد أن يكون الدين -حين يأتي- مقراً بهذه الأشياء، معترفاً بها.. هذا الأمر الأول، في موقف الإسلام من الفطرة.

وجاء الدين موافقًا لهذه الفطرة، فشرع الزواج الذي يلبي فطرةً غريزيةً عند الإنسان، وهي إشباع لا أقول الغريزة الجنسية فحسب؛ بل إشباع الظمأ العاطفي الموجود عند الرجل تجاه المرأة، والموجود عند المرأة تجاه الرجل، والذي إن لم يشبع بالحلال أشبع بالحرام.

وجاء الدين آذناً بالكسب الحلال -مثلاً- وشرع تشريعات كثيرة، موافقة لهذه الفطرة، ولا يمكن -وهذه قاعدة لا يختلف فيها اثنان، لا يمكن- أن يوجد في الدين أي تشريع مخالف لفطرة فُطِِرَ عليها الإنسان، وإذا سبق إلى وهمك أو ظنك، أن هناك أمراً من أمور الشرع مخالفاً للفطرة؛ فيجب أن تعلم أن الحالة حينئذٍ لا تخلو إما أن يكون هذا الأمر غير مشروع... ولكن الناس توهموا أنه مشروع، وهناك أشياء كثيرة ينسبها الناس إلى الدين جهلاً منهم، وفي الواقع أنها ليست من الدين، وحينئذٍ هذه الأشياء يمكن أن تكون مخالفة للفطرة في بعض الأحيان.

وإما أن يكون هذا الأمر من الدين فعلاً، ولكنك توهمت أنه مخالف للفطرة، والواقع أنه موافق للفطرة، ومخالفته للفطرة وهمٌ عندك.

والاحتمال الثاني: أن يوجد أمر مشروع فعلاً، ومخالف للفطرة، فهذا مستحيل! فالدين جاء موافقاً للفطرة.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع