تقويم الله لغزوة أحد [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى الخروج لقتال المشركين يوم أحد خارج حصون المدينة، وإنما كان يرى قتالهم من داخل الحصون؛ لعدم استعداد المسلمين إذ ذاك للقتال؛ لضعف عدتهم وقلة عددهم، ولكن شباب المؤمنين لحماسهم رأوا الخروج، فلما تكاثر رأيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل إلى رأيهم، وذلك من رحمته وحسن خلقه، وأنه لما قيل لهم ذلك، وقد دخل يغتسل ويلبس سلاحه، فخرج، قالوا: ( لعلنا استكرهناك على أمر لم تكن تريده، فقال: أجل. فقالوا: إنما لك الرأي في ذلك، فقال: ما كان لنبي إذا لبس لأمة الحرب أن يخلعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه).

خروج الجيش وترتيبه

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهة أحد في مواجهة العدو، ورتب المؤمنين: فجعل خمسين من الرماة المشاهير على الهضبة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، لينضحوا الخيل عن المدينة، وليحولوا بين جيش قريش وبين أن يدخل إلى البيوت، وكان هو في مواجهة المشركين هو وأصحابه، وكان يصفهم للقتال، وقد حضر هذه المعركة من المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل، وكان خرج معه إليها ألف وأربعمائة، لكن رجع ابن أبي بنصف الجيش (وهم من المنافقين)، رفع لهم لواءً، فقال: من لا يريد الحرب فليجلس تحت هذا اللواء، فذهب إليه نصف الجيش، وهم المنافقون، عدلوا إلى عبد الله بن أبي ابن سلول، لكن منهم من تاب بعد وحسن إسلامه، فارتفعت عنه صفة النفاق؛ لأنها من الصفات التي تمكن التوبة منها، ومنهم من استمر على نفاقه، نسأل الله السلامة والعافية؛ كـعبد الله بن أبي ومن معه.

غلبة المؤمنين وانتصارهم في أول الأمر

فلما واجه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين كانت هذه المعركة تأخذ ألوانًا شتى، ففي أول الأمر كانت الغلبة للمؤمنين، وحقق الله لهم وعده الذي وعدهم، فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر، فقال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ[الحج:40]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد:7].

وقد وعدهم بالغلبة على المشركين، فقال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[المجادلة:21].

المخالفات الشرعية التي أدت إلى تحول المعركة

فكانت الغلبة في بداية الأمر للمؤمنين، ثم بعد ذلك حصل منهم مخالفات شرعية أدت إلى تحول الموقف وانقلاب الريح، فمنها:

عصيان الرماة لأمر أميرهم، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تركوا موقعهم، ودخلوا في الناس يجمعون الغنائم.

ومن ذلك أيضًا: أن بعض الغازين كانوا يريدون الدنيا، فهم يقاتلون من أجل الغنائم، وإن كان عدد أولئك قليلًا يسيرًا.

ومن ذلك أيضًا: أن بعض المؤمنين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم للقتال، فانهزموا عنه، فلم يكونوا يستمعون إليه، فانقلبت الدائرة، وقتل عدد كبير من المؤمنين، وهم أربعة وسبعون رجلًا، وجرح عدد كثير منهم، وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسرت رباعيته، وضربه ابن قمئة بالسيف في جبهته، فدخلت حلقة من حلقات مغفره في جبينه.

وحفر أبو عامر الفاسق حفرًا، فوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحداها، فجحشت ركبته.

تثبيت الله للمؤمنين بالنعاس

ومع ذلك دار الأمر أيضًا، فثبت الله المؤمنين بما أنزل عليهم من النعاس والأمن، فاستدار المشركون منهزمين وراءهم، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر رجلًا وامرأة واحدة، فقاتلوا المشركين حتى كشفوهم وردوهم على أدبارهم، وكان المشركون إذ ذاك ثلاثة آلاف مقاتل، وقد قتل منهم ثمانية وأربعون، منهم حملة اللواء، وهم تسعة.

ثم بعد ذلك نزلت توبة الله تعالى على أولئك المنهزمين من المؤمنين، وعفا الله عنهم، فهذا يوم واحد، ووقت واحد من أوقات المعركة حصل فيه كل هذه الأمور، مما يدلنا على سرعة تغيير أمر الله تعالى لهذا الكون.

فهذا الكون كله يظن كثير من الناس أنه يرتبط بالأسباب، والأمور الاعتيادية، ويظنون أنه لا يمكن أن يتغير إلا بعد قرون من الزمن، وأن الأمر لا يأتي إلا بالتدريج الطويل الأمد، لكن أمر الله بين الكاف والنون.

فلذلك يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، كما أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قيوم لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، حجابه النور)، وفي رواية: (النار)، وفي رواية: (قد احتجب بسبعين حجابًا، حجاب نور، وحجاب نار، وحجاب نور، وحجاب نار، لو كشف الحجاب عن وجهه لحظة لأحرقت سبحات وجهه ما وصل إليه بصره من الخلق).

فعظمة الله سبحانه وتعالى تقتضي تقديره لهذا العالم كله، وتدبيره له، وتنفيذه لما أراد فيه، من دون الأسباب أصلًا، فالأسباب كلها خاضعة لسلطانه، وهي في يده يقلبها كما يريد، فهذا اليوم الواحد حصل فيه كل هذه التنوعات في المواقف والأحوال؛ فلذلك قال: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ[آل عمران:152].

و(قد) تحقيقية، واللام التي معها للقسم، معناه: إن ذلك قد وقع بالفعل: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ[آل عمران:152]، فالله لا يخلف الميعاد، فانتصر المؤمنون، وقتل حملة اللواء، وانهزم المشركون، كل ذلك كان في أول المعركة: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ[آل عمران:152]، وهذا الوعد هو المعروف بنصرته لكل من نصره، وبنصرته للمؤمنين على المشركين.

متى كان ذلك؟ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ[آل عمران:152]، معناه: حين كنتم تحسونهم؛ أي: تقطعون رءوسهم وتقتلونهم قتلًا ذريعًا.

بإذنه؛ أي: بأمر الله سبحانه وتعالى، وإعانته لكم عليهم.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهة أحد في مواجهة العدو، ورتب المؤمنين: فجعل خمسين من الرماة المشاهير على الهضبة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، لينضحوا الخيل عن المدينة، وليحولوا بين جيش قريش وبين أن يدخل إلى البيوت، وكان هو في مواجهة المشركين هو وأصحابه، وكان يصفهم للقتال، وقد حضر هذه المعركة من المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل، وكان خرج معه إليها ألف وأربعمائة، لكن رجع ابن أبي بنصف الجيش (وهم من المنافقين)، رفع لهم لواءً، فقال: من لا يريد الحرب فليجلس تحت هذا اللواء، فذهب إليه نصف الجيش، وهم المنافقون، عدلوا إلى عبد الله بن أبي ابن سلول، لكن منهم من تاب بعد وحسن إسلامه، فارتفعت عنه صفة النفاق؛ لأنها من الصفات التي تمكن التوبة منها، ومنهم من استمر على نفاقه، نسأل الله السلامة والعافية؛ كـعبد الله بن أبي ومن معه.

فلما واجه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين كانت هذه المعركة تأخذ ألوانًا شتى، ففي أول الأمر كانت الغلبة للمؤمنين، وحقق الله لهم وعده الذي وعدهم، فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر، فقال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ[الحج:40]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد:7].

وقد وعدهم بالغلبة على المشركين، فقال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[المجادلة:21].

فكانت الغلبة في بداية الأمر للمؤمنين، ثم بعد ذلك حصل منهم مخالفات شرعية أدت إلى تحول الموقف وانقلاب الريح، فمنها:

عصيان الرماة لأمر أميرهم، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تركوا موقعهم، ودخلوا في الناس يجمعون الغنائم.

ومن ذلك أيضًا: أن بعض الغازين كانوا يريدون الدنيا، فهم يقاتلون من أجل الغنائم، وإن كان عدد أولئك قليلًا يسيرًا.

ومن ذلك أيضًا: أن بعض المؤمنين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم للقتال، فانهزموا عنه، فلم يكونوا يستمعون إليه، فانقلبت الدائرة، وقتل عدد كبير من المؤمنين، وهم أربعة وسبعون رجلًا، وجرح عدد كثير منهم، وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسرت رباعيته، وضربه ابن قمئة بالسيف في جبهته، فدخلت حلقة من حلقات مغفره في جبينه.

وحفر أبو عامر الفاسق حفرًا، فوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحداها، فجحشت ركبته.

ومع ذلك دار الأمر أيضًا، فثبت الله المؤمنين بما أنزل عليهم من النعاس والأمن، فاستدار المشركون منهزمين وراءهم، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر رجلًا وامرأة واحدة، فقاتلوا المشركين حتى كشفوهم وردوهم على أدبارهم، وكان المشركون إذ ذاك ثلاثة آلاف مقاتل، وقد قتل منهم ثمانية وأربعون، منهم حملة اللواء، وهم تسعة.

ثم بعد ذلك نزلت توبة الله تعالى على أولئك المنهزمين من المؤمنين، وعفا الله عنهم، فهذا يوم واحد، ووقت واحد من أوقات المعركة حصل فيه كل هذه الأمور، مما يدلنا على سرعة تغيير أمر الله تعالى لهذا الكون.

فهذا الكون كله يظن كثير من الناس أنه يرتبط بالأسباب، والأمور الاعتيادية، ويظنون أنه لا يمكن أن يتغير إلا بعد قرون من الزمن، وأن الأمر لا يأتي إلا بالتدريج الطويل الأمد، لكن أمر الله بين الكاف والنون.

فلذلك يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، كما أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قيوم لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، حجابه النور)، وفي رواية: (النار)، وفي رواية: (قد احتجب بسبعين حجابًا، حجاب نور، وحجاب نار، وحجاب نور، وحجاب نار، لو كشف الحجاب عن وجهه لحظة لأحرقت سبحات وجهه ما وصل إليه بصره من الخلق).

فعظمة الله سبحانه وتعالى تقتضي تقديره لهذا العالم كله، وتدبيره له، وتنفيذه لما أراد فيه، من دون الأسباب أصلًا، فالأسباب كلها خاضعة لسلطانه، وهي في يده يقلبها كما يريد، فهذا اليوم الواحد حصل فيه كل هذه التنوعات في المواقف والأحوال؛ فلذلك قال: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ[آل عمران:152].

و(قد) تحقيقية، واللام التي معها للقسم، معناه: إن ذلك قد وقع بالفعل: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ[آل عمران:152]، فالله لا يخلف الميعاد، فانتصر المؤمنون، وقتل حملة اللواء، وانهزم المشركون، كل ذلك كان في أول المعركة: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ[آل عمران:152]، وهذا الوعد هو المعروف بنصرته لكل من نصره، وبنصرته للمؤمنين على المشركين.

متى كان ذلك؟ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ[آل عمران:152]، معناه: حين كنتم تحسونهم؛ أي: تقطعون رءوسهم وتقتلونهم قتلًا ذريعًا.

بإذنه؛ أي: بأمر الله سبحانه وتعالى، وإعانته لكم عليهم.