القواعد الفقهية [3]


الحلقة مفرغة

من المسائل المهمة التي تتعلق بقاعدة الأمور بمقاصدها ما يحصل من التعارض بين الأمر الشرعي والأمر الجماعي، فنحن نعلم أن نصرة الدين لا يمكن أن تتم إلا بعمل جماعي، فإذا جاءك أمر جماعي على خلاف أمر شرعي، أو تعارضا لديك، فلا تبدأ بالشرعي بإطلاق، ولا تبدأ بالجماعي بإطلاق، بل تنظر إلى المقصد الشرعي، أيهما يحقق المقصد الذي أرسل الرسول من أجله، فمثلًا: كيف يكون التعارض؟ أصل الأمرين الأمر الشرعي والأمر الجماعي: التزامان لم يأت نبي إلا بهما، فأنتم تقرءون في نذارات كل الأنبياء: (فاتقوا الله وأطيعون)، (فاتقوا الله): هذا الأمر الديني، (وأطيعون): هذا الأمر الجماعي؛ لأن المقصود بطاعته ليس طاعته نبيًّا من الأنبياء، فتلك داخلة في قوله: (فاتقوا الله)، إنما المقصود: طاعته كأمير قائد.

والتعارض مثاله: ما حصل للمسلمين يوم الأحزاب عندما نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يصلين العصر إلا في ديار بني قريظة)، فهنا تعارض الأمر بالصلاة في قول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[النساء:103] وهو أمر شرعي، والأمر الجماعي هو قوله: (لا يصلين العصر إلا في ديار بني قريظة)، فاجتهد الصحابة، منهم من أخر صلاة العصر فلم يصلها إلا بعد صلاة العشاء في ديار بني قريظة، ومنهم من صلاها في وقتها بسرعة ولحق ببني قريظة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الطائفتين كما في الصحيح، ولم ينكر على واحدة منهما، لا على المعجلة ولا على المؤخرة.

ونظير ذلك: ما حصل لـعبد الله بن أنيس، لما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل خالد بن سفيان الهذلي وهو ببطن عرنة، كان يجمع الجموع يريد أن يغزو المدينة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتله، (قال: كيف أعرفه؟ قال: إذا رأيته كأنما رأيت شيطانًا)، شكله كأنه شيطان، فذهب إليه، قال: فأتيته، فقال: ممن الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمعت أنك تجمع لهذا الرجل، فأتيت لأشهد معك، فإن غنمت أرضخت لي، قال: هو على ما سمعت، فأخذ بيدي، فجعل يطوف بي بين الجموع، حتى كادت الشمس تغرب وما صليت العصر، فصليتها إلى غير القبلة أومئ إيماءً وأنا أمشي معه، حتى إذا اشتمل الظلام ضربت رأسه بالسيف، وقلت له:

أقول له والسيف يعجم رأسه أنا ابن أنيس فارسًا غير قعدد

إذا حارب المختار أي منافق سبقت إليه باللسان وباليد

فـعبد الله بن أنيس تعارض عليه أمران: أحدهما: الصلاة في وقتها، هذه صلاة العصر، الصلاة الوسطى، وقد أخرج مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله)، تعارض معها قتل هذا الجبار الذي يريد غزو المدينة واجتثاث بيضة الإسلام، فنظر أي الأمرين أبلغ تحقيقًا للمقصد الشرعي ولأمر الله، وأرسل الرسل أصلًا لعبادة الله، ما أرسل الرسل إلا لتحقيق عبادة الله في الأرض، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل:36].

إذًا: حكمة إرسال الرسل: هي تحقيق العبودية لله في الأرض، وهذه الحكمة يدخل فيها كل تفاصيل العبادة؛ فقتل العدو إنما هو تمكين لدين الله في الأرض وتحقيق عبادته، والصلاة إنما هي لتحقيق عبادة الله في الأرض، وهكذا، فقارن بين الأمرين، لو صلى هو ركعتين صلاة العصر فقتله الكفار واكتشفوه، هل يكون ذلك أبلغ في تحقيق العبادة لله في الأرض أو قتل هذا الكافر، لا شك أن قتل الكافر أبلغ؛ فلذلك قتله، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، وأعطاه جائزة، وهي العصا، فقال فيها: (ما هذه يا رسول الله؟ قال: عصًا تتوكأ عليها يوم القيامة، والمتوكئون قليل )، وبين أنها هي العلامة بينه وبينه، فكانت عنده كلما انتبه بحث عنها، وعندما مرض كانت معه على الفراش، فأوصى أن تجعل معه في كفنه، فجعلت معه في كفنه.

ونظير هذا اليوم إذا كان الإنسان لم يبق بين يديه لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه إلا ارتكاب محرم، أو ما ظاهره التحريم، مثل العمليات الاستشهادية، قد أوجب الله الجهاد على المسلمين وقتال العدو، وحماية بيضة الدين، والذود عن مقدسات المسلمين، وعن أرواحهم، وأموالهم، وأعراضهم، هذا واجب لا يستطيع أحد إنكار وجوبه، ولكن ليس لدى المسلمين اليوم جيوش قادرة على مقارعة العدو؛ لأن الجيوش أصبحت مثل أملاك الدول، والدول الآن بأيدي قوم لا يعبرون عن ضمير الأمة، ولا يتبنون قضاياها، فأصبح الجهاد مثل غيره من الأمور يخصخص.

والخصخصة في الاقتصاد، أيضًا أصبحت حتى في الواجبات، فواجبات الأمة أصبحت خصوصية على الشعب ليست على الدول، فأصبح الشعب هو الذي يقوم بهذه الواجبات، ومنها الجهاد في سبيل الله، الشعب لا يستطيع الوقوف في وجه العدو الإسرائيلي مثلًا: ما يستطيع المواجهة، فلم يعد بالإمكان أن يجاهدوا إلا بمثل هذه العمليات، مثل العملية التي سمعتها في هذا الأسبوع، نحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى حرم على الإنسان أن يقتل نفسه، ولكن نعلم أن ذلك الحكم معلل، وأن علته نصية؛ فقد قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا[النساء:29-30]، (عدوانًا وظلمًا) ما إعرابهما مفعول لأجله.

والمفعول لأجله هو العلة،

ينصب مفعولًا له المصدر إن أبان تعليلًا كجد شكرًا ودن

فهذا تعليل، هذه هي العلة، العلة هي: (عدوانًا وظلمًا)، ومفهوم ذلك: أن من فعله إيمانًا واحتسابًا فهو عكس الحكم المرتب على هذه تمامًا، الحكم المرتب إنما هو على من فعله عدوانًا وظلمًا، أما من فعله إيمانًا واحتسابًا، فمقتضى الآية أنه على عكس ذلك، فإذًا تعينت هذه وسيلة ولم يوجد سواها، فتعين ارتكابها.

دخول الأدوية النجسة وزراعة الأعضاء في قاعدة ارتكاب أخف الضررين

السؤال: بالنسبة للأدوية التي أصلها نجس، مثل ما أصله من خنزير، أو أصله من الخمر، أو أصله من النجس، أو الدم الذي يفتقر الإنسان إليه، وزراعة الأعضاء ونحو ذلك، هل هذا يدخل في قاعدة ارتكاب أخف الضررين؟

الجواب: أن أهل العلم قديمًا اختلفوا في علاج ظاهر الجسد بالنجس، واتفقوا على حرمة علاج باطن الجسد بالنجس؛ لأنه يكون به الإنسان حامل نجاسة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)، والنجس حرام استعماله، وهذه القاعدة هي التي نظمها محمد مولود رحمة الله عليه في الكفاف، إذ قال:

وامنع دواء باطن الأجساد بنجس واختلفوا في البادي

اختلفوا في البادي؛ أي: ظاهر الجسد، لكن لا شك أن الضرورة هي وراء الأحكام الشرعية كلها، الأحكام الشرعية الخمسة: الوجوب والندب والإباحة والكراهة، والتحريم، بعدما تنتهي يأتي حيز آخر يسمى حيز الضرورة، فقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ[الأنعام:119]، وفي كثير من الأحيان تعقب آيات التحريم بقوله: فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ[الأنعام:145]، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[المائدة:3]، وهكذا في كثير من الآيات التي فيها ذكر المحرمات يأتي بعدها: فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ[البقرة:173]، يأتي التعقيب بالضرورة، فهنا إذا كان الإنسان مضطرًا ضرورة محققة إلى التداوي بالدم، فإنه لا إشكال في تداويه به؛ لأنه محل ضرورة، فيمكن أن يغذى بالدم بواسطة الوريد، وهذا الدم إذا كان من متطوع متبرع به، فلا إشكال، أما إذا كان يشترى، فهو حلال للمشتري حرام على البائع، البائع لا يحل له بيعه؛ لأن النجس لا يحل بيعه، والمشتري مضطر، فيجوز له الشراء، وهذا قديمًا يمثله الفقهاء بالسرقين أو السرجين وهو السماد الذي هو من نجس، كما قال ابن عاصم في التحفة:

ونجس صفقته محظورة ورخصوا في الزبل للضرورة

فكذلك الدم هنا.

ومثل هذا: الأعضاء، فالعضو إذا دبت فيه الحياة بزراعته في البدن، فقد عادت إليه الحياة ولم يعد نجسًا؛ لأنه إنما تنجس بسبب الموت، فيد الإنسان ما دام حيًا طاهرة، وإذا انقطعت عنه فما أبين من الحي فهو ميتة، كما ثبت في الحديث: (ما أُبِينَ من الحي فهو ميتة)، لكن إذا عادت إليه الحياة مرةً أخرى، فالحكم يدور مع علته حيث دارت؛ فلذلك إذا زرع للإنسان إصبع أو يد أو عضو، فإن عادت إليه الحياة، فإنها تطهر بذلك، وعند المالكية: أن الحياة علة للطهارة دائمًا، فيقولون: الشاة ما دامت حية فهي طاهرة بالإجماع، وإذا ماتت من غير ذكاة فهي نجس بالإجماع.

وبهذا يعلم أن الحياة علة للطهارة؛ ولذلك يقولون: الحي طاهر ولو إبليس عليه لعنة الله، فقد سئل أحد العلماء: ما فائدة طهارة إبليس؟ قال: من تحكك عليه في الصلاة، لم تبطل صلاته، يمكن أن يلامس شخصًا في الصلاة، فلا تبطل صلاته بالتحكك.

فالأعضاء غير التناسلية في الإنسان زراعتها لا إشكال فيها من باب الضرورة إلا ما كان منها للتجميل، فما كان للتجميل لا ينبغي، نعم يمكن أن يجعل للإنسان أنف من ذهب، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لـعرفجة بذلك وقد قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفًا من فضة فأنتنت عليه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باتخاذ أنف من ذهب فلم ينتن عليه.

وكذلك السن يمكن أن يضع سنًا من ذهب أو من أي طاهر آخر، لا يأخذ سناً من إنسان فيزرعها، وإذا زرعها فعادت إليها الحياة ودخلها المخ، فتكون مثل الأعضاء.

ويستفاد الآن من هذا: أن يد السارق إذا قطعت، فإنها لا تزرع له مرة أخرى؛ لأنها قطعت عقوبة، لو أعيدت إليه مرة أخرى فلا فائدة من ذلك، لكن إذا قطعت يد إنسان في حادث سير-مثلًا- فلا حرج من زراعة يد له إذا دبت فيها الحياة، ومثل ذلك: من أصيب بفشل في الكلى، أو تليف في الكبد -أعاذني الله وإياكم- أو ضعف في عضلة القلب، فاحتاج إلى زراعة عضو من هذه الأعضاء، ومثل ذلك: قرنية العين إذا احتاج إليها، إذا كان أعمى فهذا محل اتفاق؛ لأن البصر ضرورة، لكن إذا كانت له عين مبصرة، فليس هو مضطرًا للعين الأخرى. فالزراعة فيها شيء يبقى محل توقف؛ لأن الإنسان إذا كان له عين واحدة، فهو غير مضطر من ناحية البصر.

وعلى هذا الأدوية المصنعة إذا دخلتها الصنعة الكيميائية فانقلبت عن أصلها، فإنها تدخل في القاعدة التي ذكرناها وهي: هل يؤثر الانقلاب؟ وتكون الأقوال فيها ثلاثة:

القول الأول: أنها تطهر مطلقًا؛ لأنها أصبحت مادة جديدة، هذه الحبوب أو هذا السائل، الأنسولين- مثلًا- من الخنزير وهو سائل، لكن هذا السائل الآن من رآه وهو لا يعلم من أي أصل هو، لا يعرف أنه من خنزير، فيؤثر فيه الانقلاب على هذا القول.

القول الثاني: أنها تبقى على أصلها، ولو عولجت بالكيمياء.

القول الثالث: أن ما استحال إلى صلاح يطهر، وما استحال إلى فساد لا يطهر؛ لأن الأدوية كلها ليس فيها استحالة إلى صلاح من هذا القبيل.

كذلك الكريمات، مثلًا كريمات الوجه والشارلي، يدخل في صناعته المشيمة البشرية وهي نجس، ولكن عولج بالكيمياء حتى أصبح مادة مختلفة تمامًا، ومثل ذلك: بعض المأكولات، الجلي يوضع فيها من عظام الخنزير أو عظام الميتة، ولا يمكن أن تستقيم أصلًا إلا بهذا، فهذا النوع داخل في هذه القاعدة على الخلاف على ثلاثة أقوال، ومثل ذلك: الأجبان التي فيها إنفحة العجل (إذا لم يكن دنماركيًا) وهكذا، فهذه كلها إذا دخلتها الصنعة، فيكون فيها الخلاف على ثلاثة أقوال: الطهارة، والنجاسة، والتفريق بين النافع منها وغير النافع، والراجح الذي اختاره الزقاق، أن ما كان فيه نفع فاستحالته مؤثرة، (وتفصيل أحق) كما قال الزقاق:

وهل يؤثر انقلاب كعرق ولبن بول وتفصيل أحق

بيت واحد فيه القاعدة وفروعها.

المقصود بعدم تعدد الدليل لدى الناظر

السؤال: [ لم أفهم أن الدليل لا يتعدد عند الناظر قد يكون الدليل من القرآن، قد يكون من آية أو حديث؟ ]

الجواب: الناظر سيستنبط، فإذا استنبط من هذا الدليل، فما يمكن أن يستنبط من دليلين في وقت واحد حكمًا واحدًا، هو يقرأ المصحف مجرد الذهن، ليس له مذهب الآن، فقرأ قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[المائدة:6]، فقال: هذه الآية أفهم منها وجوب المضمضة والاستنشاق؛ لأن ذلك من الوجه، فداخل الأنف وداخل الفم كلاهما من الوجه، فيجب غسله، هذا استنباط ودليله هذا، إذا جاء المناظر، فجاء يريد إثبات ذلك، فيجد أدلة أخرى، يقول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد أحدكم أن يتوضأ، فليجعل في أنفه ماءً، ثم لينتثر)، وفي رواية: (فليجعل في منخريه من الماء)، فيجد أدلة من الحديث، لكن هذه الأمور ما وقع عليها المجتهد في وقت اجتهاده، لأنه في وقت اجتهاده مجرد الذهن عن المسألة أصلًا، ما له فيها رأي، فهو يقرأ المصحف ويستنبط منه، أو يقرأ الحديث ويستنبط منه دون الرجوع إلى أدلة أخرى.

ترتيب القواعد الفقهية على أبواب الفقه وإعانتها على الحفظ

السؤال: [ إذا أخذنا في ترتيب القواعد الفقهية على أبواب الفقه يعين هذا على الحفظ؛ لأنها تضبط الفروع، فلماذا قلتم أن الترتيب على أبواب الفقه غير مناسب؟ ]

الجواب: لا، لا يعين على ذلك، أنا أتكلم عن القواعد العامة، هذه في أي باب تجعلها؟ مثلًا قاعدة الجاري كالراكد، هذه القاعدة فيها فروع في الطهارة، وفيها فروع في غير الطهارة، لو كانت كل قاعدة فيها فرع من فروعها يتعلق بالطهارة وتجمعها كلها في الطهارة، يكون باب الطهارة هو القواعد الفقهية كلها، فلذلك الأصل: لا ينظر إلى الفروع الفقهية التي فيها إلا إذا كانت القاعدة ضابطًا مختصًا بباب واحد ليس فيها فروع إلا من هذا الباب فلا حرج، لكن إذا كانت قاعدة كلية في كل الأبواب، لا معنى لجعل حصرها في باب واحد من الأبواب التي ليست كل الفروع داخلة فيها.

وأيضًا الحفظ يحصل بحفظ القاعدة؛ لأنها لفظ مختصر يسير تحفظه فيبقى معك، وكل الفروع الأخرى تضبطها به، ولا يهمك من أي باب هي.

ضوابط الضرورة

السؤال: بالنسبة لضوابط الضرورة؟

الجواب: بالنسبة للضرورة لا شك أنها تحتاج إلى ضبط، فالضرورة أولًا: لابد أن تكون في أمر واقعي؛ فالأمر الذي لم يقع لا يضطر إليه الإنسان، ولابد أن تكون شخصية، فلا يمكن أن يفتى فتوى: أن تملك البيوت في أوروبا بالربا مباح للضرورة، أفتى بها بعض المشايخ هكذا؛ لأن هذا يقتضي أن كل المسلمين في أوروبا يضطرون للربا في تملك البيوت، وهذا غير صحيح، من المسلمين في أوروبا من هم أغنياء عن الربا، فإذًا: لابد أن يقال: إن الضرورة مسألة شخصية، فكل شخص بذاته يسأل، ويستفتي فيُفتَى، ولا يعتمد على الفتوى العامة السائرة؛ لأنها لا تتعلق بنازلته هو بعينها، والضرورة يحتاج فيها إلى النازلة بعينها.

ونحن نعلم أنه سيأتينا في القواعد إن شاء الله قريبًا: أن الحاجي الكلي ينزل منزلة الضرورة، فالضروريات في الأصل: هي التي ما لو فقدها الإنسان لمات، أو فقد إحدى الحواس، أو نحو ذلك، والحاجيات بين هذه المنزلة وبين الكماليات، هي ثلاث درجات، فالحاجيات إذا كانت كلية فإنها تنزل منزلة الضرورة، مثل: ما تعم به البلوى من الأمور، فينزل فيها الحاجي الكلي منزلة الضرورة.

ناظم القواعد الخمس الكبرى لخليل

السؤال: القواعد الخمس الكبيرة للإمام خليل المنظومة في أبيات، إلى الآن ما نعرف من القائل؟

الجواب: ما أدري لمن هي، لكن معروفة الأبيات هذه، لكن قطعًا صاحبها ليس قديمًا جدًا، لابد أن يكون بعد السيوطي تقريبًا.

الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية

السؤال: ما الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية؟

الجواب: القاعدة الأصولية تتعلق بأدلة الأحكام، مثلًا: هل الأمر يقتضي الوجوب، هل الأمر يقتضي الصحة، هل الأمر يقتضي الفورية، هل الأمر يقتضي التراخي، هل الأمر يقتضي التكرار، هذه القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية تتعلق بفروع وتصرفات المكلفين، ولا تتعلق بالأدلة العمومية.

القول بإباحة التداوي ووجوبه

السؤال: بعض العلماء يقول: إن التداوي أمر مباح وليس واجبًا؟

الجواب: هذا محل بحث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا عباد الله)، والأصل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة (افعل): أنها للوجوب، وبعض أهل العلم يرى أن هذا للوجوب في أمراض القلوب، أو للندب في أمراض البدن، وبعضهم يرى أن ما كان يؤدي إلى الهلاك، أو فقد إحدى الحواس فيجب التداوي منه، وما لا يؤدي إلى الهلاك، ولا إلى فقد إحدى الحواس، مثل: من به زكام، أو صداع، أو نحو ذلك، لا يجب عليه التداوي منه، وهذا القول رجحه بعض المتأخرين، أنه بحسب الأمر نفسه، وهذا الخلاف يحملونه على مسألة الإباحة في التيمم والفطر، فالتيمم جعل الله من أسبابه المرض، والمرض ليس درجة واحدة، فمن المرض ما هو موجب للتيمم، مثل المرض الذي يخاف به الإنسان الهلاك، أو شديد أذًى، مثل فقد إحدى الحواس، وهناك مرض آخر مبيح للتيمم فقط، مثل مرض دون ذلك، فكذلك التداوي، إذا كان المرض شديدًا يخاف به الإنسان الهلاك، أو شديد أذًى، يجب عليه التداوي، وإذا كان يخاف به ضررًا دون ذلك، لا يجب عند هؤلاء.

ومما يدل على الوجوب أن النفس ليست ملكًا لك، وإنما هي أمانة عندك، وأيضًا الحديث صريح في الأمر (تداووا عباد الله).

اعتبار زواج المسلمة من غير المسلم من باب الضرورات

السؤال: بالنسبة لزواج المسلمة من غير المسلم، هل يعتبر ذلك من باب الضرورات؟

الجواب: نعم، ذكرنا قصة لوط عليه السلام، إذا كانت القضية قضية ضرورة، ما كان فيه أي بديل إلا أمر أكبر من ذلك، لكن هو حرام.

رأي الأغلبية في الشرع

السؤال: [ هل رأي الأغلبية أو الأكثر معتبر في الشرع؟ ]

الجواب: نعم، بالنسبة لرأي الأكثر في كل الأمور معتبر، وبالأخص في الأمر العام الذي للناس فيه مشاركة، فمثلًا: حكم بلد من البلدان ليس ملكًا لك ولا لفلان ولا لفلان، ملك للناس كلهم، فإذا اتفقوا على شخص تعين، وإذا اختلفوا قطعًا رأي أكثرهم معتبر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أنه عدل إلى رأي الأكثر، كان يرى أن يقاتل قريشًا من داخل حصون المدينة، وأن لا يخرج إليهم، فرأى جمهور أهل المدينة أن يخرج إليهم ويقاتلهم خارج المدينة، فعدل عن رأيه لرأي الأكثر، فلما دخل يغتسل ويلبس سلاحه، قال كبار السن للشباب: ( إنكم قد ألجأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي لم يكن يريده، فلما خرج قالوا: نتوب إلى الله، فلعلنا ألجأناك إلى رأي لم تكن تريده؟ قال: أجل، قالوا: افعل ما بدا لك، قال: ما كان لنبي إذا لبس لأمة الحرب أن يخلعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه)، ورأي الأكثر دائمًا معتبر شرعًا، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرى رؤياكم قد تواطأت أنها في العشر الأواخر من رمضان)، وكان يعتبر رأي الأكثر في كل الأمور، وهكذا في مسائل الإجماع، والمسائل كلها التي يعتبر فيها رأي الأكثر.

ورأي الأكثر في قضية معينة لم يبق للأقل إلا التنازل عن رأيهم؛ لأنه ما يمكن أن ينصبوا خليفتين، أو الأقل رأوا نصب فلان، والأكثر رأوا نصب فلان، لا يمكن أن نقول: ينصب الأقل رأياً، أو منا أمير ومنكم أمير، هذا خارج عن الإجماع.

والقضية هنا هي قضية أن الحكم أمر مشترك، مثل المال المشترك مثل الأرض، ولا يمكن أن تفرض أنت علينا، تقول أنت لابد أن نقيم في هذا المكان مزرعة، ولكن الأرض أرضي أنا، جزئي منها لا تقيم فيه مزرعة، ما يمكن أن تقول أنت: نحن والله سنقيم مزرعة هنا في هذا المكان، وغصبًا عن الناس، الناس يريدونه طريقًا، أو يريدونه مدرسة؛ لأن هذا مال مشترك، فكذلك الحق، فهنا يلزم أن يقنع الناس بأن هذا هو الحل، وهو الصواب، حتى يوجد له أنصار، وإلا بقيت المشكلات؛ لأن الناس يدورون، فلذلك حتى في السودان الآن الناس لم يعودوا يعتمدون على الانقلاب الذي جاءت به ثورة الانقلاب، إنما يعتمدون على الانتخابات التي كانت بعد ذلك.

إمكانية ضبط اختيار الأمير في الوقت الحاضر من خلال أهل الحل والعقد

السؤال: [ هل يمكن ضبط الاختيار في زمننا من خلال أهل الحل والعقد؟ ]

الجواب: من هم أهل الحل والعقد؟ القضية قضية تنقيح المناط، ما من إنسان إلا وهو يرى أنه من أهل الحل والعقد؛ لأنه ما من أحد إلا وهو راض عن الله في عقله وأقلهم عقلًا أرضاهم به، هذه قاعدة عامة، وإلا لو قصد بهم أشخاص: مثلًا نحن في أيام عمر بن الخطاب، أو في أيام عثمان رضي الله عنه يمكن أن نعرف أهل الحل والعقد، بأنهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، عددهم محصور، وقد رضي الله عنهم بنص كتابه، لكن بعد أن مات المهاجرون والأنصار لم يبق أحد يستطيع أن يجبر الناس على رأيه، البقية كلهم سواسية في الملك العام، يملكون هذه الأرض التي خلق الله لهم، هي وما فيها من الخيرات خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا[البقرة:29]، وليس لأحد أن يجبرهم على صرفها في أي وجه، بل الشريعة لا تحب الإكراه ولا تعبيد الناس ولا إذلالهم، فما كان فيه اتفاق للناس وتوافق ومصلحة ساروا فيه، وما لم يكن فيه مصلحة، يحاوِل فيه فض النزاع بأي وسيلة حتى لا يقع النزاع.

عزل الأمير أو الخليفة بين الشرع والديمقراطية

السؤال: [الذي ينظر في التاريخ الإسلامي يرى أن من وصل إلى الحكم لا يعزل حتى يوجد مانع، بخلاف الديمقراطية، يأتون بالشخص اليوم ويعزلونه غداً؟ ]

الجواب: بالنسبة للتاريخ الإسلامي، أنت تتحدث عن الخلافة الراشدة، خلافة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه نعم، إذا اختار المسلمون رجلًا وبايعوه، فهو الخليفة حتى يقع مانع، والمانع هو: إذا لم يستطع القيام بما من أجله نصب، ومن أهل العلم من يرى أنه لا ينزع حتى يكفر أو يعجز، ولكن الراجح: أنه إذا كان بقاؤه معطلًا لما من أجله نصب، فكون فلان بن فلان أميرًا -مثلًا- ليست عبادة لله، إنما هي وسيلة لتحقيق العبادة، فإذا لم تحققها، فكل وسيلة لم تؤد إلى مقصد فهي ملغاة، أنت تتكلم عن الخلافة، واقع المسلمين اليوم ليس فيه خلافة راشدة، لا أحد من زعماء المسلمين اليوم -لا ملك ولا رئيس- يقول: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحامي بيضة الإسلام، والمدافع عن كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأنا مسئول عن كل المسلمين من أمريكا إلى اليابان، لا أحدَ منهم يقول هذا، كل إنسان يقول: أنا أمير على منطقة كذا، وحدودي هي كذا وكذا، هؤلاء هم أمراء، مثل: أمراء المدن وأمراء القطاعات في العهد النبوي، في عهد الخلفاء الراشدين، وهؤلاء كانوا يعزلون ويولون دائمًا، وكان الخليفة هو الذي يتولى ذلك، إذا اشتكى منهم الناس -حتى ولو كانوا عدولًا- يعزلهم، عمر بن الخطاب عزل سعد بن أبي وقاص عن أهل الكوفة لما شكاه بنو أسد، وهو أول من رمى بالسهم في سبيل الله، قالوا: إن سعدًا لا يحكم فينا بالسوية، ولا يعدل بين الرعية، وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة، فدعاه عمر إليه، قال سعد في خطبته المشهورة التي في صحيح البخاري، قال: والله إني لأول العرب رمى بالسهم في سبيل الله، ولقد رأيتنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق السمر وهذه الحبلة، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، خبت إذًا وضل سعيي، سأله عمر: كيف تصلي بهم؟ قال: والله إني لأصلي لهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أركد في الأوليين وأخفف في الأخريين، قال: ذلك الظن بك.

ومع هذا عزله عمر رضي الله عنه، قد خرج سعد إلى العراق واليًا وما له إلا سيفه وفرسه وقدح عنده، فرجع إلى المدينة بسيفه وفرسه والقدح الذي كان عنده، لم يرجع بأي مال زيادة على ما خرج به، بعد هذه المدة الطويلة من التولية، عشر سنوات وهو والي، رجع بما خرج به؛ ولذلك قال عمر في وصيته -في الستة الشورى- قال: فإن يختاروا سعد بن مالك فهو لذلك أهل، وإن لم يختاروه فمن ولي فليستعن به؛ فإني والله ما عزلته عن قدح ولا عجز، ليس فيه عجز عن الإدارة، وليس فيه قدح في دينه، ولا في مروءته، فإذًا: كان الخليفة يتولى هذه المسئولية، إذا اشتكى الناس من أمير، حتى ولو كانوا مبطلين في شكواهم، إذا جاء ذلك من أكثرهم يعزله عنهم.

وقد حصل للمنصور أن أتاه أهل البصرة يشكون إليه أحد ولاته، فمدحه، وقال: ما في ولاتي أعدل من هذا الرجل، كيف تشتكونه؟ فقال له شاب منهم: يا أمير المؤمنين! إن من عدلك إذا كان أعدل ولاتك أن تصرفه إلى غيرنا، حتى ينالوا جميعًا حظهم من عدالته، فضحك وصرفه عنهم.

إذًا: فهذا التبادل كان موجودًا، واليوم أقلام العلمانيين الذين يقولون: الإسلاميون يتناقضون، يدعون إلى التبادل على السلطة، ويعرفون أن التاريخ الإسلامي ما فيه تبادل على السلطة، هذا غير صحيح، التبادل على السلطة في الأمصار كان موجودًا في تاريخ الإسلام من العهد النبوي إلى الآن، والموجود الآن هو ولاية أمصار وليس خلافة، والتداول على السلطة موجود من بداية الإسلام إلى الآن.

فقضية أهل الحل والعقد كانت في الصدر الأول أمرها ميسور؛ ولذلك قال مالك في شروط أهل الحل والعقد: لا أراها اليوم تجتمع في واحد، هذا مالك قال: لا أراها اليوم تجتمع في واحد، فإن لم تجتمع فورع عاقل، فبالعقل يسأل وبالورع يكف، هذا مالك في زمانه، وكان الناس إذ ذاك لهم أمثلة أشخاص بأعيانهم؛ ولذلك مالك لما سأله رجل قال: أرأيت لو خرج على إمامنا أمير ينازعه ما تحت يده، أندفع عن إمامنا؟ قال: إن كان مثل عمر بن عبد العزيز فنعم، وإن لم يكن مثله، فدعه وما يطلب منه، ينتقم الله من الظالم بالظالم، ثم ينتقم من كليهما، قال سحنون تعقيبًا على كلام مالك: إذا كان الإمام غير عدل فخرج عليه عدل وجب الخروج معه ليُظهر دين الله، وإلا وسعك الوقوف إلا أن يريد أهلك ومالك، فادفعه عنهما، ولا يحل لك الدفع عن الظالم، هذا كلام سحنون، تعقيبًا على كلام مالك، رحم الله الجميع.

المقصود بتقديرات العلماء في حديث: (إنما الأعمال بالنيات)

السؤال: [ بالنسبة لتفسير حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، هناك أربعة آراء لتقدير المحذوف، فهل هذا تفسير للنية؟ ]

الجواب: لا، بالنسبة لهذه ليست أقوالًا في تفسير النية، هذه إنما هي فقط في تفسير الحصر في قوله: (إنما الأعمال بالنيات)، هذا في الحصر فقط؛ لأن فيه محذوف، وقطعًا لا يستقيم الكلام إلا به، (إنما الأعمال) يمكن أن يكون معناها: إنما صحة الأعمال، ويمكن أن يكون معناها: إنما أجر الأعمال، ويمكن أن يكون معناها: إنما استقامة الأعمال، ويمكن أن يكون معناها: إنما تمام الأعمال، أربعة احتمالات، وهذا المحذوف هو المقتضى، والمقتضى لا عموم له، لا يمكن أن تنوى كلها، فإذًا واحد منها هو المقدر، والمقدر محل بحث، يعني: بين الأصوليين والفقهاء، وهذه المسألة طويلة، ونحن لم نتكلم عنها؛ لأننا لا نشرح حديث: (إنما الأعمال)، بالإمكان ترجع إليها في شرح حديث: (إنما الأعمال)، نحن فقط نتكلم عن قاعدة: الأمور بمقاصدها.

تحديد الربح قبل عقد البيع

السؤال: هل يجوز تحديد الربح قبل عقد البيع؟

الجواب: لا، بالنسبة لتحديد الربح قبل عقد البيع إنما يكون فقط في المرابحة، أما ما سواها، فلا يجوز تحديد الربح فيه؛ لأن قضية البيع مبناها على المخاطرة والمغامرة، والإنسان يمكن أن يربح ويمكن أن لا يربح.

صورة السلم الجائز وشروطه

السؤال: [ يقول شخص: أنا أريد أعقد بيعاً مع آخر ويدفع لي النقود بعد ثلاثة أيام، ثم أعطيه السلعة فيما بعد، هل هذا يجوز أم لا؟ ]

الجواب: هذا إذا كان عقدًا للسلم، سيدفع إليك النقود في المجلس، ويعقد معك العقد على أن تأتيه بخمسة أطنان من السكر في التاريخ الفلاني، واجتمعت شروط السلم السبعة، وهي: قبض رأس المال في المجلس أو بقربه، المالكية: يبيحون تأخيره من غير شرط ثلاثة أيام، والجمهور يرون: أنه لا بد من قبضه في المجلس؛ لئلا يقع الكالئ بالكالئ.

والشرط الثاني: أن يمكن ضبط المسلمَ فيه، بأن يضبط بضابط عادته في البلد بكيل أو عدد أو وزن.

والشرط الثالث: أن تبيَّن صفاته التي تختلف بها الرغبة فيه.

والشرط الرابع: أن لا يكون طعامين ولا نقدين، ولا شيئًا في أكثر منه، أو أجود كالعكس، معناه: لا يكون الربا بين الثمن والمثمن.

الشرط الخامس: أن يؤجل، خلافًا للشافعية، الشافعية: يرون إباحة السلم الحال، وبعض المالكية يراه أيضًا.

والشرط السادس: أن يكون الأجل معلومًا.

والشرط السابع: أن يوجد عند الأجل عادة، ما يمكن أن تؤجل البلح للشهر القادم وهو لا يوجد عادة في مثله، وهكذا، فلا بد أن يكون يوجد عادة عند محله، فإذا توافرت الشروط، جاز عقد السلم، إذا كان العقد ليس عقد سلم بل هو عقد على ألبتة، فإن كان سلمًا حالًّا جاز عند الشافعية وبعض المالكية.

والشافعي وقوم آخرون للسلم حالًا لم يجوزوه

وإن كان ذلك من غير سلم، فهو بيع ما ليس عندك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وقال: ( يا حكيم ! لا تبع ما ليس عندك )، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، وعن بيعتين في بيعة، وعن بيع ما ليس عندك)، وهذا يقتضي حرمة بيع ما ليس عندك.

تجزئة الثمن في السلم ونقصه

السؤال: [ إذا كان هناك نقص في ثمن السلم فهل يكفي دفعه فيما بعد أو تجزئته؟ ]

الجواب: لا، ما يكفي دفع النقص في الثمن، بل يفسخ كله.

وبالنسبة للتجزئة مذهب الجمهور أنه لا تجزئة في هذا، بل يفسخ كله؛ لأن العقد لا بد أن يكون ليس فيه كالئ بكالئ، والكالئ بالكالئ هو شَغل ذمتين، كلاهما قد اشتغلت ذمته.

تحديد الربح في المضاربة

السؤال: [ هل يجوز تحديد الربح في المضاربة؟ ]

الجواب: المضاربة لا يحل تحديد الربح فيها، هذه المرابحة فقط، المرابحة هي التي يحل تحديد الربح فيها، أما المضاربة فهي القراض، القراض لا يحل تحديد الربح فيه؛ لأنك ما تدري، هل تربح أو لا؟ والربح والخسر راجعان إلى الحال، فإن ربح العامل، فله الجزء المحدد من الربح، والجزء الآخر لرب المال، وإن خسر فقد خسر العامل عمله، وخسر رب المال ما خسر من ماله، كلاهما خاسر حينئذ، هذا في المضاربة.

أما في المرابحة، فأنت قد اشتريت هذه السيارة بعشرين ألفًا، وأنا سأشتريها منك بتحديد ربح محدد، وأعطيك عشرة بالمائة من الربح، أو عشرين بالمائة، أو حتى بشيء مقطوع، اثنين وعشرين ألفاً، فإذا تبين أنك اشتريتها بثمانية عشر ألفًا، نقض البيع؛ لأن المرابحة لابد فيها من الصدق؛ لأننا لابد أن نعرف الثمن الذي اشتريت به، وإذا تبين كتمان أو كذب فيه بطل العقد.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
القواعد الفقهية [4] 3240 استماع
القواعد الفقهية [2] 3117 استماع
القواعد الفقهية [1] 3007 استماع
القواعد الفقهية [5] 2299 استماع