خطب ومحاضرات
الإيمان قبل العلم وما يستحيل في حق الله تعالى
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهنا يلزمنا أن نعرف أن الحكم العقلي ثلاثة أقسام هي:
- الوجوب.
- والاستحالة.
- والجواز.
فالوجوب هو: أن يحكم العقل بثبوت شيء بحيث لا يقبل ارتفاعه.
والاستحالة هي: أن يحكم العقل بنفي شيء بحيث لا يقبل ثبوته.
والجواز هو: أن يحكم العقل بتساوي الأمرين بحيث يجوز نفي هذا وإثباته.
ومجال صفات الله سبحانه وتعالى أحكام العقل ثلاثة كذلك:
النوع الأول من الصفات ما يوجبه العقل لله بها، وهذا فيه الصفات المذكورة، حيث يوجبها العقل السليم ودل عليها النقل الصحيح وأيضاً.
النوع الثاني: ما يستحيل عقلاً في حق الله تعالى، وهو أضداد هذه، وكل نقص أياً كان.
النوع الثالث: ما يجوزه العقل تجويزاً مطلقاً، فما دل النص عليه أخذ من النص، وما لم يدل عليه كان باقياً على الجواز المطلق، كالأفعال كلها، فكل الأفعال يجيزها العقل في حق الله تعالى، فإنه يجيز في حقه سبحانه وتعالى المجيء والنزول والاستواء والخلق والرزق والإماتة والإحياء، فهذه الأفعال جائزة في حق الله تعالى، فهو سبحانه يمكن أن يحيي هذا الشخص الآن ويمكن أن يميته، ويمكن أن ينزل المطر الآن ويمكن ألا ينزله، وهكذا، فهذا يجيزه العقل إجازة مستوية الطرفين.
فبدأ بالنوع الأول وهو ما يوجب العقل لله تعالى من الصفات فقال: (منها فرداً) أي: واحداً، وقد جاء التعبير عن ذلك بهذا اللفظ، وهو لنفي الكم المتصل بالذات، ولنفي الكم المنفصل في الذات كذلك، ولنفي هذه الصفات عما سواها.
فنفي الكم المتصل بالذات معناه: نفي التعدد في الذات الذي يقتضي نفي وجود الجوارح والحواس؛ لأن ذلك نقص في حقه، فيقتضي توحيده نفي ذلك، بخلاف الإنسان، فهو الذي يحتاج إلى هذه الجوارح، ويحتاج إلى ما يتممها من أكل وشرب وراحة ونوم وغير ذلك، والله سبحانه وتعالى هو الغني الحميد، ولا يحتاج إلى شيء من هذا.
وكذلك نفي الكم المنفصل في الذات، بمعنى: نفي أن يكون للكون آلهة متعددة، كما قال سبحانه: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا[الأنبياء:22] .
وكذلك في مجال الصفات نفي الكم المنفصل فيها، معناه: أنه لا يتصف أحد بمثل صفاته، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11] ، فهذا معنى الوحدانية، والوحدانية من صفات السلب، أي: التي معناها نفي؛ لأن الوحدانية معناها عدم التعدد، ونفي التعدد عدم.
ثم الصفة الثانية بعدها هي قوله: (غنياً)، وهذه الصفة هي صفة الغنى المطلق.
ومعنى الإطلاق فيه: الغنى عن المحل، والغنى عن المخصص.
فالغنى عن المخصص معناه: أنه قديم لا يحتاج إلى من يحدثه، والغنى عن المحل معناه: أنه ذو ذات لا يحتاج إلى ما يتعلق به.
والأشياء أربعة أقسام:
القسم الأول: ما هو غني عن المحل والمخصص، وهذا ذات الله.
القسم الثاني: ما هو مفتقر إلى المحل والمخصص، وهو صفات المخلوق، فاللون الأبيض في الثوب مفتقر إلى المخصص؛ لأنه حادث ليس قديماً، فيحتاج إلى من يخلقه، وهو المخصص، ومفتقر كذلك إلى محل يقوم به؛ لأننا لا يمكن أن نرى بياضاً ليس في شيء، بل لابد أن يقوم بشيء؛ لأنه صفة لا ذات.
القسم الثالث: ما هو غني عن المحل، لكنه مفتقر إلى المخصص، وهو ذات المخلوق، فذاتك أنت مفتقرة إلى المخصص؛ لأنك حادث لم تكن مثلما كنت، وأنت محتاج إلى من يخلقك، لكنك بعد الخلق لا تحتاج إلى ذات أخرى تركب فيها؛ لأنك ذات لست صفة لغيرك.
القسم الرابع: ما هو غني عن المخصص قائم بالمحل، ولا يقال: مفتقر إلى المحل، وهو صفات الله سبحانه وتعالى، فهي قديمة، ولا تحتاج إلى المخصص، لكنها صفة لابد أن تقوم بذات.
فإذاً: هذه أربعة أقسام ونظمها أحد العلماء بقوله:
الأشياء أربع فما منها غني عن المحل والمخصص الغني
وعكسه وهو صفات الخلق وقام بالمحل وصف الحق
وما إلى المخصص احتاج فقط فهو بذات حادث قد ارتبط
ومعنى المخصص: أي الذي يخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه، والممكن معناه: كل ما لم يكن، ويمكن وجوده في المستقبل، وهذا يمكن في حقه ست من اثنتي عشرة، وهي التي تسمى بالممكنات المتقابلات، وهي: الوجود والعدم، فهذا الإنسان يولد له ولد، هذا الولد يبيح العقل بأنه لم يولد بعد، ويجوز في حقه الوجود، ويجوز في حقه العدم، فهاتان الصفتان متقابلتان.
ثم إذا خرج إلى الوجود لابد أن يتصف أيضاً بالبياض أو السواد؛ لأن الصفات المتقابلة لابد أن يتصف ببعضها دون بعض، فإما أن يكون أبيض أو أسود.
ثم بعد ذلك في الأمكنة، فكل مكان يقابله مكان آخر، فإما أن يكون في الرياض أو في مكة مثلاً.
ثم بعد هذا الأزمنة هل يولد في الليل أو في النهار؟
وكذلك الجهات هل يولد في الشرق أو في الغرب من المكان الذي خصص به؟
ثم المقادير هل يكون كبيراً أو يكون صغيراً؟ فكل مقدار يقابل مقداراً آخر، فهذه اثنتا عشرة هي الممكنات المتقابلات، والمخصص يخصص الممكن بست منها، ولا يمكن أن يخصصه بأكثر من ست؛ لأن كل واحدة تقابل واحدة تضادها.
ولذلك يقول أحد العلماء:
الممكنات المتقابلات وجود العدم والصفات
أمكنة أزمنة جهات ثم المقادير روى الثقاة
قال: [فرداً غنياً أولاً وآخراً ...........]
والتفرد والغنى أيضاً من الصفات السلبية.
كذلك قوله: (أولاً وآخراً) صفتان أيضاً هما المعبر عنهما بالقدم والبقاء، لكنه اختار التعبير الشرعي؛ لأن الله تعالى يقول: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ[الحديد:3] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء).
وأولية الله سبحانه وتعالى ليس لها ابتداء، وآخريته كذلك ليس لها انتهاء، ولكن الأولية والآخرية كلتاهما صفة سلب؛ لأن الأولية معناها: نفي العدم السابق للوجود، بمعنى: أن وجوده لم يسبقه عدم.
والآخرية معناها: نفي العدم اللاحق للوجود، ومعناه: لا يمكن أن يأتي زمان وهو غير موجود فيه، ولا يمكن أن يعدم، فهاتان أيضاً صفتان من الصفات السلبية، وبهذا تتم الصفات السلبية، وهي خمس:
وقد بدأ بالوجود أولاً.
ثم الوحدانية.
ثم الغنى.
ثم القدم.
ثم البقاء.
والوجود خارج عنها، لكن الصفة السلبية الخامسة هي مخالفته للحوادث، وهذه قد أشرنا إليها.
والمخالفة للحوادث معناها: أنه لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11] ، وهذه الخمس هي المذكورة في سورة الإخلاص:
فقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص:1] هذه الوحدانية.
وقوله: اللَّهُ الصَّمَدُ[الإخلاص:2] هذا الغنى.
وقوله: لَمْ يَلِدْ[الإخلاص:3] هذا البقاء؛ لأن الذي يحتاج إلى الولد هو الذي يفنى فيحتاج إلى ما يكون خلفاً له.
وقوله: وَلَمْ يُولَدْ[الإخلاص:3] هذا القدم.
وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:4] ، هذا نفي المماثلة والمشابهة وهي المخالفة للحوادث، فجاءت الصفات الخمس في هذه السورة.
ثم ذكر المعاني التي يسميها أهل علم الكلام بصفات المعاني، وهذه تنقسم إلى قسمين:
صفات تأثير.
وصفات كمال.
صفات التأثير
فصفات التأثير معناها: أنه لا يمكن أن يؤثر مؤثر في شيء إلا إذا كان متصفاً بها.
وصفات الكمال هي: التي تقتضي كمالاً وتماماً، فقال:
[.................. حياً عليماً ومريداً قادراً
ومتكلماً سميعاً ذا بصر منزهاً عن الحدوث والغير]
فقوله: (حياً) هذا الاتصاف بصفة الحياة: فالله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم، وحياته تقتضي ألا تأخذه سنة ولا نوم، ولا موت ولا غفلة؛ فهي حياة ليست كحياة المخلوق؛ لأنها حياة يستحيل في حقه معها النوم والغفلة، والموت والجلاء.
ثم بعد هذا ذكر صفة أخرى وهي العلم: والله سبحانه وتعالى علمه سابق على جميع الأشياء بالإجمال والتفصيل، كما قال سبحانه: أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا[الطلاق:12] .
ولذلك قال ابن عباس : (ما من عموم إلا وتحته خصوص، إلا قول الله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[البقرة:231] )، فهو عليم بذاته وصفاته وخلقه.
ثم ذكر بعد هذا الصفة الرابعة وهي الإرادة: فإنه سبحانه يريد ما شاء، وهذه الإرادة تنقسم إلى قسمين:
إرادة كونية، وإرادة شرعية، وقد سبق بيانهما، وسيأتي أيضاً التحدث عنهما.
ثم ذكر بعد هذا القدرة: فإن الله سبحانه كما قال عن نفسه: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:284] .
وهذه الصفات الأربع هي التي تسمى صفات التأثير، فبها يرتبط خلقه كله وتدبيره للكون كله، وذلك بحياته وعلمه وإرادته وقدرته، وكذلك بكلامه الراجع للإرادة والكلمات الكونية، كما قال سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82] ، وقال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40] .
صفات الكمال
وقوله: (ومتكلماً سميعاً ذا بصر):
هذه الصفات الثلاث هي التي تسمى بصفات الكمال عندهم، وهي اتصافه بصفة الكلام، وكذلك اتصافه بصفة السمع، وكذلك اتصافه بصفة البصر، وهي صفات كمال.
فالكلام: أنه يتكلم متى شاء بما شاء، فما شاء أن يتكلم به تكلم، وهذا يشمل القسمين:
الكلمات الكونية والكلمات التشريعية.
وكذلك السمع: فهو عز وجل يسمع، كما قال: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46] ، وقال: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181] ، وقال: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ[المجادلة:1] .
وكذلك البصر: فهو ذو بصر، كما قال سبحانه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46] ، وقال: السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الإسراء:1] .
فهذه سبع صفات هي: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، وهي التي تسمى بالمعاني؛ لأنها تجمع كثيراً من الصفات الأخرى التي تدخل فيها.
الصفات الجامعة
وهناك نوع آخر من الصفات هي: الصفات الجامعة للكبرياء والعظمة والجلال والرحمة ونحوها، فهذه تسمى الصفات الجامعة، ولذا قال:
[وصفة جامعة فلتعلمه من ذاك فاعدد فضله وكرمه]
فالفضل والكرم والجود ونحو ذلك؛ كل هذه من الصفات الجامعة.
فهذه يوجبها العقل إيجاباً، ويستحيل ضدها على الله سبحانه وتعالى عقلاً، بالإضافة إلى ما أوجبه النقل من الصفات الأخرى.
والصفات التي أوجبها النقل كثيرة جداً لا حصر لها، لكن الصفات التي أوجبها العقل في حق موجد هذا الكون هي هذه الصفات.
فصفات التأثير معناها: أنه لا يمكن أن يؤثر مؤثر في شيء إلا إذا كان متصفاً بها.
وصفات الكمال هي: التي تقتضي كمالاً وتماماً، فقال:
[.................. حياً عليماً ومريداً قادراً
ومتكلماً سميعاً ذا بصر منزهاً عن الحدوث والغير]
فقوله: (حياً) هذا الاتصاف بصفة الحياة: فالله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم، وحياته تقتضي ألا تأخذه سنة ولا نوم، ولا موت ولا غفلة؛ فهي حياة ليست كحياة المخلوق؛ لأنها حياة يستحيل في حقه معها النوم والغفلة، والموت والجلاء.
ثم بعد هذا ذكر صفة أخرى وهي العلم: والله سبحانه وتعالى علمه سابق على جميع الأشياء بالإجمال والتفصيل، كما قال سبحانه: أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا[الطلاق:12] .
ولذلك قال ابن عباس : (ما من عموم إلا وتحته خصوص، إلا قول الله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[البقرة:231] )، فهو عليم بذاته وصفاته وخلقه.
ثم ذكر بعد هذا الصفة الرابعة وهي الإرادة: فإنه سبحانه يريد ما شاء، وهذه الإرادة تنقسم إلى قسمين:
إرادة كونية، وإرادة شرعية، وقد سبق بيانهما، وسيأتي أيضاً التحدث عنهما.
ثم ذكر بعد هذا القدرة: فإن الله سبحانه كما قال عن نفسه: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:284] .
وهذه الصفات الأربع هي التي تسمى صفات التأثير، فبها يرتبط خلقه كله وتدبيره للكون كله، وذلك بحياته وعلمه وإرادته وقدرته، وكذلك بكلامه الراجع للإرادة والكلمات الكونية، كما قال سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82] ، وقال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40] .
وقوله: (ومتكلماً سميعاً ذا بصر):
هذه الصفات الثلاث هي التي تسمى بصفات الكمال عندهم، وهي اتصافه بصفة الكلام، وكذلك اتصافه بصفة السمع، وكذلك اتصافه بصفة البصر، وهي صفات كمال.
فالكلام: أنه يتكلم متى شاء بما شاء، فما شاء أن يتكلم به تكلم، وهذا يشمل القسمين:
الكلمات الكونية والكلمات التشريعية.
وكذلك السمع: فهو عز وجل يسمع، كما قال: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46] ، وقال: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181] ، وقال: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ[المجادلة:1] .
وكذلك البصر: فهو ذو بصر، كما قال سبحانه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46] ، وقال: السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الإسراء:1] .
فهذه سبع صفات هي: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، وهي التي تسمى بالمعاني؛ لأنها تجمع كثيراً من الصفات الأخرى التي تدخل فيها.
وهناك نوع آخر من الصفات هي: الصفات الجامعة للكبرياء والعظمة والجلال والرحمة ونحوها، فهذه تسمى الصفات الجامعة، ولذا قال:
[وصفة جامعة فلتعلمه من ذاك فاعدد فضله وكرمه]
فالفضل والكرم والجود ونحو ذلك؛ كل هذه من الصفات الجامعة.
فهذه يوجبها العقل إيجاباً، ويستحيل ضدها على الله سبحانه وتعالى عقلاً، بالإضافة إلى ما أوجبه النقل من الصفات الأخرى.
والصفات التي أوجبها النقل كثيرة جداً لا حصر لها، لكن الصفات التي أوجبها العقل في حق موجد هذا الكون هي هذه الصفات.
استحالة أضداد الصفات الواجبة لله تعالى
ثم بدأ بذكر الصفات المستحيلة فقال:
[... منزه عن الحدوث والغير]
قوله: (منزه)، أي: تنزيهاً عقلياً، بمعنى: أنه يقتضي العقل تنزهه وتقدسه عن هذه الصفات، ويستحيل في حقه الاتصاف بها، وهي أضداد المذكورات، فصفة الوجود ضدها العدم، والوحدانية ضدها التعدد، والغنى ضده الفقر، والقدم ضده الحدوث، والبقاء ضده الفناء، والمخالفة ضدها المماثلة، والحياة ضدها الموت، والعلم ضده الجهل، والإرادة ضدها الإكراه أو عدم حصول الإرادة، والقدرة ضدها العجز، والتكلم ضده البكم، والسمع ضده الصمم، والبصر ضده العمى، وهذه الصفات مستحيلة عليه سبحانه وتعالى، ولذلك قال: (منزهاً عن الحدوث والغير)
والغير بمعنى: أن تعرض له الحوادث والآفات، فالله سبحانه وتعالى لا تعترضه الحوادث والآفات، ولا تحل به سبحانه وتعالى، فهو مدبر هذا الكون، وهو محدث هذه الأمور.
تنزيه الله عز وجل عن حدوث الصفات
[وعن حدوث العلم والإرادة وصفة الكلام عند الذادة]
كذلك هذه الصفات قديمة غير محدثة، وهذا الفرق بينها وبين صفات الأفعال، فصفات الأفعال يجوز العقل حدوثها، فيجوز العقل أن يحدث الله ما شاء من خلقه، وأن يفعل ما شاء في أي وقت، لكن هذه الصفات السابقة من المستحيل أن تكون قد تجددت له؛ لأنه هو قديم وهذه صفاته.
فحياته وقدمه وبقاؤه وإرادته وعلمه لم يكتسبها من خلقه، فلم يكتسب من خلقه أي صفة؛ فهو الخالق ولا خلق، وهو الرازق ولا رزق، وهو المحيي وهو المميت قبل وجود الكون كله، فهو المتصف بهذه الصفات حتى قبل أن تظهر تجلياتها في عجائب خلقه.
ولهذا قال:
وعن حدوث العلم والإرادة
ومعناه: يستحيل في حقه أن يكون جاهلاً بشيء ثم يحدث له العلم، وكذلك يستحيل في حقه تجدد الإرادة، وهذا رد على اليهود الذين يزعمون البداءة على الله، فإنهم يقولون: إنه بدا له بداء، أي: ظهر له أمر كان قد خفي عنه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ولا ينافي هذا تجاذب الإرادتين، فالإرداة كما ذكرنا أنواع، فيمكن أن تتجاذب، مثل قوله سبحانه في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه)، فهذا داخل في القدر، والقدر يرد الله بعضه ببعض.
وقوله: (وصفة الكلام عند الذادة)، أي: كذلك يستحيل في حقه حدوث صفة الكلام، فهو المتكلم قبل أن يتكلم بالقرآن، وقبل أن يتكلم بالتوراة، وقبل أن يتكلم بالإنجيل، فهو المتصف بصفة الكلام يتكلم متى شاء بما شاء.
وقوله: (عند الذادة) أي: عند المدافعين عن الشرع من العلماء.
تنزيه الله عز وجل عن الآفات والنقائص
ثم قال:
[فهو متقدس عن الآفات والنقص في النفس وفي الصفات]
قوله: (فهو متقدس عن الآفات)، كذلك من صفاته التقدس عن الآفات، فهو منزه عنها، ولا يمكن أن تحل به الحوادث والآفات.
والآفات مثل: الأمراض والشيخوخة والعجز والفقر ونحو ذلك، فهذه تستحيل في حقه بالكلية عقلاً بالإضافة إلى امتناعها نقلاً أيضاً.
وقوله: (والنقص في النفس وفي الصفات)، كذلك يستحيل في حقه النقص، فأي صفة فيها نقص أو عيب فهي مستحيلة في حقه، سواء كانت من صفات الذات أو من صفات الأفعال، لذلك قال: (والنقص في النفس وفي الصفات).
وعبر بالنفس عن الذات؛ لأن هذا التعبير هو الشرعي، كما سبق بيانه.
ثم قال:
[لا بصفات المحدثين يوصف ...]
فلا يحل أن يوصف بصفات المحدثين وإن كان بعض صفاته يشترك مع بعض صفات المحدثين في الأسماء، لكن لا يحل أن تكيف تلك الصفات على ما يشترك معها في الاسم من صفات المحدثين كاليد والوجه والعين ونحو ذلك، فهذه تشترك مع صفات المحدثين، ومع أجزائه في بعض الأحيان في الاسم فقط.
فمن الاشتراك بالأسماء مع صفات المحدثين: العلم والحياة والإرادة، ومن الاشتراك مع بعض أجزاء المحدثين في الاسم: العين والوجه واليدين، ونحو ذلك، فهذه نظيرها في المخلوق جزء، وهي صفة لله سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يفسر شيء من صفاته على نظير ما في المخلوق؛ لأنه مخالف له، كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11] ، لذلك قال: (لا بصفات المحدثين يوصف).
أي: لا يجوز ذلك في حقه.
والمحدثون هم المخلوقون.
تنزيه الله عز وجل عن التشبيه
[..................... وليس جائزاً لدى من أنصفوا
عليه ما عليهم جاز ولا .........................]
بالنسبة لما يتعلق بالجواز -وهو القسم الثالث من أقسام الصفات- فيجوز في حقه فعل كل الأفعال وتركها، إلا ما ينافي ما ذكر من الكمال فالفعل الذي ينافي الكمال يستحيل في حقه، كاتخاذ الصاحبة والولد ونحو ذلك، فهذا فعل ينافي الكمال، فهو مستحيل في حقه، لكن ما عداه من الأفعال من إحداث أي شيء وإعدامه فهذا جائز في حقه.
لكن لا يجوز في حقه ما جاز في حق المحدثين من الصفات، والذي يجوز في حق المحدثين هو مثل الموت والفناء والافتقار والتأثر بالرضا، وكذلك الانشغال، والسرور بمعنى الفرح بحادث وعارض، أو الحزن بمعنى الألم والانقباض النفسي بسبب شيء، فهذا لا يجوز في حقه أن يوصف به.
بل يوصف به المخلوق فهو الذي يسر بما أوتي ويفرح به، ويحزن لما يصيبه، والله سبحانه وتعالى لا تحل به الحوادث والآفات فلذلك لا يوصف بمثل صفات المحدثين.
وقوله: (وليس جائز لدى من أنصفوا)، أي: أن المنصفين -وهم المثبتة الذين يثبتون صفات الله سبحانه وتعالى- ليس جائزاً عليه عندهم ما عليهم جاز، أي: ما على المحدثين جاز من الصفات.
ثم قال:
[عليه ما عليهم جاز ولا يشبهه من خلقه شيء علا]
كذلك لا يشبهه شيء من خلقه، وكما أنه لا يشبهه شيء فهو لا يشبه شيئاً من خلقه.
وقوله: (علا) بمعنى: تعالى، وهذا ثناء على الله سبحانه وتعالى بعد ذكر صفاته، وهو المستحق للثناء.
يقول:
[وكن عمن يشبهه منزهه ..............]
كذلك يجب تنزيهه عن المشابهة حتى مع إثبات الصفات، فنثبت له ما أثبته لنفسه مع تنزيهه عن الشبه، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[الشورى:11] تقييد لقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11] ، فأثبت سبحانه لنفسه السمع والبصر، لكن ذلك لا يشابهه سمع المحدثين ولا أبصارهم، فكل صفة أثبتت لله سبحانه وتعالى يجب أن تنزه عن أن تكون مشابهة لصفات المخلوقين، وإن اشتركت معها بالاسم لكنها لا تشابهها بوجه من الوجوه.
تنزيه الله عز وجل أن يحويه مكان أو جهة
يقول:
[وكن عما يشبهه منزهه أو أن يضمه مكان أو جهه]
كذلك مما يجب تنزيهه عنه: أن يضمه مكان؛ فهو العلي الكبير، والله أكبر من كل شيء، فلا يمكن أن يحويه مكان، فهو الذي أحدث المكان، وهو الذي خلقه، والمكان كله محصور بالجهات الست.
والمكان أياً كان له ست جهات: الفوق والتحت، واليمين والشمال، والأمام والخلف، أي ست جهات لكل مكان فهو محصور بجهاته، والله سبحانه وتعالى لا يحويه مكان، وإثبات صفة العلو والفوقية له لا ينافي ذلك؛ لأن العلو والفوقية غير محدودين، وليس لذلك حدود، ولذلك قال:
أو أن يضمه مكان أو جهة.
كذلك الجهة إذا قصد بها أنها تضمه وتحده فهي مستحيلة، والجهة من الألفاظ التي يستفصل فيها؛ فإن جاءت على الإطلاق كجهة العلو مثلاً جاز إطلاقها عليه، وإن كانت بمعنى الحد وتقييده فليس كذلك، ولا يجوز إطلاقها عليه بهذا المعنى.
ثم بدأ بذكر الصفات المستحيلة فقال:
[... منزه عن الحدوث والغير]
قوله: (منزه)، أي: تنزيهاً عقلياً، بمعنى: أنه يقتضي العقل تنزهه وتقدسه عن هذه الصفات، ويستحيل في حقه الاتصاف بها، وهي أضداد المذكورات، فصفة الوجود ضدها العدم، والوحدانية ضدها التعدد، والغنى ضده الفقر، والقدم ضده الحدوث، والبقاء ضده الفناء، والمخالفة ضدها المماثلة، والحياة ضدها الموت، والعلم ضده الجهل، والإرادة ضدها الإكراه أو عدم حصول الإرادة، والقدرة ضدها العجز، والتكلم ضده البكم، والسمع ضده الصمم، والبصر ضده العمى، وهذه الصفات مستحيلة عليه سبحانه وتعالى، ولذلك قال: (منزهاً عن الحدوث والغير)
والغير بمعنى: أن تعرض له الحوادث والآفات، فالله سبحانه وتعالى لا تعترضه الحوادث والآفات، ولا تحل به سبحانه وتعالى، فهو مدبر هذا الكون، وهو محدث هذه الأمور.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4830 استماع |
بشائر النصر | 4289 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4132 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4060 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 4000 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3947 استماع |
عداوة الشيطان | 3934 استماع |
اللغة العربية | 3931 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3907 استماع |
القضاء في الإسلام | 3897 استماع |