الصبر عدة المؤمن


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل للإنسان خمسة أعمار:

عمر الإنسان في عالم الذر

أولها: عمره في عالم الذر عندما: (مسح الله ظهر آدم ببطن نعمان، فأخرج منه ذريته، فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا).

وفي ذلك الوقت دخل البشر جميعاً إلى حيز الوجود، فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب الكريم، وأخذ عليهم العهد بعبادته، وأن لا يعبدوا الشيطان من دونه، قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس:60-61] .

عمر الإنسان في هذه الحياة

العمر الثاني: عمر الإنسان فوق الأرض في هذه الحياة الدنيا:

وهو عمر التكليف، ومدته يسيرة لا يمكن أن تقارن بالعمر السابق، فأنت قد دخلت الوجود في حياة آدم عليه السلام، ومن ذلك الوقت وأنت موجود في عالم الذر حتى برزت للوجود فوق الأرض، فوجودك الحالي مدته يسيرة محصورة، قد تعيش أربعين سنة، وقد تعيش خمسين، وقد تعيش ستين، ومصير الأمر ومنتهاه إلى الموت.

فهذا العمر هو العمر الثاني، لكنه العمر المركزي من أعمال الإنسان، إذ فيه التكليف والابتلاء والامتحان؛ ولذلك يحتاج الإنسان فيه إلى عدة، وسنذكر بعض ما يعترضه من العوارض والآفات في هذا العمر القصير.

عمر الإنسان في البرزخ

العمر الثالث: عمر الإنسان تحت الأرض في البرزخ بعد الموت:

وذلك العمر يبدأ من ضجعته في قبره، وأول ما يجد فيه ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع، وتزول منها الحمائل، ثم بعد ذلك سؤال الملكين منكر ونكير، ما ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، والرجل المبعوث فينا هو محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد هو محمد هو محمد ثلاثا، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا واتبعنا.

وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

فأما المؤمن فيقول له الملكان: صدقت وبررت، قد علمنا إن كنت لموقناً، نم نومة عروس، ويملآن عليه قبره خضراً ونوراً.

وأما المنافق أو المرتاب فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ويضربانه بمشاقص أو بمرزبة معهما لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الإنس والجن.

وذلك العمر يكون الإنسان فيه إما منعم أو معذب، فالقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، لكن مدته كذلك محصورة يسيرة؛ لانتهائها إلى البعث.

عمر الإنسان يوم البعث والنشور

العمر الرابع: عمر الإنسان فوق الساهرة عندما يبعث إلى ربه، فينادى الناس في قبورهم: هلموا إلى ربكم فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون.

في ذلك الوقت تبدل الأرض غير الأرض، وتطوى السماء: فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ[الحاقة:16] ، وفي ذلك الوقت يحشر الناس جميعاً إلى الساهرة، وهي أرض المحشر البيضاء، يقف الواقف على طرفها فيرى طرفها الآخر، تجمع الخلائق من لدن آدم إلى نهايتهم، يأتونها جميعاً حفاة عراة غرلاً، ليس مع أحد منهم إلا عمله، وتدنو الشمس من رءوسهم حتى تكون كالميل، ويؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك، فمجموع ذلك: أربعة مليارات وتسعمائة مليون من الملائكة يجرون جهنم جراً وهم صفوف، حتى تحيط بالناس من كل جانب.

ولا يستظل الإنسان يومئذ إلا بظل صدقته فمن مستقل أو مستكثر، وذلك الوقت لاشك عمر طويل، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[الحج:47] ، ولهذا فإنه ينسى ما سبقه من الأعمار، فإن الله سبحانه وتعالى يسألهم كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ[المؤمنون:112-116].

عمر الإنسان الأبدي إما في الجنة وإما في النار

العمر الخامس: عمر الإنسان الأبدي السرمدي إما في جنة أو في نار:

وهو الذي لا انقطاع له ولا انتهاء، أما في الجنة فيجد الإنسان ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكلما ازداد فيها خلوداً وبقاء كلما ازداد تنعيماً، كل يوم هو في مسرة جديدة، فلا تنقطع ملذاتها، اللذة الأولى التي يجدها هي عندما يصل إليه شيء من روحها وريحانها تبقى معه طيلة بقائه في الجنة، ويأتي بعدها مليارات اللذات كل لذة تأتي على سابقتها دون انقطاع، فنعيم الجنة لا يزول، وكذلك لا يمل شيء مما فيها، كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا[البقرة:25] .

وأبلغ ما فيها من أنواع النعيم: النظر إلى وجه الله الكريم، فبينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم، فيرفعون أبصارهم فإذا الرب جل وعلا يناديهم من فوقهم سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ[يس:58] ، فلا ينظرون إلى شيء مما هم فيه ما داموا ينظرون إلى وجهه الكريم وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة:22-23]، (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته).

وإما في نار فيها غاية المذلة والهوان، وأنواع الخزي والعار؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى وصف حالها عند أول دخولهم لها، قال: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا[الفرقان:12-14].

ووصف استقرارهم فيها فقال: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ[النساء:56] .

وأبلغ ما فيها من الهوان أنهم لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، يمكثون فيها وهم ينادون: يا مالك نضجت منا الجلود، يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود, فيمكثون أربعين حولاً وهم يكررون ذلك، فيجيبهم فيقول: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ[المؤمنون:108] . وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ[الزخرف:77] ، فذلك العمر الطويل الذي لا انقطاع له، مرتب على هذا العمر القصير المنقطع المنتهي وهو عمر الإنسان في هذه الحياة.

من لطف الله بالإنسان أنه لم يكلفه في وقت ضعفه ونشأته

وعمر الإنسان في هذه الحياة بدايته من خروجه إلى الوجود، ومن لطف الله ورحمته أنه لم يكلفه بالتكاليف في وقت ضعفه ونشأته، فلم يكلفه إلا بعد البلوغ، عندما يبلغ يبدأ صاحب اليمين وصاحب الشمال يكتبان أعماله فلا يفوت شيء منها، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار:10-12] ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18] .

فتبدأ الكتابة من لدن التكليف، وتستمر إلى أن يدخل الإنسان في غيبوبة الموت، وهذا العمر الدنيوي، الذي يجد الإنسان يوم القيامة كل شيء عمله فيه يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ[آل عمران:30] .

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[الزلزلة:7-8].

أولها: عمره في عالم الذر عندما: (مسح الله ظهر آدم ببطن نعمان، فأخرج منه ذريته، فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا).

وفي ذلك الوقت دخل البشر جميعاً إلى حيز الوجود، فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب الكريم، وأخذ عليهم العهد بعبادته، وأن لا يعبدوا الشيطان من دونه، قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس:60-61] .

العمر الثاني: عمر الإنسان فوق الأرض في هذه الحياة الدنيا:

وهو عمر التكليف، ومدته يسيرة لا يمكن أن تقارن بالعمر السابق، فأنت قد دخلت الوجود في حياة آدم عليه السلام، ومن ذلك الوقت وأنت موجود في عالم الذر حتى برزت للوجود فوق الأرض، فوجودك الحالي مدته يسيرة محصورة، قد تعيش أربعين سنة، وقد تعيش خمسين، وقد تعيش ستين، ومصير الأمر ومنتهاه إلى الموت.

فهذا العمر هو العمر الثاني، لكنه العمر المركزي من أعمال الإنسان، إذ فيه التكليف والابتلاء والامتحان؛ ولذلك يحتاج الإنسان فيه إلى عدة، وسنذكر بعض ما يعترضه من العوارض والآفات في هذا العمر القصير.

العمر الثالث: عمر الإنسان تحت الأرض في البرزخ بعد الموت:

وذلك العمر يبدأ من ضجعته في قبره، وأول ما يجد فيه ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع، وتزول منها الحمائل، ثم بعد ذلك سؤال الملكين منكر ونكير، ما ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، والرجل المبعوث فينا هو محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد هو محمد هو محمد ثلاثا، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا واتبعنا.

وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

فأما المؤمن فيقول له الملكان: صدقت وبررت، قد علمنا إن كنت لموقناً، نم نومة عروس، ويملآن عليه قبره خضراً ونوراً.

وأما المنافق أو المرتاب فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ويضربانه بمشاقص أو بمرزبة معهما لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الإنس والجن.

وذلك العمر يكون الإنسان فيه إما منعم أو معذب، فالقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، لكن مدته كذلك محصورة يسيرة؛ لانتهائها إلى البعث.

العمر الرابع: عمر الإنسان فوق الساهرة عندما يبعث إلى ربه، فينادى الناس في قبورهم: هلموا إلى ربكم فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون.

في ذلك الوقت تبدل الأرض غير الأرض، وتطوى السماء: فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ[الحاقة:16] ، وفي ذلك الوقت يحشر الناس جميعاً إلى الساهرة، وهي أرض المحشر البيضاء، يقف الواقف على طرفها فيرى طرفها الآخر، تجمع الخلائق من لدن آدم إلى نهايتهم، يأتونها جميعاً حفاة عراة غرلاً، ليس مع أحد منهم إلا عمله، وتدنو الشمس من رءوسهم حتى تكون كالميل، ويؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك، فمجموع ذلك: أربعة مليارات وتسعمائة مليون من الملائكة يجرون جهنم جراً وهم صفوف، حتى تحيط بالناس من كل جانب.

ولا يستظل الإنسان يومئذ إلا بظل صدقته فمن مستقل أو مستكثر، وذلك الوقت لاشك عمر طويل، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[الحج:47] ، ولهذا فإنه ينسى ما سبقه من الأعمار، فإن الله سبحانه وتعالى يسألهم كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ[المؤمنون:112-116].




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع