يا لجراحات المسلمين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه المحاضرة (يا لجراحات المسلمين) تُلقى في هذا المسجد الجامع الكبير، بمدينة المجمعة، في ليلة الجمعة آخر يوم من شهر صفر من سنة (1413هـ).

أيها الأحبة.. من الحضور، وأيها الأحبة.. من أهل المجمعة، إني لا أشكركم لأنكم دعوتموني إلى المحاضرة فحسب؛ ولكنني أشكركم لأمورٍ، منها:

إلحاحكم الدائم الذي أحرجني وأشعرني بالتقصير في حقكم، وبُعد العهد معكم، فقلما يمر أسبوع أو أقل من ذلك، إلا وألتقي بوجوه أحبة كرام من هذا البلد الكريم يطلبون إليَّ فيها الشخوص إليهم، والحديث معهم، وزيارة مدينتهم المباركة الطيبة.

وأشكرهم أيضاً للزيارة المستمرة التي يشمرونني بها شيباً وشباباً للسلام، والمحادثة، والجلوس، والزيارة في الله عز وجل.

وأشكرهم أيضاً للبذل الكريم السخي، الذي لمسته منهم كما لمسه غيري في قضايا المسلمين وحاجاتهم، وهذا مما يدل على عُمق الرابطة الأخوية بيننا وبين إخواننا المسلمين في كل مكان.

كما أشكرهم أخيراً لنشاطهم العلمي والدعوي الذي نحمد الله تبارك وتعالى عليه.

وربما كُنت ذكرت لكم يوماً من الدهر، أنني أتيت قبل سنين طويلة إلى هذا البلد، فلم أجد فيه ما نجده اليوم من هذا الإقبال الكبير على الخير، وهذا الاندفاع المبهج نحو الأعمال الصالحة، وهذا الحضور الحاشد لمثل تلك المجالس والمحاضرات والدروس، فالحمد لله الذي بدّل الأحوال بما هو خير وأفضل، وأرانا في هذه البلاد كلها ما يسر كل غيورٍ على دينه، حريصٍ على أمته، ثم شكراً لكم شكراً على كل ما قدمتم وبذلتم.

هذه المحاضرة -أيها الأحبة- ليست نشرة أخبار، تتكلم عن أحوال المسلمين في هذا البلد أو ذاك، وليست تحليلاً أو تقريراً يصف الأوضاع وُيشخّصها ويربط الأمور بعضها ببعض، وأنَّى لنشرة إخبارية، أو تحليلٍ، أو تقريرٍ، أن يُلم بمصائب أمة تسكن فطاع عريضة من الأرض، أو يتحدث عن كارثة نـزلت بما يقارب ألف مليون إنسان.

إننا نستطيع أن نُشخِّص مصيبة فرد واحد، أو كارثة أسرة بعينها، ونتكلم عن ذلك بما يبكي العيون، ويحرِّك جامد القلوب، ويهز الضمير والوجدان.

وأنت تسمع أحياناً قصيدة عربية، أو نبطية، يتكلم فيها الشاعر عن مصابه الشخصي، وهو سجين،أو مريض، أو طريد، أو شريد، أو فقير، أو مات أهله وأقرباؤه وذووه، فلا تملك الدمعة من عينه، ومن هو الذي يستطيع -مثلاً- أن يسمع قصيدة أبي ذؤيب الهذلي حين مات بنوه السبعة بالطاعون في عام واحد، فأنشأ قصيدة طويلة معروفة:

أمن المنون وريبها تتوجعُ؟           ولدهر ليس بمعتبٍ من يجزعُ

أودى بنيَّ فأعقبوني حسرةً     بعد الرقادِ وعبرةً ما تقلعُ

ولقد حِرصتُ بِأن أُدافعَ عنهُمُ     وإذا المنيةُ أقبلت لا تُدفعُ

وإذا المنية أنشبت أظفَارَها     ألفيتُ كُل تَميمةٍ لا تنَفعُ

فالعين بعدهم َكأنَّ حداقها     كحِلتْ بِشوكٍ فهي عُورُُ تَدمعُ

وتجلُدي للشامتينَ أُرِيهُمُ     أني لِريبَ الدهرُ لا أتزعزعُ

من هو الذي يستطيع أن يسمع هذه القصيدة، فلا يتأثر قلبه أو يهتز أو يملك عينه من الدمع؟ أو يسمع قصيدة ذلك الشاعر الآخر، الذي شُرِّد وطُرد من بلده، وأُبعد عن أهله وأحبابه وجيرانه، فكتب قصيدةً بدمع العيون بل بدم القلوب، يصف فيها حاله:

طال اغترابي وما بيني بمُقتضب     والدهرُ قد جدَّ في حربي وفي طلبي

والشوقُ في أضلعي نارٌ تذوبني     ما أفتكَ الشوقَ في أضلاعِ مُغتربِ

كم ذا أحنُّ إلى أهلي.. إلى ولدي..     إلى صِحابي وعهد الجَد واللعـِـبِ

إلى المنازل من دينٍ ومن خُلقٍ     إلى المناهلِ من علمٍ ومن أدبِ

إلى المساجدِ قد هامَ الفُؤادُ بها     إلى الآذان كلحن الخُلد في صببِ

الله أكبر هَل أحيا لِأسمعها     إن كان ذلكَ يا فوزي ويا طربي

إني غريبُُ غريبُ الروح منفردُُ     إني غريبُُ غريبُ الدارِ والنسبِ

ألقى الشدائدَ ليلي كُلهُ سهرُُ     وما نِهاري سِوى ليلي بِلا شُهُبِ

أكابد السقم في جسمي وفي ولدي     ,في رفيقةَ دربٍ هدها خببِ

من يستطيع أن يسمع تلك القصيدة الطويلة، فلا يحزن ويأسى ويشارك الشاعر في مُصابه، أو من ذا الذي يستطيع أن يسمع قصائد كثيرة من هذا القبيل، أو كلماتٍ منثورة، تحكي مصيبة فردٍ، أو أسرة إلا ويتأثر بها؟

فما بالك إذا كان الحديث عن مصاب أمةٍ بأكملها، ثم هذا المصاب الطويل العريض، ماذا تأخذ منه وماذا تذر؟ أتتحدث عن مصاب الأمة، وهى تتحطم تحت سنابك خيول العدو؟ أم تتحدث عن مصاب هذه الأمة وهى تموت جوعاً، وعرياً، وفقراً، ومسغبةً على حين أنها أغنى الأمم وأثراها وأكثرها أموالاً وأولاداً؟!

أم تتحدث عن مصاب هذه الأمة حين يقتل بعضها بعضاً، ويسفك بعضها دم بعض؟! أم تتحدث عن مصيبة هذه الأمة حين تفارق دينها وتجهل حدود ما أنـزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم؟! أم تتحدث عن هذا أم عن ذاك أم عن غيرهم؟

إن الذي يريد أن يتكلم عن مصائب هذه الأمة في دقائق أو ساعات، أو حتى في كتاب، يحاول أمراً مُحالاً، ولكنني في هذه الكلمة والجلسة أريد أن نتذاكر معكم نماذج من هذا وذاك، ليس لمجرد التلذذ بنكء الجراح، وتهييج القلوب على المصائب، فإن هذا لا يقدم ولا يؤخر؛ وبالتأكيد فهذا الحزن الذي يملئ قلوبنا لا يمكن أن يشبع جائعاً، ولا يروي ظمئاناً، ولا يؤمن خائفاً، ولا يسلّح أعزلاً، ولا يعلِّم جاهلاً، وإنما نريد أن نتحدث لنضع أيدينا على الداء والعلة، ونحاول أن نتعرف على الدواء والعلاج، ثم لنعرف موقعنا نحن من هذه الخريطة الحمراء بالدم، السوداء بالقحط والجفاف، البيضاء بأكفان الموتى، لندرك أن ما أصاب أخاك اليوم قد يصيبك غداً، وإنما أُكُلت يوم أكلُ الثور الأبيض.

أيها الأحبة.. لسنا ممن يتلذذ بمضغ آلام المسلمين وهمومهم، بل علمَ الله أن الإنسان أحياناً، وهو يقرأ في الأخبار، أو يسمع بعض المصائب، لو أراد أن يتحدث عنها ما أسعفته العبارة!! ولعجز عن الحديث، فإن الواقع أحياناً أكبر من الكلمات، كما سوف يبدو لك، وخذ هذه النماذج السريعة، التي لا أزعم أنني سوف أستوفي ولا جانباً واحداً منها، وإنما هي مجرد عرض سريع، حتى تستطيع أن تُكِّون تصوراً عاماً عن بعض هذه المصائب:

أحوال المسلمين في البوسنة والهرسك

لعل أول ما يخطر في البال هو ما يلاقيه المسلمون في جمهورية البوسنة والهرسك، فعدد الهاربين اللآجئين إلى دول العالم من هذه الجمهورية المسلمة يزيد على مليوني إنسان!! وعدد الشباب الذين حُشدوا وحُشِروا في معسكرات الاعتقال الصربية، أكثر من مائة ألف إنسان!! حشروا فيما يزيد على أربعين معسكراً، في أوضاع وظروف مأساوية لا يمكن تصورها، والكثيرون منهم، هم عبارة عن هياكل عظمية ليس فيها إلا هذه الأنفاس التي تتردد، أما بقيةٌ من حياة وإلا فالموت منهم قاب قوسين أو أدني!

هذا الحصار على البقية الباقية من أرض المسلمين هناك وإلاَّ فإن أعداء الإسلام قد سيطروا على نحو (70%) من الأرض الإسلامية، أمَّا (30%) فهي المنطقة التي تدور فيها حرب الشوارع، ويقتل فيها المسلمون في بيوتهم، أما الحديث عن الاعتداء على أعراض المسلمات بالقوة والاغتصاب من قبل جنود الصرب، فهو حديثُُ بشعُُ فظيعُُ فوق مستوى ما يتصوره إنسان.

أما الحديث عن الآلاف من الأطفال الذين منهم من قتل بصورة بهيمية بشعة، والكثيرون منهم وصلوا إلى البلاد الأوروبية، حيث يُنّصرون هناك، ويكفي أن تعلم أن ألمانيا فقط استقبلت ما يزيد على مائتي ألف إنسان مسلم من تلك البلاد!! وحدّث ولا حرج عن البلاد الأخرى وهى كثيرة في أمريكا وبريطانيا، وفرنسا، وكرواتيا، وصربيا، وفي بلاد أخري كثيرة.

لم يكتف العدو بالحصار، ولم يكتف بحرب الشوارع، بل أصبحت الطائرات تقصف المدن الإسلامية بقسوة وضراوة، وأصبحت تستخدم حتى القنابل المحرمة دولياً كقنابل النابال، والقنابل والأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والعنقودية وغيرها، والعالم كله يتفرج وٌيطّمئن الصرب! لأنه لا يمكن أن يتدخل ولا يفكر في التدخل، لأن البوسنة والهرسك ليست الكويت، وأوروبا قالتها صريحة: نحن لا نريد دولة إسلامية أصولية في أوروبا، والرئيس بوش حذر رئيس البوسنة والهرسك: علي عزت من العرب والأصوليين، وقال: هذه خطوط حمراء يجب أن تقفوا دونها فماذا يملك المسلمون؟!

حتى الإغاثة تتم تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهناك معلومات مؤكدة، حتى في الصحف غير الإسلامية، تؤكد أن مندوبي الأمم المتحدة سواءً من العسكريين، أو القائمين على أعمال الإغاثة، أنهم ينحازون دائماً إلى جانب الصرب، وهاهنا تقارير عدة في مجلة المجتمع، وفي مجلة روز اليوسف المصرية، وفي تقارير غربية كثيرة، تؤكد انحياز موظفي الأمم المتحدة إلى جانب الصرب، لأنهم في الغالب من النصارى، حتى في موضوع الإغاثات والمساعدات الإنسانية.

أحوال المسلمين في الصومال

تنتقل إلى جرحٍ آخر نازف في الصومال، فتجد أن هذا البلد الإسلامي الذي لا يوجد فيه نصراني واحد في الأصل، بل هو مسلم (100%) أن النصارى والغرب استماتوا في تقسيم وتمزيق هذا البلد، حتى إنهم قسموه إلى خمسة أجزاء في عهد الاستعمار -ما بين الصومال البريطاني، والفرنسي، والإيطالي، والكثير إلى غير ذلك- ثم سلطوا عليه حاكماً فاسداً فاجراً: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:10] حتى أشاع النعرات القبلية، واضطهد هذا البلد، وحارب الإسلام، وجعله في وضع مآساوي مريع، وقتل العلماء، وعلقهم على أعواد المشانق، ثم لما وصل البلد إلى هذا المستوى الفظيع، أنسحب هذا الحاكم، وفرَّ بنفسه وأعوانه وأمواله وجنوده، وترك هذا البلد يتصارع بعضه مع بعض، والغرب يتفرج على هذا الصراع، ويُغذي الجانب الأضعف، حتى يتمكن من المقاومة، وظل الغرب زماناً طويلاً، وهو ينظر إلى أبشع مأساة إنسانية في هذا القرن، حيث يُتعرض أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، إلى الموت جوعاً بسبب المجاعة، والفقر، والمرض، والعطش، بسبب الأوضاع الصحية السيئة المتردية إلى أبعد الحدود.

ولذلك صرحوا بأننا تأخرنا في قضية إغاثة الصومال، أكثر مما يجب، وهذه الأعداد التي تُعاني من الفقر والمجاعة، هي هاربة من جحيم الحرب، هذه الحرب التي أوجدها الغرب بين عملائه من العلمانيين الذين يحملون شتى الأسماء والشعارات واللافتات، وهم على كل حال مدافعون عن مصالح الغرب، وهي الفرصة الذهبية للمنظمات التنصيرية، حيث أصبحت تستقبل أعداداً كبيرة من الهاربين من جحيم الحرب، والفقر، والمجاعة، وقد تكلم أحد التقارير المتأخرة التي وصلتني قبل يومين، عن بعض المشاهدات.

فعلى سبيل المثال: أعداداً غفيرة من الناس، تقف طوابير عند إحدى المنظمات، لماذا؟

لأجل أن تسجل أولادها وأطفالها في قوائم الراغبين في السفر إلى أوروبا، وأمريكا، حتى يجدوا الحياة المطمئنة هناك وهم أطفال، وقطعاً سوف يتخرج هؤلاء قُسساً ورهباناً، ومنصرين، ثم يعودون إلى الصومال بأسماء نصرانية، ويحملون الصليب بيد، والإعانة بيدٍ أخرى، وربما عادوا حكاماً للصومال في وقت من الأوقات كما يطمح الغرب، وإحدى المنظمات النصرانية الأخرى، تمد العون للمسلمين، ثم يقول أحد المسئولين فيها بصوت جهوري، يقول: ها نحن نقدم لكم الكساء والغذاء، فأين المسلمون؟!

فماذا تتصور إزاء مثل هذا الوضع، ثم تجد أن جميع الدول الإسلامية، لم تُبدِ واحدة منها استعداداً لاستقبال اللاجئين المسلمين، بل لقد مكث اللاجئون في البحر أياماً طويلة على حدود اليمن قبل أن يؤذن لهم، حتى مات منهم في الباخرة أكثر من مائتي إنسان!! وماذا يشكل موت مائتي إنسان مسلم على الباخرة؟ إنه أمرٌ عادي غير ذي بال.

إنك تأسف حين تعلم أن أكثر اللاجئين المسلمين الصوماليين ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا، فنصف اللاجئين تقريباً في أوروبا وأمريكا، أما النصف الآخر فهم موجودون في كينيا وغيرها من الدول المجاورة.

وتحزن أكثر حينما تعلم أن منظمة الصليب الأحمر الدولي، قد خصصت أكثر من (20%) هذا العام من ميزانيتها لإنقاذ الوضع في الصومال، وأي شيء هي منظمة الصليب الأحمر الدولي؟

أفغانستان والجرح النازف

ننتقل -مثلاً- إلى أفغانستان فتجد أن هذا الجرح بعد ما كاد يلتئم، عاد من جديد جرحاً نازفاً، وبدأت المعارك الطاحنة في كابول، ثم تفرعت إلى الولايات الأخرى، ويكفي أن تعلم أن تقرير الأمم المتحدة، يتحدث عن أكثر من ألفي قتيل، خلال خمسة عشر يوماً فقط.

فما بالك بالقتلى قبل ذلك وبعده، أو القتلى في الولايات الأخرى، أو القتلى الذين لم تأتِ عليهم تلك الإحصائيات فضلاً عن انقطاع المؤن، والأغذية، والإمدادات، والكهرباء، والاتصالات، وغير ذلك.

فضلاً عن أن هناك حلماً كبيراً كان المسلمون جميعاً يُعلقون عليه آمالاً عريضة، بدأ المسلمون يراجعون نظرتهم، والكثير منهم بدأت تساوره الشكوك تجاه جدية وجود دولة إسلامية صادقة في أفغانستان.

إريتريا جرحٌ قديم

تنتقل بعد ذلك إلى إريتريا، وهو جرح قديم، لكن ربما أن كثرة المصائب والمشاكل أشغلت المسلمين عنه، وقد يفاجأ البعض حينما أقول لهم: إن في السودان وحدها أكثر من مليون ونصف لاجئ إريتيري، منهم سبعمائة ألف في المعسكرات، في أوضاع في منتهى الفقر، لا يجد الواحد منهم إلا ما يسد رمقه، أو يستر سوأته وعورته فحسب، وفي داخل إريتريا أيضاً يواجهون من الصعوبات في ظل الجبهة الشعبية الحاكمة الشيء الكثير، وهي جبهة شعبية علمانية نصرانية، ويوجد فيها بعض المسلمين الذين يتسمون غالباً بالطابع العلماني.

إفريقيا والنظرة الغربية

تنتقل إلى مناطق أخرى، في إفريقيا فتجد أن الغرب فعلاً يؤكد على ضرورة أن تتحول إفريقيا كلها إلى قارة نصرانية، وكل التقارير المسيحية تؤكد على ضرورة أن تتحول إفريقيا إلى قارة نصرانية! خلال عام ألفين، وهناك جهود جبارة لمجلس الكنائس العالمي في هذا الصدد، وقد تكلمت عن جانبٍ منها، في ضمن الدروس التي خصصتها عن موضوع التنصير.

لعل أول ما يخطر في البال هو ما يلاقيه المسلمون في جمهورية البوسنة والهرسك، فعدد الهاربين اللآجئين إلى دول العالم من هذه الجمهورية المسلمة يزيد على مليوني إنسان!! وعدد الشباب الذين حُشدوا وحُشِروا في معسكرات الاعتقال الصربية، أكثر من مائة ألف إنسان!! حشروا فيما يزيد على أربعين معسكراً، في أوضاع وظروف مأساوية لا يمكن تصورها، والكثيرون منهم، هم عبارة عن هياكل عظمية ليس فيها إلا هذه الأنفاس التي تتردد، أما بقيةٌ من حياة وإلا فالموت منهم قاب قوسين أو أدني!

هذا الحصار على البقية الباقية من أرض المسلمين هناك وإلاَّ فإن أعداء الإسلام قد سيطروا على نحو (70%) من الأرض الإسلامية، أمَّا (30%) فهي المنطقة التي تدور فيها حرب الشوارع، ويقتل فيها المسلمون في بيوتهم، أما الحديث عن الاعتداء على أعراض المسلمات بالقوة والاغتصاب من قبل جنود الصرب، فهو حديثُُ بشعُُ فظيعُُ فوق مستوى ما يتصوره إنسان.

أما الحديث عن الآلاف من الأطفال الذين منهم من قتل بصورة بهيمية بشعة، والكثيرون منهم وصلوا إلى البلاد الأوروبية، حيث يُنّصرون هناك، ويكفي أن تعلم أن ألمانيا فقط استقبلت ما يزيد على مائتي ألف إنسان مسلم من تلك البلاد!! وحدّث ولا حرج عن البلاد الأخرى وهى كثيرة في أمريكا وبريطانيا، وفرنسا، وكرواتيا، وصربيا، وفي بلاد أخري كثيرة.

لم يكتف العدو بالحصار، ولم يكتف بحرب الشوارع، بل أصبحت الطائرات تقصف المدن الإسلامية بقسوة وضراوة، وأصبحت تستخدم حتى القنابل المحرمة دولياً كقنابل النابال، والقنابل والأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والعنقودية وغيرها، والعالم كله يتفرج وٌيطّمئن الصرب! لأنه لا يمكن أن يتدخل ولا يفكر في التدخل، لأن البوسنة والهرسك ليست الكويت، وأوروبا قالتها صريحة: نحن لا نريد دولة إسلامية أصولية في أوروبا، والرئيس بوش حذر رئيس البوسنة والهرسك: علي عزت من العرب والأصوليين، وقال: هذه خطوط حمراء يجب أن تقفوا دونها فماذا يملك المسلمون؟!

حتى الإغاثة تتم تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهناك معلومات مؤكدة، حتى في الصحف غير الإسلامية، تؤكد أن مندوبي الأمم المتحدة سواءً من العسكريين، أو القائمين على أعمال الإغاثة، أنهم ينحازون دائماً إلى جانب الصرب، وهاهنا تقارير عدة في مجلة المجتمع، وفي مجلة روز اليوسف المصرية، وفي تقارير غربية كثيرة، تؤكد انحياز موظفي الأمم المتحدة إلى جانب الصرب، لأنهم في الغالب من النصارى، حتى في موضوع الإغاثات والمساعدات الإنسانية.

تنتقل إلى جرحٍ آخر نازف في الصومال، فتجد أن هذا البلد الإسلامي الذي لا يوجد فيه نصراني واحد في الأصل، بل هو مسلم (100%) أن النصارى والغرب استماتوا في تقسيم وتمزيق هذا البلد، حتى إنهم قسموه إلى خمسة أجزاء في عهد الاستعمار -ما بين الصومال البريطاني، والفرنسي، والإيطالي، والكثير إلى غير ذلك- ثم سلطوا عليه حاكماً فاسداً فاجراً: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:10] حتى أشاع النعرات القبلية، واضطهد هذا البلد، وحارب الإسلام، وجعله في وضع مآساوي مريع، وقتل العلماء، وعلقهم على أعواد المشانق، ثم لما وصل البلد إلى هذا المستوى الفظيع، أنسحب هذا الحاكم، وفرَّ بنفسه وأعوانه وأمواله وجنوده، وترك هذا البلد يتصارع بعضه مع بعض، والغرب يتفرج على هذا الصراع، ويُغذي الجانب الأضعف، حتى يتمكن من المقاومة، وظل الغرب زماناً طويلاً، وهو ينظر إلى أبشع مأساة إنسانية في هذا القرن، حيث يُتعرض أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، إلى الموت جوعاً بسبب المجاعة، والفقر، والمرض، والعطش، بسبب الأوضاع الصحية السيئة المتردية إلى أبعد الحدود.

ولذلك صرحوا بأننا تأخرنا في قضية إغاثة الصومال، أكثر مما يجب، وهذه الأعداد التي تُعاني من الفقر والمجاعة، هي هاربة من جحيم الحرب، هذه الحرب التي أوجدها الغرب بين عملائه من العلمانيين الذين يحملون شتى الأسماء والشعارات واللافتات، وهم على كل حال مدافعون عن مصالح الغرب، وهي الفرصة الذهبية للمنظمات التنصيرية، حيث أصبحت تستقبل أعداداً كبيرة من الهاربين من جحيم الحرب، والفقر، والمجاعة، وقد تكلم أحد التقارير المتأخرة التي وصلتني قبل يومين، عن بعض المشاهدات.

فعلى سبيل المثال: أعداداً غفيرة من الناس، تقف طوابير عند إحدى المنظمات، لماذا؟

لأجل أن تسجل أولادها وأطفالها في قوائم الراغبين في السفر إلى أوروبا، وأمريكا، حتى يجدوا الحياة المطمئنة هناك وهم أطفال، وقطعاً سوف يتخرج هؤلاء قُسساً ورهباناً، ومنصرين، ثم يعودون إلى الصومال بأسماء نصرانية، ويحملون الصليب بيد، والإعانة بيدٍ أخرى، وربما عادوا حكاماً للصومال في وقت من الأوقات كما يطمح الغرب، وإحدى المنظمات النصرانية الأخرى، تمد العون للمسلمين، ثم يقول أحد المسئولين فيها بصوت جهوري، يقول: ها نحن نقدم لكم الكساء والغذاء، فأين المسلمون؟!

فماذا تتصور إزاء مثل هذا الوضع، ثم تجد أن جميع الدول الإسلامية، لم تُبدِ واحدة منها استعداداً لاستقبال اللاجئين المسلمين، بل لقد مكث اللاجئون في البحر أياماً طويلة على حدود اليمن قبل أن يؤذن لهم، حتى مات منهم في الباخرة أكثر من مائتي إنسان!! وماذا يشكل موت مائتي إنسان مسلم على الباخرة؟ إنه أمرٌ عادي غير ذي بال.

إنك تأسف حين تعلم أن أكثر اللاجئين المسلمين الصوماليين ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا، فنصف اللاجئين تقريباً في أوروبا وأمريكا، أما النصف الآخر فهم موجودون في كينيا وغيرها من الدول المجاورة.

وتحزن أكثر حينما تعلم أن منظمة الصليب الأحمر الدولي، قد خصصت أكثر من (20%) هذا العام من ميزانيتها لإنقاذ الوضع في الصومال، وأي شيء هي منظمة الصليب الأحمر الدولي؟

ننتقل -مثلاً- إلى أفغانستان فتجد أن هذا الجرح بعد ما كاد يلتئم، عاد من جديد جرحاً نازفاً، وبدأت المعارك الطاحنة في كابول، ثم تفرعت إلى الولايات الأخرى، ويكفي أن تعلم أن تقرير الأمم المتحدة، يتحدث عن أكثر من ألفي قتيل، خلال خمسة عشر يوماً فقط.

فما بالك بالقتلى قبل ذلك وبعده، أو القتلى في الولايات الأخرى، أو القتلى الذين لم تأتِ عليهم تلك الإحصائيات فضلاً عن انقطاع المؤن، والأغذية، والإمدادات، والكهرباء، والاتصالات، وغير ذلك.

فضلاً عن أن هناك حلماً كبيراً كان المسلمون جميعاً يُعلقون عليه آمالاً عريضة، بدأ المسلمون يراجعون نظرتهم، والكثير منهم بدأت تساوره الشكوك تجاه جدية وجود دولة إسلامية صادقة في أفغانستان.

تنتقل بعد ذلك إلى إريتريا، وهو جرح قديم، لكن ربما أن كثرة المصائب والمشاكل أشغلت المسلمين عنه، وقد يفاجأ البعض حينما أقول لهم: إن في السودان وحدها أكثر من مليون ونصف لاجئ إريتيري، منهم سبعمائة ألف في المعسكرات، في أوضاع في منتهى الفقر، لا يجد الواحد منهم إلا ما يسد رمقه، أو يستر سوأته وعورته فحسب، وفي داخل إريتريا أيضاً يواجهون من الصعوبات في ظل الجبهة الشعبية الحاكمة الشيء الكثير، وهي جبهة شعبية علمانية نصرانية، ويوجد فيها بعض المسلمين الذين يتسمون غالباً بالطابع العلماني.

تنتقل إلى مناطق أخرى، في إفريقيا فتجد أن الغرب فعلاً يؤكد على ضرورة أن تتحول إفريقيا كلها إلى قارة نصرانية، وكل التقارير المسيحية تؤكد على ضرورة أن تتحول إفريقيا إلى قارة نصرانية! خلال عام ألفين، وهناك جهود جبارة لمجلس الكنائس العالمي في هذا الصدد، وقد تكلمت عن جانبٍ منها، في ضمن الدروس التي خصصتها عن موضوع التنصير.

تنتقل بعد ذلك إلى بعض الدول العربية القريبة فماذا تجد!!

أحوال المسلمين في مصر

لو نظرت -مثلاً- إلى مصر، لوجدت أن الأمر كما تقول وكالة الأنباء الفرنسية، أشبه ما يكون بحرب أهلية مصغرة في أسيوط وفي الصعيد كلها، وهى حرب بين أجهزة الأمن التي جندت ما يزيد على خمسين ألف عنصر، حرباً لا أقول ضد ما يسمونه: بالتطرف، ولا ضد الجماعات الإسلامية بل ضد سكان تلك المناطق والمدن والقرى الذين هم في الغالب متدينون، ومسلمون، ومتعاطفون مع الإسلام، ومع طلبة العلم، والمشايخ ومع الجماعات الإسلامية، وقد أخذت أجهزة الأمن في مصر، إذناً بأن تطلق النار على كل من تشتبه فيه، فأصبحت تقتل الشباب في الشوارع.

وطالما دميت قلوبنا ونحن نسمع في وكالات الأنباء الغربية، أن أجهزة الأمن تطلق عيارات نارية على شباب في سن السادسة عشرة، والسابعة عشرة في الشوارع، فترديهم قتلى، وما أسهل أن تقول أجهزة الأمن: إن هؤلاء الناس منتسبون إلى جماعات إسلامية، أو متطرفون، أو أنهم قاموا بأعمال تخريبية، والعجيب في الأمر أن هذه الأجهزة لا حسيب عليها، ولا رقيب!

تتساءل: ماذا صنع المسلمون؟ أين الاحتجاجات من الجمعيات الإسلامية؟! أين الاحتجاجات من العلماء في هذا البلد أو في غيره؟! أين الاحتجاجات من الدعاة؟!

نعم صدرت -مع الأسف- من منظمة أمريكية غربية نصرانية اسمها: منظمة ميدل إيست، وهي إحدى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومقرها في نيويورك، حيث أصدرت بياناً تندد فيه بالأوضاع المأساوية التي آلت إليها حقوق الإنسان في مصر، وتقول: إن أجهزة الأمن المصرية تزج بكل المعارضين في السجون، دون محاسبة ولا محاكمة، ولا تحقيق، ولا تحري، وأن الأوضاع في داخل السجون أوضاع صعبة، وأن مصر تنكر ذلك، ولهذا تشعر بأنها غير مطالبه بأي تغيير، وطالبت تلك المنظمة، الدول الغربية أمريكا وغيرها بأن لا تعطي مصر أي مساعدة إنسانية، إلا وتكون مساعدة مشروطة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فإلى الله المشتكى!

أحوال المسلمين في تونس

تنتقل بعد ذلك -مثلاً- إلى بلد آخر كـتونس -مثلاً- تجد أن النظام زج بما يزيد على ثلاثين ألف مسلم في السجون، من الرجال والنساء، ومارس معهم ألوان التعذيب، الوحشي، والقمع، وأمتلك من الوثائق، والحقائق، بل والصور ما يتعجب منه الإنسان، حتى إن منظمة حقوق الإنسان هي الأخرى احتجت على الأوضاع السيئة للسجناء في تونس، وتكلمت عن إهدار كرامة الرجل والمرأة، حتى إنهم في كثير من الأحيان يحضرون المرأة ويهددونها في عفتها، وطهارتها، بل ويعتدون عليها جسدياً، وقد أصيب عدد من الأخوات المسجونات هناك بالانهيارات العصبية، وأكثر من هذا أنهم يختلقون الأكاذيب، على عدد من العلماء والدعاة، ويصورون أفلاماً عبارة عن خدع تصويرية -أفلاماً مدبلجة- مغيرة ثم يقدمونها للناس، يتهموا فيها فلاناً بأنه إنسان عنده انحرافات سلوكية وأخلاقية، وتتكلم الصحف هناك، ولا يستطيع المسلم أن يدافع عن نفسه، ولا حتى أن يقول: كذبتم، بل هناك حرب على الإسلام بما يسمى بتجفيف منابع التدين، في تغيير الإعلام إلى إعلام فاسد، وتغيير التعليم، وإبعاد كل ما يربي الروح الإسلامية في نفوس الناس رجالاً ونساءً طلاباً أو عامة.

وفي الوقت الذي نجد أن منظمات حقوق الإنسان تعترض وتحتج، حتى منظمة حقوق الإنسان في تونس نفسها، حلت نفسها، واعترضت على الأوضاع السيئة للسجناء، لكننا في الوقت نفسه لم نسمع من هؤلاء الألف مليون إنسان الذين يملئون هذه الساحة الإسلامية الطويلة العريضة، لم نسمع منهم صوت احتجاج في الخارج، تقول: أين العلماء؟ أين الجمعيات الإسلامية؟ أين الدعاة إلى الله تعالى؟ أين المجلات الإسلامية؟ أين الأصوات الإسلامية؟ إنها أصوات تضيع في الزحام!!

أحوال المسلمين في الجزائر

ثم تنتقل بعد ذلك إلى الجزائر، فتجد الوضع نفسه، عشرات الآلاف من السجناء بما يسمى: بالمحتشدات في الصحراء، في ظل درجة حرارة مرتفعة؛ بل في ظل ظروف صعبة، بل إنه يقال: إن الأرض الذي سجنوا فيها آثار نووية وكيماوية قديمة، من أيام الاستعمار الفرنسي، وهي تهدد بعض هؤلاء السجناء بتأثيرات خطيرة على أجسادهم وأوضاعهم النفسية أيضاً، بل أقدمت الحكومة هناك على هدم مسجد من أكبر المساجد في العاصمة؛ لأنها تعتبر أنه مجتمع للدعاة والمصلحين، ومكان للمناقشات السياسية كما تقول.

أحوال المسلمين في فلسطين

ثم تنتقل بعد ذلك إلى فلسطين، فتجد ألوان الاضطهاد الذي يلقاه المسلمون على يد اليهود، الذين هم أشد الناس عداوةً للذين آمنوا: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82].

فهم يأخذون الإنسان ويسجنونه عشرات السنين دون أن يقال لهم: لماذا؟ وأوضاع الإنسان وحقوق الإنسان أيضاً في إسرائيل حقوق صعبة عسيرة، وإن كانت إسرائيل تحسن المماطلة والخداع والتضليل للعالم، بحيث يبدو كما لو كانت تحافظ على حقوق الإنسان.

أحوال المسلمين في العراق

ثم تنتقل إلى العراق، فتجد أن شعباً بأكمله يحتضر:-

شعبُُ برمته في العري يحتضرُ     كانوا بأوطانهم كالناس وانتبهوا

فما هم من وجود الناس إن ذكروا     مشردون بلا تيهٍ فلو طلبوا

تجدد التيه في الآفاق ما قدروا

يلقى الشريد فجاج الأرض واسعةً     لكنهم بمدى أنفاسهم حشروا

لا طعام، لا شراب، لا علم، لا عمل، حتى الأنفاس! وهناك حصار غريب، الحصار الدولي الذي يمنع عنهم الطعام، والشراب، والإغاثات الإنسانية وكل شيء، وإضافةً إلى ذلك، الحصار الداخلي من حكومتهم العلمانية الكافرة، التي تحسب عليهم الأنفاس، وتُصادر حرياتهم، وأديانهم! بل استطاعت تحويل العراق إلى حظيرةٍ لا يستطيع أحدُُ أن يفعل فيها إلا ما تريده السلطة، وأصبح الكثيرون، يتاجرون بكل شيء، بحثاً عن الحياة.

ثم لو نظرت إلى ما لم أذكر من هذا الجسد الإسلامي المضخم بالجراح، لوجدت أن في كل بلدٍ مصيبة، وفي كل منطقة كارثة، وفي كل ناحية نكبة، فالأمر أعظم من أن يتحدث عنه الإنسان لكن هذه نماذج، ولو نظرت -مثلاً- إلى الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، التي خرجت لتوها من جحيم الشيوعية، لوجدت أنه في الوقت الذي تمتعت فيه، الجمهوريات الأخرى بحريتها، وقطعت مراحل طويلة في تحسين أوضاعها الإعلامية، والاقتصادية، والسياسية؛ أما الجمهوريات الإسلامية بالذات فلا زال الغرب والشرق يتحالفان على خنق أنفاسها وكتمها، والدول التي بقيت فيها الشيوعية قوية، هي الجمهوريات الإسلامية فقط.

لو نظرت -مثلاً- إلى مصر، لوجدت أن الأمر كما تقول وكالة الأنباء الفرنسية، أشبه ما يكون بحرب أهلية مصغرة في أسيوط وفي الصعيد كلها، وهى حرب بين أجهزة الأمن التي جندت ما يزيد على خمسين ألف عنصر، حرباً لا أقول ضد ما يسمونه: بالتطرف، ولا ضد الجماعات الإسلامية بل ضد سكان تلك المناطق والمدن والقرى الذين هم في الغالب متدينون، ومسلمون، ومتعاطفون مع الإسلام، ومع طلبة العلم، والمشايخ ومع الجماعات الإسلامية، وقد أخذت أجهزة الأمن في مصر، إذناً بأن تطلق النار على كل من تشتبه فيه، فأصبحت تقتل الشباب في الشوارع.

وطالما دميت قلوبنا ونحن نسمع في وكالات الأنباء الغربية، أن أجهزة الأمن تطلق عيارات نارية على شباب في سن السادسة عشرة، والسابعة عشرة في الشوارع، فترديهم قتلى، وما أسهل أن تقول أجهزة الأمن: إن هؤلاء الناس منتسبون إلى جماعات إسلامية، أو متطرفون، أو أنهم قاموا بأعمال تخريبية، والعجيب في الأمر أن هذه الأجهزة لا حسيب عليها، ولا رقيب!

تتساءل: ماذا صنع المسلمون؟ أين الاحتجاجات من الجمعيات الإسلامية؟! أين الاحتجاجات من العلماء في هذا البلد أو في غيره؟! أين الاحتجاجات من الدعاة؟!

نعم صدرت -مع الأسف- من منظمة أمريكية غربية نصرانية اسمها: منظمة ميدل إيست، وهي إحدى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومقرها في نيويورك، حيث أصدرت بياناً تندد فيه بالأوضاع المأساوية التي آلت إليها حقوق الإنسان في مصر، وتقول: إن أجهزة الأمن المصرية تزج بكل المعارضين في السجون، دون محاسبة ولا محاكمة، ولا تحقيق، ولا تحري، وأن الأوضاع في داخل السجون أوضاع صعبة، وأن مصر تنكر ذلك، ولهذا تشعر بأنها غير مطالبه بأي تغيير، وطالبت تلك المنظمة، الدول الغربية أمريكا وغيرها بأن لا تعطي مصر أي مساعدة إنسانية، إلا وتكون مساعدة مشروطة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فإلى الله المشتكى!