حلقة إفتاء


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فأذكركم ونفسي بإخلاص النية لله تعالى وقصد وجهه الكريم، ونية طلب العلم وتعليمه وتبليغه، ومن قدم سؤالاً فهو مشارك في الطلب سواء أجيب على سؤاله أو لم يجب، ومن قدم له جواب فكان اجتهادياً، فليعلم أنه قابل للخطأ والصواب.

السؤال: هل يجب على الجاهل التزام مذهب معين؟

الجواب: لا، فالمذاهب لم تكن في العهد النبوي ولا في وقت التشريع، ومن المعلوم أن الذي يوجب ويحرم هو الله جل جلاله هو الله وحده، وأن المبلغ عن الله هو محمد صلى الله عليه وسلم وحده، فليس في هذه الأمة رسول سواه، فما لم يكن واجباً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون واجباً إلا من باب المصالح وترتيب الأولويات.

والمذاهب هي طرق للتعامل مع النصوص ومدارس تدرس فيها الأحكام، وليست أكثر من ذلك، فليست المذاهب ديانات كما يتوهمه بعض الناس، فالدين الإسلامي واحد، وهو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، ولا خلاف بين المجتهدين من أئمة المذاهب فيما حسمه الدليل، حيث صح الدليل، وكان معناه واضحا لا خلاف فيه، فإن المذاهب لا تختلف، وإنما تختلف المذاهب إذا اختلف في تصحيح الدليل، أو اختلف في معناه، أو عارضه دليل آخر وحينئذٍ تقع المذاهب، وعلى هذا فالمذاهب ليست مرتبطة بأسماء أشخاص كما يتوهمه بعض الناس، فبعض الناس يظن مثلاً: أن مذهب الإمام مالك مرتبط بشخصه هو، وأنه من اجتهاده جميعاً، وليس الحال كذلك، بل أكثر الفروع المدونة في كتب المالكية ليست من اجتهاد مالك، ولا خطرت على باله، ولا حصلت في زمانه، وإنما هي نتاج عصر طويل فيه قرون متطاولة.

والمقصود بالمذاهب حسب ما تقرر في الأصول: أنها طرق للتعامل مع النصوص، وهذه الطرق أصولية لا فروعية، فالمذاهب في الأصل تتعلق بالأصول لا بالفروع، فمذهب مالك مثلاً أن الجمع مقدم على الترجيح، وأن الأمر يدل على الوجوب، وأن الأمر يقتضي الصحة، وأن الأمر يقتضي الفورية، وأنه لا يقتضي التكرار بذاته، وهذا مذهب مالك.

فالمسائل الأصولية هي التي يكون فيها للمجتهد مذهب، ولذلك أي فرع من الفروع يمكن أن أقول: فيه مذهب مالك كذا، ويكون جديداً لم يتكلم فيه مالك ولا خطر له على بال، لكن المقصود الجاري على قواعده والمتفق مع ما رتبه في الأدلة هو كذا، وهكذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله أجمعين.

والجاهل درجات كثيرة كما أن العالم درجات، فأهل العلم ذكروا أن العالم ست درجات فيما يتعلق بالاجتهاد:

أولها: المجتهد المطلق: الذي لا يهتم باجتهادات الناس وآرائهم، وإنما يأخذ المصحف فيفتحه فيستنبط منه، أو يأخذ الموطأ فيفتحه فيستنبط من الحديث، أو يفتح صحيح البخاري فيستنبط من الحديث مباشرة، فهذا هو المجتهد المطلق الذي لا يحتاج فيما يتعلق بالرواية والنقل إلى من يقول له: هذا الحديث صحيح، ولا يحتاج في التفسير إلى من يقول له: معنى هذه الآية كذا، ولا يحتاج في شرح الحديث إلى من يقول له: غريب هذا الحديث كذا، أو الكلمة الفلانية معناها كذا، فهو محيط بعلم ذلك وآلته، وهذا هو المجتهد المطلق، وهو من النوادر.

ولا أقول: إن باب الاجتهاد المطلق قد أغلق كما يدعيه بعض الناس؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20]، فكل عصر من العصور يمكن أن يخرج الله فيه من العلماء من يبلغ هذه الدرجة، فيكون لديه من الآلات والوسائل ما يمكنه من تفهم الكتاب والسنة، ومعرفة معناهما وصحيحهما وضعيفهما، ويمكنه من خلال ذلك الجمع بين النصوص.

ومن هذه الدرجة الإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام ابن جرير الطبري، والإمام داود الظاهري، والسفيانان والأوزاعي، وقد ذكر بعض أهل العلم عشرة المجتهدين المطلقين، نظمهم السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع بقوله:

والشافعي ومالك والحنظلي إسحاق والنعمان وابن حنبل

وابن عيينة مع الثوري وابن جرير مع الأوزاعي

والظاهري وسائر الأئمة على هدىً من ربهم ورحمة

ثانيها: المجتهد التابع، وهذا حصلت لديه ملكة الاجتهاد وآلته، ولكنه اختار اتباع طريقة عالم معين أو عدد من المجتهدين، وهذه الطرق من النادر جداً أن ينفرد أحد العلماء بطريقة واحدة منها، حتى يكون مذهبه منفرداً، والأصل أن تكون المسألة مثلاً قابلة للاختلاف على وجهين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، فتكون المذاهب على حسب قابلية المسألة، فمثلاً: إذا كانت المسألة ممكن تحريمها وإباحتها، فلا يمكن أن يكون فيها إلا مذهبان فقط: القول بالتحريم والقول بالإباحة.

لكن إذا كانت المسألة فيها قابلية لأكثر من ذلك، كأداء الصلاة الموسع وقتها في وقتها، ففيها عشرة مذاهب مثلاً فهذه قابلة لتنوع الآراء:

جميع وقت الظهر قال الأكثر وقت أداء وعليه الأظهر

لا يجب العزم على المؤخر وقد عزي وجوبه للأكثر

وقيل الآخر وقيل الأول ففي سواه قاض أو معجل

وقيل ما به الأداء اتصلا من وقته وآخر إذا خلا

وقيل إن قدم فرضاً وقعا إن بقي التكليف حتى انقطعا

ومن يؤخر مع ظن موته يعص فإن أداه قبل فوته

فهو أدىً والقاضيان بل قضا أو مع ظن أن يعيش فقضى

فالحق لا عصيان ما لم يكن كالحج فليسند لآخر السني

وهذا من المجتهدين وهم المجتهدون التابعون في كل مذهب منهم عدد، ففي المذهب المالكي مثلاً من أصحاب مالك عبد الرحمن بن قاسم العتكي، فقد حصلت لديه ملكة الاجتهاد بما رواه من النصوص وما عرفه من تفسيرها، وما استطاعه من تفهمها؛ ولذلك يخالف مالكاً في مسائل في المدونة وغيرها، فيقول: سمعت مالكاً يقول فيها كذا ولا أرى ذلك، أو الذي عندي كذا، ولذلك أشار خليل إلى الخلاف بين مالك وابن القاسم في أربعة مواضع في مختصره، فمثلاً: في سجود التلاوة ذكر أن القارئ إذا بلغ موضع السجدة فركع ساهياً، كان يريد السجود فركع، فهل يعتد بهذا الركوع أم لا ؟ فعند مالك يعتد به، وعند ابن القاسم لا يعتد به، ولذلك قال خليل:

وسهواً اعتد به عند مالك لا ابن القاسم

وهذا يدل على أن هؤلاء العلماء المجتهدين لم يكونوا يحابون، ولا يقدمون أحداً على الله ورسوله، فابن القاسم تلميذ مالك وهو يعرفه ويحبه ويقبله ويجله، لكن مع ذلك إذا رأى دليلاً يخالف ما قاله مالك فيأخذ بالدليل ويترك قول مالك، وهو ابن القاسم.

وهكذا في المذهب الشافعي مثلاً المزني، وفي المذهب الحنفي أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وفي المذهب الحنبلي كذلك عدد من هذا النوع مثل ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن قدامة وغيرهم.

ثالثها: مجتهد الترجيح، وهو المجتهد الذي لديه ملكة في الأصول والاستنباط، ولكنه جاء متأخراً، فوجد الاحتمالات في أكثر المسائل قد حسمت، فلا يستطيع الآن أن يحدث لنا قولاً فيما يتعلق بدلالة الأمر، هل الأمر يدل على الوجوب أو لا؟ لأن الأمر قد حسم ولم يعد فيه احتمال آخر، ولا يستطيع أن يحدث لنا قولاً في دلالة الأمر، هل يقتضي الصحة أم لا؟ لأن الأمر قد حسم، ولم يعد العقل قابلاً لتقسيم آخر. لكنه صالح لذلك، فيرجح من أقوال أهل العلم ما ظهر له دليله، ويمكن أن يستدل بالقول الواحد بعشرات الأدلة، وهذا النوع يسمى مجتهد الترجيح.

رابعها: الذي يعرف مذهباً معيناً، ويتقنه ويحيط بأدلته وفروعه، ويستطيع التخريج على مسائل الإمام، والإفتاء على حسب قواعده، فيخرج المسائل على نظائرها، وهذا النوع منه في المذهب المالكي مثلاً الأربعة الذين اعتمد عليهم خليل في المختصر، وهم: اللخمي والمازري وابن رشد وابن يونس، فهؤلاء الأربعة من أئمة التخريج في المذهب المالكي، وكذلك في المذاهب الأخرى، فمثلاً عند الشافعية أصحاب الوجوه كسعيد الأصطخري والأصم وابن كج، وفي المذهب الحنبلي أصحاب الوجوه مثل: أبي الخطاب وأبي يعلى، وفي المذهب الحنفي أيضاً الذين يخرجون مثل: الجصاص والخصاف وأبي زيد الدبوسي، فهؤلاء يسمون أئمة التخريج.

خامسها: المتبصر. والمتبصر هو الذي لديه وسيلة يفهم بها الكتاب والسنة، وله اطلاع على أقوال أهل العلم، ولكنه ليس محيطاً بذلك، فهذا يلزمه الأخذ بما ترجح لديه دليله؛ لأن العمل بالراجح واجب لا راجح، ولكنه لا يحل له إحداث قول ولا نقض إجماعٍ؛ لأنه لا يحيط بأقوال أهل العلم، فلذلك لا يخرج عن الأقوال المألوفة، ويرجح منها ما قوي دليله لديه فيعمل به؛ لأن العمل بالراجح واجب لا راجح.

سادسها: الناقل. وهو الذي ينقل عن الآخرين تصحيحهم وتضعيفهم، ولا يستطيع أن يبلغ درجة التصحيح والتضعيف للحديث، وكذلك في الفقه لا يستطيع استنباط الأحكام، وإنما ينقل عن الآخرين، وهذا مثل أغلب المفتين الذين ينقلون أقوال الآخرين.

أما الجاهل فالجهل درجات، أوصلها القرافي إلى اثنين وعشرين نوعاً، منها: الجهل الذي لا يقره الشارع كجهل الإنسان بعقيدته كأركان الإيمان مثلاً، فالذي لا يعرف أركان الإيمان الستة إجمالاً جهله مخرج له من الملة، ومثل ذلك الذي لا يعرف أركان الإسلام الخمسة، فلا يعرف أن الصلاة واجبة، ولا يعرف أنواع الصلوات الخمس، ولا يعرف أن الزكاة واجبة، ولا يعرف صيام رمضان، ولا يعرف حج بيت الله الحرام، أو لا يعرف حرمة الزنا، أو حرمة شرب الخمر، أو حرمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فهذا خارج من الملة بجهله بما لا بد من معرفته ولا يقبل جهله من أحد، ثم دون ذلك الذي يجهل فرائض عينه فيما خاطبه الشارع بمعرفته يجهله، فهذا جاهل لفرائض العين وليس خارجاً من الملة ولكنه آثم، ويجب عليه أن يتعلم تلك الأحكام التي تختص بعينه هو.

وقد اختلف أهل العلم في الأحكام العينية التي يجب تعلمها على الأفراد، وذكر الحطاب في مقدمة حاشيته على مختصر خليل أن كثيراً من الفقهاء يذكرون أن فرض العين يختص بربع العبادات، أي: ربع الفقه المتعلق بالعبادات، وأن هذا خطأ فاحش؛ لأن الإنسان يضطر لأن يتزوج وأن يبيع ويشتري ويستأجر، ولا يمكن أن يعيش الإنسان حياته ولم يستأجر سيارة ولم يركب تكسياً، ولم يشترِ قلماً ولا ورقة، ولم يمارس أي عقد من العقود، فإذا كان الحال كذلك فلا يحل له أن يقدم على تلك العقود إلا بعد معرفتها؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36]، والإنسان لا يحل له أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه، ولذلك هذه الأفعال التي يضطر لها الإنسان تكون لاحقة بفرض العين، فيكون تعلم الإنسان لأحكام البيع والشراء والأنكحة والأكرية والإيجارات ونحو ذلك فرض عين في حق من سيقع منه ذلك لا محالة، وجمهور الناس سيقع منهم ذلك لا محالة؛ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يعيش حياته ولم يتزوج ولم يبع ولم يشترِ ولم يستأجر أبداً.

وبعد ذلك الجهل بفروض الكفايات، وهذه ليست واجبة على الأعيان إلا إذا تعينت عليهم، فالذي لديه ملكة للفهم وقدرة عليه واستيعاب، ولديه فضلة من وقته زائدة على فرائض عينه وقوت يومه، ويجد من يدرس عليه العلم، فقد يتعين عليه الطلب؛ لأن أكثر الناس يعرضون عن هذه العلوم، فلا يدرسونها، فلذلك يتعين على من هو قادر على تعلمها ومستطيع له أن يمارس طلبها، وقبل أن يصل الإنسان إلى علم ما ينفذه في نفسه لا بد أن يأخذ عن أهل العلم؛ لأن الله أحال إليهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حدين في كتابه: حد أعلى وهو خطاب أهل العلم فقال: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، فالمقام الأعلى هو الذين يستنبطونه منهم، والحد الأدنى هو قوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[النحل:43].

وبين المقامين كل المقامات التي ذكرناها، ولذلك لا يجب التمذهب بهذا المعنى، لكن يجب سؤال أهل العلم، والمجتهد الحي أولى بالتقليد من المجتهد الميت؛ لأن المجتهد لو كان حياً لتراجع عن كثير من اجتهاداته، ولذلك فإن ابن أبي زيد رحمه الله، وهو من أئمة المالكية وكان يلقب بـمالك الصغير، لما ظهر الشيعة العبيدية في تونس، فكانوا يغتالون أئمة أهل السنة والحديث وخاف على نفسه فاتخذ كلباً للحراسة، فقيل له: قد نص مالك على حرمة اتخاذ الكلب للحراسة، فقال: رحم الله مالكاً لو كان في زماننا لاتخذ أسداً ضارياً؛ لأن اجتهاده سيتغير، فهو يخاف على نفسه من القتل.

السؤال: من أين أخذ المالكية السدل؟

الجواب: سدل اليدين في الصلاة صح عن رجل واحد من الصحابة وهو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فقد صح عنه السدل في الصلاة في مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، وروي عن عدد كبير من التابعين أنهم كانوا يسدلون أيديهم في الصلاة، منهم: عكرمة مولى ابن عباس وقتادة بن دعامة السدوسي ومحمد بن كعب القرظي وعدد من الأئمة، وهذا يدل على أن قبض اليدين في الصلاة ليس واجباً، فلو كان واجباً لما تركه عبد الله بن الزبير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حواريه وابن أبي بكر الصديق وأمير المؤمنين، ولا تركه هؤلاء الأئمة من التابعين.

وقد اختلف أصحاب مالك عنه فيما يتعلق بالقبض، فذكر في الموطأ حديث القبض وهو يقتضي أن مذهبه أنه يرى سنية القبض في الصلاة، وهذا الذي روى عنه عدد كبير من أصحابه، وروى عنه ابن القاسم في المدونة ما فهم منه أنه يرى كراهته في الفرض فقط، لكن في النفل لا يكرهه، ومع ذلك اختلف في معنى الكلام الذي جاء في المدونة؛ لأنه جاء في باب الاعتماد والاتكاء في الصلاة: (وسألته عن الرجل يضع يديه على صدره من طول القيام فقال: لا أعرفه)، وهذا يقتضي أن القبض من أجل طول القيام يكون اعتماداً.

وقد اختلف الناس في تفسير معنى كلام مالك هنا، فذهب بعضهم إلى أن المقصود إذا كان يعتمد عليه، ولهذا ذكره ابن القاسم في باب الاعتماد والاتكاء في الصلاة، وحمله بعضهم إلى أن المقصود بذلك خشية إظهار وجوبه، وخشية أن يعتقد الجاهل وجوبه، وذهب بعضهم أن إلى المقصود بذلك في حق ما كان بعد الرفع من الركوع، مثلاً: في حال القيام وليس حال القراءة، والرفع من الركوع لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في القبض فيه ولا في السدل، ولذلك جمهور أهل العلم على السدل فيه، إي: إذا قام الإنسان من ركوعه.

وعموماً فالمسألة خلافية عند المالكية، وسبب الخلاف ما ذكرناه.

السؤال: هل تجزئ القيمة في زكاة الماشية علماً بأنها في مصلحة الفقير؟

الجواب: مذهب الجمهور أن القيمة لا تجزئ؛ لأن الله سبحانه وتعالى حدد حدوداً، ولا يحل تعدي حدوده ولا تجاوزها، وقد حد الله سبحانه وتعالى الزكاة وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد تحقق براءة الذمة فعليه أن يؤدي ما أمر بأدائه، فإذا كان له خمس من الإبل فأدى شاة عنها فإنه فعل ما أمره الله به قطعاً، أما إذا أدى ثمن الشاة فسيبقى في تردد هل أدى ما أمر الله بأدائه أو لم يؤده؟ ولذلك ينبغي أن يختار مصلحته هو، وألا يختار مصلحة الفقراء على مصلحة نفسه، فإن الثمن أحب إلى الفقراء، ولكنه ليس في مصلحة المخرج، المخرج مصلحته أن يخرج ما يتحقق به أنه فعل ما أمر الله به.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى إجزاء القيمة وهو مذهب أبي حنيفة والبخاري وأشهب من المالكية، وإسحاق بن راهويه، ولكن مذهب الجمهور أن القيمة لا تجزئ.

السؤال: ما حكم الجهر بالقنوت في الصلوات السرية؟ أعني: قنوت النوازل.

الجواب: القنوت هو دعاء، والأصل في الدعاء كله الإسرار، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقنوت في الصلوات الجهرية، فدل ذلك على جواز الجهر به، وإذا أراد الإنسان مشاركة المأمومين في الأجر ومشاركتهم أيضاً بالتأمين، فإنه يجهر لهم به، لكن الأفضل أن يكون ذلك دائماً في الصلوات الجهرية، وألا يفعله في السرية، فالسرية يسر فيها الإنسان إذا كانت القراءة يسر بها، فكيف بالدعاء، وعموماً مع ذلك فإن بعض أهل العلم يرى جواز الدعاء جهراً في السرية والجهرية، وفي كل ذلك، فيجيزون القنوت جهراً.

السؤال: ما العمل إذا تعارضت مصلحة الدعوة مع رضا الوالدين؟

الجواب: على الإنسان أن يحاول استرضاء الوالدين، وأن يكون هواهما وأمرهما تبعاً لما تأمر به الشريعة، وما هو في مصلحة الدعوة، ولا يكون ذلك إلا إذا تحبب إلى والديه وبرهما، فكان أبر عيالهما بهما، ونافس إخوانه في بر والديه، فإن والديه سيرضيان بما يرشد إليه ويأمر به، وسيسرعان إلى ما يحبه.

السؤال: ما حكم دراسة المرأة في الخارج مع العلم أنها تسكن في سكن خاص بالنساء؟

الجواب: إذا كانت ستسافر مع محرم حتى يوصلها إلى ذلك السكن، وكان السكن مأموناً وليس فيها اختلاط ولا خلوة، فلا حرج في دراستها وسفرها من أجل ذلك.

السؤال: ما حكم امرأة بقيت عليها ستة أيام من رمضان، ثم لم تقضها حتى بقي على رمضان الآخر ستة أشهر، وعندما أرادت القضاء فإذا هي حامل، فتركت القضاء خوفاً على الجنين، فهل هنا قد لزمت الكفارة أم لا؟

الجواب: لا، لم تلزمها الكفارة، لكن تقضي على كل حال، فالحمل غير مانع من الصوم، إلا في حق من أمرها الطبيب بالفطر بعد أن رأت علامات تدل على أنه يخاف على جنينها وعلى نفسها بسبب الصوم.

السؤال: ما حكم سماع الغناء ووضعه في رنة الهاتف؟

الجواب: لا يجوز سماع الموسيقى ولا استعمالها في رنة الهاتف ولا في غير ذلك، وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن المعازف هي المقصودة بقول الله تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6]، وقد أخرج البخاري في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن قوماً في آخر هذه الأمة يمسخون قردة وخنازير؛ يستحلون الحر والخمر والمعازف)، فهذا يدل على حرمة استعمال المعازف، وما قارب الشيء له حكمه، فالأصوات المقاربة لصوت المعازف يكون حكمها حكمها.

السؤال: هذا يسأل عن تفسير قول الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ[آل عمران:152]؟

الجواب: الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين إذا صدقوا الله سبحانه وتعالى وأقبلوا أن ينصرهم على عدوهم، وهذا وعد باقٍ للمؤمنين في كل زمان ومكان، وقد أخبر الله في هذه الآية من سورة آل عمران أنه حققه للمؤمنين يوم أحد، فلما التقوا مع العدو الذي هو ضعفهم، وكان جيش قريش أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل، وكان المؤمنون إذ ذاك سبعمائة رجل، فانهزم المشركون أمامهم، فقتل تسعة من حملة اللواء من قريش، واستحر القتل فيهم، فقتل منهم أكثر من ثمانية وأربعين رجلاً، فولوا الأدبار هاربين حتى حصل الفشل بمخالفة المؤمنين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الرماة على الهضبة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، وأمرهم ألا ينصرفوا عن مكانهم حتى يأتيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد أن ينضح الخيل حتى لا تأتي من الخلف، وألا تأتي من جهة المدينة.

فلما انهزم المشركون تسارع الرماة إلى دخول ميدان المعركة؛ ليأخذوا الغنائم مع المؤمنين الذين يأخذونها، فخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي عبد الله بن جبير في مكانه حتى قتل رضي الله عنه، فلما رأى خالد بن الوليد وهو إذ ذاك على خيل المشركين، رأى تزحزح الرماة عن مكانهم، قام بحيلة، فجاء من وراء الجبل، فأتى المؤمنين من الخلف، فالتف عليهم جيش المشركين فكانت الهزيمة التي قتل فيها سبعون من الأنصار، وقتل فيها أربعة عشر من المهاجرين.

فقوله: (إذ تحسونهم): أي: تقتلونهم قتلا ًشديداً.

(بإذنه): أي: بإذن الله سبحانه وتعالى وتقويته لكم عليهم.

(حتى إذا فشلتم): والفشل المقصود به معصية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(وتنازعتم في الأمر): فمنهم من يقول: لا تبرحوا حتى يأتيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من ظن أن الأمر تعللي، وأنه يقصد ما دامت المعركة قائمة على سوقها.

(وعصيت من بعد ما أراكم ما تحبون): أي: من بعد ما أراكم الله ما تحبون من هزيمة عدوكم.

ثم قال: (ومنكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة): وهذه طبيعة البشر، فيضعف بعضهم في بعض الأحيان أمام المغريات أو أمام الماديات، ولا يخلو من ذلك بشر أياً كان، وهؤلاء الذين حصلت منهم الهزيمة إذ ذاك لا شك أنهم عصوا في وقتها، ولكن الله عفا عنهم، كما قال تعالى: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155]، فإن الله عفا عنهم هزيمتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرارهم من الزحف.

السؤال: ما تفسير قول الله تعالى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4]؟

الجواب: هنا يبين الله أن عمل الناس متباين، فمنهم من يكون عمله الحسنة فيه بعشرة أضعافها، ومنهم من يكون بسبعمائة ضعف، ومنهم من يكون بألف ضعف، ومنهم من يكون بمليون ضعف، ومنهم من يكون بما فوق ذلك، فسعيهم متفاوت لما يحصل فيه من الصدق وعدمه، فالأجر على قدر الصدق والإخلاص، والناس متفاوتون في ذلك تفاوتاً عظيماً، وهم درجات عند الله سبحانه وتعالى، فلما كان سعيهم متفاوتاً كانت درجاتهم بالجنة متفاوتة، وفي الحديث: ( إن أهل الجنة ليتراءون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدري في السماء )، وقد قال الله تعالى: وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4132 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3907 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع