خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/975"> الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/975?sub=4846"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
معاناة فلسطين
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى فطر هذا الجنس البشري على الألفة، وجعله كائناً أليفاً، يألف أماكن من الأرض، ويألف أنواعاً من النبات وأنواعاً من الحيوانات ويتعلق بها، كل ذلك راجع إلى أصل فطرته، وإذا فسدت الفطرة اختل ذلك، وقد فطر الله الجنس البشري من بدايته على محبة الأوطان وبالأخص إذا تضمنت ذكريات نافعة في التاريخ، وإن هذه الأرض المقدسة التي هي بلاد الشام واكبت نشأة البشر وتطور حياتهم على هذه الأرض؛ فهي مبعث أكثر رسل الله، وما من رسالة سماوية جاء ذكرها في القرآن إلا وجاء الحديث عنها في بلاد الشام، وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث عن رسل الله الذين استقروا في بلاد الشام فأكثر الحديث عنهم، وذكر الحضارات التي دامت في أرض الشام، وبين أنها مهاجر أبينا إبراهيم عليه السلام وأنها خير مهاجرنا في آخر الزمان.
وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه بارك حول بيت المقدس، وبين أن بيت المقدس كذلك مقدس لأنه أضافه إلى المقدس أي: التعظيم والتقديس، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلق صلاح هذه الأمة بساكني تلك المنطقة؛ فقد أخرج الترمذي في السنن بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم )، فخير هذه الأمة في صلاح أهل الشام، وفسادها في فساد أهل الشام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الملاحم في آخر الزمان وأنها ستكون ببلاد الشام، فإن المسيح الدجال يخرج خلة بين العراق والشام فعاث يميناً وعاث شمالاً، وينزل المسيح بن مريم آخر الليل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وقد أقيمت الصلاة، يمينه على ملك وشماله على ملك كأنما خرج من ديماس، إذا طأطأ رأسه تحدر منه مثل الجمان، وإذا رفعه تقاطر، فيدخل المسجد فلا يشك أحد أنه نبي الله؛ فيقولون: يا نبي الله، تقدم فصل، فيقول: (ما أقيمت لي) وإمامكم يومئذ منكم، وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح بن مريم سيدرك المسيح الدجال عند باب لد فيقتله هنالك، وبين كذلك صلى الله عليه وسلم أن الملحمة التي ستكون مع اليهود في آخر الزمان ستكون في تلك المنطقة؛ فإنه بين أنه ستكون ملاحم في آخر الزمان مع اليهود، وآخرها الملحمة التي يتكلم فيها الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، وكذلك أخرج البزار بإسناد فيه ضعيف ولكن له بعض الشواهد من حديث نهيك السكوني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتقاتلن اليهود؛ فلتقتلنهم وأنتم شرقي نهر الأردن وهم غربيه )، قال: (ولا أدري ما الأردن يوم إذ) لم يكن يعرف الأردن يومئذ، وإنما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أن المسلمين عند قتالهم اليهود سيكنون شرقي نهر الأردن واليهود غربي نهر الأردن.
الشام مسرى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام
وقد خلد الله ذكر هذه الأرض بمسرى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد أسرى به من مكة في الثلث الأخير من الليل، في شهر رجب، فجيء بدابة فوق الحمار ودون الفرس، تضع حافرها حيث يبلغ بصرها، يقودها جبريل ، فركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقادها جبريل فأتى الشام فأدرك صلاة الفجر فصلى بالأنبياء هنالك، وقد أنزلت أرواحهم للصلاة وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو إمامهم في الدنيا والآخرة، وربط جبريل البراق عند باب من أبواب المسجد، ثم بعد أن انتهت الصلاة عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم ففتحت له أبواب السماوات السبع حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، وفرضت عيه الصلاة ليلة إذ ورجع إلى أهل مكة فأخبرهم بما أخبر به فصدقه أبو بكر رضي الله عنه وكذبه المشركون من أهل مكة؛ فكان ذلك تخليداً لذكرى بيت المقدس ولذكر الشام عموماً.
الدلالة من كتب السابقين على انتشار المسلمين بالشام
وقد كان في رسالات الرسل السابقين ما يدل على انتشار أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالشام، وحين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي بكتابه إلى هرقل سلمه لصاحب بصرى فأرسل به صاحب بصرى إلى هرقل ففتح خزائنه فأخرج صور الأنبياء، فكان يعرض عليه صورة بعد صورة، كلما عرض عليه صورة قال: هذه صورة صاحبك؟ فيقول: لا، حتى أخرج له صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فأكب على صورته يقبلها، فأخبره أنهم سيفتحون ذلك المكان وسيملكون موضع قدميه.
معرفة نصارى الشام نعت عمر وفتحه بيت المقدس
وكذلك فإن نصارى الشام كانوا يعرفون اسم عمر بن الخطاب ويعرفون صورته وأنه هو الذي سيفتح الشام على يديه، وعندما حاصر أبو عبيدة بن الجراح بيت المقدس ومدينة إيلياء خرج له أسقفها فقال: إنا لنعلم أن أتباع محمد هم يفتحونها، ولكني لا أرى صاحبي الذي ذكر عندنا، فقال: ما اسم صاحبك؟ فقال: اسمعه عمر ، فقال: وما وصفه؟ فوصف له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: لن نسلم المفتاح إلا لهذا الرجل المكتوب عندنا، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فنادى مولاه بالجهاز فأخذ له سويقاً وماءً، وأخذ بعيراً؛ فكانا يقودانه فإذا تعب مولاه ركب وقاد به عمر وإذا تعب عمر ركب وقاد به مولاه، وليس لهما من الزاد إلا ذلك السويق والماء، حتى أتيا الجابية فخطب بها عمر خطبته المشهورة، وموضع خطبته معروف بالأردن، وقد حضرها عدد كبير من التابعين مع من شهدها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتواترت عن عمر خطبته بالجابية، وقد عرف فيها المسلمين فضل المرابطين في سبيل الله والمجاهدين فيه، وما ينتظرهم من الأجر يوم القيامة، وبين لهم عزة الإسلام وأهله، وبين لهم مكارم خلق المسلمين وما ينبغي أن يعاملوا به أعداءهم إذا ظفروا بهم وتغلبوا عليهم.
مسيرة عمر إلى بيت المقدس وفتحه لها
ثم انطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة والتابعون معه إلى بيت المقدس فهيئوا له لباساً جديداً فلبسه فلما لبسه لم يعجبه، وقال: ردوا إلي مرقعتي، وكان يلبس ثوباً قديماً قد رقع، فردوا إليه مرقعته فلبسها، ثم أتوه ببغل يركبه، فلما ركبه دار به فلم يعجبه ذلك، فقال: ما هذه الرفاهية! أين أنت يا ابن الخطاب من بعيرك! فدعا ببعيره فأتي به فركبه، فاستقبله أسقف النصارى فسلمه مفاتيح بيت المقدس، وعقد معه الصلح وكتب لهم وثيقة بالأمان على ديارهم وأموالهم وأهليهم، وعلى بيوت صلاتهم، وعلى الضيافة للمسلمين ثلاثة أيام وعلى حمايتهم، أن ترعاهم الدولة الإسلامية وتحميهم، وعلى أن يخلوا بين المسلمين وبين المسجد الأقصى وما حوله، وهذه الوثيقة ما زالت قائمة، وقد أشهد عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهود من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبوا توقيعهم بعد كتابة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، ومن أولئك أبو عبيدة بن الجراح و يزيد بين أبي سفيان بن حرب و شرحبيل بن حسنة و عمرو بن سعيد و عمرو بن العاص وعدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم كر عمر راجعاً إلى المدينة بعد أن أسس المسجد الأقصى على تأسيس سليمان بن داود عليهما السلام، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى بني بعد مسجد مكة بأربعين سنة؛ فأول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام الذي ببكة، والمسجد الأقصى بني بعده بأربعين سنة، وهذا يدلنا على قدم التاريخ هنالك، فأول حضارة البشرية كانت بمكة؛ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ[آل عمران:96]، بعد ذلك بأربعين سنة بني بيت المقدس، وهذا يدل على أن الملائكة بنته أيضاً لآدم كما بنت المسجد الحرام، وقد جدده الأنبياء من بعده؛ فبناه إبراهيم خليل الله ومنه انطلق إلى تجديد الكعبة، ثم بناه سليمان بن داود عليهما السلام، ثم بعد هذا جدده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعندما أراد تجديده أراد توسعته ليشمل المسلمين من الغزاة ومن يؤمن من أهل تلك البلاد؛ فسأل كعب الأحبار وكان معه: أين أجعل الصخرة من المسجد؟ فقال: اجعلها في قبلته، فقال: تلك من بقية الكتاب الأول، فجعلها عمر عند ظهر المسجد، ولم يجعلها في قبلته، وذلك مخالفة لليهود والنصارى، فإنهم يقدسونها، فجعلها عمر في مؤخرة المسجد، وجدد عبد الملك بن مروان هذا المسجد وأقام قبابه، وكذلك وسعه الوليد بن عبد الملك بعده، ووسعه المهدي ثالث خلفاء بني العباس.
عناية ملوك المسلمين ببيت المقدس والفتح الثاني لصلاح الدين
ولم تزل خلائف المسلمين في كل زمان تعتني به وتجدده وتدافع عنه، وقد وقع في أسر الصليبيين فاحتلوه في القرن الخامس الهجري، واستمر في أيديهم قرناً كاملاً حتى أخرجهم منه صلاح الدين الأيوبي ، وعندما أخرجهم منه سأل عن كتاب عمر بن الخطاب فطبقه عليهم مع ما عاثوا من الفساد ومع نكايتهم في المسلمين لم يؤاخذهم بشيء من ذلك، وإنما فرض عليهم الجزية أربعة دراهم على كل حالم أو كسوة، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاهدهم عليه، ورد عليهم كنائسهم وأملاكهم، وعندما صالحوه رد عليهم الأسرى والسبي أيضاً، وكانت معاملة المسلمين حسنة لهم، مع أنهم من الغزاة الذين أتوا من بلدان شتى، والحملة الصليبية التي احتلت بيت المقدس إنما خرجت من مدينة آخم في ألمانيا، وقد اجتمعت فيها جيوش أوروبا كلها للجهاد المقدس عندهم لاحتلال بيت المقدس، وقد احتلوا مناطق شتى من الشام وبقي فيها نصارى من تلك المناطق إلى الآن مثل عكا وغيرها من المناطق التي على ساحل الشام.
إن الذين تركهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من النصارى ببيت المقدس قد أسلموا جميعاً على مر الزمان، حتى إن والي عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إليه: إن بيت المال قد أفلس لأن أهل الجزية قد أسلموا، فقلب عمر الورقة وكتب عليها: (بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد:
فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً ولم يبعثه جابياً) فإسلام أولئك الذين كانوا يدفعون الجزية إلى المسلمين هو المقصد، فلم يسؤ أمير المؤمنين إسلام أولئك وما حصل لميزانية الدولة من النقص والتأخر والعجز في مقابل إسلام أولئك القوم.
وقد خلد الله ذكر هذه الأرض بمسرى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد أسرى به من مكة في الثلث الأخير من الليل، في شهر رجب، فجيء بدابة فوق الحمار ودون الفرس، تضع حافرها حيث يبلغ بصرها، يقودها جبريل ، فركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقادها جبريل فأتى الشام فأدرك صلاة الفجر فصلى بالأنبياء هنالك، وقد أنزلت أرواحهم للصلاة وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو إمامهم في الدنيا والآخرة، وربط جبريل البراق عند باب من أبواب المسجد، ثم بعد أن انتهت الصلاة عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم ففتحت له أبواب السماوات السبع حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، وفرضت عيه الصلاة ليلة إذ ورجع إلى أهل مكة فأخبرهم بما أخبر به فصدقه أبو بكر رضي الله عنه وكذبه المشركون من أهل مكة؛ فكان ذلك تخليداً لذكرى بيت المقدس ولذكر الشام عموماً.
وقد كان في رسالات الرسل السابقين ما يدل على انتشار أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالشام، وحين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي بكتابه إلى هرقل سلمه لصاحب بصرى فأرسل به صاحب بصرى إلى هرقل ففتح خزائنه فأخرج صور الأنبياء، فكان يعرض عليه صورة بعد صورة، كلما عرض عليه صورة قال: هذه صورة صاحبك؟ فيقول: لا، حتى أخرج له صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فأكب على صورته يقبلها، فأخبره أنهم سيفتحون ذلك المكان وسيملكون موضع قدميه.
وكذلك فإن نصارى الشام كانوا يعرفون اسم عمر بن الخطاب ويعرفون صورته وأنه هو الذي سيفتح الشام على يديه، وعندما حاصر أبو عبيدة بن الجراح بيت المقدس ومدينة إيلياء خرج له أسقفها فقال: إنا لنعلم أن أتباع محمد هم يفتحونها، ولكني لا أرى صاحبي الذي ذكر عندنا، فقال: ما اسم صاحبك؟ فقال: اسمعه عمر ، فقال: وما وصفه؟ فوصف له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: لن نسلم المفتاح إلا لهذا الرجل المكتوب عندنا، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فنادى مولاه بالجهاز فأخذ له سويقاً وماءً، وأخذ بعيراً؛ فكانا يقودانه فإذا تعب مولاه ركب وقاد به عمر وإذا تعب عمر ركب وقاد به مولاه، وليس لهما من الزاد إلا ذلك السويق والماء، حتى أتيا الجابية فخطب بها عمر خطبته المشهورة، وموضع خطبته معروف بالأردن، وقد حضرها عدد كبير من التابعين مع من شهدها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتواترت عن عمر خطبته بالجابية، وقد عرف فيها المسلمين فضل المرابطين في سبيل الله والمجاهدين فيه، وما ينتظرهم من الأجر يوم القيامة، وبين لهم عزة الإسلام وأهله، وبين لهم مكارم خلق المسلمين وما ينبغي أن يعاملوا به أعداءهم إذا ظفروا بهم وتغلبوا عليهم.
ثم انطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة والتابعون معه إلى بيت المقدس فهيئوا له لباساً جديداً فلبسه فلما لبسه لم يعجبه، وقال: ردوا إلي مرقعتي، وكان يلبس ثوباً قديماً قد رقع، فردوا إليه مرقعته فلبسها، ثم أتوه ببغل يركبه، فلما ركبه دار به فلم يعجبه ذلك، فقال: ما هذه الرفاهية! أين أنت يا ابن الخطاب من بعيرك! فدعا ببعيره فأتي به فركبه، فاستقبله أسقف النصارى فسلمه مفاتيح بيت المقدس، وعقد معه الصلح وكتب لهم وثيقة بالأمان على ديارهم وأموالهم وأهليهم، وعلى بيوت صلاتهم، وعلى الضيافة للمسلمين ثلاثة أيام وعلى حمايتهم، أن ترعاهم الدولة الإسلامية وتحميهم، وعلى أن يخلوا بين المسلمين وبين المسجد الأقصى وما حوله، وهذه الوثيقة ما زالت قائمة، وقد أشهد عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهود من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبوا توقيعهم بعد كتابة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، ومن أولئك أبو عبيدة بن الجراح و يزيد بين أبي سفيان بن حرب و شرحبيل بن حسنة و عمرو بن سعيد و عمرو بن العاص وعدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم كر عمر راجعاً إلى المدينة بعد أن أسس المسجد الأقصى على تأسيس سليمان بن داود عليهما السلام، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى بني بعد مسجد مكة بأربعين سنة؛ فأول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام الذي ببكة، والمسجد الأقصى بني بعده بأربعين سنة، وهذا يدلنا على قدم التاريخ هنالك، فأول حضارة البشرية كانت بمكة؛ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ[آل عمران:96]، بعد ذلك بأربعين سنة بني بيت المقدس، وهذا يدل على أن الملائكة بنته أيضاً لآدم كما بنت المسجد الحرام، وقد جدده الأنبياء من بعده؛ فبناه إبراهيم خليل الله ومنه انطلق إلى تجديد الكعبة، ثم بناه سليمان بن داود عليهما السلام، ثم بعد هذا جدده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعندما أراد تجديده أراد توسعته ليشمل المسلمين من الغزاة ومن يؤمن من أهل تلك البلاد؛ فسأل كعب الأحبار وكان معه: أين أجعل الصخرة من المسجد؟ فقال: اجعلها في قبلته، فقال: تلك من بقية الكتاب الأول، فجعلها عمر عند ظهر المسجد، ولم يجعلها في قبلته، وذلك مخالفة لليهود والنصارى، فإنهم يقدسونها، فجعلها عمر في مؤخرة المسجد، وجدد عبد الملك بن مروان هذا المسجد وأقام قبابه، وكذلك وسعه الوليد بن عبد الملك بعده، ووسعه المهدي ثالث خلفاء بني العباس.
ولم تزل خلائف المسلمين في كل زمان تعتني به وتجدده وتدافع عنه، وقد وقع في أسر الصليبيين فاحتلوه في القرن الخامس الهجري، واستمر في أيديهم قرناً كاملاً حتى أخرجهم منه صلاح الدين الأيوبي ، وعندما أخرجهم منه سأل عن كتاب عمر بن الخطاب فطبقه عليهم مع ما عاثوا من الفساد ومع نكايتهم في المسلمين لم يؤاخذهم بشيء من ذلك، وإنما فرض عليهم الجزية أربعة دراهم على كل حالم أو كسوة، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاهدهم عليه، ورد عليهم كنائسهم وأملاكهم، وعندما صالحوه رد عليهم الأسرى والسبي أيضاً، وكانت معاملة المسلمين حسنة لهم، مع أنهم من الغزاة الذين أتوا من بلدان شتى، والحملة الصليبية التي احتلت بيت المقدس إنما خرجت من مدينة آخم في ألمانيا، وقد اجتمعت فيها جيوش أوروبا كلها للجهاد المقدس عندهم لاحتلال بيت المقدس، وقد احتلوا مناطق شتى من الشام وبقي فيها نصارى من تلك المناطق إلى الآن مثل عكا وغيرها من المناطق التي على ساحل الشام.
إن الذين تركهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من النصارى ببيت المقدس قد أسلموا جميعاً على مر الزمان، حتى إن والي عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إليه: إن بيت المال قد أفلس لأن أهل الجزية قد أسلموا، فقلب عمر الورقة وكتب عليها: (بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد:
فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً ولم يبعثه جابياً) فإسلام أولئك الذين كانوا يدفعون الجزية إلى المسلمين هو المقصد، فلم يسؤ أمير المؤمنين إسلام أولئك وما حصل لميزانية الدولة من النقص والتأخر والعجز في مقابل إسلام أولئك القوم.
استقرار الصحابة بالشام وانتشار المدارس الإسلامية فيها
إن هذه الأرض ذات ذكريات كثيرة؛ فالذين استقروا فيها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كبير؛ فقد أخرج إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا الدرداء قاضياً ومفتياً، ثم أرسل قبيصة بن معبد بعده، وأرسل كذلك أبا إدريس الخولاني وعدداً كبيراً من المفتين والقضاة الذين أمرهم أن يظهروا العلم وأن يجلسوا لتعليم الناس، فاستقروا بتلك المناطق وكان الناس يأوون إليهم، وكانوا يعلمون الناس كلام الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فاشتهرت المدرسة الشامية من مدارس الإسلام الراقية، التي تجمع صنوفاً شتى من أنواع العلم، واستمر ذلك طيلة الصدر الأول من تاريخ هذه الأمة، وشجعه خلفاء هذه الأمة، وبذلوا الأموال لطلاب العلم ووقفوا المدارس والأربطة في تلك المناطق كلها، وما زالت أوقافهم إلى الآن داثرة باقية، ثم استمر الحال في عهد التابعين أيضاً؛ فقد كان مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم منتجعاً علمياً للمسلمين من شتى أصقاع العالم، يتجهون إليه لدراسة العلم الشرعي.
استمرار الرحلات بعد الصحابة إلى الشام
وقد استقر في تلك المنطقة عدد كبير من أئمة التابعين مثل عبد الرحمن بن غنم و أبي إدريس الخولاني و سليم بن عتر وغيرهم من أئمة علماء الشام، ثم جاء بعدهم أتباع التابعين فاشتهر منهم عدد كبير من الذين استقروا بتلك المنطقة؛ فمنهم الإمام الأوزاعي ، ومنهم كذلك الوليد بن مسلم و عمرو بن خالد و إسماعيل بن عياش وعدد كبير من الأئمة، ثم بعدهم من أتباعهم عدد كبير كذلك، واستمرت حلقات هذه الأمة مستمرة في الشام وفي البلاد المقدسة، وسيستمر ذلك إلى نهاية الدنيا؛ فقد أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )، وهذا دليل من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله قبض رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتح بيت المقدس بثلاث سنوات، ومع ذلك فقد أخبر بفتحه وباستقرار المسلمين فيه، وبما يشهدون من الفتوح، وقد صح عنه في الصحيحين أنه قال: ( تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون )، وقد اجتهد عدد من كبار الصحابة في الرباط في الشام، ومنهم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اجتهد في أن يكون من المرابطين بالشام لما سمع من الفضل في الرباط في سبيل الله حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن المرابط في سبيل الله لا يختم على عمله ويأمن الفتان )، فكل إنسان إذا مات ختم على عمله لأنه تطوى صحائفه، إلا من مات مرابطاً في سبيل الله؛ فإنه لا يختم على عمله، بل تكتب له الملائكة ما كان يفعل، ويأمن الفتان؛ فلا يخاف فتنة الموت ولا فتنة القبر ولا عذاب القبر.
انطلاق الفتوحات الإسلامية من الشام
إن هذه الأرض التي تحوي هذه الذكريات كلها هي قلب الأمة الإسلامية النابض ووسطها الحي المتحرك؛ ولذلك انطلقت منها الفتوح الإسلامية إلى أماكن شتى من العالم؛ فهذا المكان الذي أنتم فيه إنما دخله الجيش الشامي تحت إمرة عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه عام 66 من الهجرة، وقد خرج عقبة من دمشق حين أمره الوليد بن عبد الملك على جيشه المتجه إلى جهة الغرب، ومن ذلك المكان أيضاً انطلق فتح مصر، ومنه انطلق فتح قبرص الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ناس من أمتي ملوك على الأسرة.. )، أو: ( كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر، هم في الجنة، فقالت أم حرام بنت ملحان : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم نام فاستيقظ يضحك فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال: ناس من أمتي ملوك على الأسرة.. )، أو: ( كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر، هم بالجنة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين )، فكانت غزوتان على ثبج البحر إلى قبرص، أولاهما يقودها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وفيها أم حرام بنت ملحان ، ووقعت عن دابتها بقبرص فماتت شهيدة في سبيل الله، ودفنت في قبرص، ومن ذلك المكان انطلق جيش محمد الفاتح ، الذي فتح القسطنطينية، وهي مدينة هرقل التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تفتح أولاً، أي: قبل رومية، قال: ( فلنعم الجيش جيشها ولنعم الأمير أميره )، وفي رواية: ( فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشه )، فذلك الجيش انطلق من الشام وحاصر القسطنطينية حتى فتحها، وكانت الجيوش الشامية تحاصرها من قبل؛ فقد حاصرها الجيش الذي فيه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ومات هنالك فأوصى قائد الجيش يزيد بن معاوية إذا هو مات أن يحمله على فرسه وأن يدعها تستن يوماً في أرض العدو، فإذا غربت الشمس دفنه؛ فإن المسلمين سيقاتلون حتى تطأ سنابكهم الموضع الذي دفن فيه، فدفنه عند سور القسطنطينية وإلى الآن مسجده وقبره هنالك بإسطنبول.
كذلك من ذلك الموقع انطلقت الجيوش الفاتحة إلى النوبة وإلى برقة، ومنه انطلق جيش ذات السواري، وهو أول غزو بحري ظفر فيه المسلمون بقيادة عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان بن عفان لأمه، أمه بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب توأمة عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الشام أيضاً كانت بعد هذا معارك كبيرة؛ ففي ذلك المكان صد التتار في المعركة الفاصلة، وفيه كانت معركة عين جالوت، والمواقع التي جاءت بعدها؛ فكلها كانت بذلك الجيش الشامي ومن تلك المنطقة المباركة.
استقرار خلافة آخر الزمان ونزول المسيح بن مريم فيها
ويكفي ذلك المكان شرفاً أن خلافة آخر الزمان ستسقر فيه، وينزل فيه المسيح بن مريم ويجتمع عليه أهل الإيمان، ومع هذا فإن هذه الأمة لابد أن تبتلى على دينها وتمتحن، وقد خلق الله اليهود للأذى والشر؛ فجعلهم سرطاناً في جسم البشرية، وجبلهم على الشرور، وأجراها على أيديهم، ومع ذلك تعهد لهم بمن يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[الأعراف:167].
إن هذه الأرض ذات ذكريات كثيرة؛ فالذين استقروا فيها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كبير؛ فقد أخرج إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا الدرداء قاضياً ومفتياً، ثم أرسل قبيصة بن معبد بعده، وأرسل كذلك أبا إدريس الخولاني وعدداً كبيراً من المفتين والقضاة الذين أمرهم أن يظهروا العلم وأن يجلسوا لتعليم الناس، فاستقروا بتلك المناطق وكان الناس يأوون إليهم، وكانوا يعلمون الناس كلام الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فاشتهرت المدرسة الشامية من مدارس الإسلام الراقية، التي تجمع صنوفاً شتى من أنواع العلم، واستمر ذلك طيلة الصدر الأول من تاريخ هذه الأمة، وشجعه خلفاء هذه الأمة، وبذلوا الأموال لطلاب العلم ووقفوا المدارس والأربطة في تلك المناطق كلها، وما زالت أوقافهم إلى الآن داثرة باقية، ثم استمر الحال في عهد التابعين أيضاً؛ فقد كان مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم منتجعاً علمياً للمسلمين من شتى أصقاع العالم، يتجهون إليه لدراسة العلم الشرعي.
وقد استقر في تلك المنطقة عدد كبير من أئمة التابعين مثل عبد الرحمن بن غنم و أبي إدريس الخولاني و سليم بن عتر وغيرهم من أئمة علماء الشام، ثم جاء بعدهم أتباع التابعين فاشتهر منهم عدد كبير من الذين استقروا بتلك المنطقة؛ فمنهم الإمام الأوزاعي ، ومنهم كذلك الوليد بن مسلم و عمرو بن خالد و إسماعيل بن عياش وعدد كبير من الأئمة، ثم بعدهم من أتباعهم عدد كبير كذلك، واستمرت حلقات هذه الأمة مستمرة في الشام وفي البلاد المقدسة، وسيستمر ذلك إلى نهاية الدنيا؛ فقد أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )، وهذا دليل من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله قبض رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتح بيت المقدس بثلاث سنوات، ومع ذلك فقد أخبر بفتحه وباستقرار المسلمين فيه، وبما يشهدون من الفتوح، وقد صح عنه في الصحيحين أنه قال: ( تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون )، وقد اجتهد عدد من كبار الصحابة في الرباط في الشام، ومنهم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اجتهد في أن يكون من المرابطين بالشام لما سمع من الفضل في الرباط في سبيل الله حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن المرابط في سبيل الله لا يختم على عمله ويأمن الفتان )، فكل إنسان إذا مات ختم على عمله لأنه تطوى صحائفه، إلا من مات مرابطاً في سبيل الله؛ فإنه لا يختم على عمله، بل تكتب له الملائكة ما كان يفعل، ويأمن الفتان؛ فلا يخاف فتنة الموت ولا فتنة القبر ولا عذاب القبر.