شروط النجاح


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الحياة الدنيا مسرحاً للامتحان، وامتحن الإنسان فيها بما أجرى عليه بقدره من الخير والشر؛ ولذلك قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، فما من نعمة ينعم الله بها على الإنسان وما من بلية يبلوه بها إلا كانت امتحاناً له في هذه الحياة؛ ولذلك فإن حياة الإنسان في كل يوم فيها غدو ورواح في طريقه إلى الموت والخروج من هذه الدار، وكل يوم من الأيام تقوم به حجة الله عليه، وهو تاجر إما رابح وإما خاسر، وقد بين الله سبحانه وتعالى إحاطة الخسران بالإنسان، ولا يخرج من ذلك إلا من جمع الخصال الأربع التي انتظمتها سورة العصر، حيث يقول الله فيها: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[العصر:1-3].

فالأصل إحاطة الخسران بالإنسان، ولا يخرج منه إلا بهذه الخصال الأربعة، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها )، فبين أن الناس جميعاً يغدون في هذه الحياة، يستيقظون من نومهم، فيقومون كأنما بعثوا من جديد، ثم يبدءون مشوار الحياة، وهي امتحان شاق فكل الناس يغدو، ثم بعد ذلك ينقسمون إلى قسمين: (فبائع نفسه فمعتقها)، بائع نفسه لله سبحانه وتعالى فمعتقها من عذاب الله وناره، (أو موبقها) أي: موقعها في نار جهنم عائذاً بالله، والإنسان في هذه الدار مكلف بعدد كبير من التكاليف هي أكثر من أوقاته، وهي كذلك متنوعة يشق على الإنسان الجمع بينها إلا من وفقه الله سبحانه وتعالى وثبته واختاره لذلك.

ومن هنا كانت الهداية اختياراً ربانياً ونوراً من عند الله سبحانه وتعالى، يقذفه في قلوب من شاء من عباده، كما قال تعالى: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فمن أراد الله به الخير نجح في هذا الامتحان في هذه الدار، ونجاحه لا يمكن أن يتحقق إلا بنجاته من عذاب الله جل جلاله، فإذا عاش الإنسان على رسوب ووقوع في المنكرات وكبائر الإثم، ولكنه حسنت خاتمته فتاب إلى الله توبة نصوحاً، ولو في آخر ساعة من ساعات عمره، فختم حياته الدنيا بشهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه نجح في الامتحان رغم ما سبق، ولكن الناجحين يتفاوتون في النجاح، فالفائزون منهم من أنفقوا أعمارهم كلها في طاعة الله، وأنفقوا ما أنعم الله به عليهم في مرضاته، فوظفوا كل ذلك في ما يرضي الله سبحانه وتعالى، فهؤلاء نجاحهم باهر، وهم في الدرجة الأولى وهم المتفوقون، ثم دونهم كذلك المقتصدون الذين خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيئاً، وهؤلاء عسى الله أن يتوب عليهم، ثم وراء ذلك الظالمون لأنفسهم الذين تابوا وندموا، وحسنت خواتمهم، فأولئك أيضاً ينجون ولكن مستواهم ليس كمستوى السابقين بالخيرات بإذن الله، ولكن مستوى المقتصدين؛ ولهذا قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا[فاطر:32-33].

ونجاح الإنسان في هذه الدار يشمل هذه الوظائف الأربعة التي ذكرت في سورة العصر:

فأولها: نجاحه في العلم، فالإنسان آتاه الله سبحانه وتعالى عقلاً، وسمعاً، وبصراً، وتجربة، وهي وسائل العلم وقد أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، كما قال الله تعالى: وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]، فهذه هي وسائل العلم، فعلى الإنسان أن يخصصها لما خلقت من أجله، وأن يستغلها في ذلك ونجاحه في ذلك، يقتضي تنافساً عظيماً، فالعلم أهله متفاوتون فيه، وقد جاء أمر الله سبحانه وتعالى لرسوله بالازدياد منه، وقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أي يوم لا أزداد فيه علماً فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم ).

فليحرص الإنسان العاقل الذي يريد الفوز والنجاح في هذه الحياة على الازدياد من العلم كل يوم تطلع فيه الشمس، وهذا العلم هو في الواقع جهاد، فهو مرتبة من مراتب النفس، فالنفس تحب الركون إلى الهدوء والراحة، والطمأنينة، وبما أن العلم مكلف ويقطع الإنسان عن شهوته وعن كثير من أغراض دنياه وعن حظوظه، وهو وازع له أيضاً عن معصية الله، ووازع له عن اتباع خطوات الشيطان، إذ كان الشيطان حريصاً على منع الإنسان من النجاح فيه والالتزام به؛ ولذلك يقول أحد علمائنا وهو محمد بن المحبوب رحمة الله عليهما: إن التكرار -تكرار العلم- ما كرّهه إلى الشيطان إلا كثرة ما فيه من الأجر والفضل. يقول: ما كرهه الشيطان إلا لأمر، فالشيطان يكره تكرار العلم كراهة شديدة، ولا يكره الشيطان شيئاً لابن آدم إلا إذا كان نافعاً له مفيداً في حياته.

الإخلاص عند طلب العلم

وهذا العلم تلقيه نافع في الدنيا ونافع في الآخرة، فإذا أخلص فيه الإنسان لله سبحانه وتعالى ولو كان يدرس علماً من علوم الدنيا، ولكنه أراد بذلك خدمة الدين، وخدمة البشرية، فدرس الطب أو درس شيئاً من العلوم الدنيوية النافعة، وكانت نيته خالصة لله سبحانه وتعالى، اندرج في سلك طلبة العلم، الذين تمد لهم الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنعون، ويستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان في الماء، وإذا كان دراسته للعلم الشرعي الذي أنزل الله على رسله وأرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل به هذا القرآن العظيم، فذلك أيضاً لا يستغني عنه طالب علمٍ دنيوي، ولا طالب علم أخروي، فلا بد لكل طالب علم أن يكون له حظ من طلب العلم الشرعي، وذلك أنه خلق من أجل العبادة، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

ولا يمكن أن يكون الإنسان مؤدياً لما خلق من أجله إلا إذا عرفه، فالإنسان الجاهل بالله جل جلاله الذي لا يعرف الله لا يمكن أن يعبد الله، والإنسان الذي لا يعرف حكم الله في الأمور قد يعبد الله ويتقرب إليه بما هو حرام، وهذا معصية مبعد من الله سبحانه وتعالى لا مقرب إليه.

فلذلك احتاج الإنسان العاقل في نجاحه إلى أن يتعلم ما أمر الله به، وأن يحرص على ذلك كل الحرص، ثم بعد ذلك يواصل طريقه في طلب العلم وهو طريق طويل؛ لأنه لا انقضاء له إلا بالموت.

تعليم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم

وأنتم تعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه الله ما لم يكن يعلم وامتن عليه بذلك فقال: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، ( توفي والوحي أشد ما يكون تتابعاً )، كما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها، فاستمر الوحي منذ أنزل إليه وحصلت فترات، فمثلاً: بعد نزول سورة اقرأ في أول نزول الوحي فتر الوحي ثلاث سنين، وكان في تلك الفترة لا ينزل عليه قرآن يتلى، ولكنه كان يؤمر وينهى، وكان جبريل عليه السلام يؤدبه، أي: يأمره وينهاه ويعلمه دون أن ينزل عليه قرآناً يتلى، ثم بعد ذلك بينما هو يسير في شعب من شعاب مكة سمع صوتاً من السماء، فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعب منه فرجع إلى أهله فقال: زملوني، زملوني، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[المدثر:1-5]، ثم بعد ذلك حمي الوحي وتتابع، فتتابع الوحي وفي بعض الفترات يقع انقطاع فيه لمدة محددة، ثم يعود، وذلك ابتلاء وامتحان للناس وأيضاً تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثبيت للمعلومات وسعي لمراجعتها.

أخذ الراحة لمراجعة العلم والاستعداد لتلقي غيره

وقد أخذ أهل العلم من ذلك دروساً مهمة فيما يتعلق بالطلب، فمنها أن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فالذي يريد أن يواصل الدراسة يومه وليله، ولا يكون له وقت من السنة للراحة أو وقت من الأسبوع أو وقت من الشهر لمراجعة معلوماته، قلما يثبت شيء من المعلومات لديه، فلا بد أن يكون للطالب راحة يأخذها، وهي تتفاوت حسب جده واجتهاده في الطلب؛ ولهذا يحتاج الإنسان الجاد إلى شيءٍ من المزح، وشيءٍ من الراحة، لئلا يكد عقله وذهنه، وقد قال أحد الحكماء:

أفد طبعك المكدود بالجد راحة يجم وعلله بشيء من المزح

ولكن إذا أوليته المزح فليكن بمقدار ما يعطى الطعام من الملح

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي فترة بمكة، فقال له المشركون: ودعك ربك، أي: تركك، فأنزل الله في ذلك: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، أي: ما تركك ربك ولا قلاك، أي: ما أبغضك، وهذا ضمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى لن يبغضه أبداً، فهو أحب الناس إليه وهو حبيب الله جل جلاله. وفتر الوحي خمسين يوماً لانتظاره في شأن الثلاثة الذين خلفوا، وفتر كذلك في قصة الإفك امتحاناً للأمة، وليظهر الاجتهاد، ويظهر الصادقون وأصحاب الرأي والخبرة، فكل ذلك كان من حكمة الله جل جلاله البالغة.

التأديب الذي يحتاجه طالب العلم

كما أخذ أهل العلم أيضاً درساً آخر من تعلم النبي صلى الله عليه وسلم ومن بدئه له وغط جبريل له ثلاثاً، أن الطالب يحتاج إلى تأديب ولو كان أعقل الناس وأذكاهم وأكبرهم في السن؛ ولذلك لما جاء إسحاق بن راهويه الحنظلي رحمه الله إلى الشافعي بمكة وحضر مجلسه، وكان الشافعي يتكلم فيما يتعلق ببيوت مكة وملكها، و الشافعي يرى أن بيوت مكة لا تملك وأنها وقف على المسلمين، وأنها فتحت عنوة، وكان إسحاق بن راهويه يخالفه في الأمر، فاستدل إسحاق بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وهل ترك لنا عقيل من رباع )، أي: أن عقيل بن أبي طالب باع ديار بني هاشم التي كانت بمكة، والحديث يدل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك، لكن الواقع أنه لا يدل على ذلك، بل إنما فعل عقيل ذلك في وقت الكفر والشرك، فلم يكن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك له إقراراً؛ لأن الإقرار المعتبر هو ما كان تحت سلطانه، وفي دولته، وتحت يده، فلو استدل بذلك على إقراره لبيع البيوت بمكة لاستدل أيضاً على إقراره بوضع الأصنام على الكعبة، فقد سكت عنها أيضاً، فقال الشافعي : أنت إسحاق بن يعقوب الحنظلي الذي يعدك أهل خراسان فقيههم ما أجدرك بمن يفرك أذنيك، فرى أنه يستحق أن تفرك أذناه حتى يؤدب على هذا الفهم؛ لأنه فهم خاطئ.

ولذلك فإن أحمد بن حنبل كان مع إسحاق في رحلته، فذهب أحمد و إسحاق إلى سفيان بن عيينة يسمعان حديثه، فمر أحمد في طريقه على الشافعي فجلس إليه، وانتظر إسحاق فلم يأته، فلقيه بعد ذلك فقال: أين كنت؟ فقال: رجعت إلى الحلقة وسمعت من ابن عيينة حديث كذا وكذا، فقال: لئن فاتك حديث ابن عيينة بعلو فإنك ستدركه بنزول، وإن فاتك عقل هذا القرشي فلن تدركه، فأمره بالذهاب إليه.

وكان مالك رحمه الله يؤدب طلبة العلم الكبار من أمثال عبد الملك بن الماجشون وهو من أكبر أصحاب مالك وأذكاهم، حتى إنه يوماً سأله سؤالاً لم يعجب مالكاً ، فأمر بإقامته من مجلسه، فقام من مجلسه فجاء طالب آخر فجلس في مجلس عبد الملك ، وأنتم تعرفون أن مجالس مالك كانت تزدحم ازدحاماً شديداً؛ لأنه كان من زينة الدنيا أن يقول الرجل: أخبرنا مالك ، فكان لـمالك ثلاثة مستملين، أي: ثلاثة مسمعين: مسمع يقف عند منتهى صوت القارئ على الإمام، ومسمع يقف عند منتهى صوت ذلك، ومسمع يقف عند منتهى صوت ذلك ليبلغ الحاضرين، فجاء رجل فجلس مكان عبد الملك فرفسه مالك برجله، وقال: ما أجرأك على الله! يقام منه عبد الملك فتجلس أنت فيه.

فكان مالك يؤدب طلابه، وتعرفون الحديث الذي فيه أنه خرج إلى العقيق، فسأله رجل عن حديث وهو في الطريق، فقال: من هذا الذي يسأل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق؟ اجلدوه عشرين سوطاً، فقيل: إنه القاضي، فقال: القاضي خير من أدب، فجلد القاضي عشرين سوطاً، ثم دعاه مالك إلى مجلسه فحدثه عشرين حديثاً كل حديث عن سوط، فقال القاضي: ليته جلدني مائة فحدثني مائة حديث.

وكذلك كان العلماء يؤدبون طلابهم ولو كانوا من الأذكياء ولو كانوا من الكبار، فـمالك يقول لـلأوزاعي، و الأوزاعي من أئمة الدين الكبار، وقد مات قبل مالك ، وهو في الطبقات قبل مالك ؛ لأنه متقدم عليه في الوفاة، لما قرأ عليه الموطأ هو ووفد الشام في أربعين يوماً، قال: كتاب ألفته في أربعين سنة تأخذونه في أربعين يوماً، قلما تفقهون فيه.

وهذا التأديب يؤخذ من غط جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند بدء التعلم.

وكذلك يؤخذ منه درس آخر: وهو ألا يزاد في التأديب على ثلاث، وأن لا يكون التأديب شديداً بالغاً، فليس فيه ضرب ولا إهانة، بل فيه ضم، والضم تقريب في الواقع، كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمه ودعا له؛ فلذلك قال الحافظ ابن حجر : يؤخذ من الحديث ألا يزاد في تأديب الصبيان على القرآن على ثلاث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غط ثلاثاً.

استغلال وتنظيم الوقت عند طلب العلم

والنجاح في الطلب أساسه استغلال الوقت، ومراجعة الإنسان لما طلب، فكثير منا يضيع وقتاً طويلاً في الطلب ولا تكون له مراجعة ولا مذاكرة لما درس، فكأنه يملأ قربة مشقوقة، كلما دخلها شيء خرج منها دون فائدة، ولا يكون هذا نجاحاً أبداً، فالناجح في الطلب لا بد أن يستغل الوقت أولاً، ومما يعين على ذلك تنظيمه وترتيبه، فالطالب عندنا هنا في هذه البلاد ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون طالباً في المدارس النظامية، وإما أن يكون طالباً في المحاظر، فطالب المدارس النظامية له مقررات محددة، ويأخذ الدروس في ساعات محددة، وله وقت محدد للامتحان، فهو معان على تنظيم الوقت وترتيبه، ويبقى فقط أن تكون مراجعته يومية لدروسه، وأن يلخص كل درس مع استيعابه، ثم بعد ذلك يسعى لحفظ ما يحتاج إلى الحفظ، ولتدبر وتفهم ما زاد على ذلك، وجمع المعلومات لمعرفة المتناقضات منها، والإشكالات التي ترد عليها، فالإشكال علم كما يقول أهل العلم، وقد قال الشيخ محمد الإمام رحمه الله في حاشيته على كتاب القياس من جمع الجوامع لـابن السبكي : الإشكال كما يقال علم؛ لأن الإنسان إذا استشكل شيئاً لا بد أن يبحث عن حل له، وسيقتضي ذلك منه كد ذهنه وإعمال اجتهاده، ثم بعد ذلك يسأل الآخرين ويحرص على الجواب، فما لم ينله الإنسان إلا بالجد والتشمير فسيحافظ عليه محافظة شديدة كما يقول العرب:

النيل بعد اليأس أبلغ في النفس

فلذلك يحتاج الإنسان إلى هذا التنظيم، وإلى الاستفادة من هذا التنظيم للوقت.

مراجعة دفاتر الآخرين من طلبة العلم

ويحتاج أيضاً إلى مراجعة دفاتر الآخرين حتى لو كان هو حاضراً؛ لأن الذي تكتبه أنت يتأثر بعدة مؤثرات، منها: اهتمامك، ومدى فهمك، واستيعابك. وما يكتبه الآخرون كذلك يتأثر بشخصياتهم وأساليبهم، فإذا قارنت بين عدد من الدفاتر، سيحصل لك النفع بذلك، حتى لو حضرت الدرس، وأنا أعرف أن عدداً كبيراً من الطلاب إذا حضروا درساً لا يحرصون على الرجوع إلى الدفاتر الأخرى، وهذا خطأ، وهو مانع من كثير من الفوائد التي يمكن أن يستفيدوها، لو راجعوا الدفاتر الأخرى، واطلعوا على ما فيها.

التلخيص للدروس وحفظ ما يحتاج إلى الحفظ منها

وبعد ذلك لا بد أيضاً من الحرص على التلخيص، فالأسلوب الذي يلقي به المعلم الدرس هو أسلوب تقميش، وهو يحتاج إلى توسع فيه وتنوعٍ في العبارة، وتكرار في بعض الأحيان ليفهم عنه، فقد ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على قوم فسلم عليهم، سلم عليهم ثلاثاً، وإذا تكلم بكلمة تكلم بها ثلاثاً ) لتفهم، كما في حديث أنس رضي الله عنه، والمعلم الناجح يحتاج إلى مراعاة الفروق الفردية بين الناس في إلقائه؛ فلذلك يقع التكرار في إلقائه فيحتاج الطالب إلى أن يلخص.

ثم بعد ذلك إذا لخصت يحتاج إلى حفظ بعض ملخصاتهم، و الشافعي رحمه الله لخص ذلك بجملة مفيدة وهي قوله: الأدب أن تكتب أحسن ما سمعت، وأن تحفظ أحسن ما كتبت، وأن تحدث بأحسن ما حفظت، فيكون الإنسان منتقياً بالتدريج، فيكتب أحسن ما سمع، ثم يحفظ أحسن ما كتب، ثم يحدث بأحسن ما حفظ.

وهذا التنظيم للوقت الذي هو للمدارس النظامية يحتاج إليه أيضاً في المحاظر، فالطالب ينفق وقتاً طويلاً في دراسة كتاب واحد، ليس له في اليوم إلا درس واحد في أغلب الأحيان، وهذا الدرس يمكن أن يدرسه خلال نصف ساعة، يجلس بين يدي الشيخ نصف ساعة فيشرح له درسه، أو ساعة إذا طال الدرس، ثم تمضي بعد ذلك ثلاث وعشرون ساعة ليس فيها درس جديد، وهذا خلل كبير وإضاعة للوقت، فيحتاج الطالب المحظري في نجاحه إلى أن يستغل بقية الوقت، وذلك بمراجعة الكتب الشارحة، والكتب المماثلة، مثلاً: إذا كان الإنسان يدرس الفقه مثلاً، يدرس مختصر خليل ، فإذا درس درساً من الدروس مثلاً: شرط لصلاة طهارة حدث وخبث، وإن رعف قبلها، ودام أخر لآخر الاختياري وصلى، أو فيها وإن عيداً أو جنازة وظن دوامه له وأتمها إن لم يلطخ فرش مسجد وأومأ لخوف تأذيه أو تلطخ ثوبه..) إلى آخره، سمع الشرح من الشيخ في ساعة، فيرجع إلى الشروح شروح المختصر المتوفرة في المكتبات، فيراجع فيها هذا حتى يستوعب معنى الكلام ومفاهيمه وما يتعلق به، ثم يرجع إلى كتب الأدلة، ثم يرجع إلى كتب الفقه المقارن ليطلع على نظير ذلك في المذاهب الأخرى.

وإذا كان يدرس النحو مثلاً، فدرس في الألفية:

علامة التأنيث تاء أو ألف وفي أسام قدروا التاء كالكتف

ويعرف التقدير بالضمير ونحوه كالرد في التصغير

.. إلى آخره، فدرس هذا الدرس على الشيخ في مدة نصف ساعة، فعليه أن يرجع إلى شروح الألفية الموجودة في المكتبات، فيطالع فيها حتى يستوعب فكرة النص والمقصود به، ثم يرجع إلى الكتب الموسعة الأخرى، مثل: شرح المفصل لـابن يعيش ، ومثل شروح الكافي لـابن الحاجب ، وإذا استطاع أن يرجع إلى كتب أكبر من ذلك فعل، ككتاب سيبويه مثلاً حتى تحصل لديه حصيلة من كل هذه الكتب، وهكذا في كل كتاب يدرسه.

بالإضافة إلى أنه ينصح أيضاً بحضور دروس الطلاب الأخرى، وأن يكون له وقت للمراجعة معهم في الفنون التي يدرسونها، فالوقت الذي كان يجده طلاب محاظر الدراسة قديماً لم يعد الآن متوافراً، وضاق الزمان وانتزعت منه البركة، فالطالب كان يدرس ثمان وعشرين سنة في المحظرة، وحصيلته إذا رجع إلى أهله سنجدها كتباً محصورة، كان بالإمكان أن يجمع منها عدداً، وكان بالإمكان أن يطالع غيرها وأن يدرس سواها، ففي ذلك إضاعة كبيرة للوقت.

تلخيص لأهم شروط النجاح في العلم

فإذاً: أهم شروط نجاح الإنسان في الدراسة استغلال الوقت، والشرط الآخر: الإخلاص في الطلب، فلا يمكن أن يعان الإنسان على العلم إلا إذا أخلص فيه لله جل جلاله، حتى لو كان العلم دنيوياً فمن ما يقتضي نجاح الإنسان فيه نجاحاً باهراً أن يكون مخلصاً لله سبحانه وتعالى في الطلب، وأخرنا هذا الشرط عن الشرط الأول؛ لأن الشرط الأول لا يمكن أن ينجح أحد بدونه حتى الكفار، حتى الفجار، في دراستهم لا يمكن أن ينجحوا إلا بتنظيم الوقت، أما الإخلاص فهو للمسلمين فقط، أما من سواهم فلا فائدة في إخلاصهم إلا إذا قدر أن الإخلاص هنا يقصد به الإخلاص بمهماته أو لمبادئه أو نحو ذلك، لكن الإخلاص المقصود به: الإخلاص لله جل جلاله، وقصد وجهه الكريم والتخلص من الحظوظ النفسية، وغيرها، فمن طلب العلم من ما يبتغى به وجه الله لا يطلبه إلا لحظ من الدنيا لم يرح رائحة الجنة.

فلذلك لا بد من الإخلاص لله جل جلاله وقصد وجهه الكريم، وذلك مما يقتصر الطرق ويعين الإنسان على ثبات العلم في عقله، ولمباشرته لشغاف قلبه، وانظروا إلى أسلافنا كيف أحرزوا هذا العلم الكثير، مع أن كثيراً منهم لم يكونوا يكتبون ولا يقرءون، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يحظرون الخطبة مرة واحدة فيحفظونها، فأيكم اليوم يستطيع أن يحفظ خطبة الجمعة كما ألقاها الإمام على المنبر؟ بل كثير منهم حفظوا سوراً طويلة من القرآن من مجرد السماع، ولم يكونوا يأخذون كثيراً من السور إلا من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحفظونها كما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك التابعون بعدهم فالفرافصة يقول: ما حفظت سورة يوسف إلا من كثرة قراءة عثمان لها في الصبح، حفظها من قراءة عثمان لها في الصبح. وأعينوا على العلم ببركة إخلاصهم وصدقهم، فـمالك بن الحويرث من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء هو وأصحابه كانوا شببة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فمكثوا معه عشرين يوماً، عشرين يوماً فقط، أي انتداب هذا وأي تدريب هذا مدة عشرين يوماً! فتخرجوا بالشهادة، وكانوا من الفقهاء العاملين بما علموا، وزكاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأمر فصل. وكذلك وفد عبد القيس ، وقد جاءوا من شقة بعيدة فقالوا: ( يا رسول الله! إننا نأتيك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فأمرنا بأمر فصل نأمر من وراءنا وندخل به الجنة، فقال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع )، فاختصر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولخص لهم فرجعوا فقهاء، وبقي هذا العلم الذي علمهم لمن بعدهم.

وكثير من أئمتنا الأفذاذ الذين كان لهم دور كبير في بناء علم هذه الأمة، كان لإخلاصهم الأثر الواضح في بركة علمهم وثمرته وأثره؛ ولذلك قال أحدهم: ليس العلم عن كثرة الرواية، وإنما هو ما أدى إلى خشية الله، يقول الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].

استغلال الوسائل التي امتن الله بها علينا في طلب العلم

ثم بعد ذلك الشرط الثالث لنجاح العلم: أن يستغل الإنسان هذه الوسائل التي امتن الله بها وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [النحل:78]، فلا بد أن يستغلها الإنسان، فالإنسان الذي يحفظ فقط ولا يتدبر ولا يفكر، قد يكون مسجلاً وقد يعد شريطاً، لكن ليس لعلمه فائدة ولا ثمرة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من الناس من ينقل إلى من هو أفقه منه، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في السنن وغيرها وقد ذكره بعض أهل العلم في المتواترات، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، فإذا لم يستغل الإنسان هذه الوسائل لم يكن ناجحاً حتى لو أوتي علماً، فذلك عطاء وفضل من الله، لكن لا يعتبر له هو فيه فضل ولا نجاح، فالنجاح هو ما كان راجعاً إلى كسب الإنسان وعنايته، فإذا اعتنى الإنسان بسمعه وبصره وفؤاده واستغل هذه الوسائل في طلب العلم، فإنه لا شك سينجح في ذلك وسيرى كثيراً من ملكوت السموات والأرض، التي لا يطلع عليها الإنسان العادي، فالإنسان الطبيعي العادي حجب عنه ملكوت السموات والأرض، لكن إذا أعمل الإنسان عقله وسمعه، وبصره، وجوارحه، فإنه سيفتح له في ذلك فتحات عظام، فالله أثنى على أنبيائه بإعمالهم لهذه الجوارح، فقال تعالى في سورة ص: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ[ص:45-47]، فهؤلاء الأنبياء أثنى الله عليهم بأولي الأيدي والأبصار، وليس المعنى أنه: خلق لهم أيدياً وأبصاراً فهذا لكل البشر، لكن المقصود أنه: يعملونها، فالثناء عليهم إنما هو بما كان من تلقاء أنفسهم ومن كسبهم، ومن جدهم واجتهادهم؛ ولذلك قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام:75]، فأراه الله ملكوت السموات والأرض، فأقام به الحجة على البشر، فقال لقومه وهو يريد أن يصرفهم عن الشرك وعبادة الأوثان: لماذا لا تعبدون الله جل جلاله وهو خلقكم وسواكم، فقالوا: نحن لا نعبد إلا ما نراه، ولا نؤمن إلا بما نراه، فقال: إذا كنتم لا تؤمنون إلا بما ترونه، فلماذا هذه الحجارة، أنتم تنحتونها وتصنعونها، وترفعونها، وهي أدنى منكم خلقةً وأضعف منكم مستوىً، فتعالوا نعبد ما هو أشرف من هذه الحجارة مما ترونه، وهذا منصف يدركه العقل.

فرأى كوكباً فقال: لنعبد هذا الكوكب فلم يمانعوا في ذلك؛ لأنه وافقهم على أصل المبدأ، وأقرهم على أصل ما كانوا عليه؛ ليأخذه منهم بقناعتهم من دون مصادرة، فلما غاب الكوكب، قال: هذا غاب، فقالوا: لكنه سيعود الليلة القادمة، فقال: إذاً: آمنتم بما لا ترونه، ثم بعد ذلك طلع القمر، فقال: فلنعبد هذا أحسن من الكوكب وأرفع منه، قالوا: لا مانع فعبدوا القمر ثم غاب القمر، فقال: هذا غاب، لا أحب الآفلين، فقالوا: لكنه سيعود من الغد، فقال: إذاً: آمنتم بما لا ترون وهو الآن غير موجود، ثم لما كان من الغد طلعت الشمس قال: هذه أكبر من الكوكب وأكبر من القمر، فتعالوا نعبدها، قالوا: لا مانع، فلما غابت الشمس، أقام عليهم الحجة ثلاثاً بأنهم إذا كانوا لا يعبدون إلا ما يرونه فإنهم يؤمنون بأشياء لا يرونها. وهذا أمر قريب جداً، والعاقل يستغرب ممن يحجب هذا النوع عنه من التفكير، وما ذلك إلا لتجاوز مراحل من مراحل التفكير. فاليوم اشتهر ديكارت بأنه مفكر، و ديكارت في بداية تفكيره قال: أنا أفكر، إذاً: فأنا موجود، عرفت أنك تفكر وقبل أن تعرف أنك موجود يتم هذا، فالذي دلك على التفكير يدلك على الوجود قبل التفكير، فالحجة إنما تقوم بإعمال هذه الجوارح واستغلالها، ومعها إعمال الطاقات الأخرى، فمثلاً: الذي يريد النجاح في طلب العلم إذا كان يراود على النوم، ويحاول أن ينام وعيناه لا تطاوعانه على ذلك، فهذا لا يمكن أن ينجح في طلب العلم، فالنوم حالة استثنائية ينبغي للإنسان ألا يميل إليه حتى يكون النوم هو الهاجم عليه، وهو السلطان الجائر، فقبل أن يباغتك النوم وأن يهجم عليك لا تحاول أن تنام أبداً، ودع النوم هو الذي يغزوك.

وكذلك الذي يحاول إتعاب نفسه بزيادة المأكل والمشرب، فالطعام والشراب ضرورة من ضرورات البشر، ولكن لماذا يزيد الإنسان عن الضرورة؟ ليزداد الوزن ويتضخم الجسم من غير فائدة، فهذا إنما هو إشغال وإهدار للطاقات، إشغال لها بما لا خير للإنسان فيه، فحسب الإنسان من ذلك ما يكفيه ويسد حاجته، ويسد رغبته أيضاً في الأمور المحرمة، فذلك كافٍ. وقد ذكر أحد العلماء في هذه البلاد أنه يتعجب من بعض الناس وهو يأخذ اللقمة ثم يشرب عليها الماء ليبتلعها ولا يستطيع ابتلاعها بسجيته وطبعه، فيشرب الماء عليها ليبتلعها كأن اللقمة دواء، فيقول: ما لا يستساغ إلا بشرب الماء عليه هذا عذاب؛ لأنه لا يبتلعه بسجيته وطبعه؛ فلذلك لا بد من استغلال هذه الطاقات وهو شرط من الشروط المهمة في النجاح في طلب العلم.

الحرص على تبليغ العلم وتوصيله للآخرين

كذلك من الشروط المهمة للنجاح في طلب العلم أيضاً: حرص الإنسان على تبليغه، وتوصيله للآخرين، فالإنسان الذي يتعلم لنفسه فقط، وإذا فهم شيئاً لم يحرص على تفهيم الآخرين، ولم يحرص على تبليغه لا يمكن أن يكون ناجحاً في الطلب؛ لأن العلم سلاح ذو حدين، وإذا لم يستغله الإنسان كان ترةً عليه وحجة؛ ولذلك قال أبو الدرداء رضي الله عنه: أن أخوف ما أخافه يوم القيامة أن يقال لي: أعلمت أم جهلت؟ فأقول: بل علمت، فيقال: ففيمَ عملت فيما علمت؟

فإذا استحضر الإنسان أنه سيسأل عما يدرسه من العلم، هل بلغه وأوصله إلى غيره؟ وهل أداه حق أدائه؟ فإن عليه أن يحرص على بيانه وتفصيله، وذلك مما يفيد الإنسان أيضاً دربة، وكثير من الناس يكون لديه ضعف في شخصيته سببه عدم الممارسة، فإذا تجاسر الإنسان وتشجع فإن ذلك يزيل عنه ذلك الضعف، ألا ترون الإنسان أول ما يقود السيارة يكون مرتبكاً ينظر إلى المرآة التي أمامه والتي عن يمينه، والتي عن شماله، ولا يدخل أي سرعة إلى وقد نظر إليها وهو ينظر إلى رجليه على أي المداعس تدعس، وينظر إلى المقود ولا يستطيع إمساكه عن الخط؛ لأنه يحتاج إلى دربة، وهكذا الإنسان إذا بدأ ممارسة رياضة العوم في المياه فإنه يظن أنه بمجرد انغماسه في الماء سيصل إلى القاع، ولا يمكن أن يسبح أبداً، ويتعجب من الناس كيف يسبحون على المياه؟ ولكن بمجرد دربة بسيطة ومعرفة الإنسان بتحريك يديه ورجليه، مجرد الحركة الدائمة يتعلم الإنسان السباحة، ويستطيع التغلب على هذه العقدة النفسية. كذلك الإلقاء فما هو إلا عقدة نفسية، فإذا قيل لأحدكم الآن قم على هذا المنبر وألقي لنا خطبة فسنراه يمسك ثوبه، ويكاد يحتزم به ثم بعد ذلك ترتجف فرائصه، ثم بعد ذلك يقدم جُملاً غير متناسقة، وكثيراً ما يخطئ ثم يرتبك وتأخذه القشعريرة والرعدة، ويبقى في ذهنه كثير من الموضوعات والعلوم التي كان يريد تبليغها وتوصيلها، ولكن رأى اللسان قد خانه فلم يستطع إيصالها إلى الناس، فما هذه إلا عقدة نفسية إزالتها بالدربة، فعندما يتدرب الإنسان ويتعود على النظر في عيون الناس، ويتعود على أدب الوقوف على المنبر، ويتعود على مخاطبة الناس، ويتعود على تنسيق أفكاره وترتيبها، والأفكار ما هي إلا شريط في ذهن الإنسان إن استطاع أن يقدمها ينجح في ذلك، وهذا النجاح هو من النجاح العلمي؛ لأن الإنسان سيمتحن، وكثير من الطلبة تحصل لديهم عقدة نفسية حتى لو كان حافظاً لكل المعلومات، فإذا جاء الامتحان وهو متعود على الغش عن جاره ويريد سؤاله، ويريد حل الأسئلة عن طريق جيرانه؛ لأنه هو لا يثق بنفسه، لكن إذا وثق بنفسه وقدم معلوماته حتى لو كانت خاطئة على الأقل فستكون متماسكة، ويستحق بها درجات ربما نجح بها، ولكن ما دام يحتقر نفسه وينظر للآخرين لن ينجح أبداً.

ومن هنا فاستغلال الإنسان لطاقاته الشخصية، واهتمامه بإيصاله المعلومات إلى الآخرين من الشروط المهمة لنجاحه في الطلب.

التدرج في طلب العلم حسب سلم العلم المعروف لدى أهله

كذلك من الشروط المهمة للنجاح في الطلب عدم القفز على درجات السلم، فأنتم تعرفون أن كثيراً من الطلبة يقفزون على درجات السلم، يرون سلماً مبنياً، فيظنون أن هذا السلم ما بني إلا صدفة هكذا، وكان بالإمكان أن يجعل ثلاث درجات فقط بدل أن نجعله ثلاثين درجة، فيريد أن يقفز من أدنى درجة من درجات السلم إلى أعلى درجة، فإذا تعلم حديثين أو ثلاثة، وتعلم قليلاً من العلم ظن أنه أكمل كل شيء، واستطاع أن يفتي في كل شيء، وأن يتجاسر على كل شيء، وأن يتزبب قبل أن يتحصرم، وما هذا إلا قفز على السلم، وهو منافٍ للنجاح، فالعلم درجاته أولى بالاحترام من درجات السلم، درجات السلم أنت تحترمها في صعودك ونزولك وتخاف السقوط إذا تجاوزت درجة، فكذلك العلم درجاته لا بد من احترامها هذا الاحترام؛ خشية أن تزل قدم بعد ثبوتها، فيحتاج الإنسان إلى مراعاته وترتيبه، والعلوم متفاوتة في درجاتها وفائدتها فلا بد من ترتيبها كذلك في العناية بها.

تقسيم العلوم الشرعية

ولأهل العلم مناهج موضوعة لهذا وإن كانت تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان والأحوال، ولكن عموماً ثمت تقسيم لا بد منه، وهو أن نعرف أن العلوم تنقسم إلى قسمين كبيرين:

أحدهما: علم مقاصد، والثاني: علم وسائل، فعلم المقاصد مثل: علوم الوحي، ما يتعلق بالفقه والعقيدة وأدلة ذلك من الكتاب والسنة، وعلوم التفسير، وعلوم شرح الحديث، هذه علوم مقاصد.

وعلوم وسائل: وهي التي يفهم بها مثل: المصطلحات، كاللغويات مطلق النحو، والصرف وغير ذلك، وكذلك من المصطلحات: مصطلح الحديث، وأصول الفقه، وعلم الجدل، فهذه من العلوم الاصطلاحية التي لا يفهم الإنسان سواها إلى بها، فهي من العلم الثاني الذي هو علم وسائل. والعلوم سلالات أي كل مجموعة منها بينها رحم أو تقارب، يكمل بعضها بعضاً، فمثلاً علوم القرآن يدخل في تحت هذا العنوان مثلاً ستة علوم أو سبعة علوم، مثلاً: علم الأداء أي التجويد، ثم علم القراءات اختلاف القراء، ثم علم التفسير، ثم علم الرسم والضبط، ثم علم علوم القرآن ثم علم طبقات القراء والمفسرين، فهذه تقريباً ست سلالات متقاربة.

وكذلك علوم الحديث، فمثلاً علم الحديث رواية أي الألفاظ النبوية، الكتب التي جمعت متون الحديث وأسانيد الحديث فهذه علمها علم من هذه السلالة، ثم بعد ذلك علم المصطلح، ثم علم شرح الحديث، ثم علم العلل، ثم علم التخريج ودراسة الأسانيد، ثم علم الرجال الجرح والتعديل، فيضاف إلى هذا علم تاريخ تدوين السنة مثلاً.

وكذلك علوم الفقه، وهي سلالة كبيرة فيها عدد كبير من العلوم، منها علم الفقه المذهبي، فأنت مثلاً طالب تدرس على المذهب المالكي، فلا بد من مقررات تدرس في المذهب المالكي، لا يكون الإنسان عارفاً بهذا المذهب إلا إذا درسها، الشخص الذي لم يدرس الرسالة لـابن أبي زيد القيرواني ولم يدرس مختصر خليل مثلاً، عندنا هنا لا يمكن أن يكون طالباً للمذهب المالكي.

بعد ذلك العلم علم الفقه المقارن، ودراسة المذاهب الأخرى سواء كانت على الجمع أو على الإفراد، فالإفراد أن تدرس كتاباً في كل مذهب، والجمع أن تجمع بينها إما بالمقارنة بين تآليف تدرسها على الشيخ، أو أن تدرس كتاباً واحداً من الكتب الجامعة المقارنة بين المذاهب. ثم بعد ذلك علم الخلاف العالي وهو الذي يذكر المذاهب المندرسة وأقوال التابعين، والصحابة واجتهاداتهم، ثم بعد ذلك أصول الفقه، ثم بعد ذلك تخريج الفروع عن الأصول، ثم علم القواعد الفقهية، ثم بعد ذلك علم النوازل وهي الأفتية، أفتية العلماء المجتهدين؛ لأنها يستأنس بها وتؤخذ منها المآخذ.

ثم بعد ذلك علم القضاء، ثم بعد ذلك علم الفرائض أي التركات، ثم بعد ذلك علم الجدل الفقهي ثم بعد ذلك طبقات الفقهاء أيضاً على الجمع أو على الإفراد، فالإفراد: طبقات فقهاء كل مذهب على حدة، والجمع: الكتب الجامعة لذلك، ثم بعد ذلك تاريخ التشريع، وتدوين المذاهب وما يتعلق بها، وهكذا فهذه العلوم سلالة واحدة متقاربة. وهكذا في علوم اللغة وغيرها والعلوم العقلية، فهي سلالات، فإذا أراد الطالب النجاح فإنه إذا لم يرد دراسة النحو، ويريد دارسة البلاغة ولم يدرس النحو، فهل سيفهم شيئاً من البلاغة؟ لا يمكن أن يفهم البلاغة؛ لأن البلاغة المقصود بها: الطرق التي تركب بها المفردات، والمفردات من لم يعرفها، من لم يعرف أن الفاعل مرفوع، وأن المفعول منصوب، وأن المضاف إليه مجرور، لا يمكن أن يركب الكلام أصلاً، والبلاغة فائدتها تتعلق بالتركيب، فالنحو تعرف به تركيباً جاهزاً أن هذا فعل وهذا فاعل، وأن هذا مبتدأ وهذا خبر، لكن البلاغة تعرف بها هل هذا المحل ينبغي أن يعبر فيه بالجملة الأسمية، أو بالجملة الفعلية، وهل هذا المكان يصلح للضمير أو لا بد فيه من اسم ظاهر؟ وهكذا.

التمهيد والتهيئة عند طلب العلم بالمقدمات العشر لهذا العلم

فإذاً: بعض العلوم يشترط أن تأتي بعد التمهيد والتهيئة لها بعلوم أخرى، وهذا أساساً كان لدى المتقدمين من أهل التربية، واليوم تجدون بعض العلوم وإن كان لها شروط يتعداها الناس، فمثلاً: علم الرياضيات، فمن لا يعرف العمليات الأربع، هل يمكن أن يدرس علم الرياضيات، فيحتاج الدارس لعلم الرياضيات أن يكون لديه خلفية للحساب إذا لم يكن دارساً للعمليات الأربع ولم يكن عارفاً بالكسور، والجبر لا يمكن أن يبدأ به مباشرة؛ ولذلك يذكرون عشر مقدمات لكل علم من العلوم، وهذه إنما عرفت لدى المسلمين وفي العلوم الشرعية التي درسها المسلمون، وهي ترتيب عقلي مهم وثقافة مفيدة للإنسان، لو لم تعرف من العلم إلا هذه المقدمات العشر لكنت مشاركاً فيه، ولو لم تعرف سواها، لكن العلوم الحديثة لم تعتنِ بهذه المقدمات، فمباشرة أستاذ الرياضيات في أول درس يبدأ بمعادلة، فلا يعرف علم الرياضيات ولا يذكر فائدته ولا منشأه ولا واضعه ولا موضوعه، ولا أي شيء من ما يتعلق به، بل أول ما يبدأ به يكتب على السبورة معادلة من المعادلات ويبدأ في حلها.

وكثير من العلوم تبدأ الآن بالأمثلة، ففي الفيزياء يتقدم الأستاذ فيكتب مثالاً، مثال لماذا؟ مثال لقاعدة ستؤخذ من المثال، وهذه طريقة معاصرة، وسببها أن هذه العلوم في الأصل ليست من إنتاج المسلمين، فلو ألفها المسلمون اليوم لأدوها على طريقة العلوم الشرعية، وكان فيها هذه المقدمات، وكان الطالب يدخلها وهو على بينة منها ويعرف ما يراد منها؛ ولذلك تعرفون الآن أن كثيراً من الطلاب قد ينحرفون إذا درسوا الفلسفة، أو درسوا بعض المواد مثل: مواد الفكر الإسلامي التي تسمى اليوم الفكر الإسلامي، أو الثقافة الإسلامية، فهذه المواد كثيراً ما يقع الانحراف في الطلبة في وقت دراستها؛ لأنهم يدخلون متاهات لا أول لها ولا آخر، لا عرفوا ما تعريف الفلسفة وما منشأها وما فائدتها، وما حكم تعلمها؟ وغير ذلك من المقدمات التي تدرس عن كل علم من العلوم، ولو عرفوا ذلك لجاءوا على استعداد كامل، لكن هذه الطريقة هي طريقة العصف، كأنما يؤخذ الإنسان الذي يراد تعليمه السباحة فيرمى به في البحر بين الأمواج، ثم بعد ذلك نعلمه، ولا شك أن هذا قد يقع فيه نجاح، لكن ذلك النجاح لا يأتي إلا بعد جهد جهيد، وكان بالإمكان ألا يقع.

فالنجاح الحقيقي هو في تقليل الجهد المبذول، وليس في الوصول لنتيجة فقط، فمثلاً: أنت إذا كان لديك مشروع وسأمثله بمشروع مادي واضح، فأنت قررت أن تبني بيتاً، وأن تملك بيتاً، فأول الفكرة آخر العمل، أول ما ينطبع في ذهنك الآن بيت مصبوغ ومفروش وفيه الماء والكهرباء، والهاتف وكل الخدمات، كأنك ت

وهذا العلم تلقيه نافع في الدنيا ونافع في الآخرة، فإذا أخلص فيه الإنسان لله سبحانه وتعالى ولو كان يدرس علماً من علوم الدنيا، ولكنه أراد بذلك خدمة الدين، وخدمة البشرية، فدرس الطب أو درس شيئاً من العلوم الدنيوية النافعة، وكانت نيته خالصة لله سبحانه وتعالى، اندرج في سلك طلبة العلم، الذين تمد لهم الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنعون، ويستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان في الماء، وإذا كان دراسته للعلم الشرعي الذي أنزل الله على رسله وأرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل به هذا القرآن العظيم، فذلك أيضاً لا يستغني عنه طالب علمٍ دنيوي، ولا طالب علم أخروي، فلا بد لكل طالب علم أن يكون له حظ من طلب العلم الشرعي، وذلك أنه خلق من أجل العبادة، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

ولا يمكن أن يكون الإنسان مؤدياً لما خلق من أجله إلا إذا عرفه، فالإنسان الجاهل بالله جل جلاله الذي لا يعرف الله لا يمكن أن يعبد الله، والإنسان الذي لا يعرف حكم الله في الأمور قد يعبد الله ويتقرب إليه بما هو حرام، وهذا معصية مبعد من الله سبحانه وتعالى لا مقرب إليه.

فلذلك احتاج الإنسان العاقل في نجاحه إلى أن يتعلم ما أمر الله به، وأن يحرص على ذلك كل الحرص، ثم بعد ذلك يواصل طريقه في طلب العلم وهو طريق طويل؛ لأنه لا انقضاء له إلا بالموت.

وأنتم تعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه الله ما لم يكن يعلم وامتن عليه بذلك فقال: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، ( توفي والوحي أشد ما يكون تتابعاً )، كما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها، فاستمر الوحي منذ أنزل إليه وحصلت فترات، فمثلاً: بعد نزول سورة اقرأ في أول نزول الوحي فتر الوحي ثلاث سنين، وكان في تلك الفترة لا ينزل عليه قرآن يتلى، ولكنه كان يؤمر وينهى، وكان جبريل عليه السلام يؤدبه، أي: يأمره وينهاه ويعلمه دون أن ينزل عليه قرآناً يتلى، ثم بعد ذلك بينما هو يسير في شعب من شعاب مكة سمع صوتاً من السماء، فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعب منه فرجع إلى أهله فقال: زملوني، زملوني، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[المدثر:1-5]، ثم بعد ذلك حمي الوحي وتتابع، فتتابع الوحي وفي بعض الفترات يقع انقطاع فيه لمدة محددة، ثم يعود، وذلك ابتلاء وامتحان للناس وأيضاً تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثبيت للمعلومات وسعي لمراجعتها.

وقد أخذ أهل العلم من ذلك دروساً مهمة فيما يتعلق بالطلب، فمنها أن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فالذي يريد أن يواصل الدراسة يومه وليله، ولا يكون له وقت من السنة للراحة أو وقت من الأسبوع أو وقت من الشهر لمراجعة معلوماته، قلما يثبت شيء من المعلومات لديه، فلا بد أن يكون للطالب راحة يأخذها، وهي تتفاوت حسب جده واجتهاده في الطلب؛ ولهذا يحتاج الإنسان الجاد إلى شيءٍ من المزح، وشيءٍ من الراحة، لئلا يكد عقله وذهنه، وقد قال أحد الحكماء:

أفد طبعك المكدود بالجد راحة يجم وعلله بشيء من المزح

ولكن إذا أوليته المزح فليكن بمقدار ما يعطى الطعام من الملح

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي فترة بمكة، فقال له المشركون: ودعك ربك، أي: تركك، فأنزل الله في ذلك: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، أي: ما تركك ربك ولا قلاك، أي: ما أبغضك، وهذا ضمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى لن يبغضه أبداً، فهو أحب الناس إليه وهو حبيب الله جل جلاله. وفتر الوحي خمسين يوماً لانتظاره في شأن الثلاثة الذين خلفوا، وفتر كذلك في قصة الإفك امتحاناً للأمة، وليظهر الاجتهاد، ويظهر الصادقون وأصحاب الرأي والخبرة، فكل ذلك كان من حكمة الله جل جلاله البالغة.