البيوع الفاسدة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى ما حرم شيء إلا لضرره الماحق بالناس، ولا أمر بشيءٍ إلا لمصلحة تتعلق بالناس، فهو سبحانه وتعالى الغني الحميد: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، ولا يمكن أن يبلغ إليه عباده بنفع ولا بضر؛ ولذلك قال فيما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ).

إنه سبحانه وتعالى حرم على عباده الربا، وقد كان تحريمه في الأمم السابقة، وحرمه في كل الشرائع، ولم تختلف في ذلك؛ لما يتعلق به من الضرر الماحق.

الجشع والاستغلال وزرع الشحناء

فمن الآثار المترتبة على الربا: أنه يؤدي إلى الجشع والطمع وإيثار الدنيا على الآخرة، وهذا ضرر عظيم جداً، مؤدٍ إلى زوال الإيمان، نسأل الله السلامة والعافية.

فالذي يمارس الربا ويحبه، دائماً يؤثر الدنيا على الآخرة، كذلك فإن من الآثار السيئة المترتبة على الربا، أنه يؤدي إلى الشحناء والبغضاء بين الناس، فإن الذين يأكلون الربا يستغلون الناس أبشع الاستغلال، ويؤذونهم باستغلالهم، وبذلك تحصل البغضاء والشحناء بين الأغنياء والفقراء، فيمقت الفقراء الأغنياء؛ لأنهم يستغلون عرقهم، ويستغلون ضعفهم، ويحسد الفقراء الأغنياء كذلك؛ لأنهم قد استأثروا عنهم بما أوتوا من أمور الدنيا.

الاتكالية ونقص العمل

كذلك من الآثار السيئة المترتبة على الربا: أنه سبب أيضاً للاتكالية ونقص العمل، فالله سبحانه وتعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض، وهيأ له وسائل الرزق، وأسباب التصرف في هذه الأرض، وأمره بالسير في مناكبها، والابتغاء من رزقه، ولا يمكن أن يحقق الإنسان ذلك، إلا إذا عمل واجتهد وبذل الأسباب، أما إذا اتكل الإنسان على ما أوتي فإن تلك المصالح ستتوقف بالكلية.

الإفساد في الأرض وكون المال دولة بين الأغنياء

كذلك من الآثار السيئة المترتبة على الربا: أنه يقتضي أن يزداد الأغنياء غنىً، والفقراء فقرا، فيتكدس المال في أيدي جلة قليلة من الناس، فيكون دولة بين الأغنياء من الناس، على حساب الآخرين، وهذا ضرر ماحق بين.

وكذلك من آثار الربا السيئة: أنه أيضاً مقتضٍ لانفصام العرى، والإفساد في الأرض، فهو سبب لقطيعة الأرحام، وسبب لتمزيق الوشائج كلها، ومن أجل ذلك أنزل الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]، ومن أجل هذا رتب الله الوعيد الشديد على الربا، فآذن مقترفه بحرب من الله ورسوله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بعدد كبير من أضراره، وآثاره الأخروية، فمنها: أنه ينفق المال في بداية أمره، فتنفق السلعة بالربا، ثم بعد ذلك يمحق المال في الدنيا، ثم يحرق صاحبه في الآخرة.

العقوبات المترتبة على أكل الربا وما يتعلق به

ومنها ترتب اللعنة عليه، فقد: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء ).

ومنها كذلك ما بينه الله في كتابه بقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ [البقرة:275]، وقد اختلف في تفسير هذه الآية فقيل: قيامهم من القبور عند البعث، مثل قيام المجانين الذين يتخبطون، وهذا تعذيب لهم، فيحشرون بما هو فضيحة لهم في المحشر، لا يقومون من مضاجعهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، أي: كما يقوم المجنون، وبذلك يبعثون مجانين يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، وقيل المعنى: أنهم في الدنيا لا يتحكمون في تصرفاتهم؛ لشدة حبهم للدنيا، وشجعهم بها، فيهم يتصرفون تصرف المجانين، يغلقون أبواب الخير، ويفتحون أبواب الشر، وقد اشتهر اليهود عليهم لعنة الله، بالحرص على الربا، وهم الذين أشاعوه وأذاعوه في الأرض، وقد رتب الله على ذلك كثيراً من العقوبات التي عاقبهم بها، فمنها تحريم ما كان حلالاً، ومنها كذلك تعرضهم لأنواع المقت والأذى، فقد قال الله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:160-161]، وقال تعالى: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، فهم المفسدون في الأرض، ومن إفساده فيها، أنهم الداعون لانتشار الربا، ولذلك فهم في عصرنا الحديث، مرجع الربا كله، فهذه البنوك التي أصبحت مؤسسات الربا في العالم، أول من أقامها وجعل الاقتصاد متعلقاً بها هم اليهود، ولذلك فهم يسعون دائماً لأن يستحوذوا على أموال الناس، فيضعوها في هذه البنوك؛ لتكون تحت أيديهم، فهم يستغلونها حتى لو لم تمكث في البنوك إلا دقائق محصورة، فإنهم يربحون منها بذلك لزيادة الثقة بالبنك، أو لزيادة التصرف في أثمان العملات ارتفاعاً وانخفاضاً، إلى غير ذلك من أنواع ما يدبرونه ويديرونه من المكائد للاقتصاد العالمي، وهم لا شك أعداء البشرية، ولا يأتي تصرفهم إلا بشر، ولذلك فإن الربا، قد انتشر في زماننا هذا انتشاراً عظيماً، وقد أخبر بذلك من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قفد أخبر أن: ( أياماً بين يدي الساعة ينتشر فيها الربا، فمن لم ينل منه ناله من غباره )، وهذا ما نشهده اليوم، فلا يستورد ملبوس ولا مأكول ولا مشروب، ولا تشترى سيارة، ولا يبنى بيت، إلا وللربا تدخل في ذلك، وكل هذا من المصائب العظيمة.

منافاة الربا لاستجابة الدعاء

ومن آثار الربا السيئة في الدنيا: أنه منافٍ لاستجابة الدعاء، فإن الذين يتفشى فيهم الربا، يدعون الله فلا يستجيب لهم، وقد كان المسلمون في العصور السابقة إذا جاء القحط، أو غلت الأسعار، رفعوا أيديهم إلى الله بالضراعة فأزال عنهم ما هم فيه.

واليوم يرفع الناس أيديهم بالضراعة، لكن نظراً لتفشي الربا وانتشاره بينهم، لا يستجاب لهم، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك )، فلذلك لا بد أن تنتشر الفواحش كلها إذا انتشر الربا؛ لأن: ( كل لحم نبت من حرام، فالنار أولى به )، والذين يعيشون بالربا، لا يتوقع أبداً أن تكون أعمالهم صالحة مخلصة لوجه الله، بل لا بد أن تكون سيئةً؛ لأن السيئة تدعو إلى السيئة، والمال إذا جمع من حرام، لا يمكن أن يصرف إلا في الحرام، فلا يمكن أن ينفق في سبيل الله، وكل هذه الأضرار المتفشية نشهدها مما حتم علينا، ونحن قد ابتلينا بهذا العصر أن نتدارس خطر الربا في كل الأوقات، وألَّا نمل لمدارسته، وأن يحذر بعضنا بعضاً منه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر كثرة أنواعه، فقال: ( إن من الربا سبعين باباً، أدناها أن يغشى الرجل أمه على قارعة الطريق ).

فأنواع الربا كثيرة جداً، وقد ذكر ابن الحاج المالكي صاحب المدخل، أنواعاً عجيبةً من الربا يقع فيها الفقهاء وحدهم، فكيف بمن دونهم، فقد ذكر رحمه الله، أن الفقهاء يدرسون أحكام البيوع فيذكرون شروطها وأركانها وجزئياتها، ويفصلونها في مجالسهم ومدارسهم، لكنهم لا يشترون أية حاجة بأنفسهم، بل يرسلون الجارية والغلام والغر إلى الأسواق، وهم يعلمون أنهم لا يعرفون أحكام البيع والربا، ويعرفون أن الأسواق ينتشر فيها الجهلة، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من لم يكن فقهياً أكل الربا، شاء أو أبى.

فلذلك إرسال الناس الجهال إلى الأسواق للاشتراء، هو مشاركة في الربا.

فمن الآثار المترتبة على الربا: أنه يؤدي إلى الجشع والطمع وإيثار الدنيا على الآخرة، وهذا ضرر عظيم جداً، مؤدٍ إلى زوال الإيمان، نسأل الله السلامة والعافية.

فالذي يمارس الربا ويحبه، دائماً يؤثر الدنيا على الآخرة، كذلك فإن من الآثار السيئة المترتبة على الربا، أنه يؤدي إلى الشحناء والبغضاء بين الناس، فإن الذين يأكلون الربا يستغلون الناس أبشع الاستغلال، ويؤذونهم باستغلالهم، وبذلك تحصل البغضاء والشحناء بين الأغنياء والفقراء، فيمقت الفقراء الأغنياء؛ لأنهم يستغلون عرقهم، ويستغلون ضعفهم، ويحسد الفقراء الأغنياء كذلك؛ لأنهم قد استأثروا عنهم بما أوتوا من أمور الدنيا.

كذلك من الآثار السيئة المترتبة على الربا: أنه سبب أيضاً للاتكالية ونقص العمل، فالله سبحانه وتعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض، وهيأ له وسائل الرزق، وأسباب التصرف في هذه الأرض، وأمره بالسير في مناكبها، والابتغاء من رزقه، ولا يمكن أن يحقق الإنسان ذلك، إلا إذا عمل واجتهد وبذل الأسباب، أما إذا اتكل الإنسان على ما أوتي فإن تلك المصالح ستتوقف بالكلية.

كذلك من الآثار السيئة المترتبة على الربا: أنه يقتضي أن يزداد الأغنياء غنىً، والفقراء فقرا، فيتكدس المال في أيدي جلة قليلة من الناس، فيكون دولة بين الأغنياء من الناس، على حساب الآخرين، وهذا ضرر ماحق بين.

وكذلك من آثار الربا السيئة: أنه أيضاً مقتضٍ لانفصام العرى، والإفساد في الأرض، فهو سبب لقطيعة الأرحام، وسبب لتمزيق الوشائج كلها، ومن أجل ذلك أنزل الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]، ومن أجل هذا رتب الله الوعيد الشديد على الربا، فآذن مقترفه بحرب من الله ورسوله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بعدد كبير من أضراره، وآثاره الأخروية، فمنها: أنه ينفق المال في بداية أمره، فتنفق السلعة بالربا، ثم بعد ذلك يمحق المال في الدنيا، ثم يحرق صاحبه في الآخرة.

ومنها ترتب اللعنة عليه، فقد: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء ).

ومنها كذلك ما بينه الله في كتابه بقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ [البقرة:275]، وقد اختلف في تفسير هذه الآية فقيل: قيامهم من القبور عند البعث، مثل قيام المجانين الذين يتخبطون، وهذا تعذيب لهم، فيحشرون بما هو فضيحة لهم في المحشر، لا يقومون من مضاجعهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، أي: كما يقوم المجنون، وبذلك يبعثون مجانين يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، وقيل المعنى: أنهم في الدنيا لا يتحكمون في تصرفاتهم؛ لشدة حبهم للدنيا، وشجعهم بها، فيهم يتصرفون تصرف المجانين، يغلقون أبواب الخير، ويفتحون أبواب الشر، وقد اشتهر اليهود عليهم لعنة الله، بالحرص على الربا، وهم الذين أشاعوه وأذاعوه في الأرض، وقد رتب الله على ذلك كثيراً من العقوبات التي عاقبهم بها، فمنها تحريم ما كان حلالاً، ومنها كذلك تعرضهم لأنواع المقت والأذى، فقد قال الله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:160-161]، وقال تعالى: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، فهم المفسدون في الأرض، ومن إفساده فيها، أنهم الداعون لانتشار الربا، ولذلك فهم في عصرنا الحديث، مرجع الربا كله، فهذه البنوك التي أصبحت مؤسسات الربا في العالم، أول من أقامها وجعل الاقتصاد متعلقاً بها هم اليهود، ولذلك فهم يسعون دائماً لأن يستحوذوا على أموال الناس، فيضعوها في هذه البنوك؛ لتكون تحت أيديهم، فهم يستغلونها حتى لو لم تمكث في البنوك إلا دقائق محصورة، فإنهم يربحون منها بذلك لزيادة الثقة بالبنك، أو لزيادة التصرف في أثمان العملات ارتفاعاً وانخفاضاً، إلى غير ذلك من أنواع ما يدبرونه ويديرونه من المكائد للاقتصاد العالمي، وهم لا شك أعداء البشرية، ولا يأتي تصرفهم إلا بشر، ولذلك فإن الربا، قد انتشر في زماننا هذا انتشاراً عظيماً، وقد أخبر بذلك من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قفد أخبر أن: ( أياماً بين يدي الساعة ينتشر فيها الربا، فمن لم ينل منه ناله من غباره )، وهذا ما نشهده اليوم، فلا يستورد ملبوس ولا مأكول ولا مشروب، ولا تشترى سيارة، ولا يبنى بيت، إلا وللربا تدخل في ذلك، وكل هذا من المصائب العظيمة.

ومن آثار الربا السيئة في الدنيا: أنه منافٍ لاستجابة الدعاء، فإن الذين يتفشى فيهم الربا، يدعون الله فلا يستجيب لهم، وقد كان المسلمون في العصور السابقة إذا جاء القحط، أو غلت الأسعار، رفعوا أيديهم إلى الله بالضراعة فأزال عنهم ما هم فيه.

واليوم يرفع الناس أيديهم بالضراعة، لكن نظراً لتفشي الربا وانتشاره بينهم، لا يستجاب لهم، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك )، فلذلك لا بد أن تنتشر الفواحش كلها إذا انتشر الربا؛ لأن: ( كل لحم نبت من حرام، فالنار أولى به )، والذين يعيشون بالربا، لا يتوقع أبداً أن تكون أعمالهم صالحة مخلصة لوجه الله، بل لا بد أن تكون سيئةً؛ لأن السيئة تدعو إلى السيئة، والمال إذا جمع من حرام، لا يمكن أن يصرف إلا في الحرام، فلا يمكن أن ينفق في سبيل الله، وكل هذه الأضرار المتفشية نشهدها مما حتم علينا، ونحن قد ابتلينا بهذا العصر أن نتدارس خطر الربا في كل الأوقات، وألَّا نمل لمدارسته، وأن يحذر بعضنا بعضاً منه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر كثرة أنواعه، فقال: ( إن من الربا سبعين باباً، أدناها أن يغشى الرجل أمه على قارعة الطريق ).

فأنواع الربا كثيرة جداً، وقد ذكر ابن الحاج المالكي صاحب المدخل، أنواعاً عجيبةً من الربا يقع فيها الفقهاء وحدهم، فكيف بمن دونهم، فقد ذكر رحمه الله، أن الفقهاء يدرسون أحكام البيوع فيذكرون شروطها وأركانها وجزئياتها، ويفصلونها في مجالسهم ومدارسهم، لكنهم لا يشترون أية حاجة بأنفسهم، بل يرسلون الجارية والغلام والغر إلى الأسواق، وهم يعلمون أنهم لا يعرفون أحكام البيع والربا، ويعرفون أن الأسواق ينتشر فيها الجهلة، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من لم يكن فقهياً أكل الربا، شاء أو أبى.

فلذلك إرسال الناس الجهال إلى الأسواق للاشتراء، هو مشاركة في الربا.

وللربا إطلاقان في الشرع:

الإطلاق العام

الإطلاق الأول: إطلاق عام على كل بيع حرمه الله، فالربا ضد البيع، يدل على ذلك قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فجعل الربا مقابلاً للبيع، فكل ما لا يحل من البيوع ومن العقود، فهو ربا.

الإطلاق الخاص

أما الإطلاق الثاني: فهو إطلاق الربا على عقود مخصوصة حرمها الشارع، وهذه العقود عند جمهور أهل العلم، ترجع إلى أصلين، هما ربا الفضل، وربا النساء، أما ربا الفضل: فهو الذي يحصل فيه الربا بالزيادة، وأما ربا النساء فهو العقد الذي تحصل فيه الزيادة في الوقت والزمن، بالتأخر عن أن يكون يداً بيدٍ فيما لا يحل التعاقد عليه إلا يداً بيد، وزاد الشافعية نوعاً آخر من أنواع الربا يسمونه ربا اليد، وعموماً هو داخل في القسمين السابقين على الراجح، فمذهب الجمهور أن الربا في إطلاقه الخاص لا يطلق إلا على هذين القسمين، ربا الفضل وربا النساء، وقد يجتمعان معاً، فيحرمان في الطعام والنقد في الجنس الواحد، فلا يحل فيه ربا الفضل، ولا ربا النساء، أما في الجنسين، فيحل ربا الفضل ولا يحل ربا النساء، لما أخرجه مسلم في الصحيح، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، سواء بسواء، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد )، فعند اختلاف الجنس، يسوغ ربا الفضل، ولا يسوغ ربا النساء.

ومن المعلوم أن الأنواع المنتشرة اليوم من الربا، في أغلبها إنما تدور على ربا النساء، فهو المنتشر في صفقات الناس، وتعاملهم، وكذلك فإن ربا الفضل قد يحصل فيما يتعلق ببيع العملات، وبيع النقود بعضها ببعض في الجنس الواحد، فاحتجنا إذاً إلى معرفة أحكام البيع وأحكام الربا، فأقول: إن الأصل في العقود كلها الإباحة، إلا ما حرمه الشارع، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمانية وخمسين نوعاً من أنواع العقود، وهي التي تسمى بالبيوع المنهي عنها، وما حرمها إلا للضرر العظيم المترتب عليها، وهذه العقود التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها يدخل في الربا بإطلاقه الخاص، وبعضها لا يدخل فيه، فما كان منها راجعاً إلى الفضل، أو النساء، فهو داخل في الربا بمفهومه الخاص، وما كان منها خارجاً عن الفضل والنساء، فهو داخل في الربا بمفهومه العام، ولكنه لا يدخل بمفهومه الخاص.

الإطلاق الأول: إطلاق عام على كل بيع حرمه الله، فالربا ضد البيع، يدل على ذلك قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فجعل الربا مقابلاً للبيع، فكل ما لا يحل من البيوع ومن العقود، فهو ربا.