هموم الأمة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهدية، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى بنى هذه الدنيا على صراع أبدي بين الحق والباطل، هذا الصراع طرفاه حزب الله وحزب الشيطان.

أما حزب الله فقادته رسل الله المعصومون، وسراجه الوحي المبين المنزل من عند الله عز وجل، وأما حزب الشيطان فقائده إبليس عليه لعنة الله، وهذا الصراع هو مصلحة للأرض، فلو توقف لحظةً واحدةً لفسدت الأرض، ذلك أن الله جعل هذه الدار دار عمل ولا جزاء، وجعل بعدها الآخرة دار جزاء ولا عمل، وهذه الدار لو تمحض فيها الحق لم يكن لها معنىً؛ لأن الناس يستحقون حينئذ دخول الجنة، ولو تمحض فيها الباطل فلم يكن للحق صوت لجاء سخط الله ومقته: (إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله).

فلذلك سن الله فيها التدافع بين هذين الحزبين على أن يكون ذلك مصلحةً للأرض، واستمراراً للحياة الطبيعية عليها، قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ[البقرة:251]، فمصلحة الأرض إذاً وجود هذا الصراع الأبدي عليها.

تمثيل الأمة الإسلامية لحزب الله منذ البعثة الشريفة

إن حزب الله منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم تمثله هذه الأمة المحمدية أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كل ما كان يتشبث به السابقون قد نسخ، وهذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مهيمن على سائر الكتب مصدق لما بين يديه من الحق، ما أحكمه وأقره فهو المحكم من عند الله، وما غيره ونسخه فلا رجعة إليه، ولهذا قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران:85].

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار).

وقد أخذ الله العهد والميثاق على الأمم السابقة جميعاً أن يتبعوا هذا الرسول إذا بعث، وأخذ إقرار الأنبياء على ذلك فقال: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي[آل عمران:81]، والإصر هو أشد العهد، أشد ما أخذ أحد على أحد: قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:81-82]، والفاسقون: الخارجون عن طاعة الله وحكمه.

إن حزب الله منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم تمثله هذه الأمة المحمدية أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كل ما كان يتشبث به السابقون قد نسخ، وهذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مهيمن على سائر الكتب مصدق لما بين يديه من الحق، ما أحكمه وأقره فهو المحكم من عند الله، وما غيره ونسخه فلا رجعة إليه، ولهذا قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران:85].

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار).

وقد أخذ الله العهد والميثاق على الأمم السابقة جميعاً أن يتبعوا هذا الرسول إذا بعث، وأخذ إقرار الأنبياء على ذلك فقال: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي[آل عمران:81]، والإصر هو أشد العهد، أشد ما أخذ أحد على أحد: قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:81-82]، والفاسقون: الخارجون عن طاعة الله وحكمه.

خيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم على بقية الأمم

إن هذه الأمة قد شرفها الله بأنواع التشريف فجعلها خير أمة أخرجت للناس، ولذلك قال في محكم التنزيل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ[آل عمران:110]، وقد اختلف أهل التفسير في متعلق الجار والمجرور في قوله: (للناس) فقالت طائفة منهم: متعلقه كنتم، أي: كنتم للناس خير أمة أخرجت، فهذه الأمة هي التي ترعى مصالح الناس، وهي الشهود عليهم يوم القيامة، وهي عدول الله في الأرض، وهي كذلك الشفعاء الذين لا يردون، وهي التي ترعى الزمام للأمم الأخرى، وهي التي تصدق الرسل ولا تعدو فيهم حق الله، فلذلك اشترط النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان به أن يؤمن الإنسان بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فمن شهد بذلك بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد أوجب كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، فخيريتها للناس جميعاً، أي: للبشرية كلها.

وهذه الخيرية تظهر جلية يوم القيامة عندما يخاصم الأنبياء جميعاً أممهم، فما من رسول إلا ويقام في المحفل في المشهد الأعلى فيقال: هل بلغت رسالات الله؟ فيقول: قد بلغت، فيقول أصحابه: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيؤتى بهذه الأمة فتشهد للرسل على خصومهم، حتى نوح يخاصمه قومه فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقول: بلى، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيشهدون أن قد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وأنه دعاهم إلى الله عز وجل، وأقام عليهم الحجة لله.

القول الثاني لأهل التفسير في متعلق الجار والمجرور في قوله: (للناس)، أن أن المتعلق هو أخرجت، أي: كنتم خير أمة أخرجت، أي: أخرجت هذه الأمة للناس، والمقصود بإخراج الأمة للناس، أي: بعثها بحضارتها ورسالتها ودينها، وهذا يقتضي أن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو خير دين للناس، فالأديان السابقة حق، المنزلة من عند الله حق، ولكن شتان بين ثواب العمل بها والعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما مثلكم ومثل من قبلكم مثل رجل قال: من يعمل لي من أول النهار إلى منتصفه أو إلى صلاة الظهر بقيراط. فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط. فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس بقيراطين. فكانت هذه الأمة أهل ذلك، فأنكر اليهود والنصارى فقال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً، فقالوا: لا ).

فهذه الأمة حقها مضاعف وأجرها مضاعف فبذلك دينها خير الأديان، فصلاة الرجل من هذه الأمة أجرها أجر أضعافها من صلوات السابقين، وجلسة الرجل في المسجد من هذه الأمة ما بين صلاتي العصر والمغرب، أو ما بين صلاتي الظهر والعصر أجرها أجر سنوات من عمل الرهبان المنقطعين للعبادة في الأمم السابقة، كل هذا من تشريف الله لهذه الأمة.

تشريف الأمة بإنزال أفضل الكتب على نبيها

وكذلك فإن من تشريفها وخيريتها: أن الله سبحانه وتعالى أنزل إليها أفضل الكتب، وشرع لها خير شرائع الدين، وأرسل إليها أفضل الرسل، وجعل معجزتها باقيةً خالدة، وكتب لها ستة أمور لم تكن في الأمم السابقة، فالأمم السابقة لا يمكن أن يصلي أحد منهم إلا في المكان المخصص للصلاة، وهذه الأمة ( جعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلِ ).

كذلك فإنها أبيحت لها الغنائم ولم تبح لأحد فيما مضى، وكذلك فإنها نصرت بالرعب مسيرة شهر، نصر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبر، وقد أخبر في حديث آخر: أن ذلك بقية لأمته، فهي منصورة بالرعب.

كذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليسلط عليها من يجتث بيضتها، فلا بد أن يبقى منها القائمون على الحق الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وكذلك فإنها قد رفع عنها الإصر وأحل لها كثير مما حرم على الأمم السابقة، ولهذا قال الله تعالى خطاباً لأهل الكتاب: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ[الأعراف:157].

خصوصية الأمة في جعل علمائها بمثابة أنبياء بني إسرائيل

إن هذه الأمة كذلك مما خصها الله به أن جعل علماءها بمثابة أنبياء بني إسرائيل، ( فإن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء )، وهذه الأمة لا تخلو من عالم يقوم لله بالحجة، فقادتها هم علماؤها الذين يحفظون الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أمناء الله على هذا الوحي، ولم يكن الله ليجعل وحيه بدار هوان، فإن الله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، ولم يكن ليأتمن المفلسين، فمن كان مفلساً غير أمين خائناً لم يكن الله ليأتمنه على وحيه، بل الله سبحانه وتعالى له الاختيار وله الملك لا معقب لحكمه، فلذلك يختار لحفظ وحيه الأمناء الذين هم أمناء الله على وحيه وهم الموقعون عن رب العالمين.

سنة المجددين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم

كذلك من خصائصها التي ميزها الله بها: أن يخرج لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، وهذا ما تحتاج إليه الأمة في كل الأحيان، فكلما مضى طور من الأطوار وطبق من الأطباق جاء من يجدد أمر الدين، وهم عصبة متعاونة على البر والتقوى، فيهم العلماء العاملون، وفيهم المجاهدون الصادقون المضحون، وفيهم الساسة المتقنون، وفيهم الاقتصاديون المحنكون، وفيهم القائمون في الأمر الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وفيهم الجنود المحقون، وفيهم النساء المحافظات على ما شرع الله، وفيهم الشباب الذين يؤثرون الآخرة على الأولى، فهؤلاء يجددون أمر الدين، كلما مضى طبق جاء طبق جديد خرج فيه من هؤلاء من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.

إن هذه الأمة قد شرفها الله بأنواع التشريف فجعلها خير أمة أخرجت للناس، ولذلك قال في محكم التنزيل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ[آل عمران:110]، وقد اختلف أهل التفسير في متعلق الجار والمجرور في قوله: (للناس) فقالت طائفة منهم: متعلقه كنتم، أي: كنتم للناس خير أمة أخرجت، فهذه الأمة هي التي ترعى مصالح الناس، وهي الشهود عليهم يوم القيامة، وهي عدول الله في الأرض، وهي كذلك الشفعاء الذين لا يردون، وهي التي ترعى الزمام للأمم الأخرى، وهي التي تصدق الرسل ولا تعدو فيهم حق الله، فلذلك اشترط النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان به أن يؤمن الإنسان بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فمن شهد بذلك بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد أوجب كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، فخيريتها للناس جميعاً، أي: للبشرية كلها.

وهذه الخيرية تظهر جلية يوم القيامة عندما يخاصم الأنبياء جميعاً أممهم، فما من رسول إلا ويقام في المحفل في المشهد الأعلى فيقال: هل بلغت رسالات الله؟ فيقول: قد بلغت، فيقول أصحابه: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيؤتى بهذه الأمة فتشهد للرسل على خصومهم، حتى نوح يخاصمه قومه فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقول: بلى، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيشهدون أن قد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وأنه دعاهم إلى الله عز وجل، وأقام عليهم الحجة لله.

القول الثاني لأهل التفسير في متعلق الجار والمجرور في قوله: (للناس)، أن أن المتعلق هو أخرجت، أي: كنتم خير أمة أخرجت، أي: أخرجت هذه الأمة للناس، والمقصود بإخراج الأمة للناس، أي: بعثها بحضارتها ورسالتها ودينها، وهذا يقتضي أن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو خير دين للناس، فالأديان السابقة حق، المنزلة من عند الله حق، ولكن شتان بين ثواب العمل بها والعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما مثلكم ومثل من قبلكم مثل رجل قال: من يعمل لي من أول النهار إلى منتصفه أو إلى صلاة الظهر بقيراط. فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط. فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس بقيراطين. فكانت هذه الأمة أهل ذلك، فأنكر اليهود والنصارى فقال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً، فقالوا: لا ).

فهذه الأمة حقها مضاعف وأجرها مضاعف فبذلك دينها خير الأديان، فصلاة الرجل من هذه الأمة أجرها أجر أضعافها من صلوات السابقين، وجلسة الرجل في المسجد من هذه الأمة ما بين صلاتي العصر والمغرب، أو ما بين صلاتي الظهر والعصر أجرها أجر سنوات من عمل الرهبان المنقطعين للعبادة في الأمم السابقة، كل هذا من تشريف الله لهذه الأمة.

وكذلك فإن من تشريفها وخيريتها: أن الله سبحانه وتعالى أنزل إليها أفضل الكتب، وشرع لها خير شرائع الدين، وأرسل إليها أفضل الرسل، وجعل معجزتها باقيةً خالدة، وكتب لها ستة أمور لم تكن في الأمم السابقة، فالأمم السابقة لا يمكن أن يصلي أحد منهم إلا في المكان المخصص للصلاة، وهذه الأمة ( جعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلِ ).

كذلك فإنها أبيحت لها الغنائم ولم تبح لأحد فيما مضى، وكذلك فإنها نصرت بالرعب مسيرة شهر، نصر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبر، وقد أخبر في حديث آخر: أن ذلك بقية لأمته، فهي منصورة بالرعب.

كذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليسلط عليها من يجتث بيضتها، فلا بد أن يبقى منها القائمون على الحق الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وكذلك فإنها قد رفع عنها الإصر وأحل لها كثير مما حرم على الأمم السابقة، ولهذا قال الله تعالى خطاباً لأهل الكتاب: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ[الأعراف:157].

إن هذه الأمة كذلك مما خصها الله به أن جعل علماءها بمثابة أنبياء بني إسرائيل، ( فإن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء )، وهذه الأمة لا تخلو من عالم يقوم لله بالحجة، فقادتها هم علماؤها الذين يحفظون الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أمناء الله على هذا الوحي، ولم يكن الله ليجعل وحيه بدار هوان، فإن الله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، ولم يكن ليأتمن المفلسين، فمن كان مفلساً غير أمين خائناً لم يكن الله ليأتمنه على وحيه، بل الله سبحانه وتعالى له الاختيار وله الملك لا معقب لحكمه، فلذلك يختار لحفظ وحيه الأمناء الذين هم أمناء الله على وحيه وهم الموقعون عن رب العالمين.

كذلك من خصائصها التي ميزها الله بها: أن يخرج لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، وهذا ما تحتاج إليه الأمة في كل الأحيان، فكلما مضى طور من الأطوار وطبق من الأطباق جاء من يجدد أمر الدين، وهم عصبة متعاونة على البر والتقوى، فيهم العلماء العاملون، وفيهم المجاهدون الصادقون المضحون، وفيهم الساسة المتقنون، وفيهم الاقتصاديون المحنكون، وفيهم القائمون في الأمر الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وفيهم الجنود المحقون، وفيهم النساء المحافظات على ما شرع الله، وفيهم الشباب الذين يؤثرون الآخرة على الأولى، فهؤلاء يجددون أمر الدين، كلما مضى طبق جاء طبق جديد خرج فيه من هؤلاء من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4133 استماع
المسؤولية في الإسلام 4061 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3908 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع