الوقف ...أبعاد اقتصادية - عيسى صوفان القدومي
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
يمتاز الوقف الإسلامي بأنه زاخر بحقائق مدادها نظام رباني، وتطبيق نبوي، وسنة متبعة في العهود الإسلامية؛ كثر خيرها وتوافرت دررها منذ القرن الأول، وإلى يومنا الحاضر.وقد شُرع الوقف لتحقيق غايات ومقاصد من شأنها حفظ ضرورات الحياة بما يُصلح الدين والدنيا، وبما يوفر الحياة الكريمة ومتطلباتها وضروراتها، وأخرج بمؤسساته ومشاريعه وتطبيقاته على مر العهود الإسلامية نماذج وروائع يقف أمامها القارئ وقفة تقدير وإعجاب.
حقائق الوقف الإسلامي حقائق مضيئة وإشراقات منيرة؛ ننتقيها لنحيي بها سنة الوقف التي سنها رسولنا صلى الله عليه وسلم، وندفع بها الهمم والنفوس للبذل والعطاء، لاستئناف مسيرة الوقف الإسلامي من جديد؛ جمعناها وغايتنا نشر ثقافة الوقف، وإحياء سنتة، وترغيب المسلمين للمساهمة في كل مجالاته ومساراته.
حقائق؛ شهد بها أهل العلم والاختصاص، ووثقها الرحالة والمؤرخون من المسلمين وغيرهم، لتحفظ لنا الذاكرة والتاريخ، لتبقى مفعمة بالخير والعطاء، وتثير الفخر في النفوس لاستمرار المشاريع الوقفية.
في هذه الحلقات نظمنا بعضاّ منها في عقد درّته " الوقف الإسلامي ودوره الحضاري"، لحفظ كنوز الوقف وروائعه وإشراقاته وإبداعاته، ليبقى الوقف الإسلامي بتشريعاته وأحكامه وخصائصه ومخرجاته لبنة أساس في نهضة المجتمعات والأمم.
وهذه الحلقة سنخصصها للحديث عن الوقف وأبعاده الاقتصادية:
1. الوقف الإسلامي؛ حماية للمال ومحافظة عليه من عبث العابثين، فتطول معه مدة الانتفاع من المال، ومد نفعه إلى أجيال متتابعة، ويضمن به مستقبل الذرية الأحياء في الدنيا مع بقاء أصله ودوام الانتفاع به والاستفادة منه.
2. الوقف الإسلامي؛ حفظ المال والأموال المنتجة والمستثمرة عن طريق استمراريتها دون توقف ، والانتفاع بها مدة طويلة ولأجيال متعاقبة، ويؤمن للمرء مستقبله ومستقبل ذريته بإيجاد مورد ثابت يضمنه وذريته ويكون واقيًا لهم عن الحاجة والعوز والفقر.
3.
الوقف الإسلامي؛ استطاع أن يجعل القطاع الخيري يتعدى دور حالات الطوارئ إلى دور التنمية، والاهتمام بكل شرائح المجتمع دون شقاق أو نزاع مع مؤسسات (القطاع الحكومي).
4.
الوقف الإسلامي؛ بخصائصه انفرد به المسلمون عن غيرهم ، فهو نظام محكم ، متعدد الجوانب، يحفظ عز أمتنا، ويوقظ القدرات، وينمي المهارات ويحرك الإبداع، ويديم العطاء، وامتاز بسرعة تلبية الحاجات بعيدًا عن التعقيد والتسويف؛ وهذا ما جعله ركنًا من أركان بناء الحضارة الإسلامية.
5. الوقف الإسلامي؛ كان له الأثر البالغ حين نزول المخاطر في وقف الأزمات ما كان له أثر كبير في قيام الصناعة الحربية، فقد كانت عائدات الأوقاف تستغل لتشييد القلاع، والحصون، والأبراج، ورعاية الجند، وصيانة المرافق الحربية "[1].
6. الوقف الإسلامي؛ يكمن تميزه وقوته في تشريعاته ،تلك التشريعات التي جعلت الأوقاف وإن ضعفت مدة من الزمن لكنها تبقى حية لا تموت ولا يمكن طمسها.
7.
الوقف الإسلامي؛ لم يكن مقصورًا على المساجد ، فقد تنوعت أصوله، وتعددت مصادره ليشمل كل مناحي الحياة التعبدية، والتعليمية، والإرشادية، والإنسانية، والمعيشية، والإغاثية من المدارس، وحلق العلم والمكتبات والأبحاث والمستشفيات والمختبرات، والمؤسسات التي تسهم في تنمية العلاقات الاجتماعية الرفيعة بين الفقراء والأغنياء.
8.
الوقف الإسلامي؛ فيه تنمية بشرية وتشغيل للأيدي العاملة ومعالجة لمشكلة البطالة، فقد استوعبت المؤسسات، والمشاريع الوقفية في العهود الإسلامية الكثير من الأيدي العاملة ، وكانت أحياناً تصل إلى 60% من القدرات البشرية ، ما أسهم في تحقيق النماء الاقتصادي للبلاد والعباد.
9.
الوقف الإسلامي؛ ريعٌ استثماري ، وتدوير للمال بين أفراد المجتمع، وهذا النشاط الاستثماري في الشراء والاستبدال أدى إلى رواج الحركة الشرائية في الأسواق، وأسهم في تشييد عقارات جديدة وإصلاح أراض زراعية تضاف إلى إجمالي الثروة الاقتصادية للمجتمع والأمة والوطن.
10. الوقف الإسلامي؛ أثر تأثيرًا بالغًا في استقرار الأوضاع الاقتصادية في المدن، حيث أضحت الأوقاف محور حياة المدينة بكثرتها، وتنوعها وتكاملها ، فقد احتلت المؤسسات الوقفية – الأسواق منها على وجه الخصوص - مكانًا مركزيًا على الخريطة الاقتصادية في المدن، وحافظت على وجود الأسواق قرونًا طويلة في نفس مواقعها.
______________________
[1] انظر للاستزادة : الوقف ودوره في المجتمع الإسلامي المعاصر ، سليم هاني منصور ، مؤسسة الرسالة ناشرون بيروت 2004 ، ص83