أدب الأدعية ومعناها


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

أيها الإخوة: جرت عادة الناس في جميع البلاد وجميع الملل والأديان، أنهم إذا أهملوا الحقائق اعتنوا بالرسوم، فإذا لم يهتموا بحقيقة الدين ولبه وجوهره، لا بد أن يعوضوا عن هذا التقصير أو النقص بشيء يخادعون ويوهمون به أنفسهم بأنهم ما زالوا على شيء من الدين، ولذلك كلما غفل الناس عن حقيقة الدين، اهتموا ببعض الرسوم التي قد تكون من الدين، وقد لا تكون من الدين أصلاً.

فعلى سبيل المثال: هذا القرآن أنـزل ليدَّبروا آياته وليعملوا به، وليحكم حياتهم في الدقيق والجليل، فإذا كان الناس عاملين بهذا القرآن محكِّمين له، لم يجدوا في أنفسهم حاجة إلى أن يكتبوا المصحف بالذهب، أو أن يزخرفوه بهذه الزخارف، أو أن يطبعوه بالطبعات الفاخرة الأنيقة!

لأن الحقيقة موجودة؛ فلا يضر أن يكون القرآن مكتوباً في العسف واللخاف والأوراق، كما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، لكن إذا أهمل الناس حقيقة القرآن وتدبره وقراءته والعمل به، اهتموا وزادوا في الاهتمام ببعض الشكليات المتعلقة بالقرآن، فوجد -مثلاً- من كتب المصحف بالذهب بمبالغ طائلة هائلة، وحلاه وزينه، وزخرفه به، ووضعه على أربع قوائم، وليس هذا من تعظيم كلام الله عز وجل.

وعامة الناس ممن لا يملكون الذهب ليكتبوا به المصحف أقل ما يملك الواحد منهم أنه يمسك المصحف، فلو فرض أن المصحف سقط من يده فإنه يرفعه فيقبله ثم يضعه على جبهته.

ومثلاً: إذا كان المصحف أمامه فإنه لا يقبل أن يكون هناك أي شيء قد يفسره هو أنه أعلى منه وإلا عد ذلك تقصيراً في حق هذا المصحف، ولو وضع المصحف على الأرض فإنه لا يضعه على الأرض مباشرة، بل لا بد أن يحمله على شيء، يهتم بهذه الرسوم؛ لأنه قد أهمل الحقيقة فلا بد له أن يعوض.

كما تجد أن كثيراً من الناس يتعلق بـالكعبة التي جعلها الله تبارك وتعالى قياماً للناس، فالمؤمن الذى يصلي إلى الكعبة في اليوم والليلة خمس فرائض، وما شاء الله تعالى له من النوافل ويحج ويعتمر، هذا يكفيه؛ لكن المسلم الذي قصر في هذا الأمر بل ربما فرط في الفرائض فضلاً عن النوافل، أو قد لا يكون حج أو اعتمر في عمره إلا مرة واحدة، أو ربما قصر في كثير من واجبات الفرائض، وربما أركانها، تجد أنه إذا جاء للكعبة يحاول أن يعمل بعض الرسوم التي تظهر تعظيم الكعبة، فترى منهم من يتمسح بها، ومنهم من يتعلق بأستارها وثيابها، ومنهم من إذا أراد أن يخرج من الحرم فإنه لا يولي الكعبة ظهره خارجاً، بل يمشي على ورائه حتى تظل الكعبة أمامه وبين ناظريه تعظيماً للكعبة، وهذا لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومما يقطع به كل ذي لب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج من المسجد الحرام جعل الكعبة وراءه وخرج، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لنقل إلينا؛ مع أن هذه المشية فيها من المنظر المزري والاستهجان ما لا يخفى على كل ذي لب أو مروءة، المهم أن المسلمين اليوم صاروا يهتمون بالرسوم والشكليات، ويغفلون عن الحقائق والأمور المعنوية المهمة.

الأذكار والأدعية

ومثل هذا قضية الأذكار والأدعية، فكثيراً ما يردد المسلمون أذكاراً وأدعيةً كثيرة، لكن لو سألت المسلم: عن معنى ما يدعو به أو يذكر الله به؟ قلَّب يديه وقال: الله أعلم لا أدري، هذا كلام طيب يقوله الناس، وأنا أقول مثلهم، لكني لا أعرف معناه، ومن هذا المنطلق أحببت أن أقف مع بعض الأدعية والأذكار التي نكثر من تردادها وكثر السؤال عنها مع أن معانيها قد يكون فيها بعض الغموض وبعض الخفاء.

ومثل هذا قضية الأذكار والأدعية، فكثيراً ما يردد المسلمون أذكاراً وأدعيةً كثيرة، لكن لو سألت المسلم: عن معنى ما يدعو به أو يذكر الله به؟ قلَّب يديه وقال: الله أعلم لا أدري، هذا كلام طيب يقوله الناس، وأنا أقول مثلهم، لكني لا أعرف معناه، ومن هذا المنطلق أحببت أن أقف مع بعض الأدعية والأذكار التي نكثر من تردادها وكثر السؤال عنها مع أن معانيها قد يكون فيها بعض الغموض وبعض الخفاء.

من ذلك مثلاً: الاستعاذة؛ فإن الإنسان كثيراً ما يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، وهذا وارد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن ما معنى (من همزه ونفخه ونفثه)؟ هذا إشكال، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وفسرها أئمة اللغة بالتالي:

أما (الاستعاذة) فمعناها معروف وهو: الاعتصام بالله تعالى والالتجاء إليه من شر الشيطان.

معنى: من همزه

أما قوله (من همزه): همز الشيطان هو المؤتة يعني (الجنون) إذاً أنت حين تقول: أعوذ بالله من الشيطان من همزه، يعني من الجنون، لأن الشيطان -وهو المارد من الجن- قد يتلبس بالإنس فيدخله ويخالطه كما هو معروف، فيستعيذ العبد بالله من هذا الأمر، من أن يداخله الشيطان.

معنى: من نفخه

أما قوله: (ونفخه) فالنفخ هو: الكبر، وذلك أن الشيطان ينفخ في نفس المتكبر، حتى يخيل إليه أنه شيء عظيم كبير، مع أن حقيقته أنه صغير، فينفخ فيه ويعظمه، ولهذا يقال: فلان منتفخ أي: مستكبر، فحين تقول: (من همزه ونفخه) النفخ: هو الكبر، فأنت تستعيذ بالله من وسوسة الشيطان لك بأنك تستكبر وتتعاظم على عباد الله، وفي الصحيح من حديث ابن مسعود: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر} وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه {بطر الحق، وغمط الناس}.

معنى: النفث

وقوله: من (همزه ونفخه ونفثه) فالنفث هو: الشعر، والمقصود به الشعر السيئ الخبيث، كشعر الغزل الماجن الخليع، والغناء الرقيع الذي يحرك الشهوات، ويلهب العواطف، ويهيج الغرائز، ومثل: شعر الهجاء، الذي ينال فيه الإنسان من الناس، ويسب فلاناً ويعير علاناً.

ومثل: شعر المديح الذي يقع فيه كثير من الشعراء، فيبالغون في المديح، فيمدحون من يستحق ومن لا يستحق، بل الغالب أنهم لا يمدحون إلا من لا يستحق ممن يملك السلطان أو المال والنفوذ، فيمدحونه طمعاً في منصب أو مغنم أو مال، ويمدحونه بما ليس فيه حتى إن بعضهم يغلو فينـزل المخلوق منـزلة الخالق، قال أحدهم يمدح شخصاً:

وأنت غيث الورى     ما زلت رحمانا

فأعطاه صفات الله عز وجل وأعطاه أسماءه، وقال آخر لحاكم فاجر باطني خبيث:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار      فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محـمد      وكـأنما أنصارك الأنصـار

فهذا من وسوسة الشيطان للشعراء الذين يرتزقون ويتكسبون بشعرهم، ويضعون القوافي على أبواب وأعتاب ذوي النفوذ والمال والجاه، لعلهم يحظون منهم بنظرة عطف أو مال أو منصب أو غير ذلك، وهذا من الشر الذي يستعاذ بالله تعالى منه، فهذا معنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

معنى: كلمات الله

ومما يدخل في الاستعاذة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين بقوله: { التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة}.

أما قوله: بكلمات الله التامة، فإن كلمات الله تعالى تامة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فأما كلماته الكونية، فهي التي يخلق بها إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

وأما كلماته الشرعية؛ فهو ما أنـزله من الوحي على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة السلام كالقرآن؛ فإنه كلام الله عز وجل ووصفها بأنها التامة؛ لأنه ليس في كلمات الله تعالى نقص في وجه من الوجوه: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف:109] وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27] ولذلك استدل الإمام أحمد رحمه الله بهذا الدعاء النبوي على أن القرآن منـزل غير مخلوق، قال: لأن المخلوق لا بد فيه من النقص، وأما الكمال والتمام فهو لله عز وجل، ولهذا وصف كلمات الله تعالى بأنها تامة.

معنى: الهامة

وقوله: {من كل شيطان وهامة} الهامة هي: كل ما يهم، والمعروف أن الهامة واحدة الهوام، والهوام هو: ما يدب على وجه الأرض من العقارب والحيات وغيرها من الدواب المؤذية، التي يخشى على الإنسان منها، فيستعيذ العبد بالله تعالى وبكلماته التامة منها.

معنى: عين لامة

وقوله: {ومن كل عين لامة } أما العين فهي معروفة، وهي ما يصيب الإنسان من نظرة حاسد تؤثر فيه، وقوله: لامة، أي أنها تلم بالإنسان وتصيبه وتقع عليه، فيستعيذ العبد، أو يعيذ من شاء، بقوله: أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.

أما قوله (من همزه): همز الشيطان هو المؤتة يعني (الجنون) إذاً أنت حين تقول: أعوذ بالله من الشيطان من همزه، يعني من الجنون، لأن الشيطان -وهو المارد من الجن- قد يتلبس بالإنس فيدخله ويخالطه كما هو معروف، فيستعيذ العبد بالله من هذا الأمر، من أن يداخله الشيطان.

أما قوله: (ونفخه) فالنفخ هو: الكبر، وذلك أن الشيطان ينفخ في نفس المتكبر، حتى يخيل إليه أنه شيء عظيم كبير، مع أن حقيقته أنه صغير، فينفخ فيه ويعظمه، ولهذا يقال: فلان منتفخ أي: مستكبر، فحين تقول: (من همزه ونفخه) النفخ: هو الكبر، فأنت تستعيذ بالله من وسوسة الشيطان لك بأنك تستكبر وتتعاظم على عباد الله، وفي الصحيح من حديث ابن مسعود: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر} وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه {بطر الحق، وغمط الناس}.

وقوله: من (همزه ونفخه ونفثه) فالنفث هو: الشعر، والمقصود به الشعر السيئ الخبيث، كشعر الغزل الماجن الخليع، والغناء الرقيع الذي يحرك الشهوات، ويلهب العواطف، ويهيج الغرائز، ومثل: شعر الهجاء، الذي ينال فيه الإنسان من الناس، ويسب فلاناً ويعير علاناً.

ومثل: شعر المديح الذي يقع فيه كثير من الشعراء، فيبالغون في المديح، فيمدحون من يستحق ومن لا يستحق، بل الغالب أنهم لا يمدحون إلا من لا يستحق ممن يملك السلطان أو المال والنفوذ، فيمدحونه طمعاً في منصب أو مغنم أو مال، ويمدحونه بما ليس فيه حتى إن بعضهم يغلو فينـزل المخلوق منـزلة الخالق، قال أحدهم يمدح شخصاً:

وأنت غيث الورى     ما زلت رحمانا

فأعطاه صفات الله عز وجل وأعطاه أسماءه، وقال آخر لحاكم فاجر باطني خبيث:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار      فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محـمد      وكـأنما أنصارك الأنصـار

فهذا من وسوسة الشيطان للشعراء الذين يرتزقون ويتكسبون بشعرهم، ويضعون القوافي على أبواب وأعتاب ذوي النفوذ والمال والجاه، لعلهم يحظون منهم بنظرة عطف أو مال أو منصب أو غير ذلك، وهذا من الشر الذي يستعاذ بالله تعالى منه، فهذا معنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

ومما يدخل في الاستعاذة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين بقوله: { التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة}.

أما قوله: بكلمات الله التامة، فإن كلمات الله تعالى تامة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فأما كلماته الكونية، فهي التي يخلق بها إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

وأما كلماته الشرعية؛ فهو ما أنـزله من الوحي على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة السلام كالقرآن؛ فإنه كلام الله عز وجل ووصفها بأنها التامة؛ لأنه ليس في كلمات الله تعالى نقص في وجه من الوجوه: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف:109] وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27] ولذلك استدل الإمام أحمد رحمه الله بهذا الدعاء النبوي على أن القرآن منـزل غير مخلوق، قال: لأن المخلوق لا بد فيه من النقص، وأما الكمال والتمام فهو لله عز وجل، ولهذا وصف كلمات الله تعالى بأنها تامة.

وقوله: {من كل شيطان وهامة} الهامة هي: كل ما يهم، والمعروف أن الهامة واحدة الهوام، والهوام هو: ما يدب على وجه الأرض من العقارب والحيات وغيرها من الدواب المؤذية، التي يخشى على الإنسان منها، فيستعيذ العبد بالله تعالى وبكلماته التامة منها.

وقوله: {ومن كل عين لامة } أما العين فهي معروفة، وهي ما يصيب الإنسان من نظرة حاسد تؤثر فيه، وقوله: لامة، أي أنها تلم بالإنسان وتصيبه وتقع عليه، فيستعيذ العبد، أو يعيذ من شاء، بقوله: أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.

ومن الأدعية التي تحتاج إلى بيان: دعاء الاستفتاح؛ فإن العبد يقول بعد ما يكبر: {سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك}.

معنى: سبحانك اللهم

أكثر الناس لا يعرفون معنى قوله: سبحانك اللهم وبحمدك، قولك: سبحان: هذا مصدر مأخوذ من "سبح" سبحت الله تسبيحاً وسبحانه، والمعنى: نـزهت الله تعالى تنـزيهاً، وبرأته تبرئه من كل ما لا يليق، برأته من النقص، والعيب، ومن العجز، والظلم، أي: برأته من جميع النقائص والعيوب التي تلحق البشر، أما الله تعالى فله الكمال والجلال والجمال.

فتقول: (سبحانك اللهم) هذا معناه، ومثله قولك: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربى العظيم، أي: أنـزه الله من كل ما لا يليق به من صفات النقص التي توجد في المخلوقين.

معنى: وبحمدك

معنى (وبحمدك): أي: أنك سبحت الله بجميع آلائه ونعمه، وبحمد الله تعالى سبحته، أي: أن تسبيحك لله تعالى هو من الله تعالى، سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك، أي: بمعونتك لي كان مني هذا التنـزيه لك، ولولا أن الله تعالى وفقك لتسبيحه تعالى وألهمك ذلك، لوقعت في ما وقع فيه غيرك، ممن نسبوا إلى الله تعالى الصاحبة، أو نسبوا إلى الله تعالى الشريك، وما أشبه هذا، فأنت تقول: وبحمدك، أي: وإنما سبحتك يا ربي بحمدك وبمعونتك التي هي الأخرى نعمة منك علي توجب حمداً آخر، وليس ذلك بحولي ولا بقوتي.

معنى: تبارك اسمك

وقوله: تبارك اسمك، البركة هي: الخير الكثير الطيب الدائم، الذي لا يزول، ومنه أن الله تعالى قال: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه [الفرقان:1] إلى غير ذلك.

فالبركة من الله تعالى وإليه، ولذلك لا يجوز أن تقول لمخلوق: إنه تبارك، إنما تبارك الله وحده، أما المخلوق فإنه مبارك باركه الله وحده، كما قال الله تعالى: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه [الإسراء:1] وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً [سبأ:18] فالبركة من الله تعالى، والمخلوق مبارك، وأما الخالق فإنه تبارك وتعالى.

فقولك: وتبارك اسمك، أي: أن اسم الله تعالى فيه الخير الكثير الطيب الدائم، وحيث ما ذكر اسم الله تعالى كانت البركة، ولهذا يشرع للعبد أن يكثر من ذكر اسم الله، وأن يبدأ أعماله بقوله: باسم الله، كما جاء في الحديث: {خمروا الآنية واذكروا اسم الله} يعني: تغطي الإناء وتقول: باسم الله {وأوكوا السقاء واذكروا اسم الله، وأجيفوا الأبواب (أي: أغلقوا الأبواب) واذكروا اسم الله، وأطفئوا السراج واذكروا اسم الله} فيذكر العبد اسم ربه جل وعلا في الليل والضحى، والصباح والمساء، وعلى كل شيء، تيمناً بهذا الاسم واستعاذه بالله جل وعلا.

معنى: تعالى جدك

قوله: {وتعالى جدك} الجد: هو الغنى والنصيب، فأنت إذا قلت: فلان جده سعيد، أي: حظه سعيد، وأنه ذو حظ عظيم، جده أي: حظه أو نصيبه أو غناه، فإذا قلت لله تعالى: (وتعالى جدك) فالمعنى علا جلال الله تعالى وعظمته وغناه وفضله، هذا هو المعنى لا غير، وعلو الله تعالى معروف، فهو علو بذاته، مستو على عرشه، فوق سماواته، وهو علو بصفاته جل وعلا، وهو علو بقدرته وقهره، وهو علو بجميع الوجوه.

معنى: ولا ينفع ذا الجد منك الجد

وكذلك مما يدخل في هذا الباب الكلمة التي نقولها دائماً {اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد} ما معناها؟ اسأل نفسك ترددها عقب كل صلاه ولا تدري ما معناها؟

المعنى: ذو الجد هو: ذو الغنى، وذو النصيب، وذو الحظ، لا ينفعه يارب منك جده وغناه وحظه ونصيبه، إنما ينفعه عمله الصالح، يعني: لا ينفع ذا الغنى منك الغنى، إنما ينفعه عمله، ولا ينفع ذا الملك منك ملكه إنما ينفعه عمله، ولا ينفع ذا الجاه منك جاهه إنما ينفعه عندك عمله، وهكذا لا ينفع ذا الجد: أي صاحب الجد، وصاحب الغنى، صاحب النصيب الدنيوي، لا ينفعه يا رب منك الجد الذى عنده، إنما ينفعه العمل الصالح الذى تقرب به إليك.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5007 استماع
حديث الهجرة 4966 استماع
تلك الرسل 4144 استماع
الصومال الجريح 4140 استماع
مصير المترفين 4078 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4043 استماع
وقفات مع سورة ق 3969 استماع
مقياس الربح والخسارة 3922 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3862 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3821 استماع