الإنترنت - الأضرار والمنافع


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى خلق البشر من نفس واحدة ولو شاء لجعله كالشجر؛ فكانت كل شجرة تنبت وحدها على أصل، وما ذلك إلا لحاجة البشر إلى الاتصال والترابط والتعاون؛ ولذلك شرع الله التعاون للناس فقال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ[المائدة:2].

والاتصال مطلب من مطالب العقلاء؛ لأن الإنسان العاقل لا بد أن يتأثر ويؤثر؛ فهو محتاج إلى أن يتأثر من غيره حتى لو كان عقله وثقافته ومستواه أعلى فإنه يسمع ما كان محجوباً عنه، وقديماً قال عامر بن الظرب : "فرجتها سخيلة" وهو رجل من حكماء العرب وقضاتهم في الجاهلية، وكانوا إذا أشكلت عليهم النازلة عرضوا عليه فيجتهد فيها فيفصلها؛ فجاءه إشكال وهو ميراث الخنثى المشكل؛ فبات يفكر ليلته كاملة ولم يعرف حلاً لهذه الأزمة والمشكلة، ولديه جارية صغيرة في ثقافتها وعقلها نقص؛ فرأته ساهراً فقالت: ما يسهرك يا مولاي؟! قال: سئلت عن مسألة لم أحسن جوابها؛ قالت: وما هي؟ قال: ميراث الخنثى المشكل، قالت: أتبع المال المبال، أي: اجعل الميراث تابعاً للمبال؛ فإذا كان يسبق من جهة الذكر فهو ذكر وإلا فهي أنثى، فقال: "فرجتها سخيلة" فضرب ذلك مثلاً.

كذلك يحتاج الإنسان إلى التأثير بغيره، ومن لم يترك بصماته في العالم الذي يعيش فيه؛ كانت حياته عادية وموته عادياً، ولم يترك أثراً في الحياة الدنيا، ومن عاش في هذه الدار فإنه مؤهل لأن يترك فيها بصماته وآثاره، وأن يؤثر في غيره ويقنع غيره بقناعاته.

استخدام الحمام كوسيلة للاتصال

والاتصال كان عند البشر ويستغلون له في قديم الزمان الوسائل البدائية؛ لأن البشر كانت حياتهم بذاك فطرية بدائية؛ فكانوا يرسلون الرسائل عن طريق الحمام الزاجل فيعلقونها برقاب الحمام، والحمام متعود على المقام في مكان ويهاجر في فترات معينة إلى أمكنة مختلفة؛ فإذا وضع له ما يشتاق إليه من إلفه وقوته في مكان أحب ذلك المكان؛ فإذا وضع له في مكان آخر تردد بينهما دائماً ذهاباً وإياباً؛ فكانوا يحملونه رسائلهم ويعلقونها في رقاب الحمام، وكانوا يبالغون في التأثر بالحمام ومراجعة كلامه ونشيده، وقد قال الشاعر:

شجى قلب الخليل فقال غل وبرّح بالشجي فقال لاح

وقال آخر:

تذكرني أم العلاء حمائم تجاوبنا إن مالت بهن غصون

تملأ ظلاً ريشكن من الندى وتخضر مما حولكن فنون

ألا يا حمامات اللواء عُدن عودة فإني إلى أصواتكن حزين

فعُدن فلما عدن كدن يمتنني وكدت بأسرار لهن أبين

وعدن بقرقار الهدير كأنما شربن الحُمَيّا أو بهن جنون

فلم تر عيني مثلهن حمائماً بكين ولم تدمع لهن عيون

وكن حمامات جميع بقفرة فأصبحن شتى لما لهن قرين

وقال الآخر:

ألم تسمعي أي دعد في رونق الضحى بكاء حمامات لهن هديل

تجاوبن في عيدانة مُرجَحِنّة من السدر رواها النصيف نسيل

فهيجن لي أشواق جمل وإنما يهيج هوى جمل علي قليل

وهذه الأبيات يمكن أن تغير قافيتها؛ فيقال:

ألم تسمعي أي دعد في رونق الضحى بكاء حمامات لهن هدير

تجاوبن في عيدانة مرجَحِنّة من السدر رواها النصيف غدير

فيهجن لي أشواق جمل وإنما يهيج هوى جمل علي يسير

بدل قليل.

وقال الآخر وهو أبو فراس الحمداني:

أقول وقد لاحت بقربي حمامة فيا جارتاه هل تشعرين بحالي

أيا جارتاه ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي

فيضحك مأسور وتبكي طليقة ويسكت محزون ويندب سالي

ومثل ذلك ما حصل للشاعر الصوفي ابن الفارض لما سمع صوت حمامة وهو في خلوته وبكائه وخشوعه؛ فقال أبياته المشهورة التي فيها:

فبكائي ربما أرقها وبكاها ربما أرقني

ولقد تبكي فما أفهمها ولقد أبكي فما تفهمني

غير أني بالهوى أعرفها وهي أيضاً بالهوى تعرفني

استخدام الكلاب المعلمة وإيقاد النار كوسيلة للاتصال

وكانوا يستغلون الوسائل الأخرى للاتصال عن طريق الكلاب المعلمة، واستغل ذلك الرومان في حضارتهم، وحاول الإغريق إيجاد اتصال بين قراهم بإيقاد النار في الأماكن المرتفعة، وذلك علامة على خبر ما؛ على خوف أو أمن على ظهور هلال أو بداية السنة أو على عيد من أعيادهم؛ فكانوا يوقدون ناراً في مكان مرتفع؛ فإذا رأتها القرى المختلفة وصل إليها الخبر في نفس اللحظة.

وهذا الحال يدل على اهتمام البشر بالاتصال وبأن يكون فعالاً سريعاً؛ يوصل المعلومة في وقت مناسب.

ويذكر في بلادنا هذه أن قبيلة من قبائلنا المشهورة وهي قبيلة المدلش، كان يولد فيهم المولود على شاطئ النهر في الجنوب؛ فيعلم به سكان تيرس في نفس الليلة، لأن كل فريق منهم يزغرد بعض نسائه فيسمع ذلك الفريق الآخر؛ فيزغرد فيسمعه الفريق الآخر، حتى يصل الخبر إلى الشمال، وإن كان هذا الاتصال غير فعال لأنه لا يأتي بالخبر تماماً، لكن النار إذا كانت على العلم فإنها تجلب الأضياف كما قال حاتم بن عبد الله الطائي :

أوقد فإن الليل ليل قر والريح واقد ريحه الصر

لكي يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفاً فأنت حر

وكذلك قالت الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية في مرثيتها لأخيها صخر بن عمرو الشريد :

قذىً بعينك أم بالعين عُوّار إن ذرفت إن خلت من أهلها الدار

إلى أن تقول في هذه القصيدة:

وإن صخراً لوالينا وسيدنا وإن صخراً إذا نشتوا لنحار

وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار

كأنه علم أي: جبل، في رأسه نار.

استخدام الكتب كوسيلة للاتصال

وبعد أن تطورت البشرية وتطورت وسائلها احتاجت إلى اتصال مفهم فأنشأت لذلك الكتب التي ترسل، ومن أسرعها في التاريخ كتاب سليمان عليه السلام الذي أرسل به الهدهد فرماه إلى ملكة سبأ؛ فجمعت قومها وأهل شورها في اليمن، فقالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[النمل:29-31]، فالكتاب كريم لأنه مختوم، وقيل: لأنه مفتتح بذكر الله، أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ[النمل:29]، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ[النمل:30]؛ وهذا يقتضي مشروعية تعريف الكاتب بنفسه في بداية كتابه، وهذا الذي عقد له البخاري باباً في صحيحه " باب من بدأ بنفسه في كتابه " فيبدأ بنفسه فيعرف بنفسه أولاً: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[النمل:30-31].

وكان الاتصال الثاني لسليمان وهو نقل عرش امرأة سبأ من اليمن إلى الشام، وقد عرض ذلك على جنوده وقد حشر له جنوده من الجن والإنس والطير وهم يوزعون، أي: يجمعون، فقال له عفريت من الجن: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ[النمل:39]، وقال له الذي عنده علم من الكتاب، وظاهر الآية أنه بشر، وأن لديه علم من الكتاب المنزل، أي: يعلم اسم الله الأعظم أو يعرف من أسرار كتاب الله ما يستطيع إحضار العرش به؛ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ[النمل:40]، فلم يتخذ سليمان القرار حتى حضر العرش عنده؛ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ[النمل:40].

استخدام النبي صلى الله عليه وسلم للكتب كوسيلة للاتصال

وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم بنذارته إلى الملوك وإلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام؛ ففي الصحيحين أنه كتب إلى هرقل كتاباً، وأعطاه دحية بن خليفة الكلبي وأرسله به إلى ملك بني غسان ليوصله إلى قيصر، وهذا الكتاب فيه: " من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أسلم تسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[آل عمران:64] ".

وكتب إلى كسرى كتاباً أرسله إليه مع عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي ، وكتب إلى النجاشي كتاباً كذلك، وفي حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام، وما زال بعض كتبه موجوداً إلى اليوم في كتابه إلى المنذر بن ساوى وهو سيد البحرين وملك البحرين، والكتاب ما زال وهو بخط علي بن أبي طالب ، وما زال في جلد غزال في تركيا إلى الآن، وقد كتب فيه نذارته للمنذر بن ساوى فأسلم وحفظ هذا الكتاب ووصل إلى خلفاء بني العباس فحفظوه حتى وصل إلى خلفاء بني عثمان وهو موجود في إسطنبول الآن.

استخدام الخيول في وسائل الاتصال

وبعد ذلك اتخذ الخلفاء ما يسمى خيل البريد للاتصال السريع، وأول من رتبها عبد الملك بن مروان ، فكان الكتاب تجري به الفرس، أو عدد من الخيول مسافة معينة فتستلمه خيل مستريحة كانت تنتظره، فتنقله إلى خيل أخرى مستريحة، وكل مسافة محددة بالأمتار، وكانوا يسمون ذلك بريداً، والبريد هو أربع غلوات للخيل، أربع سريات تستريح الفرس كل غلوة، والأربعة ضروب هي ثمانية وأربعون ميلاً وهي مسافة القصر عند كثير من الفقهاء.

وكانت هذه الخيل تستعمل في البداية بنقل ما خف من الأخبار والأوامر والتوجيهات، ولكنها فيما بعد استعملت لإحضار ما يحتاج إليه الخلفاء أيضاً؛ ففي قصة الواثق أمير المؤمنين العباسي، وهو تاسع خلفاء بني العباس؛ أنه أنشدته جاريته في الليل قول الشاعر:

أغنيم إن مصابكم رجلاً أهدى السلام تحية ظلم

فقال:

أغنيم إن مصابكم رجل، بالرفع، خبر إن.

فقالت: لا.

أغنيم إن مصابكم رجلاً، هكذا علمني شيخي أبو عثمان النازلي فأرسل خيل البريد، فأحضرت أبا عثمان النازلي من البصرة في نفس الليلة في وقت سريع، فسأله عن البيت فقال: يا أمير المؤمنين! ألا ترى أن البيت مغلق إلى قوله: ظلم، فظلم هنا خبر وإن ورجلاً مفعول ومصابكم هي مصدر يصيب.

فكانت تستعمل خيل البريد للاتصال السريع وللإنذار، وقد أعد سيف الدولة الحمداني خيولاً لإخباره عن مكايد الروم وحملات الصليبيين، فكانت الحملة إذا تحركت من ألمانيا، من مدينة آسم أو آخم يصل الخبر إلى سيف الدولة في نفس اليوم؛ ولذلك قال فيه أبو الطيب المتنبي :

في قصيدته التي مطلعها:

لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي وللحب ما لم يبق مني وما بقي

وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق

وبين الرضا والقرب والسخط والنوى مجال لدمع المقلة المترقرق

يقول فيها:

رأى ملك الروم ارتياحك للندى فأقام مقام المجتدي المتملق

وكاتب من أرض بعيد مرامها قريب على خيل حواليك سبق

وقد سار منها كل سير رسوله فما سار إلا فوق هام مفلق

والاتصال كان عند البشر ويستغلون له في قديم الزمان الوسائل البدائية؛ لأن البشر كانت حياتهم بذاك فطرية بدائية؛ فكانوا يرسلون الرسائل عن طريق الحمام الزاجل فيعلقونها برقاب الحمام، والحمام متعود على المقام في مكان ويهاجر في فترات معينة إلى أمكنة مختلفة؛ فإذا وضع له ما يشتاق إليه من إلفه وقوته في مكان أحب ذلك المكان؛ فإذا وضع له في مكان آخر تردد بينهما دائماً ذهاباً وإياباً؛ فكانوا يحملونه رسائلهم ويعلقونها في رقاب الحمام، وكانوا يبالغون في التأثر بالحمام ومراجعة كلامه ونشيده، وقد قال الشاعر:

شجى قلب الخليل فقال غل وبرّح بالشجي فقال لاح

وقال آخر:

تذكرني أم العلاء حمائم تجاوبنا إن مالت بهن غصون

تملأ ظلاً ريشكن من الندى وتخضر مما حولكن فنون

ألا يا حمامات اللواء عُدن عودة فإني إلى أصواتكن حزين

فعُدن فلما عدن كدن يمتنني وكدت بأسرار لهن أبين

وعدن بقرقار الهدير كأنما شربن الحُمَيّا أو بهن جنون

فلم تر عيني مثلهن حمائماً بكين ولم تدمع لهن عيون

وكن حمامات جميع بقفرة فأصبحن شتى لما لهن قرين

وقال الآخر:

ألم تسمعي أي دعد في رونق الضحى بكاء حمامات لهن هديل

تجاوبن في عيدانة مُرجَحِنّة من السدر رواها النصيف نسيل

فهيجن لي أشواق جمل وإنما يهيج هوى جمل علي قليل

وهذه الأبيات يمكن أن تغير قافيتها؛ فيقال:

ألم تسمعي أي دعد في رونق الضحى بكاء حمامات لهن هدير

تجاوبن في عيدانة مرجَحِنّة من السدر رواها النصيف غدير

فيهجن لي أشواق جمل وإنما يهيج هوى جمل علي يسير

بدل قليل.

وقال الآخر وهو أبو فراس الحمداني:

أقول وقد لاحت بقربي حمامة فيا جارتاه هل تشعرين بحالي

أيا جارتاه ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي

فيضحك مأسور وتبكي طليقة ويسكت محزون ويندب سالي

ومثل ذلك ما حصل للشاعر الصوفي ابن الفارض لما سمع صوت حمامة وهو في خلوته وبكائه وخشوعه؛ فقال أبياته المشهورة التي فيها:

فبكائي ربما أرقها وبكاها ربما أرقني

ولقد تبكي فما أفهمها ولقد أبكي فما تفهمني

غير أني بالهوى أعرفها وهي أيضاً بالهوى تعرفني

وكانوا يستغلون الوسائل الأخرى للاتصال عن طريق الكلاب المعلمة، واستغل ذلك الرومان في حضارتهم، وحاول الإغريق إيجاد اتصال بين قراهم بإيقاد النار في الأماكن المرتفعة، وذلك علامة على خبر ما؛ على خوف أو أمن على ظهور هلال أو بداية السنة أو على عيد من أعيادهم؛ فكانوا يوقدون ناراً في مكان مرتفع؛ فإذا رأتها القرى المختلفة وصل إليها الخبر في نفس اللحظة.

وهذا الحال يدل على اهتمام البشر بالاتصال وبأن يكون فعالاً سريعاً؛ يوصل المعلومة في وقت مناسب.

ويذكر في بلادنا هذه أن قبيلة من قبائلنا المشهورة وهي قبيلة المدلش، كان يولد فيهم المولود على شاطئ النهر في الجنوب؛ فيعلم به سكان تيرس في نفس الليلة، لأن كل فريق منهم يزغرد بعض نسائه فيسمع ذلك الفريق الآخر؛ فيزغرد فيسمعه الفريق الآخر، حتى يصل الخبر إلى الشمال، وإن كان هذا الاتصال غير فعال لأنه لا يأتي بالخبر تماماً، لكن النار إذا كانت على العلم فإنها تجلب الأضياف كما قال حاتم بن عبد الله الطائي :

أوقد فإن الليل ليل قر والريح واقد ريحه الصر

لكي يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفاً فأنت حر

وكذلك قالت الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية في مرثيتها لأخيها صخر بن عمرو الشريد :

قذىً بعينك أم بالعين عُوّار إن ذرفت إن خلت من أهلها الدار

إلى أن تقول في هذه القصيدة:

وإن صخراً لوالينا وسيدنا وإن صخراً إذا نشتوا لنحار

وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار

كأنه علم أي: جبل، في رأسه نار.

وبعد أن تطورت البشرية وتطورت وسائلها احتاجت إلى اتصال مفهم فأنشأت لذلك الكتب التي ترسل، ومن أسرعها في التاريخ كتاب سليمان عليه السلام الذي أرسل به الهدهد فرماه إلى ملكة سبأ؛ فجمعت قومها وأهل شورها في اليمن، فقالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[النمل:29-31]، فالكتاب كريم لأنه مختوم، وقيل: لأنه مفتتح بذكر الله، أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ[النمل:29]، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ[النمل:30]؛ وهذا يقتضي مشروعية تعريف الكاتب بنفسه في بداية كتابه، وهذا الذي عقد له البخاري باباً في صحيحه " باب من بدأ بنفسه في كتابه " فيبدأ بنفسه فيعرف بنفسه أولاً: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[النمل:30-31].

وكان الاتصال الثاني لسليمان وهو نقل عرش امرأة سبأ من اليمن إلى الشام، وقد عرض ذلك على جنوده وقد حشر له جنوده من الجن والإنس والطير وهم يوزعون، أي: يجمعون، فقال له عفريت من الجن: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ[النمل:39]، وقال له الذي عنده علم من الكتاب، وظاهر الآية أنه بشر، وأن لديه علم من الكتاب المنزل، أي: يعلم اسم الله الأعظم أو يعرف من أسرار كتاب الله ما يستطيع إحضار العرش به؛ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ[النمل:40]، فلم يتخذ سليمان القرار حتى حضر العرش عنده؛ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ[النمل:40].

وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم بنذارته إلى الملوك وإلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام؛ ففي الصحيحين أنه كتب إلى هرقل كتاباً، وأعطاه دحية بن خليفة الكلبي وأرسله به إلى ملك بني غسان ليوصله إلى قيصر، وهذا الكتاب فيه: " من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أسلم تسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[آل عمران:64] ".

وكتب إلى كسرى كتاباً أرسله إليه مع عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي ، وكتب إلى النجاشي كتاباً كذلك، وفي حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام، وما زال بعض كتبه موجوداً إلى اليوم في كتابه إلى المنذر بن ساوى وهو سيد البحرين وملك البحرين، والكتاب ما زال وهو بخط علي بن أبي طالب ، وما زال في جلد غزال في تركيا إلى الآن، وقد كتب فيه نذارته للمنذر بن ساوى فأسلم وحفظ هذا الكتاب ووصل إلى خلفاء بني العباس فحفظوه حتى وصل إلى خلفاء بني عثمان وهو موجود في إسطنبول الآن.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4274 استماع
أسئلة عامة [2] 4117 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع