شرح صحيح ابن حبان كتاب الإيمان [4]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر إثبات الإيمان للمقر بالشهادتين معا.

أخبرنا الفضل بن الحباب قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن حجاج الصواف قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (كانت لي غنيمة ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية، فاطلعت عليها ذات يوم وقد ذهب الذئب منها بشاة، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة، فعظم ذلك علي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها ؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟، قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) ].

هذا الحديث فيه دليل على أن المقر بالشهادتين يكون مؤمناً، وقد رواه مسلم في صحيحه، وفيه أن جارية أعجمية كانت لـمعاوية بن الحكم السلمي ترعى الغنم خلف أحد، فاطلع عليها وهي ترعى، فرأى الذئب أخذ شاة فأكلها فغضب عليها، قال: كيف تتركين الذئب يأكل الشاة؟! فصكها صكة ثم عظم عليه ذلك؛ لأنها مسكينة وليس لها حيلة في أن تخلصها من الذئب، فعظم ذلك عليه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله! أنا صككت الجارية، أفأعتقها فقال: (ائتني بها) أي: لأختبرها هل هي مؤمنة، ثم سألها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء, قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) وقد احتج به أهل العلم على إثبات العلو وأن الله فوق العرش في السماء، وفيه رد على المعطلة الذين يقولون: لا يسأل عن الله بـ (أين)، ولا ترفع أصبعك إلى السماء، فإنك لو رفعت أصبعك عند الجهمي قطع الصلاة، فاحذر أن ترفع أصبعك عند الجهمي، فهو يعتقد أن هذا تنقص لله؛ لأنك بزعمه تجعل الله في مكان معين وهو في كل مكان! تعالى الله عما يقولون، ويعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم بسؤاله للجارية: (أين الله) ويقولون: إن سؤاله فاسد، وإنما سأل بهذا السؤال؛ لأن هذه جارية أعجمية فسألها سؤالاً فاسداً يناسب عقلها، وأقرها على الجواب الفاسد، فاتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام بالرضى على الجواب الفاسد من الجارية، ويقولون: مقصود الرسول في سؤاله: (من الله) وليس مقصوده: أين الله؟ لكن قال: أين الله؛ لأجل أن الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا، وإنه لعجب أن الرسول لا يستطيع أن يقول: من الله! والرسول أفصح الناس صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء والعياذ بالله بلغت بهم الحال إلى أن يتهموا النبي عليه الصلاة والسلام لا لشيء إلا لأنه ثبت عنه قولاً يناقض مذهبهم، فهم يقولون: لا يصح أن يقال: إن الله في السماء؛ لأن هذا تحيز وتنقص لله فإن قولنا: إن الله في مكان يعني أنه متحيز، وهذا تنقص ولذا فلا يصح أن يقال: عن الله أنه في مكان، وأين يسأل بها عن المكان؛ فلهذا اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنه سألها سؤالاً فاسداً لا يناسب معناه لكنه اضطر إلى هذا السؤال؛ لأن الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا، وقد أقرها لما قالت: (في السماء) على جوابها الفاسد؛ لأن هذا هو الذي فهمته.

وهنا يقول المؤلف: من أقر بالشهادتين فهو مؤمن، لكن هل ذكر فيه الشهادتان الآن، قالت: الله في السماء يعني شهدت لله بالعلو، فأثبتت وحدانية الله.

والحديث أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة.

قوله: الجوانية بفتح أوله وتشديد ثانيه وكسر النون وياء مشددة موضع قرب المدينة، وقوله: وآسف: أي: أغضب، وصككتها: أي: لطمت وجهها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر البيان بأن الإيمان أجزاء وشعب لها أعلى وأدنى.

أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا جرير قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، فأرفعها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) ].

وهذا الحديث رواه الشيخان، ورواية البخاري : (الإيمان بعض وستون شعبة)، ورواية مسلم : (الإيمان بضع وسبعون)، وفيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فهو رد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، فقوله: (بضع وسبعون شعبة) بيان أن كلها داخلة في مسمى الإيمان، حتى أن البيهقي رحمه الله تتبع هذه الشعب وألف كتاباً سماه شعب الإيمان، وقد أوصلها إلى تسع وسبعين شعبة، والبضع من الثلاثة إلى التسعة، فجعلها أعلى البضع، وقد تتبعها من النصوص، وتقدم قريباً أن في هذا رداً على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال تصديق بالقلب فقط, يريدون أعمال القلوب فحسب أما أعمال الجوارح فهي عندهم ليست داخلة في مسمى الإيمان، ومثل هذا الحديث حديث وفد عبد القيس المتقدم وفيه: (آمركم بالإيمان بالله وحده: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس)، فقد أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، وهذا الحديث رواه الشيخان، وحديث وفد عبد القيس رواه الشيخان.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو حاتم : أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر إلى الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في جميع الأحوال، فجعله أعلى الإيمان ].

فذكر أن أعلاها: قول لا إله إلا الله، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى ..) ثم بين أن بين الأعلى والأدنى شعباً متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، وأعلى تلك الشعب على الإطلاق هي كلمة التوحيد، وأدنى تلك الشعب أن تميط الأذى، (والحياء شعبة من الإيمان)، وهو عمل قلبي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم أشار إلى الشيء الذي هو نفل للمخاطبين في كل الأوقات، فجعله أدنى الإيمان - وهو الإماطة - فدل ذلك على أن كل شيء فُرض على المخاطبين في كل الأحوال، وكل شيء فُرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال، وكل شيء هو نفل للمخاطبين في كل الأحوال كله من الإيمان -كالفرائض والنوافل فإنها كلها من الإيمان- وأما الشك في أحد العددين فهو من سهيل بن أبي صالح في الخبر كذلك قاله معمر عن سهيل -يعني: بضع وستون أو بضع وسبعون- وقد رواه سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح مرفوعاً وقال: (الإيمان بضع وستون شعبة) -وهذه رواية البخاري - ولم يشك وإنما تنكبنا خبر سليمان بن بلال - أي تركناه وملنا عنه- في هذا الموضع واقتصرنا على خبر سهيل بن أبي صالح ؛ لنبين أن الشك في الخبر ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو كلام سهيل بن أبي صالح كما ذكرناه ].

وهذا الخبر رد على بعض الأحناف المتعصبين للمرجئة فيما يرون من أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، حيث يقولون: الحديث فيه شك؛ لأن بعض رواياته تقول: بضع وسبعون، وبعضها بضع وستون وعلى هذا فلا يعتمد دليلاً على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كل ذلك نصرة لمذهبهم: أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وهذا كلام باطل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشك، وإنما الشك من الراوي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به سهيل بن أبي صالح :

أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان) ].

فذكر أنها بضع وستون شعبة ولم يرد في هذه الرواية شك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو حاتم : اختصر سليمان بن بلال هذا الخبر فلم يذكر ذكر الأعلى والأدنى من الشعب، واقتصر على ذكر الستين دون السبعين، والخبر في بضع وسبعين خبر متقصى صحيح لا ارتياب في ثبوته، وخبر سليمان بن بلال خبر مختصر غير متقصى، وأما البضع فهو اسم يقع على أحد أجزاء الأعداد؛ لأن الحساب بناؤه على ثلاثة أشياء: على الأعداد والفصول والتركيب، فالأعداد من الواحد إلى التسعة والفصول: هي العشرات، والمئون، والألوف، والتركيب: ما عدا ما ذكرنا. وقد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يعلم معناه فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيرا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله جل وعلا من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله جل وعلا من الإيمان في كتابه وكل طاعة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء ].

و ابن حبان رحمه الله أبدى عناية في هذا الحديث فذكر أن الرسول قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، والبضع من ثلاثة إلى تسعة، وعلى ذلك فيمكن أن يصل العدد إلى تسع وسبعين، فأخذت أعد كل طاعة أعدها الله من الإيمان فوجدتها تنقص على البضع والسبعين، فرجعت إلى السنة فعددت كل طاعة جعلها الرسول من الإيمان فوجدتها تنقص، ثم رجعت مرة أخرى فتدبرت القرآن آية آية ثم ضممت ما في السنة إلى ما في الكتاب وأسقطت المكرر فوصلت إلى تسعة وسبعين شعبة.

وهو في صنيعه هذا قد وافق البيهقي , فقد عدها البيهقي في كتابه شعب الإيمان، فأوصلها إلى تسع وسبعين شعبة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب: وصف الإيمان وشعبه. ].

قال القاضي عياض فيما نقله الحافظ في الفتح: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة.

ولا يقدح عدم معرفة ذلك على التفصيل في الإيمان، قال الحافظ : وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان ، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو.. ثم سردها الشيخ

قوله: مما أوردوه يعني: ما أورده العلماء اجتهاداً منهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب: (وصف الإيمان وشعبه)، بما أرجو أن فيه الغنية للمتأمل إذا تأملها فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب، والدليل على أن الإيمان أجزاء بشعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خبر عبد الله بن دينار : (الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله) فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: وأني رسول الله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة ].

لأن ذلك داخل في كلمة التوحيد، فإذا أطلقت إحدى الشهادتين تدخل فيها الأخرى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واقتصر على ذكر جزء واحد منها حيث قال: (أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)، فدل هذا على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة وكل جزء من أجزاء الشعب التي هي من بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هما من أعلى الإيمان وأدناه كله من الإيمان ].

أي: ذكر أعلاها وأدناها وترك ما بينهما من الشعب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحياء شعبة من الإيمان)، فهو لفظة أطلقت على شيء بكناية سببه، وذلك أن الحياء جبلة في الإنسان، فمن الناس من يكثر فيه، ومنهم من يقل ذلك فيه، وهذا دليل صحيح على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن الناس ليسوا كلهم على مرتبة واحدة في الحياء، فلما استحال استواؤهم على مرتبة واحدة فيه، صح أن من وجد فيه أكثر كان إيمانه أزيد، ومن وجد فيه منه أقل كان إيمانه أنقص، والحياء في نفسه: هو الشيء الحائل بين المرء وبين ما يباعده من ربه عن المحظورات، فكأنه صلى الله عليه وسلم جعل ترك المحظورات شعبة من الإيمان بإطلاق اسم الحياء عليه على ما ذكرناه ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الإخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما:

قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: خرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميرى حاجين أو معتمرين وقلنا: لعلنا لقينا رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].

وفي اللفظ: لو وفق أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فنسأله عن القدر فلقينا ابن عمر فظننت أنه يكل الكلام إلي فقلنا: يا أبا عبد الرحمن قد ظهر عندنا أناس يقرءون القرآن يتقفرون العلم تقفرا ].

قوله: يتقفرون العلم: أي: يطلبون العلم ويقرءون القرآن، أي: أن في البصرة أناساً يقرءون القرآن ويطلبون العلم، ولكنهم يعتقدون هذه العقيدة الخبيثة وهي نفي القدر.

قول المصنف رحمه الله: [ يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف ].

أي: ينفون القدر، ويقولون: لا قدر، أولم يقدر الله الأشياء، قوله: وأن الأمر أنف، أي: مستأنف وجديد، فلا يعلم به الله حتى يقع، فإذا وقع علمه الله، وهؤلاء كفرة، وهم القدرية الأولى، الذين أنكروا علم الله، ونسبوا الله للجهل، وقد انقرضوا، ثم بقي عامة القدرية الذين يثبتون العلم والكتابة لكن ينفون عموم الإرادة وعموم الخلق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: فإن لقيتهم فأعلمهم أني منهم بريء وهم مني برآء والذي يحلف به ابن عمر : لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهباً ثم لم يؤمن بالقدر لم يقبل منه، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالساً، إذ جاء رجل شديد سواد اللحية، شديد بياض الثياب، فوضع ركبته على ركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) ] .

ويقصد بهذه الأركان الإسلام الظاهر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ (قال: صدقت قال: فعجبنا من سؤاله إياه وتصديقه إياه، قال: فأخبرني: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره. قال: صدقت قال : فعجبنا من سؤاله إياه وتصديقه إياه) ].

وهذه خصال الإيمان, إذ الإيمان: أمور باطنة، فجميع هذه الخصال باطنة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ (قال: فأخبرني: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني متى الساعة؟ قال: ما المسئول بأعلم من السائل، قال: فما أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال : فتولى وذهب فقال عمر : فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثالثة، فقال: يا عمر ! أتدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) ].

وهذا الحديث رواه البيهقي في صحيحه مطولاً، ورواه الشيخان من حديث أبي هريرة مختصراً، وفي الحديث بيان خصال الإسلام، وخصال الإيمان، وفي آخر الحديث قال: (أتاكم جبريل يعلمكم دينكم -وفي لفظ- أمر دينكم)، فدل على أن الدين له مراتب ثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وقد أتى به المؤلف ليبين خصال الإسلام وخصال الإيمان. وقد ترجم له كما تقدم ذكر الإخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما.

وعند المحققين من أهل العلم أن الإسلام والإيمان يختلف معناهما بالاقتران والافتراق، فإذا اقترنا كما في هذا الحديث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة.

وإذا جاء أحدهما وحده وأطلق دخل فيه الآخر، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فالإسلام هنا يشمل الأعمال الباطنة والظاهرة كذلك، الإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام والإيمان، هذا هو الصواب، أما إذا اجتمعا فيكون لكل واحد منهما معنى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء.

أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير حدثنا إبراهيم بن بسطام حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق) ].

وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم .

وفيه دليل على أن الموحد من أهل الجنة ولو فعل الكبائر إذا مات على التوحيد لا بد أن يدخل الجنة إن عاجلاً أو آجلاً، لكن إن مات على توبة نصوح من الكبائر دخل الجنة من أول وهلة، وأما من مات على الكبائر: كالزنا والسرقة، وشرب الخمر، فهو على خطر من دخول النار، قد يعذب وقد يعفى عنه، ولهذا قال: (وإن زنى وإن سرق) يعني: لا بد أن يدخل الجنة؛ لأنه موحد، وحتى قال: في بعض الروايات: (وإن زنى وإن سرق؟! كررها ثلاثاً، قال في الثالثة: وإن رغم أنف أبي ذر).

ولهذا الحديث قد يظن بعض الناس أن الإيمان هو الإقرار فقط، وأن من قال: لا إله الله دخل الجنة، وهذا كما ذكر المؤلف رحمه الله ليس بصحيح، فلا بد من العمل؛ ولا بد من أداء الواجبات إذا تمكن، والصلاة لا بد منها، ومن لم يصل وتمكن من الصلاة لا ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ لأن ترك الصلاة يخل بصحة لا إله إلا الله، وإذا قال: لا إله إلا الله وامتنع عن الصلاة، سقط التوحيد والعياذ بالله.

وقوله في الترجمة: (ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء).

إذاً النصوص يُضم بعضها إلى بعض؛ لحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياة شعبة من الإيمان)، وهنا قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) يعني: قالها عن إخلاص وصدق، عن إخلاص فلم يدخل في عمل الشرك، وعن صدق فلم يكن منافقاً، وقال عن يقين، ومن قال ذلك عن إخلاص وصدق ويقين فلابد أن يعبد الله بجوارحه، فإذا لم يعبد دل على أنه غير مخلص وغير صادق، فهذا الحديث قد يحتج به بعض الجهلة على أن الإيمان مجرد إقرار باللسان وهذا باطل، فإن الذي يقول: لا إله إلا الله عن إخلاص وصدق لابد أن يعمل، فإذا لم يعمل دل على أنه لم يقلها عن إخلاص وصدق فلا تنفع، ولهذا قيدت كما في الحديث: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه -وفي رواية- مخلصاً دخل الجنة).

[ ذكر الخبر المدحض قول من زعم من أئمتنا أن هذا الخبر كان بمكة في أول الإسلام قبل نزول الأحكام ].

يعني: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قالوا: إن هذا كان في أول الإسلام، وهذا ليس بصحيح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: أشهد لسمعت أبا ذر بالربذة يقول: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: يا أبا ذر ! ما يسرني أن أحداً لي ذهباً أمسي وعندي منه دينار إلا أصرفه لدين، ثم مشى ومشيت معه، فقال: يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك! فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، ثم قال: يا أبا ذر ! لا تبرح حتى آتيك، ثم انطلق حتى توارى، فسمعت صوتاً فقلت: أنطلق) ].

يعني: خاف على النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يذهب ليطمئن عليه، لكن ذكر قوله: (لا تبرح المكان) فمكث في مكانه.

قال:[ (ثم ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لي، فلبثت حتى جاء، فقلت: يا رسول الله! إني سمعت صوتاً، فأردت أن أدركك، فذكرت قولك لي، فقال: ذاك جبريل أتاني فأخبرني: أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق).

قال: أخبرنا القطان بالرقة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ].

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تتصدق مما أعطاك الله؛ لأن الأكثرين من أهل الأموال هم الأقلون يوم القيامة.

وهذا الحديث رواه الشيخان.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ذكر خبر أوهم عالماً من الناس أن الإيمان هو الإقرار بالله وحده دون أن تكون الطاعات من شعبه.

أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن أبي مالك الأشجعي قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله) ].

هذا الحديث فيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن من وحد الله لابد وأن يأتي بالعمل؛ لأن من شروط التوحيد الصلاة، والبعد عن الشرك.

قوله: [ من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله ].

أي: أن من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، فلابد أن يعبد الله، وتوحيد الله لابد فيه من أداء الشروط، ومنها: أن يكون عمله خالصاً، وأن يؤدي ما أوجب الله عليه من شروط الإيمان ومقتضيات الإيمان، من الابتعاد عن الشرك بجميع أنواعه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم .

إذاً: هذا الحديث فيه دليل على أنه لابد من شيئين: إيمان بالله، وكفر بالطاغوت، فالإيمان بالله هو أن يوحد الله، والكفر بالطاغوت هو أن يكفر بما يعبد من دون الله، قال سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ذكر وصف قوله صلى الله عليه وسلم: (وحد الله وكفر بما يعبد من دونه).

أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي جمرة قال: (كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فقال: إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الوفد أو من القوم؟ قالوا: ربيعة ، قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى، قالوا: يا رسول الله! إنا نأتيك من شقة بعيدة، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت -قال شعبة : وربما قال: والنقير، وربما قال: المقير- وقال: احفظوه وأخبروه من وراءكم) ].

يعني: هذا الحديث يفسر الحديث السابق: (من وحد الله) فهنا فسر الإيمان بالأعمال، قال: (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان) فإذاً: في هذا الحديث فسر الإيمان بهذه الأعمال، فالمؤلف يقول: هذا الحديث يفسر الحديث السابق: (من وحد الله) أي: من توحيد الله: الصلاة والزكاة والصوم وأداء الخمس.

وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم .

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ذكر البيان بأن الإيمان والإسلام شعب وأجزاء، غير ما ذكرنا في خبر ابن عباس وابن عمر بحكم الأمينين: محمد وجبريل عليهما السلام.

أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا يوسف بن واضح الهاشمي قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر قلت: يا أبا عبد الرحمن -يعني ابن عمر - إن أقواماً يزعمون أن ليس قدر، قال: هل عندنا منهم أحد؟ قلت: لا. قال: فأبلغهم عني إذا لقيتهم: أن ابن عمر يبرأ إلى الله منكم وأنتم برآء منه، حدثنا عمر بن الخطاب قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاءه رجل ليس عليه سحناء سفر، وليس من أهل البلد، يتخطى حتى ورك، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان. قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم. قال: صدقت، قال: يا محمد! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالجنة والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: يا محمد! ما الإحسان؟ قال: الإحسان: أن تعمل لله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك، قال: فإذا فعلت هذا فأنا محسن؟ قال: نعم، قال: صدقت. قال: فمتى الساعة؟ قال: سبحان الله! ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها، قال: أجل، قال: إذا رأيت العالة الحفاة العراة يتطاولون في البنيان وكانوا ملوكاً. قال: ما العالة الحفاة العراة؟ قال: العُرَيْبُ، قال: وإذا رأيت الأمة تلد ربتها، فذلك من أشراط الساعة، قال: صدقت، ثم نهض، فولى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل، فطلبناه كل مطلب، فلم نقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون من هذا؟ هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم، خذوا عنه، والذي نفسي بيده ما شُبِّهَ علي منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفته حتى ولى).

قال أبو حاتم : تفرد سليمان التيمي بقوله: (خذوا عنه)، وبقوله: (تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء) ].

وتفرد سليمان التيمي بقوله: (خذوا عنه) وبقوله: (تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء) لا تكون شاذة؛ لأنه

ثقة، وزيادة الثقة مقبولة.

وهذا حديث جبريل المشهور الطويل في بيان الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة، ثم قال: (أتاكم يعلمكم دينكم)، فدل على أن الدين ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، والإسلام إذا اجتمع مع الإيمان فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بأعمال القلوب.

قوله: (ما شبه علي) يعني: ما عرفه، حتى ولى، فلما ولى عرفه.

قال: (فلبث ملياً) جاء في بعض الروايات: (ثلاثة أيام) وفي بعضها (ثلاث ليال).

واحتج بهذا الحديث على وجوب العمرة، وبعضهم طعن في هذه الزيادة وقال: إن هذه الزيادة شاذة.

وسليمان التيمي قال عنه في التقريب: صدوق يخطئ، لكن كان قليل الخطأ، والنسائي وغيره من المتقدمين يرون التفرد شذوذاً ويرى المتأخرون أن التفرد إذا كان من ثقة فلا يعتبر شذوذاً؛ لأن زيادة الثقة مقبولة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الإيمان.

أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وآمنوا بي وبما جئت به، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) تفرد به الدراوردي قاله الشيخ ].

قوله: (ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الإيمان).

هذا واجب.

وقوله: (تفرد به الدراوردي قاله الشيخ)

قال في الحاشية: (هذا وهم من ابن حبان فقد تابعه عليه روح بن القاسم وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام كما تقدم في التخريج).

قوله: (قاله الشيخ) يرجع لمقدمة ابن حبان ليعلم مراده بذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان مع العمل به.

أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بالموصل حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله).

قال أبو حاتم : تفرد به شعبة .

وفي هذا الخبر بيان واضح: بأن الإيمان أجزاء وشعب تتباين أحوال المخاطبين فيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الخبر: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، فهذا هو الإشارة إلى الشعبة التي هي فرض على المخاطبين في جميع الأحوال.

ثم قال: (ويقيموا الصلاة) فذكر الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في بعض الأحوال.

ثم قال: (ويؤتوا الزكاة) فذكر الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في بعض الأحوال، فدل ذلك على أن كل شيء من الطاعات التي تشبه الأشياء الثلاثة التي ذكرها في هذا الخبر من الإيمان ].

يعني: ذكر ما يجب على كل أحد، أو ما يجب في بعض الأحيان من البعض.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح صحيح ابن حبان كتاب الإيمان [1] 2778 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب العلم [1] 2508 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب الإيمان [2] 1890 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب العلم [2] 1729 استماع
شرح صحيح ابن حبان المقدمة 1567 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب الوحي 1449 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب العلم [3] 1381 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب الإسراء 1288 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب الإيمان [3] 949 استماع
شرح صحيح ابن حبان كتاب الإيمان [5] 716 استماع