شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [5]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب فرض الوضوء.

حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور) ].

هذا الحديث رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفيه أن المتصدق من غلول لا تقبل صدقته، والغلول: هو الخيانة في الغنيمة، ومثله أيضاً الأخذ من بيت المال خفية، أو من صدقات تجمع أو أموال، فإذا أخذ من الغنيمة وتصدق من ذلك فإنها لا تقبل صدقته.

قوله: (ولا صلاة بغير طهور). لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بطهارة.

إذاً: من أخذ المال من غير حله من الغنيمة أو من بيت المال أو من صدقات تجمع فهذا يسمى خيانة وغلولاً، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، وفي الحديث: (من غل أتى به يحمله يوم القيامة) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يأتين أحدكم يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر) فالأمر صعب وشديد، (فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً؛ قد أبلغتك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فمن غل شيئاً جاء به يوم القيامة يحمله ويعذب به والعياذ بالله.

شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله تعالى جل ذكره صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ].

وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم . وقوله: (جل ذكره) هذه زيادة في الحديث من بعض النساخ وهي تنزيه لله عز وجل، لكنها ليست في الحديث ولفظ الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ). وهذا حديث مشهور معروف، وفيه: أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، وأن الصلاة لا تقبل إلا بطهارة إما بالماء أو بالتراب عند العجز أو فقد الماء.

شرح حديث: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ].

قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسنه. والعلماء والفقهاء يحتجون به.

وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو لين الحديث وفيه كلام، وهذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل: الجملة الأولى: (مفتاح الصلاة الطهور) أي: الدخول فيها لا يصح إلا بالطهور، وهذا دلت عليه الأحاديث السابقة، مثل: حديث: (لا تقبل صلاة بغير طهور) وحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).

الجملة الثانية: (تحريمها التكبير). يعني: أنه إذا كبر ودخل في الصلاة حرم عليه ما كان منافياً للصلاة فيحرم عليه الكلام والأكل والشرب والحركات المنافية للصلاة.

ولا يجزئ غير التكبير فيقول: الله أكبر، هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير ودلت عليه النصوص. وروي عن الشافعي أنه أجاز (الله الأكبر) ومذهب الأحناف أنه يذكر ما يدل على التعظيم لله، سواء قال: الله الأجل أو الله الأعظم صحت ودخل في الصلاة وهذا ليس بصحيح، بل هذا باطل.

الجملة الثالثة: (وتحليلها التسليم) . يعني: الذي يخرج به من الصلاة ويتحلل منها ويباح له ما كان محرماً هو التسليم، بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وهذا هو الذي عليه الجماهير، وروي عن الأحناف: أنه إذا قضى التشهد انتهت الصلاة، ويخرج من الصلاة بأي شيء ينافيها ولو بالحدث، فإنه يخرج من الصلاة، وهذا باطل.

قوله: (تحليلها التسليم) اختلف العلماء هل لا بد من تسليمتين أو تكفي إحداهما؟ فمن العلماء من أوجبهما وهو الصواب ومنهم الإمام أحمد وجماعة، والجمهور على أن التسليمة الأولى فرض والثانية سنة.

كلام ابن القيم في معنى قوله: ( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)

قال الإمام ابن القيم : (قوله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) . اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام:

الحكم الأول: أن مفتاح الصلاة الطهور، والمفتاح: ما يفتح به الشيء المغلق فيكون فاتحاً له، ومنه مفتاح الجنة: لا إله إلا الله.

وقوله: (مفتاح الصلاة الطهور) يفيد الحصر، وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين: أحدهما: حصر المبتدأ في الخبر إذا كانا معرفتين؛ فإن الخبر لا بد وأن يكون مساوياً لمبتدأ أو أعم منه، ولا يجوز أن يكون أخص منه، فإذا كان المبتدأ معرفاً بما يقتضي عموماً كاللام وكل ونحوهما ثم أخبر عنه بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخباراً عن جميع أفراد المبتدأ؛ فإنه لا فرد من أفراده إلا والخبر حاصل له، وإذا عرف هذا لزم الحصر، وأنه لا فرد من أفراد ما يفتتح به الصلاة إلا وهو الطهور، فهذا أحد الطريقين.

والثاني: أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة، والإضافة تعم، فكأنه قيل: جميع مفتاح الصلاة هو الطهور، وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتح به لم يكن لها مفتاح غيره، ولهذا فهم جمهور الصحابة والأمة أن قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] أنه على الحصر، أي: مجموع أجلهن الذي لا أجل لهن سواه وضع الحمل، وجاءت السنة مفسرة لهذا الفهم مقررة له.

الحكم الثاني: قوله: (وتحريمها التكبير)، وفي هذا حصر التحريم في التكبير مضي ما تقدم في حصر مفتاح الصلاة في الطهور من وجهين: وهو دليل بين أنه لا تحريم لها إلا التكبير وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديماً وحديثاً، وقال أبو حنيفة : ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم، فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث ثم اختلفوا، فقال أحمد ومالك وأكثر السلف: يتعين لفظ: (الله أكبر) وحدها. وقال الشافعي : يتعين أحد اللفظين (الله أكبر) و(الله الأكبر). وقال أبو يوسف : يتعين التكبير وما تعرف منه نحو: (الله الكبير) ونحوه).

والصواب أنه لا يجزئ إلا التكبير (الله أكبر).

قال: (الحكم الثالث: قوله: (تحليلها التسليم)، والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله، والكلام في التسليم على قسمين:

أحدهما: أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم، وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة : لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه، واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضاً لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة؛ فإنه ينافيها ويخرج به منها، ولهذا لو أتي به في أثنائها لأبطلها، وإذا لم يكن منها علم أنه شرع منافياً لها والمنافي لا يتعين، هذا غاية ما يحتج له به.

والجمهور أجابوا عن هذه الحجج: أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: (إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك) من كلام ابن مسعود وصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود.

وقوله: أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على وقفه.

وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة؛ فإنه ينافيها ويخرج به منها فجوابه: أن السلام من تمامها وهو نهايتها ونهاية الشيء منه ليس خارجاً عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء بخلاف مفتاحها؛ فإن إضافته إضافة مغاير بخلاف تحليلها فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به.

وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها؛ فلأنه قطع لها قبل إتمامها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب فرض الوضوء.

حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور) ].

هذا الحديث رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفيه أن المتصدق من غلول لا تقبل صدقته، والغلول: هو الخيانة في الغنيمة، ومثله أيضاً الأخذ من بيت المال خفية، أو من صدقات تجمع أو أموال، فإذا أخذ من الغنيمة وتصدق من ذلك فإنها لا تقبل صدقته.

قوله: (ولا صلاة بغير طهور). لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بطهارة.

إذاً: من أخذ المال من غير حله من الغنيمة أو من بيت المال أو من صدقات تجمع فهذا يسمى خيانة وغلولاً، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، وفي الحديث: (من غل أتى به يحمله يوم القيامة) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يأتين أحدكم يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر) فالأمر صعب وشديد، (فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً؛ قد أبلغتك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فمن غل شيئاً جاء به يوم القيامة يحمله ويعذب به والعياذ بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله تعالى جل ذكره صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ].

وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم . وقوله: (جل ذكره) هذه زيادة في الحديث من بعض النساخ وهي تنزيه لله عز وجل، لكنها ليست في الحديث ولفظ الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ). وهذا حديث مشهور معروف، وفيه: أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، وأن الصلاة لا تقبل إلا بطهارة إما بالماء أو بالتراب عند العجز أو فقد الماء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ].

قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسنه. والعلماء والفقهاء يحتجون به.

وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو لين الحديث وفيه كلام، وهذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل: الجملة الأولى: (مفتاح الصلاة الطهور) أي: الدخول فيها لا يصح إلا بالطهور، وهذا دلت عليه الأحاديث السابقة، مثل: حديث: (لا تقبل صلاة بغير طهور) وحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).

الجملة الثانية: (تحريمها التكبير). يعني: أنه إذا كبر ودخل في الصلاة حرم عليه ما كان منافياً للصلاة فيحرم عليه الكلام والأكل والشرب والحركات المنافية للصلاة.

ولا يجزئ غير التكبير فيقول: الله أكبر، هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير ودلت عليه النصوص. وروي عن الشافعي أنه أجاز (الله الأكبر) ومذهب الأحناف أنه يذكر ما يدل على التعظيم لله، سواء قال: الله الأجل أو الله الأعظم صحت ودخل في الصلاة وهذا ليس بصحيح، بل هذا باطل.

الجملة الثالثة: (وتحليلها التسليم) . يعني: الذي يخرج به من الصلاة ويتحلل منها ويباح له ما كان محرماً هو التسليم، بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وهذا هو الذي عليه الجماهير، وروي عن الأحناف: أنه إذا قضى التشهد انتهت الصلاة، ويخرج من الصلاة بأي شيء ينافيها ولو بالحدث، فإنه يخرج من الصلاة، وهذا باطل.

قوله: (تحليلها التسليم) اختلف العلماء هل لا بد من تسليمتين أو تكفي إحداهما؟ فمن العلماء من أوجبهما وهو الصواب ومنهم الإمام أحمد وجماعة، والجمهور على أن التسليمة الأولى فرض والثانية سنة.

قال الإمام ابن القيم : (قوله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) . اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام:

الحكم الأول: أن مفتاح الصلاة الطهور، والمفتاح: ما يفتح به الشيء المغلق فيكون فاتحاً له، ومنه مفتاح الجنة: لا إله إلا الله.

وقوله: (مفتاح الصلاة الطهور) يفيد الحصر، وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين: أحدهما: حصر المبتدأ في الخبر إذا كانا معرفتين؛ فإن الخبر لا بد وأن يكون مساوياً لمبتدأ أو أعم منه، ولا يجوز أن يكون أخص منه، فإذا كان المبتدأ معرفاً بما يقتضي عموماً كاللام وكل ونحوهما ثم أخبر عنه بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخباراً عن جميع أفراد المبتدأ؛ فإنه لا فرد من أفراده إلا والخبر حاصل له، وإذا عرف هذا لزم الحصر، وأنه لا فرد من أفراد ما يفتتح به الصلاة إلا وهو الطهور، فهذا أحد الطريقين.

والثاني: أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة، والإضافة تعم، فكأنه قيل: جميع مفتاح الصلاة هو الطهور، وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتح به لم يكن لها مفتاح غيره، ولهذا فهم جمهور الصحابة والأمة أن قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] أنه على الحصر، أي: مجموع أجلهن الذي لا أجل لهن سواه وضع الحمل، وجاءت السنة مفسرة لهذا الفهم مقررة له.

الحكم الثاني: قوله: (وتحريمها التكبير)، وفي هذا حصر التحريم في التكبير مضي ما تقدم في حصر مفتاح الصلاة في الطهور من وجهين: وهو دليل بين أنه لا تحريم لها إلا التكبير وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديماً وحديثاً، وقال أبو حنيفة : ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم، فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث ثم اختلفوا، فقال أحمد ومالك وأكثر السلف: يتعين لفظ: (الله أكبر) وحدها. وقال الشافعي : يتعين أحد اللفظين (الله أكبر) و(الله الأكبر). وقال أبو يوسف : يتعين التكبير وما تعرف منه نحو: (الله الكبير) ونحوه).

والصواب أنه لا يجزئ إلا التكبير (الله أكبر).

قال: (الحكم الثالث: قوله: (تحليلها التسليم)، والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله، والكلام في التسليم على قسمين:

أحدهما: أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم، وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة : لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه، واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضاً لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة؛ فإنه ينافيها ويخرج به منها، ولهذا لو أتي به في أثنائها لأبطلها، وإذا لم يكن منها علم أنه شرع منافياً لها والمنافي لا يتعين، هذا غاية ما يحتج له به.

والجمهور أجابوا عن هذه الحجج: أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: (إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك) من كلام ابن مسعود وصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود.

وقوله: أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على وقفه.

وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة؛ فإنه ينافيها ويخرج به منها فجوابه: أن السلام من تمامها وهو نهايتها ونهاية الشيء منه ليس خارجاً عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء بخلاف مفتاحها؛ فإن إضافته إضافة مغاير بخلاف تحليلها فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به.

وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها؛ فلأنه قطع لها قبل إتمامها.

شرح حديث: (من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث.

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ح وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس قالا: حدثنا عبد الرحمن بن زياد -قال أبو داود : وأنا لحديث ابن يحيى أتقن- عن غطيف ، وقال محمد: عن أبي غطيف الهذلي قال: (كنت عند ابن عمر فلما نودي بالظهر توضأ فصلى، فلما نودي بالعصر توضأ، فقلت له فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات) .

قال أبو داود : وهذا حديث مسدد وهو أتم ].

وهذا ضعيف، عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف، وأبو غطيف مجهول، فيكون الحديث ضعيفاً، لكن إذا أراد أن يجدد الوضوء لنشاط فلا بأس.

قال ابن رسلان في شرحه: يشبه أن يكون المراد: كتب الله به عشرة وضوءات؛ فإن أقل ما وعد به من الأضعاف الحسنة بعشر أمثالها، وقد وعد بالواحدة سبعمائة ووعد ثواباً بغير حساب.

قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا إسناد ضعيف.

إذاً: الحديث ضعيف، والمراد بتجديد الوضوء إذا استعمل الوضوء، وقرأ القرآن أو صلى ثم أراد أن يجدد الوضوء، أما كونه يتوضأ ولم يصلي بوضوئه ثم يتوضأ مرة أخرى هذا لا يعتبر تجديداً، بل التجديد أن يصلي به الظهر فإذا جاء العصر وجدد الوضوء لأنه صلى بوضوء سابق، أو جلس قرأ القرآن فإنه يكتب له عشر حسنات.

والنبي صلى الله عليه وسلم في عام الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، فسأله عمر فقال: (عمداً فعلته يا عمر) . يعني: أراد أن يبين الجواز فلا بأس أن يصلي الصلوات المتعددة بوضوء واحد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث.

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ح وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس قالا: حدثنا عبد الرحمن بن زياد -قال أبو داود : وأنا لحديث ابن يحيى أتقن- عن غطيف ، وقال محمد: عن أبي غطيف الهذلي قال: (كنت عند ابن عمر فلما نودي بالظهر توضأ فصلى، فلما نودي بالعصر توضأ، فقلت له فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات) .

قال أبو داود : وهذا حديث مسدد وهو أتم ].

وهذا ضعيف، عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف، وأبو غطيف مجهول، فيكون الحديث ضعيفاً، لكن إذا أراد أن يجدد الوضوء لنشاط فلا بأس.

قال ابن رسلان في شرحه: يشبه أن يكون المراد: كتب الله به عشرة وضوءات؛ فإن أقل ما وعد به من الأضعاف الحسنة بعشر أمثالها، وقد وعد بالواحدة سبعمائة ووعد ثواباً بغير حساب.

قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : هذا إسناد ضعيف.

إذاً: الحديث ضعيف، والمراد بتجديد الوضوء إذا استعمل الوضوء، وقرأ القرآن أو صلى ثم أراد أن يجدد الوضوء، أما كونه يتوضأ ولم يصلي بوضوئه ثم يتوضأ مرة أخرى هذا لا يعتبر تجديداً، بل التجديد أن يصلي به الظهر فإذا جاء العصر وجدد الوضوء لأنه صلى بوضوء سابق، أو جلس قرأ القرآن فإنه يكتب له عشر حسنات.

والنبي صلى الله عليه وسلم في عام الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، فسأله عمر فقال: (عمداً فعلته يا عمر) . يعني: أراد أن يبين الجواز فلا بأس أن يصلي الصلوات المتعددة بوضوء واحد.

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما ينجس الماء.

حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي وغيرهم قالوا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) ].

هذا الحديث حديث مشهور عند أهل العلم رواه الإمام أبو داود والنسائي وجماعة، فهو حديث مشهور اختلف العلماء في صحته وعدم صحته، فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه بالاضطراب، ومنهم من قال: إنه متروك كشيخ الإسلام ابن تيمية ، والأقرب أنه صحيح وأنه ثابت، والإمام أبو داود رحمه الله بوب بقوله: باب ما ينجس الماء، فظاهر هذه الترجمة أنه يختار العمل بهذا الحديث: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب؟ قال: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) . وفي لفظ: (لم ينجس) .

قوله: (وما ينوبه) يعني: السباع ترد عليه وتنوبه مرة بعد أخرى للشرب، وقد تبول فيه، فالحديث له منطوق وله مفهوم.

أما منطوقه: فإن الماء إذا بلغ قلتين فإنه لا ينجس، إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: اللون والطعم والريح، فهذا نجس بالإجماع، هذا منطوق الحديث.

واختلف العلماء في المراد بالقلتين والأقرب أن القلة قربتان ونصف، فتكون القلتان خمس قرب، وأقرب ما يقدر الماء الذي يبلغ قلتين هو ما يسع ذراعاً وربعاً طولاً وعرضاً وعمقاً، فإذا بلغ الماء هذا المقدار فإنه لا يحمل الخبث ولا ينجس مهما أصابته نجاسة إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة.

ومفهوم الحديث: أنه إذا لم يبلغ الماء قلتين فإنه ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه ولو لم يتغير أحد أوصافه، وهذا هو الذي ذهب إليه جمهور العلماء والفقهاء، ويؤيد هذا حديث ولوغ الكلب: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله)، والماء الذي يكون في الإناء أقل من القلتين فهو ينجس، قال: ويدل عليه حديث الأعرابي الذي بال في المسجد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يصب عليه ذنوب من ماء، فالذنوب طهر البول؛ لكن فرقوا بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة، فقالوا: حديث الأعرابي فيه أن الماء هو الذي ورد على النجاسة، وذهب جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة إلى أن حديث أبي سعيد : (الماء طهور لا ينجسه شيء). إنما يعمل بمنطوقه، أما مفهومه فلا يعمل به، ولكن إذا كان الماء قليلاً في الأواني فإنه يراق لحديث ولوغ الكلب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب، وفي بعض ألفاظه: (فليهرقه) فإذاً: الأقرب أن الماء لا ينجس إلا بالتغير سواءً كان قليلاً أو كثيراً، لكن حديث القلتين يفيد أنه ينبغي للإنسان إذا كان الماء قليلاً أن ينظر فيه ويتأمل؛ فإنه قد يتغير ولا يشعر الإنسان بتغيره.

والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والشافعي وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي ، قال الحاكم : صحيح على شرطهما، وقد احتج بجميع رواته.

وقال ابن مندة : إسناده على شرط مسلم .

[ قال أبو داود : هذا لفظ ابن العلاء . وقال عثمان والحسن بن علي : عن محمد بن عباد بن جعفر ، قال أبو داود : وهو الصواب ].

يعني: الصواب عن محمد بن عباد بن جعفر .

إذا كان الماء قليلاً في الأواني فإنه يراق القليل لحديث ولوغ الكلب، أما إذا كان أكثر من ذلك فلا ينجس إلا بالتغير.

والجمهور يرون أنه إذا كان أقل من القلتين، فإنه بمجرد وقوع النجاسة فيه ينجس ولو لم يتغير.

إسناد آخر لحديث القلتين

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا أبو كامل حدثنا يزيد يعني ابن زريع عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر ، قال أبو كامل: ابن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة) فذكر معناه ].

فيه عنعنة محمد بن إسحاق

قال: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: حدثني أبي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس) ].

والحديث له متابعات.

وأخرجه الترمذي . وقال أبو عيسى : وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه. وقالوا: يكون نحواً من خمسمائة رطل.

[ قال أبو داود : حماد بن زيد وقفه عن عاصم ].

أي: جعله موقوفاً، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، والموقوف يؤيد المرفوع والذي قبله الذي هو من رواية محمد بن إسحاق ومتابع له.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [25] 2608 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [10] 2232 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [20] 2121 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [6] 1990 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [7] 1970 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [22] 1951 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [4] 1889 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [14] 1847 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [9] 1780 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [19] 1773 استماع