شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [7]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأنا أذكر جوامع من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممن ينتسب إلى السنة وقد مرق منها وصار من أكابر الظالمين، وهي فصول، الفصل الأول:

أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين الإسلام مما نعلم باليقين القاطع أنها كذب وبهتان بل كفر شنيع ].

الأصل الأول من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف فمرقوا بها من الإسلام: الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم.

فهناك أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين السنة، ونحن نعلم يقيناً أنها كذب وبهتان، بل كفر شنيع، ومثلها ما سبق عن القبوريين: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور)، وكذلك: (لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه)، فهذه من أسباب الكفر.

والمؤلف هنا قال: أحاديث في الصفات رووها زائدة عن الأحاديث يعلم باليقين القاطع أنها كذب بل هي كفر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد يقولون من أنواع الكفر ما لا يروون فيه حديثاً؛ مثل حديث يروونه: (أن الله ينزل عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان، ويعانق المشاة)، وهذا من أعظم الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقائله من أعظم القائلين على الله غير الحق ].

هذا من الأحاديث المكذوبة التي هي سبب في الوقوع في الكفر، فيروون أن الله ينزل عشية عرفة في الحج على جمل أورق يصافح الركبان، ويعانق المشاة، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره كما قال: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67].

وفي الحديث: (إن الله تعالى يضع السموات يوم القيامة على أصبع، والأرضين على أصبع، والماء والثرى على أصبع، والشجر على أصبع، والجبال على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن بيده ويقول: أنا الملك).

وفي الحديث الآخر: (ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)، فهذه المخلوقات العظيمة لا تساوي شيئاً بالنسبة لعظمة الله، فالسموات يطويها بيمينه ويضعها على أصبع، والأرضين كلها على أصبع، والماء والثرى على أصبع، والشجر على أصبع، ثم بعد ذلك يأتي هذا الخبيث ويضع هذا الحديث المكذوب تعالى الله عما يقولون، ويجعل الرب يقترن بالمخلوقات، ويكون فوقه طبقة وهي السماء، وتحته طبقة وهي الأرض، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فهذا من الأحاديث الكفرية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولم يرو هذا الحديث أحد من علماء المسلمين أصلاً، بل أجمع علماء المسلمين وأهل المعرفة بالحديث على أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

هذا من الأحاديث المكذوبة بإجماع المسلمين، ولا يجوز لأحد روايته إلا على وجه بيان أنه كذب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال أهل العلم كـابن قتيبة وغيره: هذا وأمثاله إنما وضعه الزنادقة الكفار؛ ليشينوا به على أهل الحديث، ويقولون: إنهم يروون مثل هذا ].

أي: مقصودهم من بث مثل هذا الحديث أن يكره الناس أهل الحديث ويقولون: انظروا إلى هؤلاء يروون مثل هذا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك حديث آخر فيه: (أنه رأى ربه حين أفاض من مزدلفة يمشي أمام الحجيج وعليه جبة صوف) ].

أي: أن هؤلاء لضلال يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه حين أفاض من مزدلفة يمشي أمام الحجاج وعليه جبة صوف، فجعلوا على الله جبة صوف، تعالى الله عما يقولون، وهذا كفر شنيع.

فقد جعلوا الخالق حقيراً ضعيفاً فوقه بعض مخلوقاته وتحته بعض مخلوقاته، وأنه يحتاج إلى أن يلبس جبة صوف ويحتاج إلى بعض من مخلوقاته، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أو ما يشبه هذا البهتان والافتراء على الله الذي لا يقوله من عرف الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهكذا حديث فيه: (أن الله يمشي على الأرض)، فإذا كان موضع خضرة قالوا: هذا موضع قدميه، ويقرءون قوله تعالى: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50] ].

وهذا حديث ثالث من الأحاديث المكذوبة، فيقولون فيه: (إن الله يمشي على الأرض)، فإذا وجدت موضع خضرة قالوا: هذا موضع قدميه، وهو من أقوال الصوفية، فإنهم كلما رأوا خضرة في الأرض قالوا: قد يكون الله في هذا المكان، تعالى الله عما يقولون، ويقرءون هذه الآية: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ هذا أيضاً كذب باتفاق العلماء، ولم يقل الله: (فانظر إلى آثار خطى الله) وإنما قال: آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ [الروم:50] ورحمته هنا النبات ].

أي: أن من آثار رحمة الله النبات الذي أنبته المطر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهكذا أحاديث في بعضها: (أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الطواف) ].

وهذا حديث رابع مكذوب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي بعضها: (أنه رآه وهو خارج من مكة)، وفي بعضها: (أنه رآه في بعض سكك المدينة)، إلى أنواع أخر ].

كل هذه الأحاديث مكذوبة، سواء: (أن النبي رأى ربه في الطواف)، أو: (رآه وهو خارج من مكة) أو (رآه في وسط المدينة).

والصواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه حتى في ليلة المعراج، فالله تعالى لا يراه أحد في الدنيا ولا يستطيع أحد أن يتحمل رؤية الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم لما سأله أبو ذر : هل رأيت ربك -يعني: ليلة المعراج-؟ قال: (نور أنى أراه)، وفي رواية: (رأيت نوراً)، وفي حديث أبي موسى : (حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرق سبحات وجه ما امتد إليه بصره من خلقه).

فلا يستطيع أحد أن يطيق رؤية الله في الدنيا، لكن رؤيته نعيم لأهل الجنة، وأما في الدنيا فالصواب: أنه لم يره أحد، وهذا باتفاق العلماء إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، فاختلف العلماء هل رأى ربه ليلة المعراج أم لا؟ فمنهم من قال: رأى ربه، ومنهم من قال: لم يره، والصواب أنه لم يره.

ومن قال من العلماء أنه رآه فالمراد: رآه بعين قلبه، ومن قال: لم يره، أي: لم يره بعين رأسه، وهذا هو الصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكل حديث فيه أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه في الأرض فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم، هذا شيء لم يقله أحد من علماء المسلمين ولا رواه أحد منهم ].

أي: أن كل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه في الأرض فهو كذب، وإنما الخلاف في رؤيته له في السماء ليلة المعراج، وأصح القولين أنه لم يره بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإنما كان النزاع بين الصحابة في أن محمداً صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة المعراج؟ فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك، ولم ترو عائشة رضي الله عنها في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ولا سألته عن ذلك، ولا نقل في ذلك عن الصديق رضي الله عنه كما يروونه ناس من الجهال أن أباها سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، وقال لـعائشة : لا، فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء ].

يقول المؤلف رحمه الله: كل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الأرض فهذا كذب بالاتفاق، وإنما الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، فبعض الصحابة قالوا: رآه، وبعض الصحابة كـعائشة قالوا: لم يره، فقد قالت لـمسروق لما سألها: هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قف شعري لما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب.

وروي عن ابن عباس أنه رأى ربه، وروي عن بعض الصحابة، وروي عن الإمام أحمد قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء:60] قال: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، وفي لفظ: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه ليلة المعراج.

والجمع بين هذه النصوص: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، وما روي عن بعض الصحابة وعن الإمام أحمد : أنه رأى ربه فالمراد به أنه رآه بقلبه، وما في بعضها أنه رآه فالمراد أنه رآه بعيني قلبه، وما ورد من النصوص عن الصحابة أنه لم يره فالمراد به أنه لم يره بعيني رأسه، وبهذا تجتمع النصوص ولا تختلف وهذا هو الصواب، وهو الذي عليه الجماهير.

وبعض العلماء يرون أنه رآه بعيني رأسه، ومن هؤلاء النووي في (شرح مسلم )، والقاضي عياض والهروي ، والصواب الذي عليه الجمهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه؛ لأن رؤياه نعيم اتخذه الله لأهل الجنة، ولأن البشر لا يستطيعون أن يروا الله، ولأن الحديث فيه: (أن الله لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما امتد إليه بصره من خلقه).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولهذا ذكر القاضي أبو يعلى وغيره أنه اختلفت الراوية عن الإمام أحمد رحمه الله هل يقال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه أو يقال: بعين قلبه، أو يقال: رآه ولا يقال بعين رأسه ولا بعين قلبه؟ على ثلاث روايات ].

نقل القاضي أبو يعلى من الحنابلة الخلاف عن الإمام أحمد في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه على ثلاث روايات، الرواية الأولى: أنه رآه بعيني رأسه، والرواية الثانية: أنه رآه بعيني قلبه، والرواية الثالثة: التوقف، فلا يقال رآه بعيني رأسه ولا رآه بعيني قلبه، وأصح الروايات الرواية الثانية، وهي: أنه رآه بعيني قلبه، وهو الذي عليه الجمهور وتدل عليه النصوص.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال: (رأيت ربي في صورة كذا وكذا)، يروى من طريق ابن عباس ومن طريق أم الطفيل وغيرهما، وفيه: (أنه وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري)، هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج، فإن هذا الحديث كان بالمدينة، وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الصبح ثم خرج إليهم وقال: رأيت كذا وكذا)، وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة كـأم الطفيل وغيرها، والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم وبنص القرآن والسنة المتواترة، كما قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1] ].

الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت ربي في أحسن صورة) يسمى حديث اختصام الملأ الأعلى، ففيه: (يا محمد! بما يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب! فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري، وعلمت كل شيء، فقال الله: بم يختصم الملأ الأعلى فقلت: يا رب! في الدرجات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة).

يقول المؤلف رحمه الله: هذا الحديث ليس هو الحديث الذي فيه أن النبي رأى ربه في اليقظة؛ لأن هذا الحديث رؤيا في النوم، والحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في اليقظة، فبينهما فرق، وهذا الحديث في المدينة وحديث المعراج في مكة، فلا يشتبه هذا الحديث بذلك الحديث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فعلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة كما جاء مفسراً في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام، مع أن رؤيا الأنبياء وحي، لم يكن رؤيا يقظة كما في ليلة المعراج ].

هذه الرؤيا رؤيا منام، ورؤيا الأنبياء وحي؛ ولهذا لما رأى إبراهيم الخليل في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل نفذها في اليقظة، فقال الله له: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:105]؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينيه في الأرض، وأن الله لم ينزل له إلى الأرض، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم قط حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض، بل الأحاديث الصحيحة: (أن الله يدنو عشية عرفة)، وفي رواية: (إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) ].

اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينه في الأرض، واتفقوا على أنه لم ير أحد ربه غير النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق، حتى موسى الكليم، فقد أخبر الله في القرآن الكريم أنه قال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] أي: لن تراني في الدنيا؛ لأنك لا تستطيع ببشريتك الضعيفة أن تتحمل ذلك، وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143]، فلما تجلى الله للجبل تدكدك ولم يصمد لرؤية الله، وهو صخر عظيم، فإذا كان الجبل مع صلابته لم ثبت لرؤية الله وتدكدك وانهار فكيف بالمخلوق الضعيف؟! إذاً اتفق العلماء على أنه لم ير أحد ربه غير النبي صلى الله عليه وسلم، واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الأرض وإنما الخلاف في رؤيته في السماء ليلة المعراج على قولين، فمنهم من قال: رآه، ومنهم من قال: لم يره، والصواب أنه لم يره، وهو الذي عليه الجماهير، وكل حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض فهو من الأحاديث المكذوبة، فالأحاديث الصحيحة إنما هي في: (أن الله يدنو عشية عرفة)، وفي رواية: (إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر..)، وهذا الدنو يليق بجلاله وعظمته سبحانه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وثبت في الصحيح: (أن الله يدنو عشية عرفة)، وفي رواية: (إلى سماء الدنيا فيباهي الملائكة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً، ما أراد هؤلاء؟) ].

وهذا أمر ثابت: أن الله يدنو منهم ويباهي بهم، وهذا الدنو دنو يليق بجلاله وعظمته، وهو فوق العرش سبحانه، ولا نعلم كيفية هذا الدنو.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روي أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان -إن صح الحديث- فإن هذا مما تكلم فيه أهل العلم ].

الصحيح أنه لم ينزل، وهذا الحديث ضعيف غير صحيح، وفيه: (أن الله ينزل في ليلة النصف من شعبان فيغفر لعدد شعر غنم كذا)، لكنه حديث ضعيف.

وليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي لا تخص بطول صلاة ولا يومها بصيام، فبعض الناس يتعبد ويصلي ليلة النصف من شعبان، ويرى بعضهم أنها ليلة القدر، وهذا باطل، فليلة القدر في رمضان، وبضعهم يصوم في يوم الخامس عشر من شعبان فقط، وهذا لا يشرع، لكن يصوم هذا اليوم مع بقية الأيام البيض فلا بأس بذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك ما روى بعضهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل من حراء تبدى له ربه على كرسي بين السماء والأرض) ].

وهذا من الأحاديث المكذوبة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ غلط باتفاق أهل العلم، بل الذي في الصحاح: (أن الذي تبدى له الملك الذي جاءه بحراء في أول مرة، وقال له: اقرأ فقلت: لست بقارئ) ].

أي: لم يأت في الأحاديث أن الله تبدى لنبيه، ولكن الحديث الصحيح: (أن الذي رآه في غار حراء هو جبريل، فقد رآه على صورته التي خلقه الله عليها جالساً على كرسي بين السماء والأرض وله ستمائة جناح، وكل جناح يملأ ما بين السماء والأرض، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ) أي: لا أعرف القراءة والكتابة، وهذا ليس تحدياً ولا امتناعاً، (فأخذه وضمه حتى بلغ منه الجهد) أي: حتى يتحمل القيام بأعباء الرسالة، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، وهذا ليس امتناعاً منه، ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يتعلم القراءة والكتابة، فضمه الثالثة حتى بلغ منه الجهد، فعل ذلك ثلاث مرات لكي يتهيأ للقيام بأعباء الرسالة، وهو أيضاً عليه الصلاة والسلام قد رعى الغنم، وكل نبي رعى الغنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟! قال: نعم، وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)، قال العلماء: الحكمة هنا حتى يتمرن وينتقل من سياسة الغنم ورعايتها إلى سياسة الأمم والدول والشعوب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، فهذا أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ].

أول ما نزل عليه من الوحي: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، والشاهد أن الذي تبدى للنبي صلى الله عليه وسلم ورآه في غار حراء هو الملك وليس الله؛ لأن الله لا يستطيع أحد أن يراه في الدنيا لا النبي ولا غيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: (فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض) ].

وهذا بعد ما فتر الوحي، فقد أوحي إليه عليه الصلاة والسلام ثم فتر الوحي ثلاث سنين، ثم رجع إليه مرة أخرى، فرأى الملك فقال: (هذا الذي رأيته في غار حراء) أي: في أول البعثة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ رواه جابر رضي الله عنه في الصحيحين، فأخبر أن الملك الذي جاءه بحراء رآه بين السماء والأرض ].

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ الأربعين حبب إليه الخلاء والانفراد عن الناس، وكان يأخذ من الطعام والشراب ما يكفيه، ثم يخرج من بيته ويذهب إلى غار حراء، وهو غار في الجبل، فيتعبد اليومين والثلاثة، فإذا انتهى الزاد رجع إلى زوجته خديجة وأخذ الطعام وعاد إلى الغار يتعبد، فجاءه جبريل في هذا المكان بالوحي والرسالة، ثم فتر الوحي ثلاث سنوات ثم رجع إليه مرة أخرى فرأى جبريل فقال: (هذا الذي رأيته في غار حراء).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وذكر أنه رعب منه، فوقعفي بعض الروايات: الملك ].

أي: أخبر أنه الملك الذي جاءه بحراء، وأنه ما بين السماء والأرض، وقال: إنه رعب منه، أي: خاف منه؛ لأنه رأى جبريل في صورته التي خلق عليها وله ستمائة جناح، فخاف من صورته العظيمة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فوقع في بعض الروايات: الملك، فظن القارئ أنه الملك، وأنه الله، وهذا غلط وباطل ].

أي: جاء في بعض الروايات أنه قال: الملك، فظن الراوي أنه الملك، أي: بالكسر، وهو الله تعالى، وهذا غلط وتحريف وهو من الأوهام في الشريعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبالجملة: فكل حديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض، وفيه: أنه نزل له إلى الأرض، وفيه: أن رياض الجنة من خطوات الحق، وفيه أنه وطئ على صخرة بيت المقدس، كل هذا كذب باطل باتفاق علماء المسلمين من أهل الحديث وغيرهم ].

هذه قاعدة ذكرها بها المؤلف هنا فقال: كل حديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه في الأرض فهو باطل مكذوب، فلا يمكن لأحد أن يرى الله في الأرض.

أو فيه: (أن الله نزل له إلى الأرض) فهو كذب، أو فيه: (أن رياض الجنة من خطوات الحق) فهو كذب، أو فيه: (أنه وطئ على صخرة ببيت المقدس)، فكل هذا كذب وغلط.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة؛ لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحداً من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت، وثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الدجال قال: (واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت) ].

أي: أن كل من ادعى أنه رأى ربه بعينه قبل الموت فهو كاذب ودعواه باطلة؛ لأن العلماء اتفقوا على أنه لا يراه أحد من المؤمنين بعيني رأسه حتى يموت، وثبت في حديث مسلم : (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر يحذر أمته فتنة الدجال، وبين لهم أن أحداً منهم لن يرى ربه حتى يموت].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلا يظنن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه ].

يقول المؤلف: إنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر تحذيره لأمته من فتنة الدجال ، وبين فيها أنه لا يرى الله أحد في الدنيا حتى يموت، فلا يغتر بعض الناس إذا جاءه الدجال في آخر الزمان، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان، وهو أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، فيدعي الصلاح أولاً، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، فينبغي للإنسان ألا يغتر بـالدجال ويتبعه كالكفار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومشاهدتها وتجلياتها هو على مراتب كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ].

يقول المؤلف: إن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب على مراتب، من ذلك الإحسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

وهذا من اليقين والمعرفة بالله، فإذا كان الإنسان قوي الإيمان فإنه يعبد ربه كأنه يراه، فإن لم يره فإنه يعلم أن الله يراه، فهذا يقع لأهل الحقائق بالمعرفة بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة بالحقائق ].

يعني: أن الإنسان قد يرى ربه في المنام، والرؤيا في المنام غير الرؤيا في اليقظة، ففي اليقظة لا يمكن لأحد أن يرى الله، فالصواب: أنه لا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا أبداً، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلق، والصواب أنه في ليلة المعراج لم يره بعين رأسه.

وأما رؤيا المنام فيمكن أن يرى الإنسان فيها ربه، وهذا باتفاق الطوائف، ولا ينكر هذا إلا الجهمية، وذلك من شدة إنكارهم لرؤية الله.

يقول المؤلف رحمه الله: إن جميع الطوائف أثبتوا أن الله يُرى في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم، لكن يبقى إشكال وهو: هل يلزم من رؤية الإنسان ربه في المنام أن يكون على تلك الصورة التي رآها؟

يقول المؤلف: لا يمكن؛ لأن الإنسان يرى ربه على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه ويقينه رأى ربه في صورة حسنة، وإذا كان إيمانه ضعيفاً رأى ربه رؤية تشبه إيمانه؛ لأن رؤيا المنام لها حكم آخر يختلف عن حكم رؤيا اليقظة، ولها تعبير وتأويل.

إذاً: فالإنسان قد يرى ربه في النوم على قدر إيمانه ويقينه، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس إيماناً وأصلحهم يقيناً قال: (رأيت ربي في أحسن صورة) .

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضاً من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام، فيرى بقلبه مثلما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا ].

يقول المؤلف: إنه قد يقع لبعض الناس في اليقظة نظير ما يحصل للنائم، فيرى بقلبه مثلما يراه النائم، ويتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فيقال: إن المراد هنا بالقلب اليقين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ، ويعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام ].

يعني: أنه قد يغلب على بعض الناس ما يشهده بقلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعين رأسه من قوة الشهود وتجمع الحواس، حتى يستيقظ فيعلم أنه منام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فهكذا من العباد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه، فيظنها رؤية بعينه وهو غالط في ذلك، وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين: إنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان ].

يقول المؤلف: من الناس من تحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تثنيه عن الشعور بحواسه، يعني: أنه تحصل له مشاهدة في القلب ويقين حتى يُثنى عن الشعور بحواسه وينسى ما هو عليه، فيظنها رؤية بعينه وهي رؤية بقلبه؛ وذلك من شدة الشعور وجمع الحواس حينما يعلم ربه بقلبه، فقد تغلب عليه قوة وشهود الحواس فيظن أنه رأى ربه بعين رأسه، ويكون غالطاً في هذا.

ثم قال المؤلف: كل من قال من العلماء المتقدمين والمتأخرين: إنه رأى ربه بعين رأسه فهو غالط؛ لأنه لا يمكن رؤية الله في الدنيا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نعم، رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة، وهي أيضاً للناس في عرصات القيامة، كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحواً ليس دونه سحاب) ].

يعني: أن رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة، وهذا بالاتفاق، فالمؤمنون يرون ربهم في الجنة بأبصارهم وهي من النعيم، بل هي أعظم نعيم أعطاه الله لأهل الجنة، حتى إنهم ينسون ما هم فيه من نعيم الجنة، وكذلك أيضاً يراه المؤمنون في عرصات القيامة.

وعرصات القيامة هي: ساحات ومواقف، ومشاهد القيامة متعددة.

رؤية الله في عرصات يوم القيامة

اختلف العلماء هل الكفار يرون الله عز وجل في موقف القيامة أو لا يرونه؟ على ثلاثة أقوال:

قيل: لا يراه إلا المؤمنون فقط؛ استدلالاً بقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وقيل: يراه أهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار، وقيل: لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون فقط؛ لأن المنافقين كانوا معهم في الدنيا، ولأحاديث وردت بأنهم يكونون معهم حتى يروا الله ثم يسجدون لله، فيأتي المنافق فيسجد فيكون ظهره طبقاً ولا يستطيع السجود، وذلك قول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال صلى الله عليه وسلم: (جنات الفردوس أربع: جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) ].

هذا حديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري ، وفيه: وأن الفردوس أربع جنان: جنتان من ذهب وجنتان من فضة، ثم قال: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) يعني: أنه سبحانه في يوم القيامة يكشف الحجاب فيرونه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة) ].

هذا حديث صريح بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وأن الله يكشف الحجاب فينظرون إليه، وأن رؤيتهم له سبحانه وتعالى أعظم نعيم يعطونه في الجنة، وهي الزيادة التي في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله، فالمؤمنون لهم الجنة ولهم الزيادة وهي النظر إلى وجه الله الكريم.

اختلف العلماء هل الكفار يرون الله عز وجل في موقف القيامة أو لا يرونه؟ على ثلاثة أقوال:

قيل: لا يراه إلا المؤمنون فقط؛ استدلالاً بقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وقيل: يراه أهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار، وقيل: لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون فقط؛ لأن المنافقين كانوا معهم في الدنيا، ولأحاديث وردت بأنهم يكونون معهم حتى يروا الله ثم يسجدون لله، فيأتي المنافق فيسجد فيكون ظهره طبقاً ولا يستطيع السجود، وذلك قول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال صلى الله عليه وسلم: (جنات الفردوس أربع: جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) ].

هذا حديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري ، وفيه: وأن الفردوس أربع جنان: جنتان من ذهب وجنتان من فضة، ثم قال: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) يعني: أنه سبحانه في يوم القيامة يكشف الحجاب فيرونه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة) ].

هذا حديث صريح بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وأن الله يكشف الحجاب فينظرون إليه، وأن رؤيتهم له سبحانه وتعالى أعظم نعيم يعطونه في الجنة، وهي الزيادة التي في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله، فالمؤمنون لهم الجنة ولهم الزيادة وهي النظر إلى وجه الله الكريم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح، وقد تلقاها السلف والأئمة بالقبول، واتفق عليها أهل السنة والجماعة، وإنما يكذب بها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم، الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك، وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة ].

يعني: أن هذه الأحاديث التي فيها أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة أحاديث متواترة تلقاها السلف والأئمة بالقبول، واتفق عليها أهل السنة والجماعة، حتى قال بعض الأئمة: من أنكر رؤية الله في الآخرة كفر، روي هذا عن جماعة من الأئمة.

يقول المؤلف: إن هذا متفق عليه بين أهل السنة، وإنما يكذب بها ويحرفها أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والرافضة الذين يكذبون بصفات الله وبرؤيته، وهم المعطلة، وهم شرار الخلق والخليقة.