جلسة مع مربّي


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون, وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

هذا الدرس الثالث والسبعون من سلسلة الدروس العلمية العامة, وهو بعنوان "جلسة مع مربيْ" ينعقد في هذه الليلة ليلة (16/4/ 1413هـ).

المساهمة في إنشاء جيل

إنّ مما يحتاج إلى بيان: أن كل الجيل أو جله على أقل تقدير, يتربى على مقاعد الدراسة، وفي كثير من البلاد يصبح التعليم مجانياً أو إجبارياً، إما بقوة النظام، وإما بقوة الظرف الاجتماعي الذي يجعل الأب حريصاً على إلحاق أولاده وبناته بالمدارس، فالذين يقومون على تربية الجيل إذاً هم المدرسون وهم مربو الأمة.

ومن بين هؤلاء الطلاب الذين تلقي إليهم درسك أيها المربي النبيل, من بينهم أولئك الذين سيتحملون عبء المستقبل, فمنهم العلماء الموهوبون، ومنهم الفقهاء والمفتون، ومنهم المجاهدون الشجعان، ومنهم أرباب الصناعة، ومنهم الإداريون, ومنهم ومنهم.., فإياك أن تحتقر عملك, أو تظن أنك تجهد نفسك في غير طائل, فربما كنت مساهماً، بل يقيناً أنت مساهم في صناعة الأمة وتنوير مستقبلها بإذن ربك عز وجل.

بناء الشخصيات والعقول

إذا كان هناك من يساهم في بناء جزء من الجيل, فيبني الأجساد -مثلاً- سواء بالرياضة أم بالغذاء أم بالعلاج, والوقاية من الأمراض، أو كان هناك من يساهم في تحقيق الانضباط بالعسكرية وغيرها، أو كان هناك من يساهم في بناء الاقتصاد بالمال، فأنت شيء فوق ذلك كله يا أيها المعلم.

أنت تبني شخصية, وتنمي عقلاً, وتهدي -بإذن الله تعالى- قلباً وتصوغه ليكون صالحاً في كل ميدان، فإن كان جندياً كان ناجحاً وشجاعاً, يجعل همه الدفاع عن الدين وعن الحرمات والمقدسات, ويمضي وروحه على راحته, لا يهاب الموت، وإن كان اقتصادياً كان مخلصاً أميناً لا يستعبده المال ولا يستذله, وإن كان إدارياً كان عادلاً حكيماً يعرف كيف يضع النظام، وكيف ينفذه، وإن كان عالماً شرعياً كان ذلك التقي النقي الذي لا يقول على الله تعالى بغير علم، و{إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة } كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.

القيام بميراث النبوة

ومع هذا وذاك, فأنت وريث النبي صلى الله عليه وسلم في علمه وعمله, إن كنت من المخلصين الصادقين، فأما أنك وريثه في علمه فنعم, أنت قد عقلت علماً ووعيته، وأول ذلك علم الشريعة، وعلم الاعتقاد, وعلم الحلال والحرام، الذي به النجاة في الدار الآخرة وبه الفلاح والسعادة في الدنيا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو الدرداء, وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر} وهذا حديث عظيم جليل, شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة مفيدة مطبوعة، ولهذا جاء في صحيح البخاري : [[أن ابن عباس رضي الله عنه سُئل: هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: لا, ما ترك إلا ما بين الدفتين ]] يعني: المصحف, ما ترك إلا العلم الشرعي, فإنه لم يورث ديناراً ولا درهماً, بل ما ورَّثهُ من المال وتركه صلى الله عليه وسلم فهو صدقة, وإنما ميراثه العلم الشرعي الذي أنت وأمثالك تشتغلون به وتتعاطونه تعلماً وتفقهاً ونشراً وغير ذلك, فهذا ميراثك من علم النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ميراثك من عملك فأنت تربي الناس بهذا العلم، وتدرسهم هذا الهدي, كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يفعلون، قال الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].

إذاً: فتدريس الكتاب وتعليمه ونشره, وتربية الناس عليه, هذه كانت مهمة الأنبياء, ومن قام بها فهو وريثهم, سواء كان اسمه مدرساً أم معلماً أم أستاذاً أم خطيباً أم داعية أم أي شيء آخر.

فأنت إذاً -إن صدقت- ورِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم بحصولك على علم, ووريث له بقيامك بمهمة التدريس والتعليم, فحري بك أن تكون وريثاً له -أيضاً- في خلقك وعملك وهديك, فإن العلماء ما برزوا بمعلوماتهم فحسب, بل برزوا بعلمهم وعملهم, فهذا الحسن البصري, قال فيه بعض السلف: "ما غلبهم الحسن البصري بمزيد علم, فعلمه علمهم -يعني ما كان عنده فهو عندهم- وإنما غلبهم بالزهد في الدنيا" إنه ليس ثمة عمل آخر يعدل التدريس في أهميته وجدواه.

وإن مما يبهج النفس ويسر القلب, أن يكون عدد كبير من العاملين في هذا الحقل هم من الصالحين والغيورين على دينهم, والغيورين على مستقبل أمتهم وبلادهم, فإذا انضم إلى هؤلاء جهد وحماس كبير من هؤلاء, لضمنَّا بإذن الله تعالى مستقبل الأجيال, وتأكدنا من استمرارية الدعوة الإسلامية في نمائها وتوسعها وترسخ جذورها, وإنه لكائن إن شاء الله تعالى, وإن غداً لناظره قريب.

إنّ مما يحتاج إلى بيان: أن كل الجيل أو جله على أقل تقدير, يتربى على مقاعد الدراسة، وفي كثير من البلاد يصبح التعليم مجانياً أو إجبارياً، إما بقوة النظام، وإما بقوة الظرف الاجتماعي الذي يجعل الأب حريصاً على إلحاق أولاده وبناته بالمدارس، فالذين يقومون على تربية الجيل إذاً هم المدرسون وهم مربو الأمة.

ومن بين هؤلاء الطلاب الذين تلقي إليهم درسك أيها المربي النبيل, من بينهم أولئك الذين سيتحملون عبء المستقبل, فمنهم العلماء الموهوبون، ومنهم الفقهاء والمفتون، ومنهم المجاهدون الشجعان، ومنهم أرباب الصناعة، ومنهم الإداريون, ومنهم ومنهم.., فإياك أن تحتقر عملك, أو تظن أنك تجهد نفسك في غير طائل, فربما كنت مساهماً، بل يقيناً أنت مساهم في صناعة الأمة وتنوير مستقبلها بإذن ربك عز وجل.

إذا كان هناك من يساهم في بناء جزء من الجيل, فيبني الأجساد -مثلاً- سواء بالرياضة أم بالغذاء أم بالعلاج, والوقاية من الأمراض، أو كان هناك من يساهم في تحقيق الانضباط بالعسكرية وغيرها، أو كان هناك من يساهم في بناء الاقتصاد بالمال، فأنت شيء فوق ذلك كله يا أيها المعلم.

أنت تبني شخصية, وتنمي عقلاً, وتهدي -بإذن الله تعالى- قلباً وتصوغه ليكون صالحاً في كل ميدان، فإن كان جندياً كان ناجحاً وشجاعاً, يجعل همه الدفاع عن الدين وعن الحرمات والمقدسات, ويمضي وروحه على راحته, لا يهاب الموت، وإن كان اقتصادياً كان مخلصاً أميناً لا يستعبده المال ولا يستذله, وإن كان إدارياً كان عادلاً حكيماً يعرف كيف يضع النظام، وكيف ينفذه، وإن كان عالماً شرعياً كان ذلك التقي النقي الذي لا يقول على الله تعالى بغير علم، و{إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة } كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومع هذا وذاك, فأنت وريث النبي صلى الله عليه وسلم في علمه وعمله, إن كنت من المخلصين الصادقين، فأما أنك وريثه في علمه فنعم, أنت قد عقلت علماً ووعيته، وأول ذلك علم الشريعة، وعلم الاعتقاد, وعلم الحلال والحرام، الذي به النجاة في الدار الآخرة وبه الفلاح والسعادة في الدنيا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو الدرداء, وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر} وهذا حديث عظيم جليل, شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة مفيدة مطبوعة، ولهذا جاء في صحيح البخاري : [[أن ابن عباس رضي الله عنه سُئل: هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: لا, ما ترك إلا ما بين الدفتين ]] يعني: المصحف, ما ترك إلا العلم الشرعي, فإنه لم يورث ديناراً ولا درهماً, بل ما ورَّثهُ من المال وتركه صلى الله عليه وسلم فهو صدقة, وإنما ميراثه العلم الشرعي الذي أنت وأمثالك تشتغلون به وتتعاطونه تعلماً وتفقهاً ونشراً وغير ذلك, فهذا ميراثك من علم النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ميراثك من عملك فأنت تربي الناس بهذا العلم، وتدرسهم هذا الهدي, كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يفعلون، قال الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].

إذاً: فتدريس الكتاب وتعليمه ونشره, وتربية الناس عليه, هذه كانت مهمة الأنبياء, ومن قام بها فهو وريثهم, سواء كان اسمه مدرساً أم معلماً أم أستاذاً أم خطيباً أم داعية أم أي شيء آخر.

فأنت إذاً -إن صدقت- ورِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم بحصولك على علم, ووريث له بقيامك بمهمة التدريس والتعليم, فحري بك أن تكون وريثاً له -أيضاً- في خلقك وعملك وهديك, فإن العلماء ما برزوا بمعلوماتهم فحسب, بل برزوا بعلمهم وعملهم, فهذا الحسن البصري, قال فيه بعض السلف: "ما غلبهم الحسن البصري بمزيد علم, فعلمه علمهم -يعني ما كان عنده فهو عندهم- وإنما غلبهم بالزهد في الدنيا" إنه ليس ثمة عمل آخر يعدل التدريس في أهميته وجدواه.

وإن مما يبهج النفس ويسر القلب, أن يكون عدد كبير من العاملين في هذا الحقل هم من الصالحين والغيورين على دينهم, والغيورين على مستقبل أمتهم وبلادهم, فإذا انضم إلى هؤلاء جهد وحماس كبير من هؤلاء, لضمنَّا بإذن الله تعالى مستقبل الأجيال, وتأكدنا من استمرارية الدعوة الإسلامية في نمائها وتوسعها وترسخ جذورها, وإنه لكائن إن شاء الله تعالى, وإن غداً لناظره قريب.

إن دورك أيها المدرس.. لا يقف عند حشو ذهن الطالب بالمعلومات الكثيرة, إن هذه المعلومات وحدها لا تصنع رجالاً ولا تبني أجيالاً، بل لا تنفع في دنيا ولا آخره؛ ما لم تكن معززة بالعمل الصالح الذي هو ثمرتها وغايتها.

العلم وحده لا يكفي

إن إعداد الجيل إعداداً تربوياً صحيحاً لا يكون بالعلم وحده فقط، بل يكون بالعلم وبالعمل وبالأخلاق وبالسلوك, لهذا ينبغي أن تكون مهمة المدرس أمراً آخر أكبر من مجرد نقل المقرر إلى أذهان الطلاب, أو ختم المنهج الدراسي في نهاية العام, أو تصحيح أوراق الإجابة لينام بعد ذلك قرير العين, ويظن أنه قد أدى ما عليه, كلا! إن كل مدرسٍ مطالبٌ بأن يبني الدين والخلق في قلب الطالب, ويرسم الحق في عقله, ويُكَوِّن -بإذن الله تعالى- ذلك الإنسان السوي المستقيم في تفكيره ومشاعره, وفي أقواله وأعماله. وذلك ليس على مدرس المواد الشرعية فقط, وإن كان مدرس المواد الشرعية يتحمل عبأً كبيراً؛ لأنه في نظر الطالب هو الشيخ الذي يتلقى عنه المعلومات: قال الله وقال الرسول, والحلال والحرام, ولكن حتى مدرس الرياضيات ينبغي أن يختار المثال المؤثر في ذهن الطالب.

فليس صحيحاً أن يختار المدرس -مثلاً- للمسائل الحسابية أن يختار الربح البسيط, والربح المركب الذي هو لون من ألوان الربا, وليس صحيحاً أن تكون الأمثلة تتراوح بين أعداد أجهزة الهدم والفساد والتخريب, أو بين أرقام الفوائد الربوية, أو بين إحصائيات غريبة, والتي لا تمت بصلة إلى ديننا ولا إلى مجتمعنا.

كذلك مدرس العلوم -مثلاً- فإنه يستطيع أن يبني مع كل معلومة جديدة يقدمها للطلاب لبنة في إيمانهم: إيمانهم بالله تعالى خالق الكون ومحبتهم لله عز وجل, وخوفهم منه, وإيمانهم بالدار الآخرة، وإيمانهم بالجنة والنار, فإن المدرس يستطيع أن يصنع من ذلك شيئاً كثيراً.

كذلك مدرس اللغة العربية يستطيع أن يربط اللغة بالشريعة, فاللغة هي وعاء الإسلام, وبها نـزل القرآن الكريم, وبها تكلم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم, بل هو أفصح من نطق بالضاد, فينبغي أن تكون اللغة عنده وسيلة لتعميق مفاهيم الإيمان, وليست وسيلة إلى ترويج المبادئ العلمانية, أو الأفكار الحداثية, أو الدعاية للشخصيات ورموز الأدب الغربي والشرقي المناوئ للإسلام.

كذلك مدرس اللغة الإنجليزية يستطيع من خلال تلك اللغة, أن يعلمهم المصطلحات التي يحتاجون إليها والمقابل لها من المصطلحات الشرعية، وأن يبين لهم لماذا يدرسون هذه اللغة؟

وأن يسعى لتصحيح المفاسد الموجود في تلك المناهج, وإلى تربية عقول الطلاب, لا أن يجعل من تدريسه لهذه المادة -مثلاً- فرصة لنقل التعاسات الغربية, أو ربط الطلاب بمجتمعات أجنبية, أو دعوتهم لمشاهدة الأفلام, أو السفر إلى تلك البلاد, أو معايشة الأسر الكافرة بحجة تعلم اللغة.

حتى مدرس الرسم -مثلاً- يستطيع أن يربي الطالب على النظر في ملكوت السموات والأرض, وعلى أن يتجنب ما حرم الله تعالى من رسم ذوات الأرواح, وعلى أن يكون إنساناً معظماً لله تعالى متأملاً في بديع صنعه وخلقه.

وحتى مدرس الرياضة يستطيع أن يجعل من هذه الحصة التي ينظر إليها الكثير على أنها لمجرد الراحة بعد عناء الدروس, أن يجعل منها فرصة لتربية الطلاب على الأخلاق, وإبعاد الكلمات البذيئة الفاحشة من ألسنتهم, ومنعهم من التصرفات المنافية للأخلاق, وأقول مثل ذلك لجميع المدرسين.

المدرس والمنهج

إن المدرس أكبر أهمية عندنا من المنهج, فأي قيمة عندنا لمنهج ممتاز إذا كان المدرس الذي يتناوله ويقدمه للطلاب, ليس على مستوى, وليس مخلصاً ولا غيوراً, بل يقدمه بغير اهتمام وبغير جدية, وبكثير من الرخاوة, بل ربما صور لهم المنهج بغير صورته التي هو فيها, فنحن لا نقلل من قيمة المنهج وأهميته, فلا شك أن له درواً كبيراً في ربط العملية التعليمية, وفي تنشئة الأجيال.

ولكن ينبغي أن نعلم أن المنهج لا يحقق الأهداف من ورائه، إلا إذا وجد المدرس الناجح الذي يسعى إلى تنفيذه, ولو أننا أمام منهج أقل كفاءة وأقل نجاحاً وتولاه مدرسون أكفاء لاستطاعوا -بإذن الله تعالى- بإخلاصهم, واجتهادهم, ومبادراتهم الشخصية أن يتغلبوا على عيوب المنهج وعلى نقائصه.

حوار بين مدرس وطالب

وهذا حوار بين مدرس وطالب, ولقد رأينا في حياتنا العملية أعداداً من المدرسين كانوا وما زالوا يعيشون مع هؤلاء الصبية الصغار في المدارس, ويصبرون عليهم, ويتحملون عناءهم, ويلطفون بهم, ويرقونهم في مدارج الكمال بإذن الله, حتى تخرجت على أيديهم عشرات الأجيال, وليس غريباً أن تجد اليوم مدرساً قضى في ميادين التدريس ما يزيد على ثلاثين أو أربعين سنة, في المرحلة الابتدائية, فأي جهد عظيم هذا؟! إن هذا المدرس يقول بلسان حاله أو مقاله:

حنانيك إني قد بليت بصبيةٍ       أروح وأغدو كل يوم عليهم

صغار نربيهم بملء عقولهم           ونبنيهم لكننا نتهدم

فمن كان يرثي قلبه لمعذب      فأجدر شخص بالرثاء المعلم

على كتفيه يبلغ المجد غيره          فما هو إلا للتسلق سلم

نعم، إنك تجد الكثير يتمدحون في أحاديثهم بأن فلاناً العالم أو الوزير أو المشير, قد تخرج من بين أيديهم, بينما هم لا يزالون قيد عملهم السابق, وهذا عمل كبير, وجهد عظيم, إذا قارنه الإخلاص لله تعالى باحتساب, فليبشر هؤلاء -بإذن الله- بأجر المرابط في سبيل الله.

أما الطالب، وأعني ذلك الطالب الذي أنقل لكم حواره, فلقد شطح به القول فتصور حادثة فردية ندت من مدرس لا يقام له وزن, أو ظاهرة محدودة ربما واجهها في جو معين خاص, فعمم هذه الحادثة ووسعها ونظر إلى المدرسين كلهم من خلالها, فقال في حديث شعري يخاطب أباه, وبعث إليّ الأخ الكريم يوسف بن عبد الله يقول:

أبتاه هل من لحظة لشكايتي     من ساقط متهور متمردِ

هذا معلمنا الذي لا يرعوي     عن غيه بلسانه أو باليدِ

أبتاه كيف نطيعه؟ ويقودنا     نحو الأماني وعينه في الأمردِ!!

بل كيف يُرْشِدُ غيره ويدله          وأنا أراه بحاجة للمرشدِ

يعصي الإله مجاهراً ومعانداً          كيف الهدى من مذنبٍ لا يهتدِي؟!

النشء يأمل قدوةً ومربياً      أتراه يا أبتِي بهذا يهتدي؟!

قل للذي جمع الصغير مع الكبير     هلاَّ بحثت عن التقي الأجودِ

هلا درست بتؤدة وروية      ضرر الخبيث على النقي الأحمدِ

إني لأعجب كيف يصمت خيرة     المسئولين عن أمر ذاك المفسدِ

ويزيد من عجبي إذا ما جاءه     تقديرهم لجهوده في محشدِ!

قد كان يأتي والغرور يقوده     متثنياً في سيره كمقيدِ

وأغضُّ من طرفي إذا قابلته     خوفاً أرى بالعين سوء المشهدِ

ويكاد يخنقني الدخان إذا أتى     فإذا مضى فمسرتي وتنهديِ

زملاؤه.. أبتاه في أخلاقهم      ملكوا القلوب فَمُلِّكُوا ما في اليدِ

أبتاه.. لستُ بدارسٍ ومعلمي     يأبى الصلاة جماعة في المسجدِ

أبتاه.. لست بدارس ومعلمي     ينهى عن الثوب الطويل ويرتدي

أبتاه.. لست بآمنٍ من قُربه     هل يُؤمَنُ الذئب الطليقُ على الجدي؟

عفواً أبي إن شئت يوماً أهتدي     لا تُلقني كهشيمةٍ في موقدِ!

إنني لست أنفي قط أن يوجد في قطاع التعليم مثل هذا الضعيف النفس, الذي حقه فعلاً أن يؤدب ويربى حتى يصلح نفسه وأهل بيته, قبل أن يؤتمن على فلذات الأكباد, ولكنني أعتقد أنها حالات قليلة, لا يجوز أن نقدمها عنواناً ونموذجاً للمدرسين الذين هم في الأعم -إن شاء الله تعالى- من الأخيار المخلصين, نحسبهم كذلك والله تعالى حسيبهم, ولا نـزكي على الله أحداً.

وطالما أصدر بعضنا الأحكام المجملة التعميمية المبنية على أدلةٍ ناقصة, فنحن قد تعودنا إذا سمعنا شخصاً يقول: كلاماً أن نقول: الناس يقولون: كذا وكذا.., وتعودنا إذا رأينا شخصاً يفعل عملاً مشيناً, أن نقول: الناس يفعلون كذا وكذا.., فحولنا ما فعله فلان بعينه إلى أنه فعل الناس, وأن ما قاله ذاك الشخص الشاذ أو المنفرد, حولناه إلى أنه من قول الناس كلهم, دون أن نصدر أحكامنا الإجمالية عن دراسة وإحصاء ورويَّة, وهذا لا شك من الخطأ والظلم البين.

ثم إن هذا يذكرنا بقضية قائمة موجودة, ألا وهي أن الكثير من الطلاب يستحلون أعراض المدرسين, فما يكاد يجتمع ثلاثة أو حتى اثنان من الطلاب, إلا ووجدوا فرصتهم في الحديث عن المدرس الفلاني, في شكله وملبسه, وعن المدرس الآخر في كلمته التي يرددها, وعن الثالث عن حركات يديه, وعن رابع في طريقة جلوسه, وعن خامس عن طريقة مشيه، وهكذا يحلقون عيونهم بالمدرس أثناء الدرس ويراقبونه بدقة, ويكون فاكهة حديثهم في المجالس, بالكلام عنه بهذا الوصف أو ذاك.

ومثله -أيضاً- حديث بعض المدرسين عن أعراض الطلاب, سواء أكان ذلك في الفسح الدراسية أم في غيرها, فقد أصبح معروفاً ومألوفاً أن يتكلم عن ذاك الطالب, وما فيه من سوء الخلق, وعن آخر, وما فيه من تقصير, وعن ثالث وعن رابع.., حتى في أشياء قد لا يكون ثمة ما يدعو إليها, ولا ما يوجبها, ولا يحتاج إليها في تقويم الطلاب, ولا معرفة أسلوب التعامل معهم, ولا في غير ذلك.

أما إذا كان هدفه النصيحة والتعرف على الطلاب بكيفية معاملاتهم, فهذا أمر لا بأس به, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرف الغيبة بقوله: {ذكرك أخاك بما يكره} وقد نهى الله عنها في القرآن, فقال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] فلا شك أن المؤمنين إخوة, كما ذكر الله تعالى سواء كانوا كباراً أم صغاراً, مدرسين أم طلاباً, رجالاً أم نساءً، فلا يحل لمسلم أن يقع في عرض أخيه المسلم بغير حق, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم}.

إن إعداد الجيل إعداداً تربوياً صحيحاً لا يكون بالعلم وحده فقط، بل يكون بالعلم وبالعمل وبالأخلاق وبالسلوك, لهذا ينبغي أن تكون مهمة المدرس أمراً آخر أكبر من مجرد نقل المقرر إلى أذهان الطلاب, أو ختم المنهج الدراسي في نهاية العام, أو تصحيح أوراق الإجابة لينام بعد ذلك قرير العين, ويظن أنه قد أدى ما عليه, كلا! إن كل مدرسٍ مطالبٌ بأن يبني الدين والخلق في قلب الطالب, ويرسم الحق في عقله, ويُكَوِّن -بإذن الله تعالى- ذلك الإنسان السوي المستقيم في تفكيره ومشاعره, وفي أقواله وأعماله. وذلك ليس على مدرس المواد الشرعية فقط, وإن كان مدرس المواد الشرعية يتحمل عبأً كبيراً؛ لأنه في نظر الطالب هو الشيخ الذي يتلقى عنه المعلومات: قال الله وقال الرسول, والحلال والحرام, ولكن حتى مدرس الرياضيات ينبغي أن يختار المثال المؤثر في ذهن الطالب.

فليس صحيحاً أن يختار المدرس -مثلاً- للمسائل الحسابية أن يختار الربح البسيط, والربح المركب الذي هو لون من ألوان الربا, وليس صحيحاً أن تكون الأمثلة تتراوح بين أعداد أجهزة الهدم والفساد والتخريب, أو بين أرقام الفوائد الربوية, أو بين إحصائيات غريبة, والتي لا تمت بصلة إلى ديننا ولا إلى مجتمعنا.

كذلك مدرس العلوم -مثلاً- فإنه يستطيع أن يبني مع كل معلومة جديدة يقدمها للطلاب لبنة في إيمانهم: إيمانهم بالله تعالى خالق الكون ومحبتهم لله عز وجل, وخوفهم منه, وإيمانهم بالدار الآخرة، وإيمانهم بالجنة والنار, فإن المدرس يستطيع أن يصنع من ذلك شيئاً كثيراً.

كذلك مدرس اللغة العربية يستطيع أن يربط اللغة بالشريعة, فاللغة هي وعاء الإسلام, وبها نـزل القرآن الكريم, وبها تكلم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم, بل هو أفصح من نطق بالضاد, فينبغي أن تكون اللغة عنده وسيلة لتعميق مفاهيم الإيمان, وليست وسيلة إلى ترويج المبادئ العلمانية, أو الأفكار الحداثية, أو الدعاية للشخصيات ورموز الأدب الغربي والشرقي المناوئ للإسلام.

كذلك مدرس اللغة الإنجليزية يستطيع من خلال تلك اللغة, أن يعلمهم المصطلحات التي يحتاجون إليها والمقابل لها من المصطلحات الشرعية، وأن يبين لهم لماذا يدرسون هذه اللغة؟

وأن يسعى لتصحيح المفاسد الموجود في تلك المناهج, وإلى تربية عقول الطلاب, لا أن يجعل من تدريسه لهذه المادة -مثلاً- فرصة لنقل التعاسات الغربية, أو ربط الطلاب بمجتمعات أجنبية, أو دعوتهم لمشاهدة الأفلام, أو السفر إلى تلك البلاد, أو معايشة الأسر الكافرة بحجة تعلم اللغة.

حتى مدرس الرسم -مثلاً- يستطيع أن يربي الطالب على النظر في ملكوت السموات والأرض, وعلى أن يتجنب ما حرم الله تعالى من رسم ذوات الأرواح, وعلى أن يكون إنساناً معظماً لله تعالى متأملاً في بديع صنعه وخلقه.

وحتى مدرس الرياضة يستطيع أن يجعل من هذه الحصة التي ينظر إليها الكثير على أنها لمجرد الراحة بعد عناء الدروس, أن يجعل منها فرصة لتربية الطلاب على الأخلاق, وإبعاد الكلمات البذيئة الفاحشة من ألسنتهم, ومنعهم من التصرفات المنافية للأخلاق, وأقول مثل ذلك لجميع المدرسين.

إن المدرس أكبر أهمية عندنا من المنهج, فأي قيمة عندنا لمنهج ممتاز إذا كان المدرس الذي يتناوله ويقدمه للطلاب, ليس على مستوى, وليس مخلصاً ولا غيوراً, بل يقدمه بغير اهتمام وبغير جدية, وبكثير من الرخاوة, بل ربما صور لهم المنهج بغير صورته التي هو فيها, فنحن لا نقلل من قيمة المنهج وأهميته, فلا شك أن له درواً كبيراً في ربط العملية التعليمية, وفي تنشئة الأجيال.

ولكن ينبغي أن نعلم أن المنهج لا يحقق الأهداف من ورائه، إلا إذا وجد المدرس الناجح الذي يسعى إلى تنفيذه, ولو أننا أمام منهج أقل كفاءة وأقل نجاحاً وتولاه مدرسون أكفاء لاستطاعوا -بإذن الله تعالى- بإخلاصهم, واجتهادهم, ومبادراتهم الشخصية أن يتغلبوا على عيوب المنهج وعلى نقائصه.

وهذا حوار بين مدرس وطالب, ولقد رأينا في حياتنا العملية أعداداً من المدرسين كانوا وما زالوا يعيشون مع هؤلاء الصبية الصغار في المدارس, ويصبرون عليهم, ويتحملون عناءهم, ويلطفون بهم, ويرقونهم في مدارج الكمال بإذن الله, حتى تخرجت على أيديهم عشرات الأجيال, وليس غريباً أن تجد اليوم مدرساً قضى في ميادين التدريس ما يزيد على ثلاثين أو أربعين سنة, في المرحلة الابتدائية, فأي جهد عظيم هذا؟! إن هذا المدرس يقول بلسان حاله أو مقاله:

حنانيك إني قد بليت بصبيةٍ       أروح وأغدو كل يوم عليهم

صغار نربيهم بملء عقولهم           ونبنيهم لكننا نتهدم

فمن كان يرثي قلبه لمعذب      فأجدر شخص بالرثاء المعلم

على كتفيه يبلغ المجد غيره          فما هو إلا للتسلق سلم

نعم، إنك تجد الكثير يتمدحون في أحاديثهم بأن فلاناً العالم أو الوزير أو المشير, قد تخرج من بين أيديهم, بينما هم لا يزالون قيد عملهم السابق, وهذا عمل كبير, وجهد عظيم, إذا قارنه الإخلاص لله تعالى باحتساب, فليبشر هؤلاء -بإذن الله- بأجر المرابط في سبيل الله.

أما الطالب، وأعني ذلك الطالب الذي أنقل لكم حواره, فلقد شطح به القول فتصور حادثة فردية ندت من مدرس لا يقام له وزن, أو ظاهرة محدودة ربما واجهها في جو معين خاص, فعمم هذه الحادثة ووسعها ونظر إلى المدرسين كلهم من خلالها, فقال في حديث شعري يخاطب أباه, وبعث إليّ الأخ الكريم يوسف بن عبد الله يقول:

أبتاه هل من لحظة لشكايتي     من ساقط متهور متمردِ

هذا معلمنا الذي لا يرعوي     عن غيه بلسانه أو باليدِ

أبتاه كيف نطيعه؟ ويقودنا     نحو الأماني وعينه في الأمردِ!!

بل كيف يُرْشِدُ غيره ويدله          وأنا أراه بحاجة للمرشدِ

يعصي الإله مجاهراً ومعانداً          كيف الهدى من مذنبٍ لا يهتدِي؟!

النشء يأمل قدوةً ومربياً      أتراه يا أبتِي بهذا يهتدي؟!

قل للذي جمع الصغير مع الكبير     هلاَّ بحثت عن التقي الأجودِ

هلا درست بتؤدة وروية      ضرر الخبيث على النقي الأحمدِ

إني لأعجب كيف يصمت خيرة     المسئولين عن أمر ذاك المفسدِ

ويزيد من عجبي إذا ما جاءه     تقديرهم لجهوده في محشدِ!

قد كان يأتي والغرور يقوده     متثنياً في سيره كمقيدِ

وأغضُّ من طرفي إذا قابلته     خوفاً أرى بالعين سوء المشهدِ

ويكاد يخنقني الدخان إذا أتى     فإذا مضى فمسرتي وتنهديِ

زملاؤه.. أبتاه في أخلاقهم      ملكوا القلوب فَمُلِّكُوا ما في اليدِ

أبتاه.. لستُ بدارسٍ ومعلمي     يأبى الصلاة جماعة في المسجدِ

أبتاه.. لست بدارس ومعلمي     ينهى عن الثوب الطويل ويرتدي

أبتاه.. لست بآمنٍ من قُربه     هل يُؤمَنُ الذئب الطليقُ على الجدي؟

عفواً أبي إن شئت يوماً أهتدي     لا تُلقني كهشيمةٍ في موقدِ!

إنني لست أنفي قط أن يوجد في قطاع التعليم مثل هذا الضعيف النفس, الذي حقه فعلاً أن يؤدب ويربى حتى يصلح نفسه وأهل بيته, قبل أن يؤتمن على فلذات الأكباد, ولكنني أعتقد أنها حالات قليلة, لا يجوز أن نقدمها عنواناً ونموذجاً للمدرسين الذين هم في الأعم -إن شاء الله تعالى- من الأخيار المخلصين, نحسبهم كذلك والله تعالى حسيبهم, ولا نـزكي على الله أحداً.

وطالما أصدر بعضنا الأحكام المجملة التعميمية المبنية على أدلةٍ ناقصة, فنحن قد تعودنا إذا سمعنا شخصاً يقول: كلاماً أن نقول: الناس يقولون: كذا وكذا.., وتعودنا إذا رأينا شخصاً يفعل عملاً مشيناً, أن نقول: الناس يفعلون كذا وكذا.., فحولنا ما فعله فلان بعينه إلى أنه فعل الناس, وأن ما قاله ذاك الشخص الشاذ أو المنفرد, حولناه إلى أنه من قول الناس كلهم, دون أن نصدر أحكامنا الإجمالية عن دراسة وإحصاء ورويَّة, وهذا لا شك من الخطأ والظلم البين.

ثم إن هذا يذكرنا بقضية قائمة موجودة, ألا وهي أن الكثير من الطلاب يستحلون أعراض المدرسين, فما يكاد يجتمع ثلاثة أو حتى اثنان من الطلاب, إلا ووجدوا فرصتهم في الحديث عن المدرس الفلاني, في شكله وملبسه, وعن المدرس الآخر في كلمته التي يرددها, وعن الثالث عن حركات يديه, وعن رابع في طريقة جلوسه, وعن خامس عن طريقة مشيه، وهكذا يحلقون عيونهم بالمدرس أثناء الدرس ويراقبونه بدقة, ويكون فاكهة حديثهم في المجالس, بالكلام عنه بهذا الوصف أو ذاك.

ومثله -أيضاً- حديث بعض المدرسين عن أعراض الطلاب, سواء أكان ذلك في الفسح الدراسية أم في غيرها, فقد أصبح معروفاً ومألوفاً أن يتكلم عن ذاك الطالب, وما فيه من سوء الخلق, وعن آخر, وما فيه من تقصير, وعن ثالث وعن رابع.., حتى في أشياء قد لا يكون ثمة ما يدعو إليها, ولا ما يوجبها, ولا يحتاج إليها في تقويم الطلاب, ولا معرفة أسلوب التعامل معهم, ولا في غير ذلك.

أما إذا كان هدفه النصيحة والتعرف على الطلاب بكيفية معاملاتهم, فهذا أمر لا بأس به, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرف الغيبة بقوله: {ذكرك أخاك بما يكره} وقد نهى الله عنها في القرآن, فقال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] فلا شك أن المؤمنين إخوة, كما ذكر الله تعالى سواء كانوا كباراً أم صغاراً, مدرسين أم طلاباً, رجالاً أم نساءً، فلا يحل لمسلم أن يقع في عرض أخيه المسلم بغير حق, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم}.

من تعامل؟

عذراً أيها المدرس النبيل, فنحن لا نقلل من بذلك وعطائك, إن الذي يراك عند نهاية اليوم الدراسي, وقد علاك الإجهاد والتعب والإعياء, وأنت تتحامل على نفسك, وتتماسك لمزيد من الدروس والحصص, إنه يشفق عليك غاية الإشفاق, لقد ظلمناك أيها المدرس النبيل يا مربي الجيل, حين أثقلناك بعدد كبير من الحصص, ينوء بحملها أشدَّاء الرجال, ثم قيدناك بدوام تطالب فيه بالحضور دون أن تكلف فيه بعمل معين, مما يعني حضوراً ليس له معنى, وتقييداً دون تكليف بأي عمل آخر, ثم كلفناك بهذا المنهج الذي يبدو بأحوال كثيرة أكبر من عقول الطلاب, ويبدو في أحيانٍ أخرى أوسع وأطول من الوقت المخصص له, فأصبح الهم هو إنهاء المنهج بأي وسيلة وبأي طريقة! ثم قيدناك بالكثير الكثير من الأنظمة التي تلاحقك, والقوانين الإدارية التي سرنا نلتزم بها إلتزاماً حرفياً, ونسينا أن النظام مجرد وسيلة إلى غاية, وليس غاية في ذاته, ولا هدفاً وليس وحياً منـزلاً من السماء, فهل ترى يشغلك ذلك كله عن القيام بعملك الرئيس, الذي هو بناء الطالب المسلم؟!

وهل نسمع عنك أنك تقول: إن المدرسة تتعامل مع قوالب ولا تميز بين مجتهد ولا مهمل، ولا بين حريص أو غيره، فمهمتي تقتصر على التحضير والتوقيع, والحضور والالتزام الظاهري بالأنظمة فقط.

تعامل المدرس مع الله عز وجل

أخي المعلم.. أأنت تتعامل فقط مع الإدارة لتسلم من عقابها؟

أم أنك تتعامل مع الموجه لتسلم من عتابه؟!

أم أنك تتعامل مع الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى؟!

حدثني أحد الموجهين قال: كنت في مدرسة في إحدى المناطق, فدخلت على مدرس التوحيد, فكان يشرح باباً من الشرك: هو إرادة الإنسان بعمله الدنيا, فقام المدرس وجد واجتهد, وكتب في السبورة بالألوان كلها, وسأل الطلاب, وقام على قدميه, ورفع صوته وحرك يديه, ودار في الفصل, وزمجر وقدَّم وأخر, وكان خلال الدرس كله لا يهدأ أبداً, فلما بقي من الدرس دقائق, بدأ يسأل الطلاب أسئلة, فكان من ضمن الأسئلة التي وجهها إليهم: هات مثالاً لإرادة الإنسان بعمله الدنيا؟

فتحرك طالب في آخر الفصل, وربما أنه لم يتحرك قبل ذلك اليوم قط, وصفته ثقيل الجسم, كبير الهيئة, مخيف الصوت, فقام وقال: من إرادة الإنسان بعمله الدنيا أن يكون المدرس مهملاً غير مجتهد, ولا يحضر ولا يكتب على السبورة, ولا يقف على قدميه, فإذا علم بمجيء الموجه قام وكتب , وجدَّ واجتهد, وفعل وبذل ما يستطيع, قال: فنظرت إلى المدرس, فإذا هو في حالة يرثى لها, ولم ينقذه من ذلك إلا رنين الجرس, فخرج وخرجت معه, وكان يعتذر إليّ ويقول: إن الطالب لا يقصدني ولا يريدني.

أخي المعلم.. إنك تتعامل مع الله عز وجل الذي ترجو ما عنده, وترجو أن يكون هدى على يديك إنساناً إلى الخير, وذلك كما ذكر عليه الصلاة والسلام في حديث سهل بن سعد حينما بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خيبر, وقال له: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً, خير لك من حمر النعم}.

أجر المعلم

إنك ترجو أن تكون علَّمت إنساناً كيف يصلي, أو كيف يصوم, أو علمته خلقاً فاضلاً, أو أدباً شرعياً, فلك مثل أجره كلما صلى أو صام أو قام بتنفيذ هذا الخلق, أو ذاك الأدب, وفي حديث جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة} وفي حديث أبي هريرة -أيضاً- أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء} والحديثان في الصحيح.

فهذا هو همك, وهذا جزاؤك, وهذا راتبك, إن المبلغ اليسير الذي تأخذه ليس هو مقابل عملك وجهدك, فجهدك وعملك أكبر من ذلك بكثير, وإنما هو لمجرد تفرغك لهذا العمل, فأما عملك فجزاؤه مع الإخلاص عند الله تعالى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر, إن الذي تتعاطاه هو من العلم النافع الذي لا يتوقف على حياتك, بل يبقى بعد مماتك.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له} فهذا من العلم الذي ينتفع به, أن تكون وَرَّثْتَ تلاميذ علمتهم الصلاة, وصلوا وعلموها الناس, وعلمتهم الخلق الفاضل, فكانوا دعاة إلى الله تعالى في الملأ وفي كل مكان.

أخي المعلم.. أأنت تتعامل فقط مع الإدارة لتسلم من عقابها؟

أم أنك تتعامل مع الموجه لتسلم من عتابه؟!

أم أنك تتعامل مع الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى؟!

حدثني أحد الموجهين قال: كنت في مدرسة في إحدى المناطق, فدخلت على مدرس التوحيد, فكان يشرح باباً من الشرك: هو إرادة الإنسان بعمله الدنيا, فقام المدرس وجد واجتهد, وكتب في السبورة بالألوان كلها, وسأل الطلاب, وقام على قدميه, ورفع صوته وحرك يديه, ودار في الفصل, وزمجر وقدَّم وأخر, وكان خلال الدرس كله لا يهدأ أبداً, فلما بقي من الدرس دقائق, بدأ يسأل الطلاب أسئلة, فكان من ضمن الأسئلة التي وجهها إليهم: هات مثالاً لإرادة الإنسان بعمله الدنيا؟

فتحرك طالب في آخر الفصل, وربما أنه لم يتحرك قبل ذلك اليوم قط, وصفته ثقيل الجسم, كبير الهيئة, مخيف الصوت, فقام وقال: من إرادة الإنسان بعمله الدنيا أن يكون المدرس مهملاً غير مجتهد, ولا يحضر ولا يكتب على السبورة, ولا يقف على قدميه, فإذا علم بمجيء الموجه قام وكتب , وجدَّ واجتهد, وفعل وبذل ما يستطيع, قال: فنظرت إلى المدرس, فإذا هو في حالة يرثى لها, ولم ينقذه من ذلك إلا رنين الجرس, فخرج وخرجت معه, وكان يعتذر إليّ ويقول: إن الطالب لا يقصدني ولا يريدني.

أخي المعلم.. إنك تتعامل مع الله عز وجل الذي ترجو ما عنده, وترجو أن يكون هدى على يديك إنساناً إلى الخير, وذلك كما ذكر عليه الصلاة والسلام في حديث سهل بن سعد حينما بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خيبر, وقال له: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً, خير لك من حمر النعم}.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع