من لباب الكتب


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أجمعين

أرجع بعد طول غيبة عن تلك الدروس التي كنت أتحدث فيها عن بعض عيوب ومثالب الطلاب حتى يتقيها مجتهد ناصح لنفسه، وإن شئت فقل الحديث عن الآداب والأخلاق والشيم التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم والداعية إلى الله تعالى، ولعلي في هذه الليلة أنهي الحديث عنها لأنتقل -إن شاء الله تعالى- اعتباراً من الأسبوع القادم إلى لونٍ آخر من المعارف لا يخلو -إن شاء الله- من الفائدة والطرافة، وهي اختيارات من المصنفات، أقصد بعض الفوائد والفرائد التي تكون مبثوثة في بطون الكتب وقد لا يصل إليها الطالب أو لا يعلم بوجودها، فكنت خلال قراءتي لبعض كتب أهل العلم وهي قراءاتٍ قليلة أسجل بعض ما يمر بي من الفوائد التي أرى أنها مهمة، أسجلها على ظهر أول ورقة في الكتاب، أو على ورقة مستقلة، فاجتمع لي من ذلك فوائد متناثرة عديدة من كتب شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما، فخطر في بالي أن أشرك إخواني في هذه الدروس المتواضعة، في هذه الفوائد مع التعليق عليها بالإيضاح أو ما يتطلبه المقام.

فإن شاء الله تعالى اعتباراً من الأسبوع القادم أبدأ معكم في هذه الفوائد، ومن الطبيعي أنها لم تكن مرتبة، وهذه قد تكون ميزة من ناحية إذ أنها ليست موضوعات متسلسلة؛ قد يكون فيها إملال أو إثقال، بل هي موضوعات متفرقة متباعدة من موضوع في السيرة والتاريخ، إلى موضوع في الأصول، إلى موضوعٍ في الفقه، إلى موضوعٍ في الحديث، إلى موضوعٍ في الإسناد، إلى موضوعٍ في المتن، إلى فوائد أخرى متفرقة.

أما في هذه الليلة فقد أحببت أن يكون مسك الختام لآداب طالب العلم هو الإشارة إلى خصيصة مهمة وهي ما يتعلق بحسن معاشرة الناس وملاطفتهم، فإننا نعلم علماً يقيناً لا شك فيه أن من أهم المهمات التي بعث بها الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام -من أولهم إلى آخرهم- تحسين أخلاق الناس.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} هذاحديث ثابت، فحسن الخلق من الدين، وبه يبلغ العبد درجة الصائم القائم، ويعطي الله بحسن الخلق ما لا يعطي على غيره، كما ثبت ذلك في أحاديث عديدة عن أبي هريرة وغيره, ولو تأملنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنها التطبيق العملي لهذا الهدي العظيم، فكان صلى الله عليه وسلم حسن الخلق والمعاشرة متواضعاً مع الخاص والعام، والقريب والبعيد، ومع أهله، وفي السوق، والبيت والمسجد، وغيره.

حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

قال جابر بن سمرة في الحديث الذي رواه مسلم: {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً أولى، ثم خرجت معه، فلقيه ولدان فجعل يمسح خد كل واحد منهم قال: أما أنا فمسح خديَّ فوجدت ليديه برداً وريحاً حتى كأنما أخرجهما من جبة عطارٍ} وماذا تكون رائحة العطر عند رائحة يدي محمد صلى الله عليه وسلم؟!

إنها لا شيء.

وروى عبد الله بن الحارث بن جزءٍ كما في جامع الترمذي بسندٍ صحيح قال: {ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من الرسول صلى الله عليه وسلم} وسُئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري كيف يصنع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: {كان يكون في مَهنة أهله -بفتح الميم يعني في حاجتهم وصناعتهم- فإذا أذن المؤذن توضأ وخرج إلى الصلاة}.

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: {كان لي أخٌ يقال له أبو عمير صبي صغير مفطوم -وهو فطيم في بعض الروايات- فكان له طيرٌ يسمى النغير -مصغراً- فكان يلعب به -ولا شك أنه لا يلعب به لعباً يؤذيه- قال رضي الله عنه: فمات هذا النغير فحزن عليه الصبي حزناً شديداً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقلنا: مات يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الصبي: يا أبا عمير ما فعل النغير} يعني يلاطفه بذلك.

ولو أردتم أن أسوق أحاديث في هذا الباب لطال المقام ويكفيك أن ترجع إلى كتاب من كتب الشمائل، فإن شئت فاقرأ كتاب شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم للترمذي وإن شئت فاقرأ مختصر كتاب الشمائل الذي حققه الشيخ الألباني وحكم على أحاديثه، لترى كيف كانت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، وتبسطه، وبعده عن التكلف، وكثرة تبسمه في وجه أصحابه، وممازحته لهم بما يطيب خواطرهم، ويوسع قلوبهم دون أن يكون في ذلك كذب، أو إثقال على أحد، أو خدش لشعور أحد.

وهذا الأسلوب النبوي والتطبيق العملي هو الخلق والمنهج الذي يجدر بكل مسلم -وأَخُصُّ طلاب العلم- أن يرتووا من هذا النبع الصافي، ويحرصوا على أن تكون حياتهم مع الناس تطبيقاً عملياً لهذا.

طالب العلم أحق الناس باتباع النبي صلى الله عليه وسلم

إنه ليس يجدر بطالب العالم أن يكون في قلبه شيءٌ من الكبرياء والأنانية التي تجعله قد يتعاظم نفسه، ويغتر بما يعامله بعض الناس به، كأن يحتفوا به في السلام، ويهشوا ويبشوا، وقد يقبلون رأسه، ويخدمونه، وربما يكون ممن يقدمون له نعليه إذا أراد أن يلبسهما، إلى غير ذلك من الأشياء التي قد تستخف عقول بعض الضعفاء.

فالإنسان عليه أن لا يغفل عن معرفة حقيقة نفسه، فالناس ليسوا أدرى بك من نفسك، فعليك أولاً ألا تحرص على مثل هذه الأشياء، ولذلك تجد الإنسان تلقائياً -أحياناً- إذا وجد مثل هذه الأشياء صار عنده نوع من الازورار عن الناس، والإطراق، وربما يأتيه الشيطان من جهة إظهار مثل هذه الأشياء حتى يزداد إعجاب الناس به وتقديرهم له.

قال جابر بن سمرة في الحديث الذي رواه مسلم: {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً أولى، ثم خرجت معه، فلقيه ولدان فجعل يمسح خد كل واحد منهم قال: أما أنا فمسح خديَّ فوجدت ليديه برداً وريحاً حتى كأنما أخرجهما من جبة عطارٍ} وماذا تكون رائحة العطر عند رائحة يدي محمد صلى الله عليه وسلم؟!

إنها لا شيء.

وروى عبد الله بن الحارث بن جزءٍ كما في جامع الترمذي بسندٍ صحيح قال: {ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من الرسول صلى الله عليه وسلم} وسُئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري كيف يصنع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: {كان يكون في مَهنة أهله -بفتح الميم يعني في حاجتهم وصناعتهم- فإذا أذن المؤذن توضأ وخرج إلى الصلاة}.

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: {كان لي أخٌ يقال له أبو عمير صبي صغير مفطوم -وهو فطيم في بعض الروايات- فكان له طيرٌ يسمى النغير -مصغراً- فكان يلعب به -ولا شك أنه لا يلعب به لعباً يؤذيه- قال رضي الله عنه: فمات هذا النغير فحزن عليه الصبي حزناً شديداً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقلنا: مات يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الصبي: يا أبا عمير ما فعل النغير} يعني يلاطفه بذلك.

ولو أردتم أن أسوق أحاديث في هذا الباب لطال المقام ويكفيك أن ترجع إلى كتاب من كتب الشمائل، فإن شئت فاقرأ كتاب شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم للترمذي وإن شئت فاقرأ مختصر كتاب الشمائل الذي حققه الشيخ الألباني وحكم على أحاديثه، لترى كيف كانت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، وتبسطه، وبعده عن التكلف، وكثرة تبسمه في وجه أصحابه، وممازحته لهم بما يطيب خواطرهم، ويوسع قلوبهم دون أن يكون في ذلك كذب، أو إثقال على أحد، أو خدش لشعور أحد.

وهذا الأسلوب النبوي والتطبيق العملي هو الخلق والمنهج الذي يجدر بكل مسلم -وأَخُصُّ طلاب العلم- أن يرتووا من هذا النبع الصافي، ويحرصوا على أن تكون حياتهم مع الناس تطبيقاً عملياً لهذا.

إنه ليس يجدر بطالب العالم أن يكون في قلبه شيءٌ من الكبرياء والأنانية التي تجعله قد يتعاظم نفسه، ويغتر بما يعامله بعض الناس به، كأن يحتفوا به في السلام، ويهشوا ويبشوا، وقد يقبلون رأسه، ويخدمونه، وربما يكون ممن يقدمون له نعليه إذا أراد أن يلبسهما، إلى غير ذلك من الأشياء التي قد تستخف عقول بعض الضعفاء.

فالإنسان عليه أن لا يغفل عن معرفة حقيقة نفسه، فالناس ليسوا أدرى بك من نفسك، فعليك أولاً ألا تحرص على مثل هذه الأشياء، ولذلك تجد الإنسان تلقائياً -أحياناً- إذا وجد مثل هذه الأشياء صار عنده نوع من الازورار عن الناس، والإطراق، وربما يأتيه الشيطان من جهة إظهار مثل هذه الأشياء حتى يزداد إعجاب الناس به وتقديرهم له.

ثم إنه يعتاد على مثل هذه الأمور حتى إنه قد يجد في نفسه على من لا يفعلها معه فيجد في نفسه على من لا يقبل رأسه -مثلاً- أو من لم يخدمه، أو من لم يقدمه في المجلس، وهذه -يا إخوة- من أمراض القلوب التي قد تهلك الإنسان وهو لا يشعر، والإنسان فيها لا مطلع عليه، ولا رقيب عليه إلا الله عز وجل.

ولذلك فإن أخطر ميدان من ميادين المجاهدة: هو المجاهدة في القلب؛ لأن الإنسان في الأمور الظاهرة غالباً يحصل عنده إما أن يجاهد نفسه فينجح، أو على الأقل يتصنع ويتكلف هذه الأشياء كما ذكر الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس، لكن الأشياء القلبية لا يطلع عليها إلا الله عز وجل.

افترض مثلاً إنساناً يصور نفسه جدلاً أنه في يوم القيامة، وهو في وسط الناس تكشف أسرار قلبه يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9] ويبين للناس حقيقة هذا الإنسان وما قصده بهذا الفعل، وما نيته فيما أراد، وما هو شعوره في الموقف الفلاني، وما الذي أغضبه وأرضاه؛ حينئذٍ يشعر الإنسان فعلاً بمدى ما وقع فيه من خطأ، أو تقصير، أو غفلة عن مجاهدة النفس على إصلاح الأعمال القلبية التي هي أساس الأعمال، والتي أعمال الجوارح ما هي إلا ثمرة لها ونتيجة عنها.

فينتبه الإنسان لهذه المشاعر، هل فعلاً يستوي عندك إن كنت طالب علم أن يقبل الناس رأسك، أو لا يقبل، أو عندك أولاد لا يفعلوا، أما أنك تريد ذلك؟

وحتى لو فرض أنك ترفع رأسك وتتأبى عليهم وقد تفعل ذلك بنية صالحة، وقد يكون لإظهار التواضع والرغبة عن هذه المظاهر، والشيطان حريص ومسلط على بني آدم، فليكن الإنسان رقيباً على نفسه، ولا يُدخِل في معرفته لنفسه غيره، لا تغتر بثناء الناس أو كلامهم أو بمدحهم أو بمعاملتهم لك، بل انظر إلى حقيقة ما أنت فيه.

التكلف في لبس اللباس الخاص بأهل العلم

مما يؤكد أن هذا قد يكون عند بعض الطلبة أنك تجد الطالب أحياناً وهو صغير السن يبدأ يتقمص هيئات وشخصيات الشيوخ فيخض في ثياب غير ثيابه، ويسابق في ميدانٍ ليس له، فتجده وهو شاب -أحياناً- ما خط شاربه يلبس البشت -مثلاً- وما هو لبس البشت! هل هو سنة؟!

لا أعلم أن لبس البشت سنة، ولا ورد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء؛ لكنه شعار صار يلبس في المناسبات، أو تلبسه طائفة من الناس، فلماذا يكون الإنسان حريصاً عليه، وقد يضطر إنسان إلى لبسه وإن كان لا يرى ذلك، حتى أذكر أنني تكلمت يوماً في أحد المساجد في محاضرة، ولم أكن لابساً لهذه العباءة فلحقني بعض الإخوان، وقالوا: إن كثيراً من الناس وخاصةً العامة عقولهم ضعيفة والمظاهر عندهم مهمة، ولبس العباءة لمثل هذه المناسبة أفضل لتحقيق المصلحة.

فكون الإنسان يلبسها لهذه المناسبة ولو لم يكن من أهلها له مسوغ على الأقل، وكونه من العلماء أو المشايخ أو طلاب العلم الكبار -أيضاً- لا بأس في ذلك، لكن كون الإنسان أول ما يبدأ في طلب العلم يلبس العباءة، لا أعلم أن له وجهاً إلا التشبه بالعلماء، وتقمص هذه الشخصيات، وأن يجري الإنسان في ثيابٍ غير ثيابه، ويسابق في ميدان ليس له.

التكلف في تقليد هيئة كبار الناس

ثم تجد الإنسان يتكلف نوعاً من الوقار تحس أنه ثقيل على النفس، لا يلتفت إلا بكل صعوبة، وإذا سلم أو خاطب أحداً يخاطبه وهو لا ينظر إليه بل يعرض عنه، وما أشبه ذلك من الأشياء التي قد يفعلها كبار الناس اعتياداً ولكثرة من يخاطبهم ويأخذ معهم ويعطيهم، وكثرة مجالستهم للعلماء، وكثرة قراءتهم للكتب، إلى غير ذلك من الأسباب.

لكن يأخذها البعض الآخر تقليداً في غير محله، فيكون حظ الإنسان من التعلم هو بعض المظاهر والشكليات -كاللباس مثلاً- أو طريقة المخاطبة وطريقة الذهاب والإياب؛ حتى طريقة المشي والدخول والخروج وما أشبه ذلك، ويرى الإنسان أن من مكملات شخصيته كطالب علمٍ ألا يمازح الناس، ولا يباسطهم، ولا يضاحكهم، ولا يبتسم في وجوههم، حتى تنظر لوجهه كأنه من وجوه الموتى، الابتسامة أحياناً قد تغتصب اغتصاباً.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أتباعه

وهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، {ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم} وهو عليه الصلاة والسلام يقول: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} ألا تعتقد أن إدخالك السرور على قلب أخيك المسلم بالتبسم في وجهه ومباسطته وملاطفته أنه أمرٌ تؤجر عليه.

أحياناً إذا قابلت إنساناً يكبرك، أو من أقرانك، أو في مثل سنِّك وحالك فهشَّ وبشَّ في وجهك، وابتسم لك، وبين الاهتمام بحالك، سبحان الله! كأن قلبك فتح ووضع فيه حُبُّ هذا الإنسان والعكس بالعكس، لو أتيت إلى إنسان تطلب منه حاجة مهما غلت وعزت فأعطاك هذه الحاجة؛ لكنه أعطاك بشيءٍ من الجفاء والغلظة، ولم يحيك التحية المطلوبة، فإن هذا الذي أعطاك لا يساوي عندك شيئاً، فحسن الخلق، والمعاشرة، والملاطفة للناس، والمباسطة معهم هي من أغلى ما يمكن أن تعطيه.

ولا شك أن هذا باب من أبواب الخير والقدوة في الرسول صلى الله عليه وسلم، وخاصة طالب العلم والداعية الذي يريد أن يدعو الناس إلى الخير؛ لا بد أن يأتيهم من هذا الطريق، ولذلك قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] آية عجيبة قوله: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] وهم الصحابة رضي الله عنهم عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بينهم وبين الله الذي يبلغهم شريعة الله.

أقول: واسطة بهذا المعنى أي أن الوحي يتنـزل عليه فيقرؤ عليهم -أما في أمور العبادات فلا واسطة بين الله وبين خلقه- وأنهم ما عرفوا الدين إلا من طريقه، وأن الإيمان به صلى الله عليه وسلم واجب، وحبه كذلك، وعرفوا ما في الجنة من النعيم وما في النار من العذاب والجحيم، ومع هذا كله قال الله عز وجل: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] وتركوك مع علمهم بما عندك من الحق والدين والشرع الموصل إلى الجنة المنجي من النار، فما بالك بمن ليسوا كذلك.

قد تكون أمام مسلم لا يرى أن عندك ما ليس عنده، ولا يرى أن ما أنت عليه حق وما هو عليه خطأ -مثلاً- حتى ولو كان في معصية أو في منكر، فإذا لم تتسلل إلى قلبه بالطريقة المناسبة، وتتلطف له حتى تستطيع أن تؤثر فيه وتكسبه، ثم تقنعه بما تريد؛ فلا سبيل لك إليه حينئذٍ، خاصة ونحن نعلم اليوم أنه ليس هناك إلا هذا الطريق في الدعوة إلى الله عز وجل، وما في يد الإنسان لا قوة ولا سلطة يُكره الناس على هذه الأمور، إنما الطريقة المناسبة المجربة في إقناع الناس ودعوتهم وتعليمهم وأمرهم ونهيهم في أن تأتيهم بالحسنى.

وقد دخل أحد العلماء على أحد الخلفاء فقسى عليه بالقول واشتد له فقال له هذا الخليفة: أرفق، أنت لست بأفضل من موسى وأنا لست أشر من فرعون وقد قال الله عز وجل لموسى وهارون حينما أرسلهما إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] الإنسان وما اعتاد، وإنما الحلم بالتحلم، والخير عادة والشر لجاج.

فالإنسان يستطيع أن يُعود نفسه على حسن الخلق، واللطافة، والابتسامة في وجوه الناس، والحلم عليهم حتى يصبح ذلك ديدناً له.

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، اللهم وفقنا لحب الخير، اللهم وفقنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.