رسالة إلى الأب


الحلقة مفرغة

الحمد الله الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، تفرد بالوحدانية, وجعل من صفات خَلْقِه الزوجية، فقال عز وجل: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].

اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء, وأنت الآخر فليس بعدك شيء, وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء, اقض عنا الدين وأغننا من الفقر.

لقد امتن الله تعالى على عباده بنعم عظيمة وآلاء جسيمة, وكان من أعظم هذه النعم نعمة الأولاد, فقال عز وجل: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ [المدثر:11-15] فوجود هؤلاء البنين والأولاد بحضرة أبيهم, يغدون معه ويروحون, زينة في المجالس, وبهجة في الحياة الدنيا, وعون على لأواء الحياة, هو من أعظم نعم الله تبارك وتعالى، قال عز وجل: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72].

فوجود الأولاد وجعلهم وخلقهم هو من نعمه تعالى التي يمتن بها على عباده, ولو أن الإنسان منا تصور نفسه يواجه الحياة وحيداً فريداً بلا ولد ولا عون ولا مساعدة, لشَعَر بأن الحياة مظلمة جداً, ويعرف ذلك ويدركه حق المعرفة أولئك الذين امتحنهم الله تعالى بالعقم, فلا يولد لهم, فيدخل الواحد منهم بيته، وهو يشعر كأنه يدخل قبراً، ليس فيه صياح الأطفال ولا صراخهم ولا تضاغيهم, بل ولا تخريبهم الذي يتمناه ويتصوره ويتخيله، ولكن هيهات..!

فالله عز وجل خلق الناس واختار لهم، قال تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50].

أيها الإخوة.. هذه النعم العظيمة ما زال الإنسان يفرح بها ويُسَر منذ الأزل, بل ما زال الإنسان يجد في هؤلاء: الروائحَ الزكيةَ, والأنفاسَ الطيبةَ, والفرحةَ التي يفرح بالدنيا من أجلها.. يقول أحدهم:

لولا بنيات كزغب القطا      رُدِّدن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع      في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا      أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم     لامتنعت عيني عن الغمض

فهؤلاء الأولاد هم كالأكباد التي تمشي على الأرض, ولو أنك تصورت -أيضا- أنك رزقت ولداً مشوهاً أو ناقصاً أو مريضاً أو معتوهاً, لأدركت حق نعمة الله تبارك وتعالى عليك بسلامة الأولاد وعافيتهم, وعرفت أن هذه النعمة تستحق منك شكراً كثيراً متواصلاً.

البنات نعمة

كان ثمة رجل لا يولد له إلا البنات, وكثيرًا ما كان الناس يتضايقون من هذا, ويتبرمون منه، وينسون أن البركة ربما تأتي مع البنت, والعون الرباني ربما يصاحبها, وأن الله تعالى قد يرزقك بسببها, قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {أبغوني ضعفاءكم! هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟!} والمرأة والبنت من الضعفاء, فالمؤمن الحق يفرح بميلادها, ويهلل ويكبر, ولو لم يكن من ذلك إلا مخالفة عادات الجاهلية الأولى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ [النحل:58-59] فلو لم يكن من الفرح بالبنت إلا مخالفة عادات الجاهلية الأولى وإعلان الرضا بما كتبه الله تعالى وقَدّره وقضاه, لكان ذلك خيراً.

ويكفيك أن تعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل بنته فاطمة رضي الله عنها, وكيف فرح بها، وكيف فرح ببناته الأخر, وكيف كان عليه الصلاة والسلام يظهر لهن من الود والحب والعطف ما لا يخطر على بال.

قصة طريفة

كان ثمة رجل لا يولد له إلا البنات، فضاق بذلك ذرعاً، وهدد زوجته إن أنجبت هذه المرة أنثى أنه سيطلقها أو يتزوج غيرها

ما لـأبي حمزة لا يأتينا      يقيم في البيت الذي يلينا

غضبان ألا نلد البنينا     تالله ما ذلك في أيدينا

وما منحناه فقد أعطينا

وذهبت زوجته إلى المستشفى وهي في كرب شديد, ولاحظ الأطباء على وجهها علامات الإعياء والإرهاق, وعلى قسماتها آثار حزن عميق طويل, فسألوها: ما الخطب؟

فتمنعت, ثم ألحوا عليها فأخبرتهم, فقال أحد الأطباء: أنا له، وانتظر الزوج طويلاً حتى قدم, فقال له: أبشر! فقد رزقت بولد, فتهلل وجه الزوج وفرح وأشرق, ثم قال: ولكنه مصاب بعَتَهٍ وتخلف عقلي بسبب نقص في الدماغ, ومصاب بالتشوه الجسماني, ففي يديه كذا, وفي وجهه كذا, وفي بطنه كذا, وفي ظهره كذا, وفي عينه كذا, وفي أذنه كذا, ثم طفق يصبّره ويرضّيه بقضاء الله تعالى وقدره, فانهلّت من عين الأب دمعتان، وقال: ما هذا إلا بسبب عدم رضائي بقضاء الله تعالى وقدره, حينما سخطت البنات, والله لو لم يكن نسلي إلا بنات فلن يرى الله تعالى مني بإذنه إلا الرضا والفرح والسرور! فقال له الطبيب: إذاً هوّن عليك, فإنما رزقك الله تعالى ببنت كاملة سوية، ليس فيها ما ينقص أو يعاب, فاستغفر الله تعالى وعرف عظيم نعمة الله تعالى عليه, حين يرزقه ولداً سوياً سليماً معافىً من الآفات والأمراض والنقائص العقلية أو الجسمية.

وإنما تعرف النعمة بفقدها.

والضد يظهر حسنه الضد      وبضدها تتميز الأشياء

كان ثمة رجل لا يولد له إلا البنات, وكثيرًا ما كان الناس يتضايقون من هذا, ويتبرمون منه، وينسون أن البركة ربما تأتي مع البنت, والعون الرباني ربما يصاحبها, وأن الله تعالى قد يرزقك بسببها, قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {أبغوني ضعفاءكم! هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟!} والمرأة والبنت من الضعفاء, فالمؤمن الحق يفرح بميلادها, ويهلل ويكبر, ولو لم يكن من ذلك إلا مخالفة عادات الجاهلية الأولى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ [النحل:58-59] فلو لم يكن من الفرح بالبنت إلا مخالفة عادات الجاهلية الأولى وإعلان الرضا بما كتبه الله تعالى وقَدّره وقضاه, لكان ذلك خيراً.

ويكفيك أن تعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل بنته فاطمة رضي الله عنها, وكيف فرح بها، وكيف فرح ببناته الأخر, وكيف كان عليه الصلاة والسلام يظهر لهن من الود والحب والعطف ما لا يخطر على بال.

كان ثمة رجل لا يولد له إلا البنات، فضاق بذلك ذرعاً، وهدد زوجته إن أنجبت هذه المرة أنثى أنه سيطلقها أو يتزوج غيرها

ما لـأبي حمزة لا يأتينا      يقيم في البيت الذي يلينا

غضبان ألا نلد البنينا     تالله ما ذلك في أيدينا

وما منحناه فقد أعطينا

وذهبت زوجته إلى المستشفى وهي في كرب شديد, ولاحظ الأطباء على وجهها علامات الإعياء والإرهاق, وعلى قسماتها آثار حزن عميق طويل, فسألوها: ما الخطب؟

فتمنعت, ثم ألحوا عليها فأخبرتهم, فقال أحد الأطباء: أنا له، وانتظر الزوج طويلاً حتى قدم, فقال له: أبشر! فقد رزقت بولد, فتهلل وجه الزوج وفرح وأشرق, ثم قال: ولكنه مصاب بعَتَهٍ وتخلف عقلي بسبب نقص في الدماغ, ومصاب بالتشوه الجسماني, ففي يديه كذا, وفي وجهه كذا, وفي بطنه كذا, وفي ظهره كذا, وفي عينه كذا, وفي أذنه كذا, ثم طفق يصبّره ويرضّيه بقضاء الله تعالى وقدره, فانهلّت من عين الأب دمعتان، وقال: ما هذا إلا بسبب عدم رضائي بقضاء الله تعالى وقدره, حينما سخطت البنات, والله لو لم يكن نسلي إلا بنات فلن يرى الله تعالى مني بإذنه إلا الرضا والفرح والسرور! فقال له الطبيب: إذاً هوّن عليك, فإنما رزقك الله تعالى ببنت كاملة سوية، ليس فيها ما ينقص أو يعاب, فاستغفر الله تعالى وعرف عظيم نعمة الله تعالى عليه, حين يرزقه ولداً سوياً سليماً معافىً من الآفات والأمراض والنقائص العقلية أو الجسمية.

وإنما تعرف النعمة بفقدها.

والضد يظهر حسنه الضد      وبضدها تتميز الأشياء

فيا أخي الأب! حتى ولو كنت أباً لطفل واحد، بل حتى لو كنت أبا لحملٍ يتحرك في أحشاء زوجتك, هل تدري أية نعمة أنت فيها؟!

وهل تدري أي شكر أنت مطالب به؟!

إياك أن تكون ممن يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها! إن واجبك هو الشكر، والشكر ليس كلمة تقال باللسان, بل هو عمل، قال الباري جل وعلا: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً [سبأ:13] إذاً الشكر عمل، والشكر تطبيق، والشكر امتثال، والشكر تنفيذ أوامر المنعم فيما أنعم به عليك, فشكر المال -مثلاً- أن تكسبه من حله، وتنفقه في حله، وتؤدي حق الله تعالى فيه، وشكر الولد هو كذلك بأشياء عملية.

ضرورة القيام بحقوق الأولاد كاملة

فمن شكر الولد القيام بحقه في شريعة الله تعالى, والكثيرون منا يعلمون أن من حق الولد أن تطعمه إذا طعمت, وتكسوه إذا اكتسوت, وتسقيه وتؤويه من أذى الحر والقر، وهذا صحيح, ولكن أولاً: حتى هذا الطعام الذي تقدمه له, وهذا اللباس الذي تمنحه له, وهذا البيت الذي تؤويه فيه, يجب أن تتذكر أنك مسئول بين يدي الله عز وجل يوم القيامة: من أين أطعمته؟

ومن أين ألبسته؟

وفيم أسكنته؟

وإنه لغبن شديد, وخسار عليك أي خسار: أن تتعب في جمع المال في هذه الدنيا, ثم تضعه في فم ولدك, أو تضعه ثوباً على جسده, أو تبني به بيتاً يؤويه, ثم يكون ذلك عاراً عليك في الدنيا، وناراً عليك في دار القرار, لأنك كسبت هذا المال من حرام, فكسبت المال من الربا, ومن المساهمة في البنوك الربوية -مثلاً- أو المساهمة في الشركات الربوية, أو الشركات التي تودع أموالها في البنوك بفوائد، وتعطي هذه الفوائد للمساهمين, أو من بيع حرام, أو من بيعٍ صَاحَبَه حَلِفٌ بغير الله أو كَذِبٌ أو غِشٌّ أو خديعةٌ, أو أخذت أرض غيرك بغير حق, أو ما أشبه ذلك من المكاسب المحرمة التي يعلم صاحبها قبل غيره أنها حرام.

فإن من حكمة الله تعالى أنه جعل في قلب الإنسان فرقاناً يبين له الحرام في هذا الأمر, فالبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك، فهذا المال الذي شككت في أمره, وقلت: ربما كان حراماً، أو شعرت بأنك كسبته من غير حله, ينبغي أن تقيه ولدك كما تقيه نفسك, وأن تتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به}.

وقد كان لـأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه في الجاهلية غلام, فأعتقه وكاتبه على أن يأتيه كل وقت بقسط من أقساط الكتابة, فكلما جاءه بقسط قال له أبو بكر رضي الله عنه: من أين كسبته؟

فيقول: اليوم بعت كذا, أو اشتريت كذا, أو عملت كذا, فيأخذ أبو بكر رضي الله عنه هذا المال ويأكله, ولكنه مرة من المرات أتى له بشيء فأخذه وأكله, فلما أكله قال هذا العبد لـأبي بكر: لم تسألني اليوم كما كنت تسألني من قبل! قال: الآن أسألك من أين لك هذا؟ قال: إني كنت في الجاهلية في مجلس، فأتاني قوم من العرب, وسألوني عن شيء مما لا يعلمه البشر, فتكهنت لهم وادعيت أني أعلم, وأنا لا أعلم ولا أحسن الكهانة, ولكنها أصابت عن طريق الصدفة، فرأيتهم اليوم، فأعطوني جعلي على ذلك العمل, فهذا هو الذي أكلته، فجعل أبو بكر رضي الله عنه أصبعه في حلقه يخرج الطعام من جوفه فلما شق عليه ذلك, وقال له في ذلك بعض من حوله، قال: {والله لو لم تخرج آخر لقمة منه إلا مع آخر نفس مني ما تركته في جوفي قط! وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به}.

إنه لغبن أي غبن، وفشل عظيم، وحرمان كبير, وخذلان ليس بعده خذلان, أن تتعب أنت وتسهر ليلك وتبذل جهدك وعقلك وتفكيرك وأعضاءك، وتستخدم كل إمكانياتك وصلاتك ومعرفتك من أجل الحصول على هذا المال, ولكنه مال حرام, فتطعمه زوجتك وأولادك، فيكون لهم طيبه, وعليك أنت إثمه وجرمه, هذا فضلاً عن أن أجسادهم تلك التي نبتت من حرام لا يبارك فيها, فلا أظنك تجد برهم, ولا تفرح ببركتهم, ولا تجد شيئاً من نفعهم في هذه الدنيا، وأنت قد أطعمتهم من ذلك المال الحرام.

إذاً: فأول الحقوق هو ما يمكن أن نعبر عنه بالحقوق المادية من مطعم وملبس ومشرب ومسكن وغير ذلك, ولكن ينبغي أن تعلم أن هذه الحقوق لا يمكن أن تأتي بها إلا من طريق حلال يرضي الله عز وجل, هذا إذا كنت ممن يرجو النجاة في الدار الآخرة, ويرجو عاجل بر أولاده ونفعهم في هذه الحياة الدنيا.

التربية الدينية

أما الحق الآخر فهو حق التربية الدينية والقيام عليهم في أمر دينهم, وهذا القيام الذي يجهله الكثيرون منا, فيهملون أمر الأولاد ولا يتابع الأب أبناءه, بل هو مشغول عنهم, فهو إما مشغول بصفق التجارة, أو مشغول بالوظيفة, أو بالمزرعة, أو بزوجة أخرى, أو مشغول بأي أمر آخر, ثم إذا كبر الولد، وصار في سن الخامسة عشرة، رأى الأب من ولده إعراضاً وإهمالاً، وسوءاً في الألفاظ والعبارات, وقسوةً على والده، وعدم انصياع لأوامره, بدأ الأب يتأفف ويقلب رأسه يمنةً ويسرةً، ويقول الله المستعان على أبناء هذا الزمان!

نعيب زماننا والعيب فينا      وما لزماننا عيب سوانا

وقد نهجو الزمان بغير جرم      ولو نطق الزمان بنا هجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب     ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

فهل وجدت مزارعاً يترك مزرعته دون سقي أو متابعة, ثم ينتظر أن تثمر؟!

كلا! فقد تموت وهو لا يدري بها, إن أولادك هم بذرة، ولكنها أعظم من بذرة الدنيا, وأعظم من الزرع, وأعظم من المال, وأعظم من كل أمور الحياة الدنيا.

اختيار الزوجة الصالحة

لا بد أن تتعاهد أولادك منذ البداية, فتتعاهدهم أولاً باختيار الزوجة؛ فإن الأم هي المحضن الذي يتربى فيه الأطفال.

وكثير من الشباب المقبلين على الزواج قد يسأل عن جمال الفتاة, وقد يسأل عن نسبها, وقد يسأل عن دراستها أو وظيفتها, وقد يدقق، فيسأل عن طول الشعر, وطول الجسم واعتدال القوام وتفاصيل الوجه وكل شيء.. ولا نلومه، لكننا نقول له: لماذا لم تضع خانة للسؤال أيضاً عن أخلاقها وعن دينها وعن طيب معدنها ومعشرها..؟

حتى تطمئن إلى أن أولادك سوف يتربون بإذن الله تعالى في تربة صالحة وبيئة صالحة.

إننا نعلم أن الكثيرين ماتوا والطفل الأول في بطن أمه, وأنت تعلم ذلك أيضاً، فهب أنك كنت ذلك الإنسان!

إن الطفل يحتاج إلى أمه كثيراً خاصة في السنين الأولى من تربيته, ربما إلى تسع أو عشر سنوات وهو يحتاج إلى تربية أمه ورعايتها, فإذا كانت الأم فاسدة أو منحرفة, أو كانت جاهلة لا تعرف, أو كانت قاسية سيئة الخلق لا تعرف إلا السب والشتم والدعاء والإغلاظ ورفع الصوت على الأطفال, فكيف تظن أن يتربى أولادك في مثل هذا الجو العاصف غير المستقر؟!

فلا بد أن تبدأ تربية الطفل باختيار الزوجة، ولا نلومك في حسن الاختيار في الأمور الجسمية, ولكننا نطالبك -أيضاً- أن تبحث عن ذات الدين والخلق.. تَرِبَت يداك!

تجنب منكرات الأعراس

ومن بداية التربية اختيار الأسلوب المناسب للزواج, فهذا الذي عقد على زوجته، ثم دخل عليها في وسط ملأ حاشد من الناس على المنصة -كما يقولون- والرجال والنساء يرونهم!

بل حدثني ثقات رأوا بأعينهم في بلادنا هذه أن الشاب يدخل على زوجته بحضرة أقاربها وأقاربه، ثم يصافحها بيده, ثم يقبلها على خدها الأيمن وأخرى على خدها الأيسر! أين الحياء؟!

وأين المروءة؟!

هي زوجتك أحلها الله تعالى لك، وهي حليلتك: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] لكن.. أمام الناس هكذا؟!

إنه مجرد التقليد الأعمى لعادات غربية, ما أنـزل الله بها من سلطان, وأصبحت طقوس الكنيسة ورموزها في الزواج تنقل إلينا حرفاً بحرف, فهذا الثوب الطويل الذي تلبسه العروس ويسحب وراءها مترين، وهو ثوب أبيض -ما يسمى بالتشريعة- ثم هذه الزهور التي تحمل ما بين يديها ومن خلفها, ثم دخول الزوج عليها, ثم مصافحته لها أو تقبيله, وكل هذه الأشياء إنما هي من العادات الغربية التي وفدت إلى مجتمعات الإسلام.

فبالله عليكم أليس عندنا عادات؟!

أوليس عندنا تقاليد تكفينا؟!

أم هي فاشلة فاسدة منحرفة؟!

أستغفر الله وأتوب إليه! بل عندنا خير الهدي: هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وعندنا خير منهاج وخير سنة، ومن يرغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه إلا من سفه نفسه، والإنسان يحشر يوم القيامة مع من أحب: {من تشبه بقوم فهو منهم} كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.

فلماذا تتحول أعراسنا إلى مظاهرة لتطبيق العادات الغربية والتقاليد الأجنبية، ومخالفة رسوم الشريعة ومقتضيات الحياء والمروءة والإنسانية؟!

وأعظم من ذلك كله أن هذا كله يصور بكاميرات الفيديو، ثم تنتقل الكاميرا لتصور النساء المدعوات من الفتيات والنساء المزوجات, وهن بأبهى زينة, وفي أحسن الثياب, وأجمل الملابس متبرجات، ثم يرقصن في موسم العرس والفرح, والكاميرا تدور عليهن، وبعد ذلك هذا الشريط يتناقله الشباب سراً اليوم, ويتناقلونه علانية غداً وبعد غد, وهذه زوجة فلان, وهذه زوجة فلان, وهذه بنت فلان, فأي شيء هذا؟!

إذا لم يكن من دينك ما يردعك، فليكن من حيائك ما يمنعك, وإذا لم يكن دين ولا حياء فالمصلحة, فمن الذي يرضى لزوجته أو بنته إن كانت جميلة أن يتغزل بها الشباب ويعشقونها ويطيلون النظر إليها عبر الشريط، وإن كانت دميمة أن يسخروا منها ويتكلموا عنها في المجالس؟!

كيف ترضى بأن تبوح وتكشف ما أمر الله تعالى بستره؟!

حسن اختيار الاسم

ثم من حسن التربية أن تختار الاسم المناسب للولد, فلا تعطه أي اسم، كأن تسميه باسم المكان الذي ولد فيه مثلاً, أو تسميه باسم المناسبة, أو تسميه على أبيك وجدك، وقد يكون اسم جدك غير مناسب, لأن الاسم مرتبط بالزمان، وكل زمان له أسماء قد لا تكون مناسبة في غيره.

أو البنت كذلك، تسميها بأي اسم قد يعيبها إذا كبرت, ويظل عاراً يلاحقها, وأنا أعرف من البنات والأبناء من كان اسمه سبباً في أمراض نفسية وعقد لحقت به؛ لأن الاسم كلما ذكر تلفت إليه الناس, منهم من يبتسم، ومنهم من يضحك، ومنهم من يداري فمه, ولكن في قلبه نقد وعتاب.