شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [25]


الحلقة مفرغة

لا يزال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يتكلم عن مسألة استدلال السلف بالضعيف، وقد ذكر أن السلف رحمهم الله لم يستدلوا في تقرير الدين بالأحاديث الضعيفة، وأنهم إنما يأتون بالأحاديث الضعيفة للاعتضاد لا الاعتماد وذلك بشرط ألا تصل إلى حد الوضع والكذب.

وذكر أن عندهم في حشد النصوص والآثار مناهج: منهج يعتمدون فيه جمع النصوص بصرف النظر عن تمحيص الصحيح من غير الصحيح، ويتركون العهدة على الرواة، ويتركون الأسانيد لطلاب العلم ليمحّصوا الصحيح من غير الصحيح، وهذا كثير في كتب السنن والمصنفات.

وهناك كتب جاءت لتقديم الأحاديث الصحيحة واعتمدت ذلك مثل الكتب الصحيحة، هناك كتب اعتمدت على ما يرى أصحابها أنه يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو بطرق حسنة أو ضعيفة، لكنهم لا يدرجون في كتبهم ما يسمى بالموضوع أو المكذوب، وقد يكون بعض الأحاديث موضوعاً عند شخص وليس بموضوع عند آخر، ويفرّقون بين الجمع والاستدلال، فإنهم إذا استدلوا لا يستدلون إلا بالصحيح، أما إذا جمعوا فإنهم يجمعون ما يرد لهم من الأسانيد، وقد لا يستبعد الواحد منهم إلا ما ثبت عنده أنه موضوع وكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا هذا -فكما ذكرت- أن هناك طوائف من السلف يجمعون الآثار ويتركون تمحيص الصحيح من غير الصحيح لمن يأتي بعدهم، أو لمن يشتغل بهذا الأمر.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً أنه قال: (من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسئول لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك) وذكر تمام الدعاء.

و موسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين.

قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم بن حبان : دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل .

ويروى نحو هذا دون الصوم عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزي حدثنا وكيع عن عبيدة عن شقيق عن ابن مسعود .

و موسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحيى بن معين : كذاب.

وقال الدارقطني : متروك.

وقال ابن حبان : كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف من الأول.

ورواه أبو الشيخ الأصبهاني من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري : حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا زهير بن العلاء العتبي حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري ، ورفع الحديث قال: (من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام، وليكن إفطاره في آخر هذه الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات).

قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شيء ].

مع ضعف الأسانيد يلاحظ أيضاً نكارة المتون، ففي المتون معان ومطالبات ومتطلبات لا تستاغ، وليس عليها نور النبوة ولا الحكمة أيضاً، فليست من جنس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا من جنس كلام الصحابة؛ لأن فيها خلطاً بين التكهنات والتخرصات، وبين تعليق الأمور على ما لا تعلق به الأمور مثل الاتكال على غير الله عز وجل.. فهذه المعاني يدرك بعدها ونشازها بمجرد النظر العقلي، فضلاً عن أن تكون من الحكم أو من المعاني التي يؤبه بها.

بيان أن رواية بعض المصنفين للحديث الضعيف لا يعني الاحتجاج به

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد رواه أبو موسى المديني في أماليه، وأبو عبد الله المقدسي ، على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روي به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل، كما هي عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات.

كما يرويه أبو الشيخ الأصبهاني في فضائل الأعمال وغيره، حيث يجمع أحاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة وواهية.

وكذلك ما يرويه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة، وما يرويه أبو نعيم الأصبهاني في فضائل الخلفاء في كتاب مفرد، وفي أول حلية الأولياء.

وما يرويه أبو الليث السمرقندي وعبد العزيز الكناني وأبو علي بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب وأبو الفضل بن ناصر وأبو موسى المديني وأبو القاسم بن عساكر والحافظ عبد الغني .. وأمثالهم ممن له معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روي مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روي في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روي، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف. وقد لا يتكلم ].

وهؤلاء الذين كتبوا على المنهج الأول الذي ذكرته -أعني مجرد الجمع- ليس عندهم اهتمام بتمحيص الروايات ودراسة أسانيدها وتبيين الصحيح من الضعيف، وإن بيّنوا فليس ذلك هو الغالب، نعم قد يقول أحدهم عند حديث من الأحاديث: هذا صحيح أو هذا ضعيف أو شاذ أو منكر لكن لا يلتزم هذه القاعدة، فهم إذاً ليس عندهم إلا مجرد الجمع، وليس كل ما جمعوه يعتبر عندهم صحيحاً ولا حجة، ولا يلزم أن يكونوا أقروه، بمعنى أنهم يروون ويتركون العهدة على الرواة، بل إن عمل كثير من هؤلاء الأئمة والمحدثين على غير مقتضى ما رووه في كثير من الأمور التي فيها شيء من البدع أو فيها شيء من المخالفات للسنة، فإنهم يلتزمون السنة، هذا بالنسبة لأعمالهم وعباداتهم، لكن فيما يروونه لا يقصدون به إلا الحشد والجمع، بخلاف الصنف الثاني الذين سيذكرهم الشيخ، وهم الذين يروون من الحديث ما يرون الاحتجاج به.

الأئمة الذين يروون الحديث لبناء الأحكام عليه

قال رحمه الله تعالى: [ وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به ويبنون عليه دينهم، مثل مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، ووكيع بن الجراح ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن المديني ، والبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، ومحمد بن نصر المروزي ، وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري ..، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها.

وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث كما يفعل أبو أحمد بن عدي ، وأبو حاتم البستي ، وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر الإسماعيلي ، وكما قد يفعل ذلك أبو بكر البيهقي ، وأبو إسماعيل الأنصاري ، وأبو القاسم الزنجاني ، وأبو عمر بن عبد البر ، وأبو محمد بن حزم وأمثال هؤلاء..، فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر.

ولم يذكر من لا يروي بإسناد مثل كتاب وسيلة المتعبدين لـعمر الملا الموصلي ، وكتاب الفردوس لـشهريار الديلمي ..، وأمثال ذلك فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.

والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب ].

يقصد باب التوسل البدعي.

قال رحمه الله تعالى: [ والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُعتمد عليه في مسألة شرعية باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروي في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات.. إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً منه ].

هذه في الحقيقة خلاصة كافية، والشيخ سيكررها أيضاً وسيستدل تفصيلاً على أن التوسلات البدعية التي يتدرع بها أهل الأهواء والبدع قديماً وحديثاً ليس فيها حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقوم دليلاً على ما قالوه، فضلاً عن أن يكون هناك حشد من الأدلة كما زعموا، كذلك فيما يتعلق بآثار السلف في التوسل البدعي يقول الشيخ: إن أكثرها ضعيفة، كما سيأتي في الفقرة التالية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد رواه أبو موسى المديني في أماليه، وأبو عبد الله المقدسي ، على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روي به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل، كما هي عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات.

كما يرويه أبو الشيخ الأصبهاني في فضائل الأعمال وغيره، حيث يجمع أحاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة وواهية.

وكذلك ما يرويه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة، وما يرويه أبو نعيم الأصبهاني في فضائل الخلفاء في كتاب مفرد، وفي أول حلية الأولياء.

وما يرويه أبو الليث السمرقندي وعبد العزيز الكناني وأبو علي بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب وأبو الفضل بن ناصر وأبو موسى المديني وأبو القاسم بن عساكر والحافظ عبد الغني .. وأمثالهم ممن له معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روي مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روي في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روي، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف. وقد لا يتكلم ].

وهؤلاء الذين كتبوا على المنهج الأول الذي ذكرته -أعني مجرد الجمع- ليس عندهم اهتمام بتمحيص الروايات ودراسة أسانيدها وتبيين الصحيح من الضعيف، وإن بيّنوا فليس ذلك هو الغالب، نعم قد يقول أحدهم عند حديث من الأحاديث: هذا صحيح أو هذا ضعيف أو شاذ أو منكر لكن لا يلتزم هذه القاعدة، فهم إذاً ليس عندهم إلا مجرد الجمع، وليس كل ما جمعوه يعتبر عندهم صحيحاً ولا حجة، ولا يلزم أن يكونوا أقروه، بمعنى أنهم يروون ويتركون العهدة على الرواة، بل إن عمل كثير من هؤلاء الأئمة والمحدثين على غير مقتضى ما رووه في كثير من الأمور التي فيها شيء من البدع أو فيها شيء من المخالفات للسنة، فإنهم يلتزمون السنة، هذا بالنسبة لأعمالهم وعباداتهم، لكن فيما يروونه لا يقصدون به إلا الحشد والجمع، بخلاف الصنف الثاني الذين سيذكرهم الشيخ، وهم الذين يروون من الحديث ما يرون الاحتجاج به.

قال رحمه الله تعالى: [ وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به ويبنون عليه دينهم، مثل مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، ووكيع بن الجراح ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن المديني ، والبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، ومحمد بن نصر المروزي ، وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري ..، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها.

وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث كما يفعل أبو أحمد بن عدي ، وأبو حاتم البستي ، وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر الإسماعيلي ، وكما قد يفعل ذلك أبو بكر البيهقي ، وأبو إسماعيل الأنصاري ، وأبو القاسم الزنجاني ، وأبو عمر بن عبد البر ، وأبو محمد بن حزم وأمثال هؤلاء..، فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر.

ولم يذكر من لا يروي بإسناد مثل كتاب وسيلة المتعبدين لـعمر الملا الموصلي ، وكتاب الفردوس لـشهريار الديلمي ..، وأمثال ذلك فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.

والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب ].

يقصد باب التوسل البدعي.

قال رحمه الله تعالى: [ والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُعتمد عليه في مسألة شرعية باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروي في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات.. إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً منه ].

هذه في الحقيقة خلاصة كافية، والشيخ سيكررها أيضاً وسيستدل تفصيلاً على أن التوسلات البدعية التي يتدرع بها أهل الأهواء والبدع قديماً وحديثاً ليس فيها حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقوم دليلاً على ما قالوه، فضلاً عن أن يكون هناك حشد من الأدلة كما زعموا، كذلك فيما يتعلق بآثار السلف في التوسل البدعي يقول الشيخ: إن أكثرها ضعيفة، كما سيأتي في الفقرة التالية.

وأحب أن أنبه إلى أنه يقصد أن هناك أشياء أُثرت عن بعض السلف، لكنها إما أن تكون ضعيفة وهو الغالب، وإما أن تكون اجتهادات خاطئة مخالفة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة لما ثبت عن عموم الصحابة، ومخالفة لما اتفق عليه جمهور السلف، وهي مصدر فتنة لكثير من أهل الأهواء والبدع في مسألة التوسل البدعي، وسيأتي الشيخ لها بنماذج في المقطع القادم.

الكلام على اجتماع عبد الملك بن مروان وأبناء الزبير والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

قال رحمه الله تعالى: [ وفي الباب آثار عن السلف أكثرها ضعيفة:

فمنها حديث الأربعة الذين اجتمعوا عند الكعبة وسألوا، وهم عبد الله ومصعب ابنا الزبير ، وعبد الله بن عمر وعبد الملك بن مروان .

ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء.

ورواه من طريق إسماعيل بن أبان الغنوي ، عن سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد العزيز ، عن الشعبي أنه قال: لقد رأيت عجبا‍ً! كنا بفناء الكعبة أنا، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، ومصعب بن الزبير ، وعبد الملك بن مروان ، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم كل رجل منكم، فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله حاجته، فإنه يعطى من سعة، ثم قالوا: قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود في الإسلام بعد الهجرة، فقام فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك عظيم تُرجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيك، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز، ويُسلَّم علي بالخلافة، ثم جاء فجلس.

ثم قام مصعب ، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك رب كل شيء، وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني بـسكينة بنت الحسين .

ثم قام عبد الملك بن مروان ، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك به عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقك على خلقك وبحق الطائفين حول عرشك إلى آخره..

قلت: وإسماعيل بن أبان الذي روى هذا عن سفيان الثوري كذاب.

قال أحمد بن حنبل : كتبت عنه، ثم حدث بأحاديث موضوعه فتركناه.

وقال يحيى بن معين : وضع حديثاً على السابع من ولد العباس يلبس الخضرة يعني المأمون .

وقال البخاري ، ومسلم ، وأبو زرعة ، والدارقطني : متروك.

وقال الجوزجاني : ظهر منه على الكذب.

وقال أبو حاتم : كذاب.

وقال ابن حبان : يضع على الثقات.

و طارق بن عبد العزيز الذي ذكر أن الثوري روى عنه لا يُعرف من هو، قال: فإن طارق بن عبد العزيز المعروف الذي روى عنه ابن عجلان ليس من هذه الطبقة.

وقد خولف فيها، فرواها أبو نعيم عن الطبراني : حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش ، حدثنا أبو حاتم السجستاني ، حدثنا الأصمعي ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله أبناء الزبير ، وعبد الله بن عمر فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله بن الزبير أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة : أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب : أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين ، وقال عبد الله بن عمر : أما أنا فأتمنى المغفرة.

قال: فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له.

قلت: وهذا إسناد خير من ذاك الإسناد باتفاق أهل العلم، وليس فيه سؤال بالمخلوقات ].

الكلام عن المنامات الواردة في التوسل بالمخلوقات ونحوها من الحكايات

قال رحمه الله تعالى: [ وفي الباب حكايات عن بعض الناس، أنه رأى مناماً قيل له فيه: ادع بكذا وكذا، ومثل هذا لا يجوز أن يكون دليلاً باتفاق العلماء.

وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع الأدعية.

وروي في ذلك أثر عن بعض السلف، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء، قال: حدثنا أبو هاشم ، سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر ، فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ، قال: ما هو؟ قال: الدبيلة، قال: فتحول الرجل فقال: الله الله، الله ربي، لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليماً، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي، قال: فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة.

قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف، ونُقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ونهى عنه آخرون، فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته، فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول ].

في هذا المقطع أشار الشيخ إلى بعض الأمور التي قد تشكل، منها قوله: (فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف)، هذا أيضاً كلام مجمل لا ندري على أي وجه دعا به السلف، ثم إذا كان أُثر عن السلف وروي عنهم فما مدى صحة هذه الرواية، ثم إنه قد يلجأ بعض أهل العلم أو بعض السلف إلى شيء من هذا عن جهل أو خطأ.

كذلك قوله: (ونُقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء).

هذا كلام مجمل، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية فسّره بأحد أمرين، قال: (يحتمل أن يقصد به التوسل بالإيمان به، وبمحبته، وهذا حق)، وهذا هو الغالب، وهذا الذي يتماشى مع قواعد الشرع ومع ما كان عليه السلف من أنهم قد يتوسلون بالأمور الصالحة التي تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم كالتوسل بمحبته وطاعته واتباعه ونحو ذلك.

وإن كان المقصود الأمر الآخر، وهو التوسل البدعي، أي: التوسل بذاته، فهذا أيضاً كلام مجمل، فمن هم الذين توسلوا بذاته؟ هل هم الصحابة في أثناء حياته؟ فهذا أمر معلوم، هل هم بعض السلف بعد مماته؟ نعم نقل بعض آثار عن بعضهم أكثرها فيها ضعف، ومنها ما يكون محل اجتهاد لكنه مجمل ربما يفسّر على وجه شرعي صحيح.

إذاً: ما يمكن أن يتذرع به بعض أهل البدع مما أُثر عن بعض السلف من التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قد لا يثبت، وأيضاً يحتاج إلى تفسير، فالكلام المجمل لا يستدل به، لا سيما إذا لم يكن له أصل في الدين، ويتعارض مع قواعد الشرع، ومع إجماع السلف، ويتعارض أيضاً مع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وإذا كل ما يروى من الروايات المجملة يتعارض مع هذه الأصول، فإنه لا بد أن يحمل على تفسير صحيح أو يكون خطأ وزلة من عالم، فالخطأ والزلة ينبغي أن تفسّر على أنها أمر شخصي وقع فيه بعض المعتبرين من أهل العلم عن اجتهاد خاطئ، والزلة قد تقع من العالم فليس معصوماً إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

حصول المقصود من الدعاء لا يدل على جوازه

قال رحمه الله تعالى: [ وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ في الشريعة ].

هذه شبهة جديدة، فالشيخ بعد أن حرر مسألة الاستدلال وبيّن أنه ليس هناك دليل ثابت يستدل به أهل التوسل البدعي، انتقل إلى شبهة يقولها كثير من أهل البدع قديماً وحديثاً، وهذه الشبهة هي أن بعض الذين يدعون بأدعية بدعية يستجاب لهم، كأن يتوسلوا إلى الأموات والأحياء بطلب حوائج فتحصل لهم أغراضهم ومطالبهم، فظن أهل البدع أن تحصيل هذه المطالب بالوسيلة البدعية دليل على أن هذه الوسيلة شرعية، قالوا: لذلك استجاب الله لهم، فيقولون فلان دعا عند القبر أو دعا صاحب القبر فأجيب دعاؤه، فلان توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكان كذا بعد موته فحصل له مطلوبه وهكذا..، وهنا الشيخ سيناقش هذه القضية ويبيّن أن ما يحصل من إجابة لطلبات هؤلاء بالوسيلة البدعية لا تدل على أن عملهم مشروع، إنما هو من باب الابتلاء والفتنة، ومن باب تسخير الشياطين لتؤز هؤلاء المبتدعة إلى البدعة والكفر أزاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ في الشريعة، فإن كثيراً من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين، ويحصل ما يحصل من غرضهم.

وبعض الناس يقصد الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التي في الكنائس ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضهم.

فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها.

كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لمّا كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع؛ فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشيء واجباً أو مستحباً إلا بدليل شرعي يقتضي إيجابه أو استحبابه، والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة، والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمراً مباحاً.

وفي الجملة فقد نُقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به ].

أي بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله تعالى: [ بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين، والاستغاثة بهم والشكوى إليهم؛ فهذا مما لم يفعله أحد من السلف، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخّص فيه أحد من أئمة المسلمين ].