خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34160"> شرح العقيدة الطحاوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة الطحاوية [97]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد نفى الجهم ومن وافقه كل ما وصف الله به نفسه من كلامه، ورضاه وغضبه، وحبه وبغضه، وأسفه.. ونحوه ذلك، وقالوا: إنما هي أمور مخلوقة منفصلة عنه، ليس هو في نفسه متصفاً بشيء من ذلك.
وعارض هؤلاء من الصفاتية ابن كلاب ومن وافقه فقالوا: لا يوصف الله بشيء يتعلق بمشيئته وقدرته أصلاً، بل جميع هذه الأمور صفات لازمة لذاته قديمة أزلية، فلا يرضى في وقت دون وقت، ولا يغضب في وقت دون وقت.
كما قال في حديث الشفاعة: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله) ].
قد يفهم بعض الناس أن الشيخ رحمه الله أتى بالحديث استدلالاً لقول الكلابية وقول الجهمية ومن سلك سبيلهم، بينما هو يقصد أنهم اعترضوا على مثل ما ورد في هذا الحديث، فساق الحديث ليثبت مذهب السلف.
وقبل أن ندخل في الكلام عما في الحديث من دلالة، أحب أن أنبه إلى بعض الأمور التي مرت، وهي نفي الجهم ومن وافقه كل ما وصف الله به نفسه من كلامه ورضاه وغضبه، فـالجهم بن صفوان نفى جميع الأسماء والصفات، حيث زعم أن المقصود بالأسماء والصفات هي آثار أفعال الله عز وجل في خلقه، فنفيه الأسماء والصفات والأفعال لله سبحانه بحجة أن ذلك يفهم منه التشبيه.
والجهم على مذهب غلاة الفلاسفة، بل على مذهب الفلاسفة؛ فالفلاسفة كلهم غلاة، وما أعرف أحداً من الفلاسفة يسمى معتدلاً.
والفلاسفة يجردون الله عز وجل من وجود الذات أصلاً، فيتصورون وجود الله عز وجل -كما يسميه أهل الفكرة- وجوداً ذهنياً فقط، فمن هنا أنكروا الأسماء والصفات التي جاء بها الأنبياء، وجهم تعلق بمذهب الفلاسفة حينما حاورهم وحاور الصفاتية، وهذا يدل على خطورة تعلق المسلم بمحاورة المخالفين دون أن يتسلح بالعلم، لا ينفعه ذكاؤه، بل أكثر ما يهلك الإنسان بسبب ذكائه إذا لم يتسلح بالعلم الشرعي، وأغلب الذين يقعون في الشبهات والتأويل والإلحاد بأسماء الله وصفاته وأفعاله وفي قضايا الدين هم الأذكياء، تجدهم يحاورون غير المسلمين أو أهل الأهواء المخالفين دون تسلح بالعلم الشرعي، والجهم كما هو معروف لم يعرف بعلمه كما ذكر السلف، فلما حاور الصفاتية وحاور الفلاسفة أوقعوا في ذهنه مسألة: أنه لا يمكن أن يكون لله عز وجل وجود ذاتي، فمن هنا استنكر الأسماء والصفات، فلما وجد النصوص الشرعية في الكتاب والسنة قال: إن هذه النصوص تعني آثار ما يفعله الله عز وجل في خلقه.
والمعتزلة سارت على منهج الجهمية، لكنهم أثبتوا الأسماء دون الصفات.
أما الصفاتية فالمقصود بهم الذين يثبتون الصفات، ويدخل فيهم الكلابية والأشاعرة والماتريدية والسالمية والكرامية.. ومن سلك سبيلهم، وبعض أهل العلم يدخل فيهم المعتزلة.
وأهل السنة من باب أولى أن يثبتوا الصفات.
إذاً: فالمقصود بالصفاتية هم من أثبتوا الصفات، سواء أهل السنة أو غيرهم، فمن أثبت شيئاً من الصفات أو كل الصفات يسمون صفاتية.
وأول الصفاتية الذين تأثروا بالجهمية والمعتزلة وادعوا أنهم على مذهب السلف الكلابية، فإنهم يثبتون جميع الصفات ما عدا الصفات الفعلية، فزعموا أن الصفات الفعلية لا تثبت على حقيقتها، إنما لا بد أن تؤول، فإنهم قالوا بأن الصفات الفعلية ليس لها علاقة بالمشيئة، ولا ترتبط بالمشيئة، وزعموا أنها تفسر بآثار خلق الله في العباد، ولا تفسر بأنها صفات لله ثابتة له.
وهذا الاتجاه هو الذي مشى عليه الأشاعرة والماتريدية، هذا قبل أن يتوسعوا ويأخذوا بمذهب الجهمية في إنكار الصفات الذاتية، فالأشاعرة والماتريدية في أقوالهم المتأخرة خرجوا عن مذهب ابن كلاب الذي كان عليه، ووقعوا في تأويل جميع الصفات ما عدا سبع صفات.
أيضاً قوله: إن الصفاتية ومن سلك سبيلهم من النفاة قالوا: صفاته لازمه لذاته، قديمة أزلية، يعني: أنها غير مرتبطة بالمشيئة، قالوا: لا يتكلم الله عز وجل كما يشاء، ولا يغضب متى شاء، وإنما رضاه آثار ذلك في خلقه، وغضبه آثار ذلك في خلقه، فأولوا هذه الصفات.
والصفات الفعلية ثابتة لله عز وجل، كما في حديث الشفاعة.
قال رحمه الله تعالى: [ كما قال في حديث الشفاعة: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله) ].
في هذا دلالة قاطعة على أن الله عز وجل يحدث منه الغضب، كما يليق بجلاله سبحانه، وأنه يغضب متى شاء إذا وجد للغضب سبب، وغضبه يثبت له سبحانه على ما يليق بجلاله من غير تشبيه، وليس غضب الخالق كغضب المخلوق؛ ولذلك قال: (غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله) هذا دليل على أن غضبه عز وجل متعلق بمشيئته فيما قبله.
وقوله: (ولن يغضب بعده مثله) فيه دليل على أن الله عز وجل بعد هذا المقام يغضب كما يشاء، وأن غضبه متعلق بمشيئته سبحانه.
قال رحمه الله تعالى: [ وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).
فيُستدل به على أنه يحل رضوانه في وقت دون وقت، وأنه قد يحل رضوانه ثم يسخط، كما يحل السخط ثم يرضى، لكن هؤلاء أحل عليهم رضواناً لا يتعقبه سخط.
وهم قالوا: لا يتكلم إذا شاء، ولا يضحك إذا شاء، ولا يغضب إذا شاء، ولا يرضى إذا شاء، بل إما أن يجعلوا الرضا والغضب والحب والبغض هو الإرادة، أو يجعلوها صفات أخرى، وعلى التقديرين فلا يتعلق شيء من ذلك لا بمشيئته ولا بقدرته، إذ لو تعلقت بذلك لكان محلاً للحوادث! فنفى هؤلاء الصفات الفعلية الذاتية بهذا الأصل، كما نفى أولئك الصفات مطلقاً بقولهم: ليس محلاً للأعراض.
وقد يقال: بل هي أفعال ولا تسمى حوادث كما سميت تلك صفات ولم تسم أعراضاً، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى، ولكن الشيخ رحمه الله لم يجمع الكلام في الصفات في المختصر في مكان واحد، وكذلك الكلام في القدر.. ونحو ذلك، ولم يعتن فيه بترتيب.
وأحسن ما يرتب عليه كتاب أصول الدين ترتيب جواب النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين سأله عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر..) الحديث، فيبدأ بالكلام على التوحيد والصفات وما يتعلق بذلك، ثم بالكلام على الملائكة، ثم، وثم.. إلى آخره ].
هذا في الحقيقة منهج شرعي جيد في طريقة تأليف وتصنيف العقيدة وعرضها للناس، وهي من الأمور التي خالف فيها أهل البدع، فعامة أهل البدع في تقريرهم للعقيدة يخالفون هذا المنهج، ويكتبون بطرائق عدة أكثرها يسلك منهج المتكلمين، في البداية في مسألة إثبات وجود الله عز وجل وهي المسألة المفروغ منها، ثم في إثبات الوحدانية وهي مسألة مفروغ منها أيضاً، ثم يعرجون على بعض مسائل الربوبية، ثم الأسماء والصفات، ولا يعرجون على قضايا الإيمان إلا نادراً، ولا يعرجون على توحيد الألوهية التي تتضمنها هذه الأصول.
فعلى أي حال أحسن أسلوب في عرض العقيدة للناس هو التزام حديث أبي سعيد الخدري في تصنيف موضوعات العقيدة، ينبغي أن تصنف موضوعات العقيدة كما كان السلف يفعلون في المؤلفات على هذا النحو، يبدأ بما يتعلق بالإيمان بالله عز وجل: توحيد الربوبية، توحيد الأسماء والصفات، توحيد الألوهية، ثم ما يتعلق ببقية الأركان من الإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر، ثم بعد ذلك تأتي قضايا العقيدة الأخرى وأصول السلف ومناهجهم تبعاً، بحسب ترتيبها في الأوليات، وتصنيفها الموضوعي، كما كان السلف يفعلون.
بعض المسائل قد تلحق بأركان الإيمان مثل: تعريف الإيمان، دخول الأعمال في مسمى الإيمان، زيادة الإيمان ونقصانه، الاستثناء في الإيمان، ثم ما يستتبع ذلك من الحكم على الناس بالإسلام والكفر، بالإيمان وعدمه، بالفسق والفجور والظلم.. إلى آخره، هذه تسمى الأسماء والأحكام، وهي متعلقة بأركان الإيمان.
فأغلب السلف يلزمون المنهج السليم على هذا الترتيب، وبعضهم أحياناً قد يخل بهذا المنهج على نحو ما لحاجة الناس لطريقة معينة في وقته، فيقدم شيئاً على شيء؛ بسبب وجود قضايا معينة لها من الخطورة ما تستحق التقديم، أو من عدم الخطورة ما تستحق التأخير، هذه مسائل قليلة استثنائية، لكن يبقى المنهج العام هو الأصل، وإن خالفه بعض أهل العلم عن اجتهاد منهم.
كذلك يدخل في العقيدة دخولاً أولياً الرد على أهل الأهواء، لا كما يظن بعض الناس أن هذه المسائل هامشية أو جانبية، مسألة الرد على أهل الأهواء ينبغي أن تكون من أساسيات ترتيب العقيدة؛ لأنا لو تأملنا صفات الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لوجدنا أن الرد على شبهات القوم، وعلى العقائد الباطلة التي عليها اليهود والنصارى والمشركون والمنافقون وما يحدث من شبهات وأقوال في العقيدة مما كان يتنزل القرآن به تباعاً أولاً بأول، بل حتى الشبهات التي لم تعرض على المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها الله عز وجل في كتابه؛ تحصيناً للأمة في مستقبلها، وذكر الله العقائد الباطلة لليهود ومنها ما لم يسمعه المسلمون في وقتهم، وذكر من عقائد النصارى كذلك، وذكر من شبهات القوم من مشركين.. وغيرهم، مما يدل على أن القرآن قد رسم منهج الرد على المخالفين، وجاءت آيات كثيرة جداً تقرر العقيدة، وهذا دليل على أن هذا هو المنهج الأصلي، وكان السلف في قضايا الاعتقاد يقررون الحق أولاً، ثم يوردون ما عند القوم من شبهات ويردون عليها، وقد يفردون الردود في كتب مستقلة بحسب الحاجة وحسب المقام.
إذاً: ينبغي في كل مسألة تمس العقيدة ترد في أذهان الناس أن يرد عليها من خلال مكانها ومناسبتها في تقرير العقيدة، ولا مانع من إخراج كتب مؤلفة في الرد على المخالف إذا اقتضى الحال ذلك، كما كان يفعل السلف.
قال رحمه الله تعالى: [ وقوله: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان).
يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الروافض والنواصب، وقد أثنى الله تعالى على الصحابة هو ورسوله، ورضي عنهم، ووعدهم الحسنى ].
النواصب عكس الروافض، فالروافض معروفون وهم الذين يسبون الصحابة، وينتسبون إلى التشيع، وفي الحقيقة أن الشيعة درجات: الشيعة المفضلة، والشيعة المفترية، والشيعة الغالية التي خرج منها الرافضة حين ذاك، فالشيعة الغالية هم الذين يقدسون علياً رضي الله عنه، ولم يكونوا يتكلمون في الصحابة كثيراً في بداية الأمر.
والشيعة المفترية هم الذين يفضلون علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر ، وقد سماهم علي رضي الله عنه: مفترية، وأمر بجلدهم ثمانين جلدة.
والشيعة المفضلة هم الذين يفضلون علياً على عثمان فقط، فالشيعة المفضلة انتهت واندثرت، ولذلك بعض الناس يحب الشيعة ظناً منه أن الشيعة إنما مشكلتهم تفضيل علي على عثمان ، أو تفضيل علي على الصحابة فقط، فيتعاطف معهم، وتجده يدافع عنهم ويقول: التشيع ليس فيه شيء، نقول: هذا التشيع غير موجود عند الرافضة؛ لأن الرافضة يسبون الصحابة، بل يكفرونهم، أما المفضلة فتشيعهم أخف من تشيع الرافضة.
أما الشيعة الغالية فهي السبئية، والسبئية فيما بعد تحولت إلى رافضة، فهم الآن يسمون رافضة؛ لأنهم أولاً يرفضون الصحابة رضي الله عنهم إجمالاً، بل كفّروهم وأخرجوهم من الملة وقالوا فيهم قولاً عظيماً، حتى ذات النبي صلى الله عليه وسلم لم تسلم منهم، ثم إنهم رفضوا زيد بن علي منذ ذلك الوقت؛ لأنه أثنى على أبي بكر وعمر خيراً، ثم إنهم رفضوا الحق ورفضوا السنة والجماعة، فهؤلاء رافضة ليسوا شيعة.
إذاً: الروافض سمتهم الأولى: سب الصحابة، يوجد عند بعض الشيعة الأوائل سب لبعض الصحابة، لكن لا يسبون جملة الصحابة، ولا يسبون أبا بكر وعمر .
أما النواصب فهي نزعة وليست فرقة؛ لأن بعض الأصول فرق وبعض الأصول ليست فرقاً، فالرافضة فرق، والخوارج فرق، والجهمية فرق، والمعتزلة فرق، لكن النصب نزعة وجدت أشبه بردة فعل، فالناصبة لما رأوا مبالغة الشيعة في علي وآل البيت صاروا يقدحون في علي وفي آل بيته، لكن الناصبة لا يكفرون علياً إنما يقدحون فيه، أو يفضلون عليه بعض الصحابة الذين لم يرد التفضيل بينهم شرعاً، فقد يفضلون معاوية على علي ، أو يفضلون بني أمية على آل البيت، وهذا لا شك أنه بدعة وخطأ وظلم عظيم، ولكن هو أشبه بالنزعة التي ليست مذهباً وليس لها أتباع ولا رءوس مشاهير، إنما هي ردة فعل من بني أمية.
أما الخوارج فهم خوارج قبل أن يكونوا ناصبة، والنصب يوجد في الخوارج؛ لأنهم يسبون علياً رضي الله عنه ويكفّرونه، ولم يبق من النصب إلا أنه سمة من سمات الخوارج.
الآيات القرآنية الواردة في الثناء على الصحابة
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح:29]إلى آخر السورة.
وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72]إلى آخر السورة.
وقال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10].
وقال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:8-10].
وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، وتتضمن أن هؤلاء هم المستحقون للفيء، فمن كان في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم، لا يستحق في الفيء نصيباً بنص القرآن ].
أي: أن الله عز وجل ذكر هذه الفئات بالتفصيل بأنهم يستحقون الفيء، أي: الغنائم، بعد أن ذكر ذلك إجمالاً في أول السورة، فقد ذكر الله عز وجل قبل هذه الآيات قوله سبحانه: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7]، ثم ذكر بعد ذلك: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر:8] أي: هؤلاء يستحقون الفيء، ثم ذكر من سمات هؤلاء أنهم الذين ليس في قلوبهم غل، وأن من يستحق الفيء هم الذين يدعون لإخوانهم الذين سبقوهم، وعلى هذا فإن الذين لا يدعون للسابقين ومن في قلوبهم غل لا يستحقون الفيء على هذا الوجه؛ لأن الآيات جاءت في ذكر صفات تفصيل من يستحقون الفيء الذي ورد ذكره في أول السورة.
الأحاديث والآثار الواردة في الثناء على الصحابة والتحذير من الطعن فيهم
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لـخالد ونحوه: (لا تسبوا أصحابي)، يعني: عبد الرحمن وأمثاله؛ لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان، فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ومنهم خالد بن الوليد ، وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامهم إلى فتح مكة، وسموا الطلقاء، منهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية .
والمقصود أنه نهى من له صحبة آخراً أن يسب من له صحبة أولاً، لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه، حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية، وإن كان قبل فتح مكة، فكيف حال من ليس من الصحابة بحال مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
وقيل: إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف؛ فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليس من فعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة.
وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فهو حديث ضعيف، قال البزار : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة.
وفي صحيح مسلم عن جابر ، قال: (قيل لـعائشة رضي الله عنها: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر ! فقالت: وما تعجبون من هذا! انقطع عنهم العمل، فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر) ].
يقول في الحاشية: لم نجده في مسلم ، فيبدو أن نسبته إلى مسلم وهم من ابن أبي العز .
قال رحمه الله تعالى: [ وروى ابن بطة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا تسبوا أصحاب محمد؛ فلمقام أحدهم ساعة -يعني: مع النبي صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة)، وفي رواية وكيع : (خير من عبادة أحدكم عمره).
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال
وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة).
وقال تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117].
ولقد صدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في وصفهم، حيث قال: (إن الله تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ)، وفي رواية: (وقد رأى أصحاب محمد جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر ) ].
كلام ابن مسعود مقيد بالأصول الأخرى، يعني: ما رآه المسلمون الذين هم على الاستقامة حسناً فهو كذلك، وهذا أمر معلوم بالضرورة؛ لأن هذا مثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة في أحاديث: (عليكم بالجماعة)، (إن يد الله مع الجماعة).
إذاً: قوله: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) أي: ما رآه المسلمون المستمسكون، وهم من يسمون بأهل الحل والعقد وبأهل العلم، ليسوا بالرعاع والدهماء، وليسوا بأهل البدع وإن كثروا، ثم هذا مفسر بحديث: (إن أمتي لا تجتمع على ضلالة).
فما رآه المسلمون جميعاً يدخل فيهم دخولاً أولياً أهل الحق، ولذلك لا يمكن أن يرى المسلمون جميعاً بما فيهم أهل الحق شيئاً إلا ويكون فيه خير؛ لأن أهل الاستقامة والطائفة المنصورة هم الذين يتبعون سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا رأوا شيئاً حسناً، فإنما ذلك على الأصول الشرعية التي اقتدوا فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الأمة لا تجمع على ضلالة.
وهذا الكلام ليس فيه ما يدل على تقييده بالصحابة، ولو أنا عرفنا القصة التي حدث فيها هذا الكلام والسياق لعرفنا المقصود به، فمثل هذه الأحاديث والنصوص العامة ليس فيها إشكال، فهي سليمة حتى ولو شملت جميع المسلمين؛ لأن ما رآه المسلمون جميعاً وأهل الحق منهم فهو حسن؛ لأنهم لا يجمعون على ضلالة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الأمة لا تجمع على ضلالة)، ولذلك ما من ضلالة أبداً سادت عند الناس ويكون عليها إجماع، لابد أن يعارضها أهل الحق، ولا يمكن أن يرى المسلمون بمجموعهم شيئاً من البدع حسناً أبداً.
وأثر ابن مسعود أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، والطبراني ، والطيالسي ، والبغوي ، والبزار ، والخطيب ، وسنده حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وأورده الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله موثوقون.
ففي الجملة هذا الأثر إذا كان حسناً أو صححه بعض أهل العلم فلا بد من دفع الإشكال الذي فيه.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد تقدم قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات..) إلى آخره، عند قول الشيخ: (ونتبع السنة والجماعة).
فمن أضل ممن يكون في قلبه غل لخيار المؤمنين، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين! بل قد فضلتهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!! لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة ].
هذا القول قول خبير فيهم، ونسب هذا القول إلى الشعبي ، وهو يحكي واقعهم، حتى لو لم يقال، فهذا هو الصحيح، فإن الرافضة جعلوا خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم شرار الخلق، بينما اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل أثنوا على المقربين من أنبيائهم، والشعبي رحمه الله خالط وداخل الرافضة بعض الوقت، وعرف منهم أشياء كثيرة وفضحهم، وهو أول من كشف كثيراً من أصولهم؛ لأنهم كانوا مغمورين في أيام الشعبي في القرن الأول ومنتصف القرن الثاني، بل حتى إنهم في بداية القرن الثالث كانوا مغمورين، ما يستطيعون يظهرون كثيراً من بدعهم، وإنما كانوا يروونها في مجالسهم الخاصة ولا يعلنونها، فأول من فضحهم علناً وتفصيلاً وذكر أشياء لا تكاد تصدق عنهم في ذلك الوقت هو الشعبي رحمه الله.
قال رحمه الله تعالى: [ كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح:29]إلى آخر السورة.
وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72]إلى آخر السورة.
وقال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10].
وقال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:8-10].
وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، وتتضمن أن هؤلاء هم المستحقون للفيء، فمن كان في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم، لا يستحق في الفيء نصيباً بنص القرآن ].
أي: أن الله عز وجل ذكر هذه الفئات بالتفصيل بأنهم يستحقون الفيء، أي: الغنائم، بعد أن ذكر ذلك إجمالاً في أول السورة، فقد ذكر الله عز وجل قبل هذه الآيات قوله سبحانه: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7]، ثم ذكر بعد ذلك: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر:8] أي: هؤلاء يستحقون الفيء، ثم ذكر من سمات هؤلاء أنهم الذين ليس في قلوبهم غل، وأن من يستحق الفيء هم الذين يدعون لإخوانهم الذين سبقوهم، وعلى هذا فإن الذين لا يدعون للسابقين ومن في قلوبهم غل لا يستحقون الفيء على هذا الوجه؛ لأن الآيات جاءت في ذكر صفات تفصيل من يستحقون الفيء الذي ورد ذكره في أول السورة.
قال رحمه الله تعالى: [ وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان بين
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لـخالد ونحوه: (لا تسبوا أصحابي)، يعني: عبد الرحمن وأمثاله؛ لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان، فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ومنهم خالد بن الوليد ، وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامهم إلى فتح مكة، وسموا الطلقاء، منهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية .
والمقصود أنه نهى من له صحبة آخراً أن يسب من له صحبة أولاً، لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه، حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية، وإن كان قبل فتح مكة، فكيف حال من ليس من الصحابة بحال مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
وقيل: إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف؛ فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليس من فعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة.
وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فهو حديث ضعيف، قال البزار : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة.
وفي صحيح مسلم عن جابر ، قال: (قيل لـعائشة رضي الله عنها: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر ! فقالت: وما تعجبون من هذا! انقطع عنهم العمل، فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر) ].
يقول في الحاشية: لم نجده في مسلم ، فيبدو أن نسبته إلى مسلم وهم من ابن أبي العز .
قال رحمه الله تعالى: [ وروى ابن بطة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا تسبوا أصحاب محمد؛ فلمقام أحدهم ساعة -يعني: مع النبي صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة)، وفي رواية وكيع : (خير من عبادة أحدكم عمره).
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال
وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة).
وقال تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117].
ولقد صدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في وصفهم، حيث قال: (إن الله تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ)، وفي رواية: (وقد رأى أصحاب محمد جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر ) ].
كلام ابن مسعود مقيد بالأصول الأخرى، يعني: ما رآه المسلمون الذين هم على الاستقامة حسناً فهو كذلك، وهذا أمر معلوم بالضرورة؛ لأن هذا مثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة في أحاديث: (عليكم بالجماعة)، (إن يد الله مع الجماعة).
إذاً: قوله: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) أي: ما رآه المسلمون المستمسكون، وهم من يسمون بأهل الحل والعقد وبأهل العلم، ليسوا بالرعاع والدهماء، وليسوا بأهل البدع وإن كثروا، ثم هذا مفسر بحديث: (إن أمتي لا تجتمع على ضلالة).
فما رآه المسلمون جميعاً يدخل فيهم دخولاً أولياً أهل الحق، ولذلك لا يمكن أن يرى المسلمون جميعاً بما فيهم أهل الحق شيئاً إلا ويكون فيه خير؛ لأن أهل الاستقامة والطائفة المنصورة هم الذين يتبعون سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا رأوا شيئاً حسناً، فإنما ذلك على الأصول الشرعية التي اقتدوا فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الأمة لا تجمع على ضلالة.
وهذا الكلام ليس فيه ما يدل على تقييده بالصحابة، ولو أنا عرفنا القصة التي حدث فيها هذا الكلام والسياق لعرفنا المقصود به، فمثل هذه الأحاديث والنصوص العامة ليس فيها إشكال، فهي سليمة حتى ولو شملت جميع المسلمين؛ لأن ما رآه المسلمون جميعاً وأهل الحق منهم فهو حسن؛ لأنهم لا يجمعون على ضلالة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الأمة لا تجمع على ضلالة)، ولذلك ما من ضلالة أبداً سادت عند الناس ويكون عليها إجماع، لابد أن يعارضها أهل الحق، ولا يمكن أن يرى المسلمون بمجموعهم شيئاً من البدع حسناً أبداً.
وأثر ابن مسعود أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، والطبراني ، والطيالسي ، والبغوي ، والبزار ، والخطيب ، وسنده حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وأورده الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله موثوقون.
ففي الجملة هذا الأثر إذا كان حسناً أو صححه بعض أهل العلم فلا بد من دفع الإشكال الذي فيه.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد تقدم قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات..) إلى آخره، عند قول الشيخ: (ونتبع السنة والجماعة).
فمن أضل ممن يكون في قلبه غل لخيار المؤمنين، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين! بل قد فضلتهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!! لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة ].
هذا القول قول خبير فيهم، ونسب هذا القول إلى الشعبي ، وهو يحكي واقعهم، حتى لو لم يقال، فهذا هو الصحيح، فإن الرافضة جعلوا خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم شرار الخلق، بينما اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل أثنوا على المقربين من أنبيائهم، والشعبي رحمه الله خالط وداخل الرافضة بعض الوقت، وعرف منهم أشياء كثيرة وفضحهم، وهو أول من كشف كثيراً من أصولهم؛ لأنهم كانوا مغمورين في أيام الشعبي في القرن الأول ومنتصف القرن الثاني، بل حتى إنهم في بداية القرن الثالث كانوا مغمورين، ما يستطيعون يظهرون كثيراً من بدعهم، وإنما كانوا يروونها في مجالسهم الخاصة ولا يعلنونها، فأول من فضحهم علناً وتفصيلاً وذكر أشياء لا تكاد تصدق عنهم في ذلك الوقت هو الشعبي رحمه الله.
قال رحمه الله تعالى: [ وقوله: (ولا نفرط في حب أحد منهم) أي: لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم، كما تفعل الشيعة، فنكون من المعتدين.
قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171].
وقوله : (ولا نتبرأ من أحد منهم) كما فعلت الرافضة! فعندهم لا ولاء إلا ببراء، أي: لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!! وأهل السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب، فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد، كما قال تعالى: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [الجاثية:17]، وهذا معنى قول من قال من السلف: الشهادة بدعة، والبراءة بدعة، يروى ذلك عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، منهم: أبو سعيد الخدري والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك .. وغيرهم.
ومعنى الشهادة: أن يشهد على معين من المسلمين أنه من أهل النار أو أنه كافر، بدون العلم بما ختم الله له به.
حب الصحابة دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان
وتسمية حب الصحابة إيماناً مشكل على الشيخ رحمه الله؛ لأن الحب عمل القلب، وليس هو التصديق، فيكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وقد تقدم في كلامه: أن الإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، ولم يجعل العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وهذا هو المعروف من مذهب أبي حنيفة ، إلا أن تكون هذه التسمية مجازاً.
وقوله: (وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) تقدم الكلام في تكفير أهل البدع، وهذا الكفر نظير الكفر المذكور في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقد تقدم الكلام في ذلك.