شرح العقيدة الطحاوية [78]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ قوله: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم):

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا خلف كل بر وفاجر) رواه مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الدارقطني وقال: مكحول لم يلق أبا هريرة . وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه، وقد احتج به مسلم في صحيحه، وخرج له الدارقطني أيضاً وأبو داود عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم، بر أو فاجر، وإن هو عمل بالكبائر، والجهاد واجب مع كل أمير، بر أو فاجر، وإن عمل الكبائر).

وفي صحيح البخاري رحمه الله: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي ، وكذا أنس بن مالك ، وكان الحجاج فاسقاً ظالماً.

وفي صحيحه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله) أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها ].

صور الصلاة خلف الأئمة وأحكامها

في بداية هذا المقطع أحب أن أشير إلى أن الصلاة خلف أئمة المسلمين لها عند السلف أحكام تفصيلية، ذكر منها الشيخ ثمان صور أو تسع صور كل صورة لها حكم، ويمكن أن نوجز هذه الصور بما يلي:

فالصلاة خلف الإمام تختلف في حكمها بين الصلاة خلف الإمام الأعظم -الخليفة أو السلطان، أو من ينوبه-وبين الصلاة خلف الإمام الذي دون ذلك.

فأكثر الأحكام التي توجب الصلاة مطلقاً خلف كل إمام براً كان أو فاجراً تتعلق بالصلاة خلف الإمام الأكبر، أو الإمام المعين من قبل السلطان والإمام الأكبر، فهذا لا يجوز ترك الصلاة خلفه بحال من الأحوال.

ثانياً: أن من لم يعلم عنه البدعة -وهو مستور الحال- تجب الصلاة خلفه أيضاً مطلقاً، والسؤال عن حاله أو الشك في الصلاة خلفه بدعة.

وكل هذه قطعيات ليس فيها إلا استثناءات نادرة جداً ينبغي ألا يعول عليها؛ لأن الاستثناءات ينبغي ألا تسبق القواعد، فتجب الصلاة خلف من لا يعرف عنه بدعة، وكذلك مجهول الحال، فضلاً عن أن يكون إماماً معتبراً هذا أمر بدهي.

ثالثاً: صاحب البدعة غير المغلظة، وكذلك صاحب الكبيرة -كالظالم والفاسق- إذا كان والياً من ولاة المسلمين، أو معيناً من قبل أئمة المسلمين تشرع الصلاة خلفه إذا كان صاحب بدعة غير مغلظة، أو فاسقاً أو فاجراً أو ظالماً، سواءً كان سلطاناً أو عينه السلطان، فالصلاة خلفه مشروعة وواجبة إذا ترتب على البحث عن غيره مفسدة.

وكذلك صاحب البدعة الذي لا يدعو إلى بدعته يدخل في هذا الحكم.

رابعاً: صاحب البدعة المغلظة إن كان سلطاناً يصلى خلفه، وللسلف قولان في كونها تعاد أو لا تعاد، والراجح: أنها إذا كانت مغلظة مكفرة صلى خلفه، ثم تعاد الصلاة سراً.

ولذلك قيل: إن بعض السلف كانوا يصلون خلف المأمون ثم يعيدونها؛ لأنهم يرونه صاحب بدعة مغلظة داعياً إلى بدعته؛ لأنه قال بخلق القرآن وانتصر لذلك ودعا إليه، فكان بعض السلف يصلون خلفه لأنه إمام المسلمين ثم يعيدون الصلاة.

وهذه المسألة خلافية، ومبنى الخلاف على أن هناك من قال بأن المأمون لا يكفر بفعله؛ لأنه ملتبس عليه الأمر، والالتباس في تصرفاته واضح، يعني: لم يكن جازماً، وبعضهم يقول بأنه متأول، والمتأول لا يكفر وإن كانت بدعته مكفرة، فإذا كان كذلك فالأولى عدم إعادة الصلاة خلفه.

فإن قيل: ما الفرق بين ابن أبي دؤاد وبين المأمون وبدعتهما واحدة؟

فالجواب: أن ابن أبي دؤاد جهمي معتزلي خالص، والمأمون كان معتزلياً في هذه المسألة، وليس في أصول المعتزلة كلها، فهو لا يقول بالمنزلة بين المنزلتين، ولا يقول بالتوحيد، ولا يقول بالعدل، وإنما كان يقول بخلق القرآن، ومع ذلك كان متردداً، حتى إنه رجح قول المعتزلة ترجيحاً، لكن أثناء المناظرات ظهر تردده والتباس الأمر عليه، فهو متأول، ففرق بين المأمون وابن أبي دؤاد ، فـابن أبي دؤاد رأس ضلالة ورأس بدعة ومعتزلي خالص، وكان جهمياً تالفاً.

أما المأمون -وإن كان مبتلى بهذا الكلام عفا الله عنا وعنه- فإنه مع ذلك إمام المسلمين ومن أهل السنة، وليس بدعياً خالصاً، بمعنى: أنه لا يعد من أهل الاعتزال الخلص، ولا من الجهمية الخلص.

وقد كان الإمام أحمد يستغفر للمأمون ، ولاشك أن الإمام أحمد عامل المأمون على أنه إمام مسلم ويجب عليهم السمع والطاعة له، ويصلى خلفه، هذا مما لا شك فيه، ومن خالف في شيء من هذا فلا يعني أنه خالف في الأصل، فالأصل عند أهل السنة واضح.

خامساً: أن صاحب البدعة وصاحب الكبيرة إذا لم يكن سلطاناً أو معيناً من قبل الولاة؛ فإن وجد من هو أفضل منه فيجب العدول عنه إلى الأفضل، ما لم يترتب على ذلك مفسدة.

ففي أحيان كثيرة يكون الإمام عادياً يختاره جماعة، ولا تعلم السلطة، كما يحصل في بعض البلاد الإسلامية، فهذا هو الذي يجب فيه العدول عن المفضول إلى الفاضل.

وفي واقع حالنا الآن أغلب الأئمة يعينون من قبل جهة رسمية، فلا بد من اعتبار ذلك، فهم معينون من قبل ولي الأمر؛ لأن تعيين الإمام يكون من قبل الجهة المختصة من الوزارة المختصة بالمساجد ووزارة الشئون الإسلامية، وعلى هذا فأغلب الأئمة المعينون من قبل ولاتهم لا يتأتى العدول عن واحد منهم إلا بالتفاهم مع الجهات المسئولة، لكن الشخص إذا لم يرغب في الائتمام بأحدهم فهناك مساجد كثيرة، يعني: لا حرج عليه إذا رأى كبيرة ظاهرة في إمام من الأئمة أن يعدل عنه إلى إمام آخر ما لم يترتب على ذلك فتنة، فهذا أمر عادي ليس فيه حرج، لكن ليس لأحد أن ينصب دون ولاة الأمور، فما دام هناك جهات مسئولة فلا بد من الرجوع إليها.

ونحن نعلم أنه -بحمد الله- في هذا البلد يختار الأئمة بشكل جيد، ويندر أن يكون في بعضهم الصفات المحذورة، فلا بدع ولا كبائر، إلا النادر والنادر لا حكم له.

مجمل القول في صلاة المرء خلف الإمام

قال رحمه الله تعالى: [ اعلم -رحمك الله وإيانا- أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقاً باتفاق الأئمة، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟! بل يصلي خلف المستور الحال ].

لا يجوز امتحان الأئمة، بمعنى أنه يكون مستور الحال فتمتحنه وتسأله في العقيدة، فهذه بدعة، فما دام أنه يصلي في جماعة يعرفونه، وألفوه ورضوه؛ فلا يجوز أن تمتحنه، إلا أن تكون من أهل الحسبة أو من أهل الولاية ممن لهم سلطة.

ويلحق بهذه المسألة التوقف والتبين كما يفعل جماعة التوقف والتبين الذين بدءوا يظهرون بدعهم، يقول أحدهم: أنا أتوقف في الصلاة خلف أي إمام حتى يتبين لي الحال، حتى إن بعضهم يعد في البلد الواحد الكبير أو في المدينة الكبيرة أربعة أو خمسة أشخاص يصلي خلفهم، والبقية لا يعرف حالهم، وهذه بدعة من بدع الخوارج.

قال رحمه الله تعالى: [ ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه -كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك-؛ فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر؛ فهو مبتدع عند أكثر العلماء.

والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف ، وكذلك أنس رضي الله عنه كما تقدم، وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعاً، ثم قال: أزيدكم؟! فقال له ابن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة!

وفي الصحيح أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان : إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة؟! فقال: يا ابن أخي! إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.

والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب.

ومن ذلك: أن من أظهر بدعة وفجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين؛ فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه؛ فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية، ولم تفت المأموم الجمعة ولا الجماعة ].

كل هذا لا يتأتى إلا للمطاعين من الأئمة الكبار والعلماء المعتبرين، فلا يأتي طويلب علم ويطبق هذه القاعدة وهو مجهول مغمور، فلا ينفع فعله هذا بل قد يضر؛ لأن بعض الناس قد يجتهد ويقول: أنا أترك الصلاة خلف هذا الرجل من أجل أن يعرف الناس أنه صاحب بدعة وكذا وكذا، فنقول: إذا كنت إماماً متبوعاً وكلمتك مسموعة، وعملك هذا لا يؤدي إلى فتنة، فهذا لا حرج فيه.

إذاً: يشترط في مثل هذا أن يكون من إمام متبوع يطاع ويعتبر فعله وقوله وتصرفه، ويؤدي فعله هذا إلى نتيجة ولا يؤدي إلى فتنة ولا مفسدة.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة؛ فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم.

وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور، ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية، فهنا لا يترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلف الأفضل أفضل، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك، لكن إذا ولاه غيره، ولم يمكنه ].

يعني: كأن توليه السلطة أو الدولة، فلا يجوز للفرد أن يغيره إلا عن طريق الجهة المسئولة.

قال رحمه الله تعالى: [ لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر؛ فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجوراً، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة ].

هذه قواعد عظيمة يجب أن يدركها طلاب العلم، خاصة في الأزمان التي يقل فيها فهم هذه الأمور، فيجب أن تدرك وأن تشهر للناس؛ لأن الناس في وقتنا هذا بدأ خلطهم في هذه الأمور، واضطرابهم وعدم إدراكهم لفقه القواعد الشرعية، وهذه قواعد عظيمة عليها عمل السلف، حتى وإن وجدت بعض الشذوذات تخالفها، فلا اعتبار بذلك.

أعني: من أراد أن يتلقف من أقوال السلف وأفعالهم ما يخالف هذا فسيجد، لكنها أفعال قليلة، ومفسرة بأمور تتعلق بأحوال خاصة، ثم باجتهاد هذا الإمام، أو بحال يعلمها هو ولا يعلمها غيره، أو بأمر آخر غيبي لكن تبقى المناهج مناهجاً والأصول أصولاً، وأقصد بالمناهج مثل هذه الأمور التي ذكرتها والتي ذكرها الشارح.

هذه مناهج وأصول يجب اعتبارها في كل زمان، والناس الآن أحوج إليها من أي زمان مضى.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر، فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر ].

هذه أيضاً قاعدة.

قال رحمه الله تعالى: [ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر؛ فهو موضع اجتهاد العلماء: منهم من قال: يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد. وموضع بسط ذلك في كتب الفروع ].

في بداية هذا المقطع أحب أن أشير إلى أن الصلاة خلف أئمة المسلمين لها عند السلف أحكام تفصيلية، ذكر منها الشيخ ثمان صور أو تسع صور كل صورة لها حكم، ويمكن أن نوجز هذه الصور بما يلي:

فالصلاة خلف الإمام تختلف في حكمها بين الصلاة خلف الإمام الأعظم -الخليفة أو السلطان، أو من ينوبه-وبين الصلاة خلف الإمام الذي دون ذلك.

فأكثر الأحكام التي توجب الصلاة مطلقاً خلف كل إمام براً كان أو فاجراً تتعلق بالصلاة خلف الإمام الأكبر، أو الإمام المعين من قبل السلطان والإمام الأكبر، فهذا لا يجوز ترك الصلاة خلفه بحال من الأحوال.

ثانياً: أن من لم يعلم عنه البدعة -وهو مستور الحال- تجب الصلاة خلفه أيضاً مطلقاً، والسؤال عن حاله أو الشك في الصلاة خلفه بدعة.

وكل هذه قطعيات ليس فيها إلا استثناءات نادرة جداً ينبغي ألا يعول عليها؛ لأن الاستثناءات ينبغي ألا تسبق القواعد، فتجب الصلاة خلف من لا يعرف عنه بدعة، وكذلك مجهول الحال، فضلاً عن أن يكون إماماً معتبراً هذا أمر بدهي.

ثالثاً: صاحب البدعة غير المغلظة، وكذلك صاحب الكبيرة -كالظالم والفاسق- إذا كان والياً من ولاة المسلمين، أو معيناً من قبل أئمة المسلمين تشرع الصلاة خلفه إذا كان صاحب بدعة غير مغلظة، أو فاسقاً أو فاجراً أو ظالماً، سواءً كان سلطاناً أو عينه السلطان، فالصلاة خلفه مشروعة وواجبة إذا ترتب على البحث عن غيره مفسدة.

وكذلك صاحب البدعة الذي لا يدعو إلى بدعته يدخل في هذا الحكم.

رابعاً: صاحب البدعة المغلظة إن كان سلطاناً يصلى خلفه، وللسلف قولان في كونها تعاد أو لا تعاد، والراجح: أنها إذا كانت مغلظة مكفرة صلى خلفه، ثم تعاد الصلاة سراً.

ولذلك قيل: إن بعض السلف كانوا يصلون خلف المأمون ثم يعيدونها؛ لأنهم يرونه صاحب بدعة مغلظة داعياً إلى بدعته؛ لأنه قال بخلق القرآن وانتصر لذلك ودعا إليه، فكان بعض السلف يصلون خلفه لأنه إمام المسلمين ثم يعيدون الصلاة.

وهذه المسألة خلافية، ومبنى الخلاف على أن هناك من قال بأن المأمون لا يكفر بفعله؛ لأنه ملتبس عليه الأمر، والالتباس في تصرفاته واضح، يعني: لم يكن جازماً، وبعضهم يقول بأنه متأول، والمتأول لا يكفر وإن كانت بدعته مكفرة، فإذا كان كذلك فالأولى عدم إعادة الصلاة خلفه.

فإن قيل: ما الفرق بين ابن أبي دؤاد وبين المأمون وبدعتهما واحدة؟

فالجواب: أن ابن أبي دؤاد جهمي معتزلي خالص، والمأمون كان معتزلياً في هذه المسألة، وليس في أصول المعتزلة كلها، فهو لا يقول بالمنزلة بين المنزلتين، ولا يقول بالتوحيد، ولا يقول بالعدل، وإنما كان يقول بخلق القرآن، ومع ذلك كان متردداً، حتى إنه رجح قول المعتزلة ترجيحاً، لكن أثناء المناظرات ظهر تردده والتباس الأمر عليه، فهو متأول، ففرق بين المأمون وابن أبي دؤاد ، فـابن أبي دؤاد رأس ضلالة ورأس بدعة ومعتزلي خالص، وكان جهمياً تالفاً.

أما المأمون -وإن كان مبتلى بهذا الكلام عفا الله عنا وعنه- فإنه مع ذلك إمام المسلمين ومن أهل السنة، وليس بدعياً خالصاً، بمعنى: أنه لا يعد من أهل الاعتزال الخلص، ولا من الجهمية الخلص.

وقد كان الإمام أحمد يستغفر للمأمون ، ولاشك أن الإمام أحمد عامل المأمون على أنه إمام مسلم ويجب عليهم السمع والطاعة له، ويصلى خلفه، هذا مما لا شك فيه، ومن خالف في شيء من هذا فلا يعني أنه خالف في الأصل، فالأصل عند أهل السنة واضح.

خامساً: أن صاحب البدعة وصاحب الكبيرة إذا لم يكن سلطاناً أو معيناً من قبل الولاة؛ فإن وجد من هو أفضل منه فيجب العدول عنه إلى الأفضل، ما لم يترتب على ذلك مفسدة.

ففي أحيان كثيرة يكون الإمام عادياً يختاره جماعة، ولا تعلم السلطة، كما يحصل في بعض البلاد الإسلامية، فهذا هو الذي يجب فيه العدول عن المفضول إلى الفاضل.

وفي واقع حالنا الآن أغلب الأئمة يعينون من قبل جهة رسمية، فلا بد من اعتبار ذلك، فهم معينون من قبل ولي الأمر؛ لأن تعيين الإمام يكون من قبل الجهة المختصة من الوزارة المختصة بالمساجد ووزارة الشئون الإسلامية، وعلى هذا فأغلب الأئمة المعينون من قبل ولاتهم لا يتأتى العدول عن واحد منهم إلا بالتفاهم مع الجهات المسئولة، لكن الشخص إذا لم يرغب في الائتمام بأحدهم فهناك مساجد كثيرة، يعني: لا حرج عليه إذا رأى كبيرة ظاهرة في إمام من الأئمة أن يعدل عنه إلى إمام آخر ما لم يترتب على ذلك فتنة، فهذا أمر عادي ليس فيه حرج، لكن ليس لأحد أن ينصب دون ولاة الأمور، فما دام هناك جهات مسئولة فلا بد من الرجوع إليها.

ونحن نعلم أنه -بحمد الله- في هذا البلد يختار الأئمة بشكل جيد، ويندر أن يكون في بعضهم الصفات المحذورة، فلا بدع ولا كبائر، إلا النادر والنادر لا حكم له.