Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح العقيدة الطحاوية [7]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فالتوحيد أول الأمر وآخره، أعني توحيد الإلهية، فإن التوحيد يتضمن ثلاثة أنواع:

أحدها: الكلام في الصفات.

والثاني: توحيد الربوبية، وبيان أن الله وحده خالق كل شيء.

والثالث: توحيد الإلهية: وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له].

مما ينبغي التنبيه عليه في هذا التقسيم -وسيرد كثيراً في ثنايا الطحاوية، بل في كثير من كتب العقيدة المتأخرة- أن هذا التقسيم لا يعني تنوع التوحيد، ولا يعني أن التوحيد يتجزأ، فالتوحيد واحد لا يتجزأ، لا من حيث العمل ولا من حيث الاعتقاد، ولا يسع أي مسلم أن يعتقد نوعاً ويترك الآخر، أو أن يقول: هذا هو المعتقد والباقي يمكن أن يتساهل فيه، إذاً: فتقسيم التوحيد إلى توحيد أسماء وصفات وربوبية وإلهية، أو توحيد خبر وتوحيد طلب، ونحو هذا من التقسيمات؛ تقسيم علمي توضيحي تفسيري فقط من أجل تمييز مباحث التوحيد الذي اختل مفهومه عند الفرق؛ لأن منشأ هذا التقسيم العلمي هو أن الفرق المفترقة فرقت بين أنواع التوحيد، فوقفت عند قسم واحد وتركت الأقسام الأخرى، فغاية ما يهتم به أغلب أتباع الفرق هو توحيد الربوبية الذي يعترف به المشركون، فهؤلاء إذا فسروا ألفاظ التوحيد ومعاني التوحيد وحقائق التوحيد ومطالب التوحيد قصروها على توحيد الربوبية، فمن هنا اضطر السلف إلى تنويع معاني التوحيد العلمية الفنية كما يسمى في العصر الحديث، فهذا تقسيم فني تقريبي فقط وليس تقسيماً ذاتياً حقيقياً، لأن التوحيد واحد لا يتجزأ، وهو أيضاً من حيث الاعتقاد والعمل لا فرق فيه، فهذه الأنواع الثلاثة كلها لا يمكن أن يكتمل الإسلام والدين والتوحيد إلا بها جميعاً.

قال رحمه الله تعالى: [أما الأول: فإن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد، كـالجهم بن صفوان ومن وافقه، فإنهم قالوا: إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب!].

الواجب هنا معناه: الموصوف، فقولهم: إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب يعني: تعدد الموصوف؛ لأنهم قسموا الوجود إلى واجب وجائز، أو واجب وممكن، وهذا تقسيم فلسفي عجيب.

وسبب ذلك الفرار من أسماء الله وصفاته، لا يرغبون في أن يسمى الله الأول والآخر والصمد ونحو ذلك مما ثبتت في النصوص، بل يقولون: واجب الوجود، يعني: أن وجوده أمر أزلي قطعي ضروري من أجل أن يكون هو مصدر الموجودات، وكأن هذا التزام عقلي فقط.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة؛ فإن إثبات ذات مجردة عن جميع الصفات لا يتصور لها وجود في الخارج، وإنما الذهن قد يفرض المحال ويتخيله، وهذا غاية التعطيل].

هذه فلسفة تقوم عليها أكثر أصول الفرق المؤولة والمتكلمة، فلسفة تعدد الواجب، أو الكلام عن واجب الوجود وجائز الوجود، أو عن نفي أسماء الله وصفاته، وأنها لا بد من أن تنفى دفعاً لتعدد الموصوف.. إلى آخره، هذه كلها فلسفة قديمة قبل الإسلام موجودة إلى الآن في الأمم، وإلى الآن تدرس في المدارس الغربية على أنها فلسفة ثابتة مستقرة عندهم، فهذه الفلسفة تقوم على تصور وجود الله وجوداً خيالياً فقط، لأنهم ظنوا أن الذات لا بد من أن تشبه ذوات المخلوقات، فمن هنا نفوا ذات الله، ونفي الذات كاد يتفق عليه الفلاسفة وغلاة المتكلمين كالجهمية وغلاة المعتزلة، يكادون يتفقون على إنكار ذات الله، حتى المتكلمين من الأشاعرة تكلموا في الصفات بطريقة تؤدي إلى إنكار الذات، لكن ليس بطريق مباشر كما يقول الجهمية، فالجهمية لا يتورعون عن إنكار الذات، فلما أنكروا الذات تبعاً للفلسفة القديمة -حيث إنهم يتشبعون بالفلسفة قبل أن يأخذوا الكتاب والسنة- وردت عليهم ألفاظ الشرع التي فيها أسماء الله وصفاته، فألزمهم هذا بأن يكون لله ذات موصوفة ومسماة، فلما وجدوا هذا الإلزام قالوا: هذه الألفاظ ألفاظ مجردة لا تدل على موصوف فقيل لهم: لماذا لا تثبتون أسماء الله تعالى؟! فقالوا: لأنها متعددة، وتعدد الصفة يدل على تعدد الموصوف، والله لا يمكن أن يتعدد، مع أن هذه بدهية لا يصح أن تقال؛ فالمخلوق ألا تتعدد صفاته؟! أليس الإنسان فيه حلم وعلم وإرادة وحكمة وكلام وسمع وبصر وهو إنسان واحد؟! فهم قالوا: إذا تعددت الصفات دل هذا على تعدد الموصوف، فقيل لهم: ما دليلكم؟ فلم يكن لهم دليل، وليس عندهم من دليل إلا أنهم يعتمدون على الفلسفة التي تقول: إن تعدد الصفات يدل على تعدد وجوه الموصوف.

وربما لا يجرءون على أن يقولوا بأن تعدد الصفات يدل على أن الموصوف لا بد من أن يكون موجوداً وجوداً ذاتياً مبايناً منفصلاً عن المخلوقات، وأن وجوده لا بد من أن يكون في العلو وفوق خلقه.. إلى آخره، فهذه المستلزمات كلها توصلهم إلى الإقرار بالاستواء والإقرار بالرؤية، فهروباً من هذه الأمور كلها قالوا: هذه الأسماء والصفات لا تدل على موصوف، وإنما هي ألفاظ افتراضية تقال من أجل ضبط سلوك الناس، ومن أجل تعلق الناس بشيء غيبي يضبط سلوكهم، لكن أن يكون هذا الموجود له وجود ذاتي مستقل وأسماء وصفات غير حاصل، هذا زعمهم، وهذه مقولة فلسفية قديمة اعتمدت عليها الجهمية ثم المعتزلة ومن جاء بعدهم.

القول بالحلول والاتحاد

قال رحمه الله تعالى: [وهذا القول قد أفضى بقوم إلى القول بالحلول أو الاتحاد].

الحلول والاتحاد بينهما بعض الفرق، وبعض الناس -أيضاً- يفرق بين ثلاثة ألفاظ ستأتي، فبين هذه المعاني وجوه تشابه ووجوه اختلاف، وسنقف عند الحلول والاتحاد، فالحلول يقصد به عند كل الأمم التي تقول به وعند حلولية الباطنية وحلولية الفلاسفة والفرق التي ظهرت في الإسلام: أن الله حال في كل شيء، وأنه ممتزج بالأشياء كامتزاج الروح بالجسد، وكامتزاج الماء بالعجين، تعالى الله عما يقولون، وهذا يؤدي إلى القول بأن الله خلق الخلق في الله، فيؤدي إلى وحدة الوجود.

أما كلمة الاتحاد فتعني ما هو أبلغ من ذلك، تعني: أن الخالق متحد بالمخلوق، فهو هو لا فرق بينهما، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [وهو أقبح من كفر النصارى؛ فإن النصارى خصوه بالمسيح ، وهؤلاء عموا جميع المخلوقات].

كفر الحلولية والاتحادية - كـابن عربي ومن نحا نحوه- أكبر من كفر النصارى؛ لأن النصارى زعموا أن واحداً من البشر حل فيه الله فقط، فالنصارى قالوا: عيسى هو الذي حلت فيه روح الله، أما هؤلاء الزنادقة فقالوا: الله حل في جميع المخلوقات حتى ما لا يليق ذكره، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [ومن فروع هذا التوحيد: أن فرعون وقومه كاملو الإيمان، عارفون بالله على الحقيقة!].

يقصد بالفروع هنا اللوازم، فهو بدأ باللوازم، يعني: لوازم القول بأن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب، ومن هنا أنكروا الصفات، فقولهم بإثبات ذات مجردة عن جميع الصفات، أو قولهم بإثبات وجود غير وجود الذات أدى إلى لوازم:

اللازم الأول: هو الذي ذكره بقوله: إنه يؤدي إلى الحلول والاتحاد؛ لأنه -كما قال السلف- من ادعى أن الله ليس له أسماء ولا صفات، أو قال ببعض الأسماء، أو أنكر الأسماء وأثبت الصفات أو العكس، أو قال بأن الله موصوف بالصفات لكن هذه الصفات ليس لها معان، كأن يقول بأن الاستواء لا يقصد به الاستواء، أو قال بأن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالفوق، ولا بأنه داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين ولا محايث، وليس له وجود ذاتي، ولا هو غير المخلوقات ولا هو هي، وليس بعرض ولا بجوهر؛ فإلى أي شيء تؤدي لآته هذه؟!

والجواب: إلى لا شيء، وهذا ما يريده الفلاسفة، فالجهمي لا يتورع عن أن يقول: إن الله لا شيء! بل قال الجهم بن صفوان : إن الله ليس بشيء! فهم لا يتورعون، وإنما الكلام فيما يلزمهم من لوازم.

يقول: إن من لوازم هذا القول: أنهم إذا قالوا بأن الله ليس كذا ولا كذا ولا كذا؛ فهذا يعني أنهم إن اعترفوا بوجود الله فأين سيكون؟! فهذا يؤدي إلى الحلول والاتحاد ولا بد، فإنكارهم أن يكون الله القاهر فوق عباده، وأنه سبحانه العلي بذاته، وأنه مستو على عرشه مع قولهم بوجود الله يعني أنه لا مقر لهذا الوجود إلا المخلوقات، فيكون الله عندهم حل بالمخلوقات أو اتحد بها تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

اعتبار فرعون وقومه كاملي الإيمان

ومن اللوازم أن فرعون وقومه كاملو الإيمان؛ لأن فرعون حينما زعم أنه هو رب الناس ما قال إلا الحقيقة؛ فحينما ألزمناهم بالقول بالحلول والاتحاد كان مؤدى ذلك أن الله حل في فرعون وغيره، فحينما قال: أنا الله فقد قال الحقيقة، والعجيب أن هذه المقولة انتصر لها أبرز حلولية المتصوفة، وهو ابن عربي ، يقول بأن فرعون مؤمن، وله كتاب في هذا اسمه: (إيمان فرعون)، وهذا الكتاب موجود مطبوع، وأرجو -إن شاء الله- ألا تروه ولا تقرءوه، وقد حصلت عليه، وفلسفته موجودة إلى اليوم في فلاسفة الصوفية، كـمصطفى محمود ومن نحا نحوه، يقولون بأن فرعون والحلاج وأمثالهما الذين ظهروا في التاريخ هم عباد لله، لكنهم شطحوا وتهوروا حينما أعلنوا الحقيقة، فالحقيقة لا يدركها إلا الخلص من البشر الذين يعرفون أن الله هو كل شيء، وكل شيء هو الله، وأنهم هم الله والله هم! هذه الحقيقة لا تدركها العامة، فحينما أعلنها فرعون تهور فعاقبه الله بالغرق، وهذه عقوبة شكلية فقط، وإلا فهو مؤمن.

والحلاج حينما قال: ما في الجبة إلا الله بزعمهم؛ قالوا: لأن الحلاج هو الله، لكنه أعلن الحقيقة أمام العامة، وسبب ذلك أنه ما استطاع أن يلغي الحقيقة حينما وصل إليها، فتهور وأعلنها أمام العامة، وهم لا يقصدون بالعامة العوام، فبعض الناس يظن أنهم إذا قالوا: العامة يقصدون العوام الجهلة عندنا، وليس كذلك؛ بل يقصدون بالعامة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، فهؤلاء هم العامة عندهم وليس العوام، بل بعض العوام هم وإياهم على حال واحدة؛ لأنهم قد يطيعونهم ويسلمون لهم بغير شعور، وارجعوا إلى كتبهم فستجدون هذا المفهوم عندهم، يقصدون بالعامة علماء الشريعة، لذلك يسمون علم الشرع علم العامة، وهذا اللفظ موجود في كتب الصوفية إلى يومنا هذا، ومن الذي جاء به؟! أليس الأنبياء؟! يسمونه علم العامة، وعلم المساكين يقصدون بهذا أن الحقائق لا يدركها إلا الخلص الذين هم من الملاحدة والزنادقة.

اعتبار صحة مذهب عباد الأصنام

قال رحمه الله تعالى: [ومن فروعه: أن عباد الأصنام على الحق والصواب، وأنهم إنما عبدوا الله لا غيره!

ومن فروعه: أنه لا فرق في التحريم والتحليل بين الأم والأخت والأجنبية، ولا فرق بين الماء والخمر، والزنا والنكاح، الكل من عين واحدة، لا بل هو العين الواحدة].

ذلك لأن من لم يفرق بين الخالق والمخلوق فمن باب أولى أن لا يفرق بين المخلوقات، أليس كذلك؟!

فالفاسد والصالح واحد، والحلال والحرام واحد؛ لأن الأعيان واحدة، فهذا يؤدي من باب الإلزام إلى هذه النتيجة.

اعتبار الرسالات تضييقاً على الناس

قال رحمه الله تعالى: [ومن فروعه أن الأنبياء ضيقّوا على الناس، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً]؛ لأنهم حينما أحلوا أشياء وحرموا أشياء، وقالوا: هذه الأعيان فاسدة محرمة، وهذه الأعيان صالحة حلال، وهذا ما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، والله له حقوقه على عباده، فكأن الأنبياء ضيقوا على الناس حين جاءوا بأمور ليس لها أصل، كذا يزعمون، ويؤدي قولهم إلى هذه المزاعم؛ لأن من زعم أن الأعيان واحدة وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق فمعنى هذا: أن ما جاء به الأنبياء من أن الله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق، وله حق العبودية والطاعة والتسليم، وأن ما أحله الله هو الحلال، وما حرم الله هو الحرام، كل تلك الأحكام التي جاء بها الأنبياء -إذا قلنا بأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق- تكون من باب اللغو والتكلف والتضييق على الناس، وهذا من باب الإلزام العقلي، وإلا فهم قد لا يدعون هذا؛ لأنهم يخافون على رقابهم، وقد لا يصرحون بالكفر، لكن يلبسون الحق بالباطل.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا القول قد أفضى بقوم إلى القول بالحلول أو الاتحاد].

الحلول والاتحاد بينهما بعض الفرق، وبعض الناس -أيضاً- يفرق بين ثلاثة ألفاظ ستأتي، فبين هذه المعاني وجوه تشابه ووجوه اختلاف، وسنقف عند الحلول والاتحاد، فالحلول يقصد به عند كل الأمم التي تقول به وعند حلولية الباطنية وحلولية الفلاسفة والفرق التي ظهرت في الإسلام: أن الله حال في كل شيء، وأنه ممتزج بالأشياء كامتزاج الروح بالجسد، وكامتزاج الماء بالعجين، تعالى الله عما يقولون، وهذا يؤدي إلى القول بأن الله خلق الخلق في الله، فيؤدي إلى وحدة الوجود.

أما كلمة الاتحاد فتعني ما هو أبلغ من ذلك، تعني: أن الخالق متحد بالمخلوق، فهو هو لا فرق بينهما، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [وهو أقبح من كفر النصارى؛ فإن النصارى خصوه بالمسيح ، وهؤلاء عموا جميع المخلوقات].

كفر الحلولية والاتحادية - كـابن عربي ومن نحا نحوه- أكبر من كفر النصارى؛ لأن النصارى زعموا أن واحداً من البشر حل فيه الله فقط، فالنصارى قالوا: عيسى هو الذي حلت فيه روح الله، أما هؤلاء الزنادقة فقالوا: الله حل في جميع المخلوقات حتى ما لا يليق ذكره، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [ومن فروع هذا التوحيد: أن فرعون وقومه كاملو الإيمان، عارفون بالله على الحقيقة!].

يقصد بالفروع هنا اللوازم، فهو بدأ باللوازم، يعني: لوازم القول بأن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب، ومن هنا أنكروا الصفات، فقولهم بإثبات ذات مجردة عن جميع الصفات، أو قولهم بإثبات وجود غير وجود الذات أدى إلى لوازم:

اللازم الأول: هو الذي ذكره بقوله: إنه يؤدي إلى الحلول والاتحاد؛ لأنه -كما قال السلف- من ادعى أن الله ليس له أسماء ولا صفات، أو قال ببعض الأسماء، أو أنكر الأسماء وأثبت الصفات أو العكس، أو قال بأن الله موصوف بالصفات لكن هذه الصفات ليس لها معان، كأن يقول بأن الاستواء لا يقصد به الاستواء، أو قال بأن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالفوق، ولا بأنه داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين ولا محايث، وليس له وجود ذاتي، ولا هو غير المخلوقات ولا هو هي، وليس بعرض ولا بجوهر؛ فإلى أي شيء تؤدي لآته هذه؟!

والجواب: إلى لا شيء، وهذا ما يريده الفلاسفة، فالجهمي لا يتورع عن أن يقول: إن الله لا شيء! بل قال الجهم بن صفوان : إن الله ليس بشيء! فهم لا يتورعون، وإنما الكلام فيما يلزمهم من لوازم.

يقول: إن من لوازم هذا القول: أنهم إذا قالوا بأن الله ليس كذا ولا كذا ولا كذا؛ فهذا يعني أنهم إن اعترفوا بوجود الله فأين سيكون؟! فهذا يؤدي إلى الحلول والاتحاد ولا بد، فإنكارهم أن يكون الله القاهر فوق عباده، وأنه سبحانه العلي بذاته، وأنه مستو على عرشه مع قولهم بوجود الله يعني أنه لا مقر لهذا الوجود إلا المخلوقات، فيكون الله عندهم حل بالمخلوقات أو اتحد بها تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

ومن اللوازم أن فرعون وقومه كاملو الإيمان؛ لأن فرعون حينما زعم أنه هو رب الناس ما قال إلا الحقيقة؛ فحينما ألزمناهم بالقول بالحلول والاتحاد كان مؤدى ذلك أن الله حل في فرعون وغيره، فحينما قال: أنا الله فقد قال الحقيقة، والعجيب أن هذه المقولة انتصر لها أبرز حلولية المتصوفة، وهو ابن عربي ، يقول بأن فرعون مؤمن، وله كتاب في هذا اسمه: (إيمان فرعون)، وهذا الكتاب موجود مطبوع، وأرجو -إن شاء الله- ألا تروه ولا تقرءوه، وقد حصلت عليه، وفلسفته موجودة إلى اليوم في فلاسفة الصوفية، كـمصطفى محمود ومن نحا نحوه، يقولون بأن فرعون والحلاج وأمثالهما الذين ظهروا في التاريخ هم عباد لله، لكنهم شطحوا وتهوروا حينما أعلنوا الحقيقة، فالحقيقة لا يدركها إلا الخلص من البشر الذين يعرفون أن الله هو كل شيء، وكل شيء هو الله، وأنهم هم الله والله هم! هذه الحقيقة لا تدركها العامة، فحينما أعلنها فرعون تهور فعاقبه الله بالغرق، وهذه عقوبة شكلية فقط، وإلا فهو مؤمن.

والحلاج حينما قال: ما في الجبة إلا الله بزعمهم؛ قالوا: لأن الحلاج هو الله، لكنه أعلن الحقيقة أمام العامة، وسبب ذلك أنه ما استطاع أن يلغي الحقيقة حينما وصل إليها، فتهور وأعلنها أمام العامة، وهم لا يقصدون بالعامة العوام، فبعض الناس يظن أنهم إذا قالوا: العامة يقصدون العوام الجهلة عندنا، وليس كذلك؛ بل يقصدون بالعامة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، فهؤلاء هم العامة عندهم وليس العوام، بل بعض العوام هم وإياهم على حال واحدة؛ لأنهم قد يطيعونهم ويسلمون لهم بغير شعور، وارجعوا إلى كتبهم فستجدون هذا المفهوم عندهم، يقصدون بالعامة علماء الشريعة، لذلك يسمون علم الشرع علم العامة، وهذا اللفظ موجود في كتب الصوفية إلى يومنا هذا، ومن الذي جاء به؟! أليس الأنبياء؟! يسمونه علم العامة، وعلم المساكين يقصدون بهذا أن الحقائق لا يدركها إلا الخلص الذين هم من الملاحدة والزنادقة.

قال رحمه الله تعالى: [ومن فروعه: أن عباد الأصنام على الحق والصواب، وأنهم إنما عبدوا الله لا غيره!

ومن فروعه: أنه لا فرق في التحريم والتحليل بين الأم والأخت والأجنبية، ولا فرق بين الماء والخمر، والزنا والنكاح، الكل من عين واحدة، لا بل هو العين الواحدة].

ذلك لأن من لم يفرق بين الخالق والمخلوق فمن باب أولى أن لا يفرق بين المخلوقات، أليس كذلك؟!

فالفاسد والصالح واحد، والحلال والحرام واحد؛ لأن الأعيان واحدة، فهذا يؤدي من باب الإلزام إلى هذه النتيجة.