أرشيف المقالات

الشجرة الملعونة في التاريخ

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
واليهود أضلُّ الملل، لاح في ديانتها العوج والخلل، أبان الله في كتابه أحوالهم تصريحاً وإسهاباً، إيماءً واقتضاباً، في مئات الآيات، ووصفهم وصفاً مطابقاً عادلاً، حذَّر منهم ووضعهم في مقدمة صفوف أعداء المؤمنين {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82]
واجهوا الإسلام بالعداء والإباء، واحتضنوا النفاق والمنافقين، وحرضوا المشركين وتآمروا معهم ضد المسلمين، اكتوى المسلمون بنار عداوتهم وكيدهم، تطاولت ألسنة السفهاء منهم على خالقهم، جمع لهم نبيُّهم بين الأمر والنهي والبشارة والنذارة، فقابلوه أقبح مقابلة، كانوا معه في أفسح الأمكنة وأرحبها وأطيبها هواءً، سقفُهم الذي يلظهم من الشمس الغمام، وطعامهم السلوى طيرٌ من ألذِّ الطيور، وشرابهم من العسل، ويتفجَّر لهم من الحجر اثنتا عشرة عيناً من الماء، فكفروا النعم وسألوه الاستبدال بما هو دون ذلك، طلبوا الثوم والبصل والعدس والقثاء، وهذا من قلة عقلهم وقصور فهمهم، يعتقدون الصواب والحق مع من يشدِّد ويضيِّق عليهم، عُرضت عليهم التوراة فلم يقبلوها، أمر الله جبريل عليه السلام، فقلع جبلاً من أصله على قدرهم، ثم رفعه فوق رؤوسهم، وقيل لهم : إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم ، فقبلوها كُرهاً {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف:171] 
ولما بُعث نبينا محمدٌ حرَّضوا الناس عليه وقاتلوه، آذوه عليه الصلاة والسلام، وتآمروا على قتله والغدر به مراراً، همُّوا بإلقاء حجر كبير عليه في بني النضير من أعلى بيتٍ كان يجلس تحته، فأتاه خبر السماء، وأهدوا إليه شاة مشوية فيها سمٌّ، فلاك منها عليه الصلاة والسلام شيئاً، وضلَّ متأثراً بما لاكه منها حتى توفي، ومكروا به فسحروه حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعل، فكفاه الله وخلّصه من ذلك، قوم يُشعلون الفتن ، ويوقدون الحروب، ويبثُّون الضغائن، ويثيرون الأحقاد والعداوات { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ } [المائدة:64] يكتمون الحق، ويحرفون الكلم عن مواضعه، أصحاب تلبيس ومكر وتدليس { يا أَهْلَ الْكِتَـابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَـاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [آل عمران:71] ينقضون العهود، وينكثون المواثيق، قتلوا عدداً من الأنبياء الذين لا تُنال الهداية إلا على أيديهم، بالذبح تارة، والنشر بالمناشير أخرى، أراقوا دم يحيا، ونشروا بالمنشار زكريا، وهمُّوا بقتل عيسى، وحاولوا قتل محمد مراتٍ، ولا خير فيمن قتل نبياً { أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } [البقرة:87]
اليهود لنِعم الله وآلائه جاحدون، إن أحسنت إليهم أساؤوا، وإن أكرمتهم تمرّدوا، نجاهم الله من الغرق مع موسى فلم يشكروا الله، بل سألوا موسى إباءً واستكباراً أن يجعل لهم إلهً غير الله، يعبدون الله على ما يهوون، ولأنبيائه لا يوقِّرون، قالوا لنبيهم : لن نؤمن لك حتى نرى الله بأعيننا جهرة {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الذاريات:44] قوم حُساد، إن رأوا نعمةً بازغة على غيرهم سعوا لنزعها، وفي زعمهم أنهم أحق بها، يقول النبي  «إن اليهود قومُ حسد» [ رواه ابن خزيمة ] دمروا الشعوب والأفراد بالربا، يستمتعون بأكل الحرام، يستنزفون ثروات المسلمين بتدمير اقتصادهم، وإدخال المحرمات في تعاملهم، يفتكون بالمسلمين لإفلاسهم، ويسعون إلى فقرهم، يتعالون على الآخرين، بالكبر تارة، وبالازدراء أخرى، يتعاظمون على المسلمين عند ضعفهم، ويَذِلّون عند قوّتهم، في أنفسهم أنهم شعب الله المختار، وغيرهم خدمٌ لهم، إنما خُلقوا لقضاء حاجاتهم، ألسنتهم لا تتنزه عن الكذب والفحش والبَذاء، قالوا عن العظيم سبحانه : يده مغلولة، وقالوا عن الغني تعالى : إنه فقير ونحن أغنياء، ورموا عيسى وأمه بالعظائم، وقالوا عن المصطفى إنه ساحر وكذاب، تتابعت عليهم اللعنات، وتوالت عليهم العقوبات، افتتنوا بالمرأة ونشروا التحلل والسفور، يقول النبي «أول فتنة بني إسرائيل في النساء » [ رواه مسلم ] دعَوا إلى الإباحية والفساد مع التستُّر تحت شعارات خداعة كالحرية والمساواة، والإنسانية والإخاء، يفتكون بالشباب المسلم، ويغرونه بالمرأة والرذائل، فُتنوا بالمرأة، ويعملون جاهدين لفتنة غيرهم بها، ضاعفوا جهودهم لإخراج جيل من المسملين خُواء، لا عقيدة له ولا مبادئ، ولا أخلاق له ولا مروآت، يلوِّثون عقول الناشئة بتهييج الغرائز الملذات، تارة بالمرئيات، وأخرى بالفضائيات، يحسدون المرأة المسلمة على سترها وحيائها، يدعونها إلى السفور والتحلل من قيمها، ويزيِّنون لها مشابهة نسائهم في ملبسها ومعاملتها، ليحرفوها عن فطرتها، يزيِّنون للشباب والمرأة الشهوات ، لينسلخ الجميع عن دينه وقيمه، فيبقى أسيراً للشهوات والملذات، قال الله عنهم {وَيَسْعَوْنَ فِى الأرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64] يهدفون لِهدم الأسرة المسلمة، وتفكيك الروابط والأسس الدينية والاجتماعية، لتصبح أمةً لا خطام لها ولا لجام، ينشرون فيها الرذائل والفواحش، ويدمِّرون الفضائل والمحاسن { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ النَّاسِ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } [آل عمران:112] جُبناءُ عند اللقاء، قالوا لموسى { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَـاهُنَا قَـاعِدُونَ } [المائدة:24] يفرون من الموت ، ويخشون القتال { لاَ يُقَـاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } [الحشر:14] يحبون الحياة، ويفتدون لبقائها، ذهبوا في كفرهم شيعاً لا يحصون { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } [الحشر:14] اختلافهم بينهم شديد ، ونزاعهم كليل، الألفة والمحبة بينهم مفقودة إلى قيام الساعة ، قال تعالى { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ } [المائدة:64] طمَّ بغيهم، وعمَّ فسادهم ، لا تُحصى فضائحهم ، ولا تُعد قبائحهم ، أكثر أتباع الدجال ، أمرنا الله بالاستعاذة من طريقهم في كل يوم سبع عشرة مرة فرضاً ، أفبعد هذا أهم شعب الله المختار أم هم أبناء الله وأحباؤه؟! ظلمٌ في الأراضي المقدسة ، إجلاءٌ من المساكن ، تشريدٌ من الدور ، هدمٌ للمنازل ، قتلٌ للأطفال ، اعتداءٌ على الأبرياء ، استيلاءٌ على الممتلكات ، نقض للعهود ، غدرٌ في المواعيد ، استخفاف بالمسلمين ، هتكٌ لمقدساتهم ، واغتيال لرموز المصلحين ، فالنصر عليهم لن يتحقق إلا برايةٍ يستظل فيها المقاتلون براية التوحيد ، ولن يكون إلا بالأخذ بالأسباب ، والرجوع إلى الله ، وتقوية الصلة به سبحانه ، قال تعالى { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَـالَهُمْ } [محمد:7، 8] وبهذا تقوى الأمة ، وتُرهب عدوها ، وإذا انغمست الأمة في عصيانها وغفلتها وبُعدها عن خالقها، فالأقصى عنها يُقصى، فعلينا إصلاح أنفسنا من الداخل بالتسلح بسلاح العقيدة قولاً وعملاً وواقعاً، ولنحذر دسائس اليهود في تدمير المسلمين، وواجبٌ علينا الحفاظ على شبابنا وصونهم من المغريات والمحرمات، والاهتمام بنسائنا ، وشغلُهن بما ينفعهن في دينهن، وعدم تعريضهن للفتن ، ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط، وتحصين الجميع بالعلوم الشرعية ، وتكثيف ذلك في دور التعليم ، مع حسن الرعاية وكمال الأمانة في القيام بهم، وعلينا السعي إلى إصلاح الأسرة المسلمة ، وأن لا نهزمها من داخل أروقتها بما تتلقاه مما يعرضه أعداؤها عليها ، ففي مراحل التاريخ لا يخلو منه عِقد إلا ولليهود في الإفساد يد. 

سلمان بن يحي المالكي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢