أسئلة وأجوبة حول الإسلام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعــد:

فهذه أجوبة على بعض الأسئلة المقدمة من بعض المدعوين إلى الإسلام، نستعين الله تبارك وتعالى في الإجابة عليها بما تيسر.

السؤال: ما هو الاختلاف بين الدين الإسلامي والدين المسيحي؟

الجواب: إن الديانات السماوية التي نـزلت من عند الله تعالى عقيدتها واحدة، فالعقيدة التي جاء بها موسى هي العقيدة التي جاء بها عيسى، وهي العقيدة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وهي العقيدة التي جاء بها جميع الأنبياء والمرسلين من عند الله تبارك وتعالى، لأنها حق، والحق لا يختلف بين وقتٍ وآخر وبين نبيٍ وآخر، فكلهم دعوا إلى عبادة الله تبارك وتعالى وتوحيده، ونهوا عن الشرك به، وكلهم دعوا إلى الإيمان به، وكلهم دعوا إلى الإيمان بالملائكة والكتب والرسل والجنة والنار والبعث والحساب وغير ذلك، فهذا الأمر وهو العقيدة لا يختلف بين نبيٍ وآخر، لكن الشريعة تختلف بين نبيٍ وآخر، فقد يحل في دين نبيٍ ما كان حراماً في دين غيره، وقد يحرم في دينه ما كان حلالاً في دين غيره، لأن الشرائع تختلف من نبيٍ إلى آخر؛ إذ أن القوم الذين تنـزل إليهم الشريعة، والظروف التي تنـزل لمعالجتها تختلف، حيث كانت الشرائع السابقة كلها مؤقتة، في وقتٍ معين ولبلادٍ أو قومٍ معينين، إلا الشريعة الإسلامية الخاتمة فإنها دائمة وهذه هي الميزة الأولى، فليست مؤقتة بوقتٍ محدد ويستحيل أن يأتي نبيٌ آخر ينسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

الميزة الثانية: هي أنها لكل البشر، فليست خاصةً بالعرب مثلاً، وإنما هي عامةٌ لجميع الشعوب والأجناس والألوان، منذ أن بُعِثَ صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة، فشريعته ثابتة محكمة شاملةٌ عامة، وحين تنظر إلى الفرق بين الإسلام وبين الديانات السماوية في العصر الحاضر؛ تجد أن هناك فروقاً كثيرة، حتى في العقيدة، فإن اليهود والنصارى قد حرفوا دينهم وغيروه وبدلوه، حتى قبل ذلك بقرونٍ طويلة كان دينهم محرفاً حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك نـزل القرآن الكريم يعيب على اليهود والنصارى ما أدخلوه في دينهم من تحريفات وتبديلات، سواء في ذلك جوانب العقيدة، كما ذكر الله عز وجل عن النصارى أنهم يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، وإن الله هو المسيح ابن مريم، أو المسيح بن الله، وكما ذكر الله سبحانه عن اليهود أنهم قالوا: عزير ابن الله وقالوا: إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء، وغير ذلك من التحريفات التي كانت موجودة منذ عصر الرسالة الأولى، عصر النبي صلى الله عليه وسلم بل قبل ذلك.

فدين اليهود محرفٌ منسوخ، ودين النصارى محرفٌ منسوخ، ودين الإسلام محكمٌ باقٍ غير منسوخ، وهذه دعوى قد يقول قائل: ما هو الدليل عليها؟

فنقول: الدليل على هذا الدعوى أن هذه الديانات اليهودية والنصرانية يوجد بينها التناقض، فيوجد بين نصوص الإنجيل مثلاً من التناقض ما يعلمه كل أحدٍ له اطلاع على هذا الإنجيل، ويوجد بين نصوص التوراة أيضاً من التناقض، ما يعلمه كل أحدٍ له إطلاع على التوراة، ويوجد فيهما من مناقضة العقل، ويوجد فيهما من مناقضة الواقع والأحداث التاريخية ما يدل على أنهما ليس من عند الله؛ لأن الذي من عند الله يستحيل أن يكون متناقضاً، ويستحيل أن يكون مناقضاً للواقع، ويستحيل أن يكون مناقضاً للتاريخ، ويستحيل أن يكون مناقضاً للعقل.

أما دين الإسلام فليس فيه شئٌ من ذلك، ليس فيه شيء يناقض التاريخ، وليس فيه شيء يناقض العقل، وليس فيه شيء يناقض الواقع، وليس فيه شيء يناقض شيئاً آخر من نفس الدين، بل هو دينٌ متكامل يؤيد بعضه بعضاً.

وإن مما يجب أن يعلم؛ أن القرآن الكريم الذي هو كتاب هذا الدين، محفوظ مكتوب منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، تنتشر عشرات ملايين النسخ في العالم كله، ولا يوجد بين نسخةٍ وأخرى منها أي اختلاف لا في كلمة ولا في حرف ولا في ضمة أو فتحةٍ أو كسرة، بل هو متفق تمام الاتفاق يقرؤه المسلم في الشرق كما يقرؤه المسلم في الغرب؛ أما حين تنظر إلى كتب الديانات الأخرى، فانظر -مثلاً- إلى الإنجيل، بل إلى الأناجيل التي كانت كثيرة جداً، وأقر مجمع نيقية المنعقد سنة (325م) أربعة منها هي المعتبرة عند النصارى المقدسة لديهم، وهي: إنجيل متَّى وإنجيل مرقص وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا، وهذه الأناجيل الأربعة مختلفة فيما بينها، ليست وحياً منـزلاً من عند الله، بل هي من كتابة البشر، ومعظمها عبارة عن تراجم وسير وأحداث، يتخللها بعض العقائد والتعاليم، ولا يعرف من كتب هذه الأناجيل ولا في أي زمن كتبت، ولا بأي لغةٍ كتبت ولا لمن كتبت، ولا يعرف إن كانت مترجمة، وأين ترجمت، وإن كانت ترجمت فمن الذين ترجمها، وفي أي سنة وما هي اللغة الأصلية التي كتبت بها؟

كل ذلك لا يكاد يعرفه أحد من الباحثين، لا من النصارى ولا من غيرهم، ثم إنها متناقضة فيما بينها، في عرض الأحداث التاريخية وفي عرض العقائد.

إن الإنجيل الوحيد الذي فيه التصريح بأن عيسى ابن الله -تعالى الله عما يقولون- هو إنجيل يوحنا، وقد نفى كثيرٌ من علماء النصارى نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الصياد، الذي هو حواري المسيح، وقالوا: إن هذا الذي كتبه أحد تلاميذ مدرسة الإسكندرية، ومن المصادر التي نفت نسبة الإنجيل إلى يوحنا الصياد دائرة المعارف البريطانية، التي ألفها أكثر من مائتين من علماء النصارى، وقد قطعوا بأنه لم يكتبه يوحنا وإنما كتب ونسب إليه.

ثم إن هناك إنجيل برنابا، وبرنابا اسمه يوسف وهو قسيس من القديسين الأوائل عند النصارى، أو حواري من الحواريين، وهذا الإنجيل له أهمية خاصة، حيث حرص النصارى على إخفائه وإحراقه، وحرم الباباوات تداوله بين رعاياهم، وشنت عليه الكنائس حملة ضارية، ولكن لا يزال هذا الإنجيل باقياً إلى اليوم، منتشراً مترجماً إلى لغاتٍ عديدة، ومنها اللغة العربية حيث ترجم إلى العربية وطبع.

هذا الإنجيل يبين الديانة النصرانية الحقيقية غير المزيفة، ومن الحقائق الموجودة فيه التي حاربه النصارى من أجلها: أنه يقر بأن عيسى بشر وليس إلهاً، يقول فيه عيسى -مثلاً- "إنني أشهد أمام السماء، وأشهد كل ساكن على الأرض، أني بريءٌ من كل ما قال الناس عني من أني أعظم من بشر، لأني بشرٌ مولود من امرأة عرضة لحكم الله، أعيش كسائر البشر عرضة للشقاء العام".

ثانياً: في إنجيل برنابا: أن من قال إن عيسى إله فهو كافر.

ثالثاً: يقرر إنجيل برنابا، أن الذبيح هو إسماعيل أبو العرب وليس إسحاق، وهذا ما يقرره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في مواضع عديدة.

رابعاً: في إنجيل برنابا البشارة بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبعثته من نص صريح، في مواضع متعددة من هذا الإنجيل.

خامساً: لا يقول هذا الإنجيل بصلب المسيح، بل يعتبر من قال بذلك جاهلاً، إلى غير ذلك من المعلومات الموجودة في هذا الإنجيل.

إذاً: فالأناجيل متعارضة فيما بينها، والأولى أن نقبل ما في إنجيل برنابا بما يوافق القرآن الكريم، ونعتبر أن ما في الأناجيل الأخرى مزيفٌ محرف، وخاصة وقد جاءت الرسالة السماوية (الإسلام) لتقر ما في هذا الإنجيل، وتنفي ما في غيره.

الفرق بين الإسلام والدين المسيحي

إذاً: خلاصة الجواب في الفرق بين الإسلام والدين المسيحي:

أولاً: العقيدة التي جاء بها عيسى عليه الصلاة والسلام والعقيدة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم واحدة، ولكن العقيدة الموجودة اليوم عند النصارى مخالفة تماماً للعقيدة التي جاء بها عيسى، ولا يقر عيسى عليه الصلاة والسلام ما عليه النصارى اليوم، من التبديل والتحريف وادعاء الألوهية له أو لأمه، أو ادعاء أن الآلهة ثلاثة: الأب والابن وروح القدس: إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [النساء:171].

ثانياً: دين النصرانية فيما يتعلق بشريعته والأحكام التفصيلية التي تنظم حياة الناس منسوخ بدين الإسلام.

فهذان الفرقان يجب أن يعلمهما كل إنسان.

إذاً: خلاصة الجواب في الفرق بين الإسلام والدين المسيحي:

أولاً: العقيدة التي جاء بها عيسى عليه الصلاة والسلام والعقيدة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم واحدة، ولكن العقيدة الموجودة اليوم عند النصارى مخالفة تماماً للعقيدة التي جاء بها عيسى، ولا يقر عيسى عليه الصلاة والسلام ما عليه النصارى اليوم، من التبديل والتحريف وادعاء الألوهية له أو لأمه، أو ادعاء أن الآلهة ثلاثة: الأب والابن وروح القدس: إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [النساء:171].

ثانياً: دين النصرانية فيما يتعلق بشريعته والأحكام التفصيلية التي تنظم حياة الناس منسوخ بدين الإسلام.

فهذان الفرقان يجب أن يعلمهما كل إنسان.

السؤال: هل تعتقد أن الإسلام هو الدين الصحيح؟

الجواب: أما عن العقيدة، فلا شك أن كل مسلم إذا وجه إليه هذا السؤال يعتقد أن الإسلام هو الدين الصحيح، ولو شك في ذلك لما كان مسلماً أصلاً، أما إن كان السؤال: لماذا تعتقد أن الإسلام هو الدين الصحيح؟

فالجواب على هذا هو: أن الإسلام يحمل الأدلة على أنه الدين الحق، ولا يمكن لإنسان أن يبحث بصدق وإخلاص عن الدين الحق إلا ويصل إليه، والدليل على ذلك: هذه الأعداد الهائلة التي تدخل في الإسلام يوماً بعد يوم في هذه البلاد، بل وفي أنحاء العالم، والدليل على ذلك أن كثيراً من رجال الديانات الذين طافوا على الديانات كلها، فجربوا اليهودية والنصرانية والماركسية وغيرها، ثم انتهوا إلى الإسلام وآمنوا به، واقتنعوا اقتناعاً كاملاً بأنه الدين المنـزل من عند الله.

أما الأدلة على صدق هذه العقيدة فهي كثيرة:

أولاً: بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال إنه مرسل من عند الله، وجاء بكتاب هو كلام الله عز وجل ودعا الناس إلى ذلك، فحاربه الناس الذين في عصره، وآمن به منهم قليل، وما زال نجمه يرتفع شيئاً فشيئاً وسلطانه يقوى حتى حكم الجزيرة العربية، ثم حكم العالم كله أصحابه من بعده، وهم في ذلك يقولون: إنهم يدعون إلى دين الله وينشرون هذا القرآن، وما زال الله عز وجل ينصر نبيه وأتباعه يوماً بعد يوم، ويعلي شأنهم ويخذل أعداءهم، ويحقق لهم ما يريدون من نصرة الدين، بل ويجري على أيديهم المعجزات الكثيرة، التي لا عهد للناس بها في الماضي وفي الحاضر من المعجزات أو من الكرامات، فلو كان ما ادعاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه من بعده باطلاً؛ لانتقم الله منهم، ولما مكن لهم في الأرض ونصر دينهم، ورفع رايتهم وخذل أعداءهم.

ثانياً: جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن باللغة العربية على قومٍ فصحاء، وتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور من مثله أو بسورة أو بآية وهي أقل مقدار من القرآن الكريم، فما استطاعوا مع شدة حرصهم على ذلك، ومحاولتهم الشديدة أن يتغلبوا على الرسول صلى الله عليه وسلم، فعجزوا عن ذلك وبهتوا وحاروا، فدل ذلك على أن هذا القرآن ليس من كلام البشر، بل هو من كلام الله تبارك وتعالى.

ثالثاً: هذا القرآن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون من عنده هو عليه الصلاة والسلام؛ لأن في القرآن أشياء تقطع بأنه من عند الله، منها:

أولاً: في القرآن إخبار عن أمور غيبية، لا يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم، من أخبار الأمم السابقة، وقد وجد علماء اليهودية والنصرانية، أنها موافقة لما هو الصحيح والحق مما في كتبهم وأخبارهم، ولذلك آمن به كثيرٌ من أهل الكتاب في عصره صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك.

ثانياً: في القرآن الكريم كثير من الأخبار عن أمور من الغيب التي ستقع والتي لا يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لولا أن الله تبارك وتعالى أخبره بها وأطلعه عليها، من ذلك -مثلاً- ما يكتشفه العلماء يوماً بعد يوم من الإعجاز الموجود في القرآن الكريم، حيث يخبر القرآن عن قضايا علمية خفية لم يعلمها الناس إلا في هذا العصر، بل وربما أشياء لم يعلمها الناس حتى اليوم، وقد يعلمونها في العصر القادم أو في الذي بعده أو متى شاء الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلاً أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فدل هذا على أنه ليس من عنده وإنما هو من عند الله.

ثالثاً: في القرآن الكريم نفسه عتاب للرسول صلى الله عليه وسلم، على بعض المواقف التي فعلها، وبيان أنه كان ينبغي أن يفعل كذا ولا يفعل كذا، وهذا لا يمكن أن يكون من عند الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعاتب نفسه ثم ينشر هذا على الناس، بل لم يكتم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا عن الناس، بل أعلنه؛ لأنه لابد أن يعلن جميع ما جاءه من عند الله ولو كان تنبيهاً له على أمرٍ حصل منه فعلى سبيل المثال: يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى [عبس:1-10] فيعاتب الله رسوله عليه الصلاة والسلام على موقفه من هذا الرجل الأعمى، حين جاء إليه يقول له: علمني الإسلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولاً بدعوة كبراء قريش لعل الله أن يهديهم، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعجب، ولم يرتح لدعوة هذا الرجل وقوله: علمني مما علمك الله؛ لأنه كان مشغولاً بما كان يرى أنه أهم منه، فنـزلت آيات من عند الله، تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الموقف.

مثال ثانٍ: لقد أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيتزوج زينب بنت جحش، وكانت في ذلك الوقت زوجةً لـزيد بن حارثة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم ما يجري من مشاكل زوجية بين زيد بن حارثة وبين زينب بنت جحش، فجاءه زيد يشكو إليه ما يلقى من زينب، فاستحى أن يقول له صلى الله عليه وسلم: طلقها، أو ما أشبه ذلك، بل قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37] أمره بأن يمسكها وأن يعمل على حل هذه المشكلات، مع أنه يعلم صلى الله عليه وسلم أن الأمر سيئول إلى الطلاق، وأنه سيتزوجها بعده، لكن لأن هذا مجال يتكلم فيه المنافقون واليهود، فقال له صلى الله عليه وسلم: {أمسك عليك زوجك واتق الله}"، فنـزلت آيات من السماء تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الموقف، يقول الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب:37] فعاتبه الله تبارك وتعالى على هذا الموقف.

مثالٌ ثالث: بعد معركة بدر، وقد قبض المسلمون على عددٍ كبيرٍ من الأسرى، استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، ما يصنع بهؤلاء الأسرى؟ فكان رأي عمر أن يقتلوا، وكان رأي أبي بكرٍ ألا يقتلوا، بل يؤخذ منهم الفداء، لعل الله أن يهديهم إلى الإسلام، فمال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر، وأخذ من هؤلاء الأسرى فداءً، فنـزلت آيات من القرآن الكريم، تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين على هذا الأمر، يقول الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال:67-68] فعاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع وفي غيرها.

فلو كان هذا القرآن من عند الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لما تصور أن يعاتب الشخص نفسه في شيءٍ مكتوبٍ يتلى إلى يوم القيامة، لكن هذه آيات وضعها الله عز وجل علامة على أن القرآن من عند الله منـزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول مهمته البلاغ فقط، ولا يستطيع أن يكتم شيئاً من هذا القرآن، ولو حرفاً واحداً كما سبق.

السؤال: لماذا يستطيع المسلم أن يتزوج واحدة أو أكثر إلى أربع؟

الجواب: الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج واحدةً واثنتين وثلاثاً وأربعاً، ولا يجوز للمسلم أن يزيد على أربع نسوة، وهذا صريح في القرآن الكريم: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ولكن بشرط العدل بينهن، ولذلك قال الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] فإذا خاف الإنسان من عدم العدل، وغلب على ظنه أنه لن يعدل، فحينئذٍ يلزمه الاقتصار على واحدة.

أما الأسباب فهي كثيرة جداً، ولننظر في حياة الناس ونجد من الأسباب ما يلي:

أولاً: عدد الرجال في كل مجتمع أقل من عدد النساء، وهذا يوجب أن يسمح للرجل أن يتزوج أكثر من امرأة؛ لئلا يبقى نساء عوانس في المجتمع.

ثانياً: الرجال عرضة للموت في الحروب والحوادث أكثر من النساء، فإذا قامت حروب أو أشياء معينة، يموت فيها الرجال بشكلٍ جماعي، فحينئذٍ تجد أنك أمام عدد كبير من النساء، وعدد قليل من الرجال، ومن الرأفة بالمرأة في مثل هذه الحال؛ أن يبيح الإسلام للرجل أن يضم إليه امرأة واثنتين وثلاث إلى أربع نسوة، فيقوم عليهن ويكفلهن ويطعمهن ويؤويهن إليه، ويحقق لهن الرغبة الفطرية الجنسية الموجودة لدى كل إنسان.

ثالثاً: في كثير من الحالات يتزوج الرجل بامرأة، ثم يشعر بأنه يحتاج إلى أخرى؛ لأن هذه المرأة لا تكفيه؛ إما لأنها عقيم لا تلد، أو لأنها ليست جميلة بل دميمة، أو لوجود عيب فيها أو لأن فيها شيئاً من سوء الخلق، أو لأنها مشغولةٌ ببعض الأشياء التي لا يستطيع معها الرجل أن يحقق ما يريده من المرأة، ففي مثل هذه الحالات الرجل مخير بين أمرين؛ إما أن يطلق هذه المرأة، ويبعدها عنه ليتزوج بأخرى، وإما أن يبقيها في عصمته ويضم إليها أخرى، وفي الغالب فإن المرأة ترضى أن تبقى في عصمة الزوج ورعايته وكفالته، ويضم إليها أخرى أو حتى ثالثة، وتفضل ذلك على الطلاق.

ولذلك أباح الإسلام هذا الأمر، وقد يقول قائل: ولماذا الطلاق إذاً؟

فنقول: إن في حالات كثيرة جداً يعلمها المجربون، أن الزواج يصل إلى طريقٍ مسدود، وإذا كانت الشركات -مثلاً- التجارية تعقد اليوم، ثم تنقض غداً بسبب تشاكس بين الشركاء في أنحاء العالم، فإن الزواج عبارة عن شركة في الحياة، فإذا كان هناك عدم وئام وعدم انسجام بين الزوجين، وهذا كثيراً ما يحدث أو نشأت مشكلات ومشاجرات، فالذي يحصل أن الزوج يطلق المرأة، فإذا كان النظام يمنع من الطلاق، فماذا يفعل الزوج؟

إنه يلجأ إلى الحيلة حينئذٍ، فقد يحتال لقتل المرأة حتى يرتاح منها، وقد يضايقها ويضطهدها ويسيء إليها بألوان الإساءة، حتى يتحقق له الفراق، وربما ترفع هي إلى المحاكم مطالبةً بالفصل بينهما، إلى غير ذلك من الوسائل التي يتقنها الناس، إذا أرادوا أن يتخلصوا من زوجاتهم.

فالإسلام -مراعاةً للناحية الواقعية في الرجل وفي المرأة- أقام بناءً أسرياً متكاملاً، الزوج يتزوج بامرأة لها حقوق على الرجل، يكلمها ويحترمها، ولا يجوز له أن يهينها، والطلاق ممكن إذا احتاج إليه الرجل، لكنه أمرٌ غير محبوبٍ في الشرع، والله عز وجل يبغض هذا الطلاق إذا كان لغير حاجة، وفي الحديث الصحيح: {إن الطلاق إنما يأمر به الشيطان} هذا إذا كان لغير سببٍ وجيه، فإذا اضطر الرجل إلى الطلاق؛ فله الحق أن يطلق حينئذٍ، حفاظاً على حياته وعلى حياة المرأة نفسها، لأن من المصلحة أن تبتعد المرأة عن الرجل في أحيان كثيرة؛ لئلا يضايقها ويضطهدها، فإذا كان يستطيع أن يبقيها في عصمته ويحفظ لها حقوقها، ويضم إليها أخرى تسد الفراغ أو النقص الموجود لدى الأولى، فقد أباح له الإسلام ذلك.

ولو نظر الإنسان نظرة معتدلة؛ لوجد أن هذا أمر طبيعي، وهانحن نجد أن كثيراً من الدول، بل جميع الدول التي تمنع تعدد الزوجات، تسمح بتعدد الخليلات، فتجد أن للرجل زوجة واحدة وله عدد كبير من الصديقات، يعاشرهن معاشرة الزوجة، ولكنه لا يلتزم نحوهن بأي التزامٍ قانوني أو اقتصادي، فهذا إهانة للمرأة وحطٌ لكرامتها، وفي مثل تلك المجتمعات، تجد المرأة معها ولدٌ واحد من صديقٍ، أو أكثر من صديق لها، ليس بزوج، ولا يلتزم تجاه هذا الولد بأي التزام، وهذه تسبب مشكلة في المجتمعات الغربية.

السؤال: هل الله واحدٌ فقط؟

الجواب: نعم، إنما الله إلهٌ واحد سبحانه لا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، ولا يمكن أن يكون في الكون أكثر من إله، فلو كان في الكون أكثر من إله؛ لفسد الكون واختلف واضطرب، لأن العمل-ولله المثل الأعلى- حين يكون فيه أكثر من شخص كلهم مسئولون عنه وبدرجة واحدة، فإن هذا العمل يضطرب ويختلف، فهذا المدير يأمر بأمر وهذا المدير ينقض الأمر والمدير الثاني ينهى عن شيء والمدير الأول يأمر به، وهذا مدير يرفع هذا الموظف رتبة، والمدير الثاني يقوم بفصله عن العمل نظراً لوجود التناقض الطبيعي في عقول البشر وشخصياتهم ونظرياتهم وميولهم، فما بالك بهذه المملكة الواسعة العريضة، بسمائها ونجومها وأرضها وأفلاكها وعوالمها المختلفة، وبرها وبحرها، وهذه البشر، وهذه المخلوقات العظيمة؟!

إن المدبر لها واحد سبحانه هو الخالق لها والمدبر لجميع شئونها، وهذا الإله الواحد الذي أقرت جميع الرسالات السماوية، بل جميع الأديان حتى الأرضية، بأن الخالق في الأصل واحد هو المستحق للعبادة، لأننا إذا اعترفنا بأنه هو الذي خلق هذه الأكوان وأبدعها، وسخر ما فيها وأقامها على هذا النظام البديع، فإنه هو وحده الذي يستحق أن يتوجه إليه الإنسان، فيعبده ويصلي له ويدعوه ويطيعه فيما يأمر.

السؤال: كيف تقنعني بوجود الله؟

الجواب: أولاً: قبل الخوض في الأدلة على وجود الله، الإنسان يدرك أن قضية الدين قضية خطيرة في حياته، وأنه إذا صدق ما يقوله أهل الأديان، فإن من الخطورة بمكان أن يبقى الإنسان بعيداً عن هذا الدين، ولذلك فعلى كل إنسان يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، أو من أي ديانة، أن يفكر تفكيراً جدياً صحيحاً في الدين، ويبحث عنه بحثاً جاداً، لا يكتفي بأن يوجه سؤالاً بمناسبة محاضرة مثلاً، لا، بل يحاول أن يبحث بجدية في هذا الأمر، أكثر من أن يبحث عن الشراب والطعام؛ لأن الدين يقول للإنسان: إن الإنسان بعد موته مقبل على جنة ونار، فإن كان مؤمناً فهو في الجنة له فيها كل ألوان النعيم، لا يخرج منها أبداً، وإن كان كافراً فله نار وعذاب، فيها ألوان النكال والخزي لا يخرج منها أبداً، فالأمر إذاً صعب وخطير، فعلى كل إنسان أن يبحث بصدق عن الدين، ويجتهد في الوصول إليه ومعرفة أدلته، حتى يقتنع به بوضوح، أو يرده إن كان لديه عدم قناعة، لكن عندنا نحن المسلمين قناعة بأن أي إنسان متجرد، فإنه لا يمكن -بحالٍ من الأحوال- أن يبحث بصدق عن الدين الحق إلا ويهتدي للإسلام، وهذا عهد قطعه الله سبحانه وتعالى على نفسه، قال الله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فمن جاهد، وبذل جهده في الوصول إلى الحق بتجرد وإخلاص، فإن الله عز وجل تكفل بأن يهديه إلى الحق، الذي تعب في البحث عنه، فلابد أن نعطي قضية الدين اهتماماً حقيقياً، أكثر من اهتمامنا بأمورنا الدنيوية العاجلة.

أما حول قضية الإيمان بوجود الله، فالأدلة كثيرة جداً، ومثل هذا الموضوع يتطلب محاضرات خاصة، وهناك كتب خاصة أيضاً مؤلفة في هذا الموضوع، لكن أضرب مثلاً واحداً وهو: هذا الإبداع الموجود في الكون، هذه النجوم والكواكب والقمر والشمس والكون بما فيه هذا الإنسان، لو نظرنا في الحياة كلها؛ لوجدنا فيها من دقة الصنع وبديع الخلق وإحكام التنسيق ما يبهر العقول، واسأل الأطباء -مثلاً- عما في جسم الإنسان من الإبداع، اسأل الفلكيين عما في الكون ونجومه وأقماره وعوالمه من الإبداع، واسأل كل أهل صنعة عما يجدونه من الدقة والحكمة والإبداع.

هذه الحكمة التي قام الكون عليها، ووجد الإنسان ووجدت الحياة، وهذه الدقة هل يتصور أن تكون حصلت بمحض الصدفة؟

هذا مستحيل! انظر -مثلاً- لو أنني سلمتك الآن كتاباً مطبوعاً من ستمائة صفحة بعنوان واسم المؤلف وعنوان الكتاب وعنوان الباب، وفصول ومعلومات منظمة وحقائق علمية وطباعة فاخرة، وفهارس ممتازة وكتاب مطبوع طباعة فاضلة جداً وراقية، سلمتك هذا الكتاب، هل يمكن أن يخطر في بالك أو أن تصدق يوماً من الأيام أن هذا الكتاب انطبع بنفسه؟!

وضعت آلة كاتبة مثلاً، ووضع عندها ورق، ومتطلبات أخرى، ثم أُغلقَ باب الغرفة التي فيها الآلة، وبعد فترة وجيزة وجد أن هذا الكتاب قد طُبِعَ، لا يدرى من الذي جمع المعلومات التي فيه، ولا من الذي أبدع الأفكار الموجودة فيه، ولا من الذي قام بالطباعة، ولا من الذي قام بالصف، ولا من الذي قام بالتصوير، ولا من الذي قام بترتيب الصفحات، ولا من الذي قام بتجليد الكتاب، ولا يعرف شيئاً من ذلك إطلاقاً، بل لا أحد قام به! إن هذا ضربٌ من الخيال! والإنسان بطبيعته إذا ترك شيئاً من الأشياء، ثم رجع فوجده قد غير عما في عهده، يعلم بأن هناك أحداً تدخل فغير الأمر.

انظر في نفسك كموظف، لو أتيت إلى طاولتك من الغد، فوجدت أن الأوراق التي فيها، قد أخذت وعدلت وبدلت ووضع غيرها، وأن محتويات المكتب قد غيرت عما عهدت، فإنك حينئذٍ تقطع قطعاً؛ بأن هناك أحداً قد جاء بعدك، وغير هذه الأشياء.

فعند الإنسان فطرة، أن كل شيء يحدث في الكون لابد له من محدث، فالكون كله بما فيه الإنسان العاقل، الواعي الفاهم المدرك من الذي خلقه؟

لا يوجد أحد يدعي أنه خلق هذا الكون، أو أحد يتصور أنه خلق هذا الكون إلا الله عز وجل وحده لا شريك له، والأدلة على ذلك كثيرة جداً لا يتسع المجال لذكرها.

السؤال: من هو النبي محمد؟

الجواب: النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، من قبيلة قريش العربية، التي كانت تسكن في مكة، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ولد النبي صلى الله عليه وسلم بـمكة، وقد مات أبوه قبل أن يولد، ثم ماتت أمه وهو طفلٌ صغير فكفله جده، ثم مات جده فكفله عمه أبو طالب.

في مطلع حياة هذا النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلاً فاضلاً محسناً إلى الناس، حريصاً على إيصال الخير إليهم، وكان لا يشارك أهل الجاهلية في الأعمال السيئة التي يقومون بها، من الرقص والغناء، وشرب الخمر والفساد وغير ذلك، فكان لا يشارك في هذه الأعمال ولا يقر بها، ثم بدأ هذا النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج إلى جبلٍ قريب من مكة، فيقيم فيه يتعبد ويصلي ويذكر الله عز وجل فترةً طويلة، ثم نـزل عليه الوحي وهو في هذا الجبل، في هذا الغار الذي هو غار حراء، فجاءه الملك من عند الله عز وجل، على غير انتظار منه صلى الله عليه وسلم، ففوجئ بنـزول الملك عليه، فقال له الملك: اقرأ.. اقرأ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب لحكمةٍ يعلمها الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما أنا بقارئ -أي لا أحسن القراءة- فضغطه الملك، ثم أرسله وقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فضغطه الملك مرة ثانية، حتى بلغ منه الجهد، ثم قال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ -أي لا أحسن القراءة- في المرة الثالثة قال له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات إلى زوجته خديجة، وهو يرتجف من الخوف ويقول: دثروني دثروني -أي غطوني غطوني- فضمته خديجة إليها، وقالت له: أبشر يا ابن أخي، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتقرئ الضيف وتعين على نوائب الحق، وتحمل الكَلّ، ثم ذهبت به إلى رجلٍ نصراني في مكة، اسمه ورقة بن نوفل، فأخبره بما رأى، وقد أصاب النبي صلى الله عليه وسلم الخوف من ذلك، فقال له: ورقة بن نوفل: هذا هو الناموس الذي أنـزل على موسى عليه السلام، هذا جبريل وأنت نبي، ويا ليتني أكون حياً إذا يخرجك قومك، فإنني حينئذٍ أنصرك نصراً مؤزراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وهل سيخرجني قومي من بلدي؟!

قال: نعم، ما جاء رجلٌ بمثل ما جئت به إلا عودي وحورب، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً }.

وهكذا بدأ يتنـزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فشيئاً حتى مكث بـمكة ثلاث عشرة سنة، وهو يدعو إلى الله، ويلقى منهم الأذى والصد والتكذيب والسخرية والعناد، حتى أن منهم من يأتي إليه وهو ساجد فيضع القذر على ظهره، ومنهم من يبصق في وجهه، ومنهم من يضع التراب على رأسه، ومنهم من يؤذيه بألوان الأذى، وهو يقابل ذلك كله بالصبر؛ حتى أذن الله له بالهجرة إلى المدينة المنورة، فهاجر بعد ثلاث عشرة سنة من بعثته صلى الله عليه وسلم، واستقبله المؤمنون هناك، ومكث في المدينة عشر سنوات يدعو إلى الله عز وجل، فآمن به أهل المدينة إلا اليهود والمنافقون، وبدأ الإسلام ينتشر في أنحاء الجزيرة العربية، ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يواجه الكفار والمشركين، الذين آذوه وحاربوه، بالقتال والحرب، حتى يتمكن الناس من معرفة الحق من الباطل، وقبول الدين بدون أن يكون هناك أحد يمنعهم من ذلك، أو يضغط عليهم بتركه، فقاتل المشركين في معارك كثيرة، منها: معركة بدر، ومنها: معركة أحد، ومنها: معركة الخندق أو الأحزاب، ومنها معركة فتح مكة وغير ذلك من المعارك، وكان النصر حليفه في معظم هذه المعارك، بل في جميع هذه المعارك إلا في معركة أحد، حيث خالف أصحابه أمره، فأصابهم الله عز وجل بالهزيمة، تربيةً لهم على طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولما مات أو قبل أن يموت صلى الله عليه وسلم دانت الجزيرة العربية كلها للإسلام، بل وبدأ الإسلام ينتشر خارج أصقاع الجزيرة العربية، وواصل أصحابه من بعده حركة الدعوة إلى الله والفتوح، حتى خضعت لهم معظم أنحاء المعمورة في ذلك العصر، والملاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يطلب في ذلك كله شيئاً لنفسه، بل كان رجلاً متواضعاً بعيداً عن التكلف والكبرياء، متواضعاً سهلاً قريباً من الإنسان، لمّا رآه عبد الله بن سلام -وهو يهودي- قال: لما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وجاءه يوماً أعرابي، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ارتعد من التوقير والإجلال للرسول صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: { هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة}.

وكان يمازح أصحابه ويحادثهم، ويكره كل مظاهر التكبر والغرور والغطرسة، وما ادعى لنفسه شيئاً ليس له، بل إننا نجد في القرآن الكريم، أن الله عز وجل يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50] وإلى غير ذلك من الآيات قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [الكهف:110] فالرسول صلى الله عليه وسلم كان بشراً رسولاً، يدعو الناس إلى ربهم، وكان يعطي الناس ولا يأخذ منهم، وكان كثير الإحسان إلى الناس والصدقة، يتصدق على الواحد منهم بمائة بعير مثلاً، أو بوادٍ من الغنم، أو بمبلغ كبير من الذهب أو من الفضة، ولا يرى في ذلك شيئاً على الإطلاق، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند رجلٍ يهودي، مرهونة بدين عند هذا اليهودي.

فهذا النبي الذي اختاره الله تبارك وتعالى نبياً ليس للعرب، بل للبشرية كلها منذ بعث، وإلى قيام الساعة، ولا يمكن أن يدخل الجنة أي إنسان لم يؤمن بهذا النبي بعد بعثته صلى الله عليه وسلم.

السؤال: إن الحج من أركان الإسلام، فكيف الوضع بالنسبة لمسلمي الفلبين الفقراء، الذين لا يستطيعون الذهاب إلى مكة، وهل هم ليسوا بمسلمين حقيقيين بعدم الحج؟

الجواب: الحج ركنٌ من أركان الإسلام، لكن بشروط، لا يجب الحج على المسلم إلا إذا استطاع، وذلك بأن يجد من المال ما يمكنه من السفر إلى مكة، ويمكنه من الحاجات الضرورية التي يحتاجها في هذا السفر، من الطعام والشراب ونحوها من الحاجات الضرورية، التي لا بد للإنسان منها، ومن الاستطاعة: أن يكون مستطيعاً ببدنه، فلو كان عاجزاً عن السفر لمرض مثلاً، أو لغير ذلك، فإن الحج يسقط عنه بنفسه، وينيب من يحج عنه.

إذاً: المسلم الذي يجب عليه الحج بنفسه، هو من كان مستطيعاً استطاعة بدنية واستطاعة مالية، أما من كان يستطيع استطاعة مالية، عنده مال، لكن لا يستطيع أن يحج ببدنه؛ لأنه مريض، فإنه ينيب ويوكل من يحج عنه، أما من كان عنده استطاعة بدنية، لكن ليس عنده مال فإنه لا يلزمه الحج حينئذٍ إلا إذا وجد المال.

السؤال: لماذا محمد صلى الله عليه وسلم هو الرسول الذي يمجد من بين الرسل؟

وما هي إنجازاته؟

الجواب: هذا السؤال يفترض أن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الرسول الوحيد الذي يحبه المسلمون، والواقع أن المسلمين يختلفون عن غيرهم من أصحاب الديانات في هذه الناحية، فنحن -المسلمين- نعتبر أن من كفر بموسى صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يدخل الجنة أبداً، ونعتبر أن من كفر بعيسى صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدخل الجنة أبداً، ومن كفر بداود أو سليمان أو بإدريس أو بإسماعيل أو بغيرهم من أنبياء الله ورسله، فإنه لا يدخل الجنة أبداً، وكذلك من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدخل الجنة أبداً، لا يدخل الجنة إلا من آمن بجميع الرسل، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285] فنحن نحب الرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام، ونحترمهم جميعاً، والرسول صلى الله عليه وسلم، جاء مجدداً للعقيدة والتوحيد الذي جاء به أولئك الرسل، ومجدداً للتشريعات والأحكام، ومغيراً لما أمر الله عز وجل بتغييره من تفاصيل الأحكام، وناسخاً لها، ولذلك فإن المسلمين يمدحون جميع الرسل، ويحبونهم ويمجدونهم ويعتبرونهم أفضل البشر على الإطلاق، ولكن هذا لا يمنع أن يقول المسلمون أيضاً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم واحدٌ من هؤلاء الرسل بخلاف ما ينكره اليهود والنصارى، حيث ينكرون بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ويجحدونها، وأيضاً يقول المسلمون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل وأفضلهم، والدليل على ذلك أن جميع الرسل جاء بعدهم من ينسخ شرائعهم، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فشريعته باقية لم تنسخ، ولم يبعث نبيٌ بعده صلى الله عليه وسلم ينسخ شريعته، بل ولن يبعث نبيٌ إلى قيام الساعة.

من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم ومميزاته: أنه جاء بهذا القرآن، الذي هو معجزة باقية إلى أن يشاء الله، هذا القرآن الباقي، هو معجزة باقية للرسول صلى الله عليه وسلم، يتحدى الله سبحانه وتعالى البشر كلهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته، وفي إعجازه، وفيما فيه من الحق، وفيما فيه من التأثير، وفيما فيه من العلم، وهذه معجزة باقية للرسول صلى الله عليه وسلم.

أما إنجازات الرسول صلى الله عليه وسلم: فإن من أعظم إنجازاته صلى الله عليه وسلم أنه بلغ هذا الدين الذي أمره الله تعالى بتبليغه كاملاً، لم يُنقص منه شيئاً، وحفظ الله هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم على يد أصحابه، فما زال المسلمون اليوم يعرفون أدق تفاصيل هذا الدين، وعن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حد أنهم يعرفون الأشياء الشكلية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، يعرفون كم عدد الشعرات البيض في لحية الرسول صلى الله عليه وسلم، يعرفون شكل الرسول صلى الله عليه وسلم، يعرفون مقدار طوله ولون بشرته، وشكل ثيابه صلى الله عليه وسلم، وماذا كان يلبس على رأسه، وكيف كان يفعل في داخل بيته، حتى مع زوجاته صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يفعل في خارج البيت، وكيف كان يفعل في المسجد، وفي السوق وفي الحرب وفي السلم، وفي جميع التفاصيل لا تزال مضبوطة بوثائق ومستندات لا يرقى إليها شك، وهذا بخلاف ما هو حاصل بالنسبة للأنبياء الآخرين، فقد نسي الناس سيرتهم وتفاصيل حياتهم، ولا يذكرون منها إلا معلومات قليلة، وهي معلومات ظنية غير مؤكدة ولا مجزوم بها، بل بعضها أشياء مكذوبة لا تليق بهؤلاء الأنبياء، فهي تحط من قدرهم وتصورهم كما لو كانوا بشعين مثلاً، أو أصحاب شهوات أو شراب خمور، أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي يتنـزه عنها الإنسان الفاضل فضلاً عن النبي المصطفى المختار المبعوث من عند الله تعالى، فهي أشياء اختلقها اليهود، ولفقوها وألصقوها في شخصيات الأنبياء حتى يشوهوا صورتهم أمام العالم، أما الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا تزال سيرته نقية واضحةً معروفة.

ومن إنجازاته: أنه بلغ هذا الدين بهذه الصورة الكافية المحفوظة، ومن إنجازاته صلى الله عليه وسلم: أنه جمع الأمة التي آمنت به على هذا الدين، وجعلهم أمةً واحدة، مهما تكن جنسياتهم وألوانهم من السود والبيض، من العرب والحبش والفرس وغيرهم، جميعهم إخوة متحابون متآخون، يساعد بعضهم ويعاون بعضهم بعضاً، يتصدق غنيهم على فقيرهم، ويتكافل هؤلاء فيما بينهم، ثم أقام بهم الإسلام نظاماً ودولة، وظلت دولة الإسلام قائمة ترفع شعار هذا الدين وتدعو إليه، وتحارب الدول التي تمنع الناس من الدخول في الإسلام، حتى يتمكن الناس بحرية من قبول الإسلام أو عدم قبوله، وفي حالة عدم قبولهم الإسلام، فإن الدولة الإسلامية تطلب من الناس أن يدفعوا مبلغاً بسيطاً من المال، مقابل أن تقوم الدولة الإسلامية بحفظهم وحمايتهم من الأعداء وكفالتهم في حالة كبرهم وعجزهم عن الكسب، وعدم وجود من يعولهم.

ومن إنجازاته صلى الله عليه وسلم: أنه قضى على سائر ألوان الانحراف الموجود في الحياة البشرية، الانحراف الاجتماعي، والاقتصادي والديني، وجعل للناس ميزاناً حقيقياً يرجعون إليه، ألا وهو هذا القرآن الذي أنـزله الله تبارك وتعالى عليه، ونقله الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحاديثه المنقولة عنه بدقة وضبط كما سبق بيانه.

وكفاه صلى الله عليه وسلم فخراً وشرفاً، أنه مع كل ما عمل لم يدّع لنفسه شيئاً ليس له، بل كان يعاتب الناس إذا مدحوه مدحاً مبالغاً فيه: {جاء رجل إليه وقال: يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فقال له: أجعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله ثم شئت} وقال صلى الله عليه وسلم: {لا تطروني -أي لا تبالغوا في مدحي، وترفعوني فوق منـزلتي- كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله} إلى غير ذلك من الأشياء التي تدل على تواضعه وزهده، وبعده عن التكبر والعلو في الأرض صلى الله عليه وسلم، وكان يعرف للأنبياء السابقين حقهم وقدرهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: {لا ينبغي لأحدٍ أن يقول إني خيرٌ من يونس بن متى}، ويونس هو أحد أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفضل أحدٌ بين الأنبياء تفضيلاً يقصد منه الحط من قدر بعضهم، وإلا فالأنبياء -كما في القرآن الكريم- قد فضل الله بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات، ولكن كلهم في منـزلة سامية وتفضيل بعضهم على بعض، ليس لأن بعضهم عنده نقص أو انحطاط في منـزلته، بل لأن الله عز وجل رفع بعضهم درجات، فكلهم فضلاء، وكلهم أنبياء، وكلهم مختارون من عند الله عز وجل، فالذي يفضل بين الأنبياء وقصده أن يحط من قدر نبي، أو ينسب إليه شيئاً من النقص، يخطئ في ذلك، وإنما الصواب أن الأنبياء كلهم فضلاء وأنبياء ومختارون، والرسول صلى الله عليه وسلم أفضلهم وهم بعضهم أفضل من بعض، لكن لا يعني ذلك انحطاطاً في رتبة أحدهم.