هموم المخدرات


الحلقة مفرغة

يرشد الله عز وجل عباده إلى ما يتقون به كيد الشيطان، ويسلمون من وساوسه ولا سيما حال قراءة القرآن، وذلك بالاستعاذة به سبحانه؛ لأن الشيطان لا يقوى على غواية من يعتصم بالله ويتوكل عليه من أهل الإيمان، وإنما يكون تسلطه دائماً على من ضعف توكله ويقينه بالله فأشرك معه غيره، ثم بين الله رحمته بعباده في التشريع، فهو سبحانه يراعي أحوال خلقه فيشرع لهم في كل حالٍ ما يناسب قدراتهم، ولا يكون فيه مشقة عليهم، وبذلك يسهل الثبات على تطبيق أحكامه، ويعينهم على سلوك سبيل الهداية حتى يظفروا ببشارة الدنيا والآخرة.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف بإذن الله عن العباد الغمة، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وصاحب رسالةٍ عن أداء رسالته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي بداية هذا اللقاء أزجي عاطر الشكر والثناء للجمعية الفيصلية الخيرية، ولمكتب الدعوة بمدينة جدة ، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يتقبل منا ومنهم ما يكون من خير في هذا اللقاء.

أخواتي المسلمات! شكر الله مسعاكن، وثقل في موازين الحسنات خطاكن، إذ خرج النساء إلى الدنيا الفاتنة وخرجتن تبتغين الله والدار الآخرة، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثيبكن على هذا الخير العظيم.

أخواتي المسلمات! إن الله وعظكن فأحسن وعظكن، وأدبكن فأحسن تأديبكن، وعلمكن الخير وهداكن، هذا كتاب الله بين أيديكن؛ لا تنتهي مواعظه ولا تنقضي آياته وعبره، يقود المؤمنة بالله إلى صراط من الله ورضوان من الله، يقودها إلى محبة الله ومغفرة الله، إنه الكتاب الذي هدى الله به الأولين والآخرين، فيه ذكر الصالحات والقانتات والعابدات والصادقات والصابرات، فيه ذكر الخيرات والحسنات، أقبلت عليه المؤمنة ترجو به غذاء روحها، وسبيل ربها، والتقرب والتحبب إلى فاطرها، فكم قرب الله قلوباً منهن إلى الله! وكم أجرى منهن المدامع من خشية الله!

إنه الكتاب الذي هدى الله به إلى الصواب، وأقام به على منهج السداد، وطريق الرحمة والرشد في الأولى والمعاد، هذا الكتاب العظيم فيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، والبشارة والنذارة، فيه النداءات إلى الطاعات والخيرات، أو ترك الفواحش وهجر المنكرات، ومن هذه النداءات التي تفتحت لها قلوب المؤمنين والمؤمنات نداء في سورة كريمة نادى الله عز وجل به القلوب المؤمنة الرحيمة، ناداها بذلك النداء لكي يكون سبباً في نجاتها من البلاء، إنه البلاء وأي البلاء! بل الشقاء وأي الشقاء! نادى الله عزوجل به المؤمنين فكسرت من أجله أواني الخمور، وهجرت به أسباب الغي والشرور، فأريقت في سكك المدينة قربة لله، وفراراً من الله إلى الله، هاتان الآيتان الموعظتان الكريمتان تنـزلتا من الرحمن لكي يفر بها المؤمن من سبيل الشيطان، ومن داعية الفجور والفسوق والعصيان إلى داعية الحب والطاعة لله الرحمن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91].

سمعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الوقفة الأخيرة مع الشهوة التي مالت إليها النفوس، فأريقت من أجلها الدنان وكسرت الكئوس، وفرت إلى الله جل وعلا بقلوبٍ وعقولٍ سليمة لا يتسلط الشيطان عليها بالعواقب الأليمة والوخيمة.

هذه الآية الكريمة أراد الله أن يرحم بها هذه الأمة، فلو كانت الأمة تشرب الخمور، ولو كانت الكئوس باقٍ حلالها فكيف يكون حال الأمة أم كيف مآلها؟!

لو تصورنا بقاء حل الخمور كيف يكون حال الناس في الفسق والفجور؟

إنها النعمة التي رحم الله بها هذه الأمة فكشف بها سبباً من أعظم أسباب البلاء والغمة، رحم الله هذه الأمة الطاهرة، هذه الأمة العابدة القانتة الصالحة، فأنقذها يوم حرم الخمور فأريقت في سكك المدينة خوفاً من البعث والنشور، إنها النجاة من ذلك البلاء العظيم والخطر العميم، إنها النجاة من الجحيم وأي جحيم؛ جحيم المسكرات، جحيم المخدارت الذي من أجله انتهكت الأعراض، وسفكت الدماء، وانتشرت الأسقام والأمراض، فيا لله كم من أم عذبت بهذا البلاء! ويا لله كم من آباء لقوا العناء! ويا لله كم فرق بين الأحبة والأصدقاء!

إنها الكأس المهلكة والحبة المفنية، إنها الكأس والحبة التي تلتذذ بها النفوس ساعة وتتعذب دهوراً، إنه الجحيم الذي لم يرحم دموع الأمهات، ولم يرحم دموع الأبناء والآباء والبنات، إنه الجحيم الذي وقفت الأم تريق بسببه دموعها على صبيها أو صبيتها يوم أن فارقها في حوادث مؤلمة، إنه الجحيم الذي وقفت فيه الأم تريق دموعها وبينها وبين ابنها وفلذة كبدها قضبان السجون وقد أريقت الدموع على فراقه، إنه الجحيم الذي نظر فيه الأبناء والبنات إلى رب الأسرة وقد انتهك الحدود، وغشي المحرمات؛ فلا يرحم صغيراً لصغره ولا أرملة ضعيفة بين يديه، كم سهر من أجل هذا الجحيم؟ سهرت عيون تكابد شقاءه، وتعاني عناءه، فلا راحم إلا الله ولا مفر منه إلا إلى الله.

إنه الجحيم والعذاب الأليم، كأس تقود إلى كئوس، وتعذب الأرواح والنفوس، وحبة تجلب الحبوب، وتنتهي إلى الهموم والغموم والكروب، فيا لله من قلوب سقمت، وأرواح تعذبت وحارت! ويا لله من عقولٍ ذهبت، وأجسادٍ خارت، وشباب غض طري طمس نور وجهه وذهب البهاء من رؤيته، كل ذلك عناء تعانيه الأمة، وويلات تجنيها من هذه الغمة.

إنها الكئوس المهلكة، والحبات المردية القاتلة، إنها الحبة التي لعن الله حاملها والمحمولة إليه وبائعها، لعن الله مروجها، لعن الله آخذها ومتعاطيها، إنها الإبرة التي لعن الله حاقنها والمحقونة فيه، وواجد لذتها، وصانعها، وبائعها، وشاريها، وآكل ثمنها؛ كل أولئك لعنهم الله وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [النساء:52].

والله ما من حبة حملت في كفٍ إلا حمل حاملها وزرها، وما من حبة تسببت في ذهاب عقل إلا حمل صاحبها إثم ذلك العقل، وما من حبة تكون سبباً في ذهاب نفسٍ إلا حمل حاملها وزر تلك النفس التي هلكت بسببها، إنها الحبوب التي تجنى بها الأوزار وتوجب سخط الجبار، ونقمة القهار، وسطوة الواحد القهار، إنها الحبة المهلكة المردية المشقية.

أخواتي المسلمات! وقفة مع هذا العناء وهذا الجحيم وهذا البلاء، يوم تفشى بين قلوبٍ كانت بريئة، ونفوس كانت رحيمة أصبحت من بعده تعاني عناءه وتجد شقاءه وبلاءه، وما المخرج؟

يوم أصبحت الأم ترى ابنها وقد تردى في مهاويها.

ويوم أصبح الأب يرى الابن والابنة قد تعاطت كأسها وخارت قواها وتردت في بلائها.

ما المخرج من هذا البلاء العظيم، وهذا الضنك الأليم؟!

المخرج من ذلك: الفرار إلى الله بالتوبة الصادقة والدعوة الصادقة والإنابة إلى الله، المخرج الأول الذي إذا حققه الإنسان أنجاه من هذا البلاء وما فيه من وعيد: أن تنظر المؤمنة وينظر المؤمن إلى بعده عن ربه، وطول غيبته عن خالقه قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

فيا أيتها النفس التي تعذبت بهذا البلاء! هذا نداء فاطر الأرض والسماء: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] فأجيبـي النداء، وهلمي إلى طاعة الله جل في علاه، هلمي ولو نادت النفس سبحان الله! أيغفرها بعد كئوس شربت وحبوبٍ أخذت؟ أيغفر تلك الليالي المظلمة وما فيها من السيئات والخطيئات؟ أيغفر تلك الكئوس وما تبعها من الخطيئات؟ نعم والله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53].

الإنابة إلى الله، التوبة الصادقة إلى الله بقلب صادق منيب إلى الله، فما وقف عبد ولا وقفت أمة بباب الله فنحيت عن رحمة الله، إنها التوبة الصادقة التي تبدل بها سيئات الكئوس حسنات، وتغفر بها السيئات والزلات والهنات، التوبة الصادقة قبل أن يدهم الأجل وينقطع الأمل ويجد القلب الوجل، التوبة الصادقة إلى الله جل جلاله الذي يقبل توبة التائبين، ويمحو بفضله ذنوب المسيئين، فلتطو صحيفة الماضي، ولتطو دواوين الماضي، ولتودّع المؤمنة الصادقة زماناً ولى بسيئاته، ولتنب إلى الله جل وعلا منكسرة بين يديه.

الوقفة الثانية: أن تصحح المؤمنة مسارها، وأن تكون خير معينة للنجاة من هذا البلاء والعناء، فتهدي إلى صديقاتها ومن بلي بعنائها وبلائها، الكلمات المؤثرة والنصائح الغالية الثمينة، فما أحوج كثير من المسلمات إلى النصيحة البالغة المذكرة بالله فاطر السماوات! ذكري بالله لعل الله أن ينظر إلى تلك الكلمات، لعل الله أن يسمع تلك العبارات فيوجب الحب والرضا والقرب منه جل وعلا، أن تحاول المؤمنة الصادقة أن تغفر زلة الماضي بإصلاح أخواتها وصديقاتها.

الوقفة الثالثة مع تلك المرأة المهمومة المغمومة؛ مع ابن تربى في هذا البلاء، أو بنت عاينت هذا الشقاء، أو زوجٍ هوى في هذا البلاء: أن تقف المرأة الصادقة أمام الابن والبنت والأخ والأخت والزوج وغيره، أن تقف بالصبر والتحمل واحتساب الأجر، فيا أيتها الزوجة المظلومة! يا أيتها الزوجة التي تعاني عناء هذا البلاء في زوجٍ تردى فيه، أو ابن كان من متعاطيه! اصبري واحتسبي وذكري بالله جل جلاله، وإياك والضعف والخور، ابذليها كلمات صادقات من قلبك الصادق لعل الله أن يفتح بها القلوب، وينير بها السبل والدروب إلى رحمة الله علام الغيوب، اصبري واحتسبي الأجر، واعلمي أن الله يسمعك ويراك. إن هذه الهموم التي تعيشينها في ظلمة الليل أو ضياء النهار، إن هذه الهموم التي تجدينها بالعشي والإبكار يراها ويسمعها الواحد القهار.

يا أمة الله! ابذلي النصائح، واستري الفضائح؛ استري زوجك إن كان مبتلىً بها، وحاولي أن تنتشليه من هذه الغمة، وأن تميطي عن عينيه اللثام فتنجلي الغمة، اصبري وذكري ولو طال الزمان فمن الله التوفيق وعظيم الأجر في الجنان.

الوقفة الثالثة: ما هي أسباب هذا البلاء الذي يتردى فيه الرجال والنساء؟ وما هو العلاج لهذا الداء؟

ثلاثة أسباب إذا تهيأت فقد فتح للمخدرات والمسكرات الباب:

أولها: الفراغ. وثانيهاً: قرين السوء. وثالثها: وجود الهموم والغموم؛ ثلاثة أسباب.

السبب الأول: الفراغ

أما الفراغ: فإنه السم القاتل الذي يدعو إلى السوء والرذائل، ما من امرأة يعظم فراغها إلا رأت بلاءً في دينها، ولذلك لا يأتي بلاء المسكرات والمخدرات إلا إذا فرغت المرأة وفرغ الرجل، حينما ترمي المرأة رسالة بيتها وراء ظهرها فتصبح خراجة ولاجة، حينما تنسى حقوق أبنائها وبناتها فتدمن الخروج إلى أسواقها ومتاجرها، إذا فعلت ذلك وأصبحت تجد الفراغ هنالك، هنالك تكون الحبة القاتلة أو الكأس المردية والعياذ بالله.

علمت يا مجاشع ابن مسعده أن الفراغ والشباب والجده

مفسدة للمرء أي مفسده

ولقد عالج الإسلام هذا الفراغ فليس في حياة المؤمنة فراغ، ينبغي للمرأة الصالحة إذا وجدت فراغاً في وقتها أن تسخره في محبة ربها، فتكثر من ذكر الله وحسن الطاعة لله، الفراغ يقتل بالأعمال الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: فراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك ..) الحديث، الفراغ يقتل بالأعمال الصالحة، أو بالمنفعة التي تعود على المرأة في دنياها بالخير العظيم، تقتل المرأة فراغها إما بخصلة من خصال دينها أو دنياها.

السبب الثاني: قرينات السوء

أما السبب الثاني الذي يقود إلى هذه المخدرات، ويوجب الوقوع في هذه البليات: فالقرينات السيئات، من الذي زين كأس الخمر حتى شربت؟ من الذي زين حبة المخدر حتى أخذت؟

إنها الكلمات المعسولة من ذلك الصديق أو تلك الصديقة التي لا تخاف الله، ولا تراقب الله في إماء الله، إنها الصديقة التي لا تصدق في مودتها، إنها القرينة التي كتب الله الشقاء لمن جاورها وصادقها، فينبغي للمرأة المؤمنة أن تفر من قرينات السوء إلى القرينات الصالحات، إلى مجالس الذكر مع الطائعات القانتات العابدات، أن تفر إلى هذا الرعيل الطيب الصالح فتعمر أوقاتها بالجلوس معهن والتواصي بطاعة الله، والشد على ذلك من أسرهن.

السبب الثالث: وجود الهموم والغموم

أما السبب الثالث الذي يقود إلى هذه المهلكات والمرديات: وجود الهموم والغموم.

المرأة قد تجد زوجاً يؤذيها، أو ابناً يعذبها، فتلتفت هنا وهناك مهمومةً مغمومةً وقد أطبقت عليها الدنيا بالهموم والغموم، فتجد من لا خير فيه من تلك القرينات السيئات، تجد من يقول: حبة تنسي الهموم، حبة تنسي الغموم، حبة تزيل الكروب. وعندها تتناول تلك المرأة المهمومة المغمومة شعرت أو لم تشعر ذلك البلاء القاتل؛ لذلك فإن العلاج لهذا البلاء قد بينه الله جل جلاله.

فيا أمة الله! إذا ضاقت عليك الحياة بهمومها، أو عضت عليك بأنيابها، إن وجدت الزوج يكفر النعم، إن وجدت الابن يجلب النقم ففري إلى الله بكفٍ ضارعة تشتكي إلى الله.

يا أمة الله! إن البلاء يفرجه الدعاء.

يا أمة الله! إن البلاء يزيله فاطر الأرض والسماء، فاصدعي بتلك الكلمات، واجأري بتلك الدعوات مع إيمان بالله فاطر الأرض والسماوات، فستجدين الله حليماً رحيماً، وتجدينه جواداً كريماً، فكم من هموم فرجها، وكم من غموم نفسها، وكم من مؤمنة صادقة رفعت كفها إليه فما خابت في دعائها ولا ظلت في رجائها، فاصدقي مع الله، واعلمي أنه لا يبدد الهموم والغموم أحدٌ سوى الله، ناديه وناجيه فللدعاء أثر في القدر، واصدعي بالدعوات بقلب يوقن بالله جل جلاله أنه مفرج الكربات، ناديه حتى تجدين المعونة وكفاية المئونة، ناديه فإنه يحب الدعاء ويجزي عليه عظيم الجزاء.

إن الدعاء إيمان وتسليم وإذعان، الدعاء يدل على التوحيد وحسن الظن بالله الحميد المجيد، فاصدعي بالدعوات واجأري إلى الله بها في السجود وفي الصلوات، وخذي بالأسباب الموجبة لمغفرة رب الأرباب، أكثري من الصدقات، وأكثري من الإحسان إلى الأيتام والأرامل، إن أصابك الهم في الزوج والعشير فابذلي بيدك حسنة ترجينها في عورة تسترينها أو كربة عن مؤمن أو مؤمنة بإذن الله تزيلينها.

إذا علم هذا فإنه ينبغي أن يعلم أن المخدرات والمسكرات من أعظم البليات، وأعظم المصائب التي تهتك بالأفراد والمجتمعات، ومن أراد أن يعرف خطرها، وأن يرى بأم عينيه عظيم بلائها فليزر دور المرضى، ولينظر إلى تلك العقول التي سلبت والأفهام التي أخذت، ولينظر إلى تلك العلل التي حلت بتلك الأجساد التي ظلمت، ولتأخذ المؤمنة عبرة من غيرها فتكون أبعد ما تكون عن هذا البلاء في نفسها وذرياتها.

أما الفراغ: فإنه السم القاتل الذي يدعو إلى السوء والرذائل، ما من امرأة يعظم فراغها إلا رأت بلاءً في دينها، ولذلك لا يأتي بلاء المسكرات والمخدرات إلا إذا فرغت المرأة وفرغ الرجل، حينما ترمي المرأة رسالة بيتها وراء ظهرها فتصبح خراجة ولاجة، حينما تنسى حقوق أبنائها وبناتها فتدمن الخروج إلى أسواقها ومتاجرها، إذا فعلت ذلك وأصبحت تجد الفراغ هنالك، هنالك تكون الحبة القاتلة أو الكأس المردية والعياذ بالله.

علمت يا مجاشع ابن مسعده أن الفراغ والشباب والجده

مفسدة للمرء أي مفسده

ولقد عالج الإسلام هذا الفراغ فليس في حياة المؤمنة فراغ، ينبغي للمرأة الصالحة إذا وجدت فراغاً في وقتها أن تسخره في محبة ربها، فتكثر من ذكر الله وحسن الطاعة لله، الفراغ يقتل بالأعمال الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: فراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك ..) الحديث، الفراغ يقتل بالأعمال الصالحة، أو بالمنفعة التي تعود على المرأة في دنياها بالخير العظيم، تقتل المرأة فراغها إما بخصلة من خصال دينها أو دنياها.

أما السبب الثاني الذي يقود إلى هذه المخدرات، ويوجب الوقوع في هذه البليات: فالقرينات السيئات، من الذي زين كأس الخمر حتى شربت؟ من الذي زين حبة المخدر حتى أخذت؟

إنها الكلمات المعسولة من ذلك الصديق أو تلك الصديقة التي لا تخاف الله، ولا تراقب الله في إماء الله، إنها الصديقة التي لا تصدق في مودتها، إنها القرينة التي كتب الله الشقاء لمن جاورها وصادقها، فينبغي للمرأة المؤمنة أن تفر من قرينات السوء إلى القرينات الصالحات، إلى مجالس الذكر مع الطائعات القانتات العابدات، أن تفر إلى هذا الرعيل الطيب الصالح فتعمر أوقاتها بالجلوس معهن والتواصي بطاعة الله، والشد على ذلك من أسرهن.