خطب ومحاضرات
لقاء الخير
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة الكرام: أيها الأحبة في الله! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام مرة أخرى: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ونرحب بالمشايخ الفضلاء ونرحب نيابةً عن الداعية الشيخ خالد بن عبد الله القحطاني بالإخوة جميعاً، ونسأل الله أن يجعل هذا اللقاء لقاء خير، ويسعدنا ويشرفنا أن يكون في معيتنا هذه الليلة إضافةً إلى المشايخ الفضلاء من أهل هذه المنطقة الشيخ محمد الشنقيطي وهو معروف لدى الكثير بل الجميع، وكذلك الشيخ محمد الدويش وفقهما الله إلى كل خير، وهما وأشرطتهما وما كتبا يبينان من هما، نحسبهما على خير ولا نزكي على الله أحدا.
ونسأل الله جل وعلا أن يحشرنا جميعاً في فردوسه الأعلى مع نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أيها الإخوة الكرام: أعلم أن الجميع في أحر الشوق لسماع كلمةٍ من الشيخين الكريمين، فأترك المجال لهما بعد أن رحبت بهما وبالجميع، وأسأل الله أن يبارك لهما في خطواتهما، ولكن قبل ذلك وخير ما تشغل وتعمر به المجالس كلام الله جل وعلا، فنستمع إلى بعض الآيات والتي نود من الشيخين الكريمين أن يعلقا عليها طلباً واقتراحاً لا إلزاماً وأمراً، فأقول كما قال حبيبنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) كما كان يبتدئ بها في كثير من خطب حاجته في عدد من الأحيان، وإن كان ليس من اللازم أن يُبتدأ بها، فإنه قد ثبت كما في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ كلمته بقوله: (ما من نفس منفوسة) وفي أحاديث أخرى لم يبتدئ بخطبة الحاجة فدل على أنها سنة وليست بالواجب.
وفي كل وقت أقول: كثيراً ما كان عليه الصلاة والسلام ينبه أمته على الاعتصام بكتاب الله وبسنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، التي فيها النجاة وفيها الفلاح بإذن الله تبارك وتعالى، فلا فلاح ولا نصر ولا سعادة ولا هداية لا في مجال العلم والتعليم، ولا في مجال الوعظ والإرشاد، ولا في مجال الجهاد في سبيل الله، ولا في أي مجال من المجالات الخيرية إلا بالرجوع إلى هذين الأصلين، وإلى الوحيين من كلام الله وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى فهم السلف الصالح، ويكفينا في ذلك ما جاء في كتاب الله من الآيات، وسوف نكتفي بواحدة منها، ومما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكتفي بواحد منها، ومما جاء من كلام السلف أيضاً ونكتفي بواحد من كلامهم.
أما ما جاء في كلام الله جل وعلا فهو في قوله تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا [البقرة:137] أي: لا هداية ولا سعادة في الاعتقاد، ولا في العمل ولا في العلم، ولا في العبادة ولا في الأخلاق ولا في السلوك ولا في المعاملة، ولا في شأن من شئون الحياة إلا بأن نهتدي بمثل ما اهتدى به نبينا صلى الله عليه وسلم.
أما الأحاديث فهو ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث بأسانيد يقوي بعضها بعضاً، أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر في أحاديث الفرقة الناجية أنها: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)، فيجب أن نكون على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العلم والعقيدة والعمل.
وأما قول السلف فهو قول إمام دار الهجرة الإمام مالك فيما نقل عنه: [لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها].
نسأل الله جل وعلا أن يعيدنا جميعاً إلى كتابه وإلى سنة نبيه؛ لننهل من معينهما، ونتعلم منهما ولنعمل بذلك وندعو إلى الله على بصيرة وحكمة.
وقد أتتني هذه القصاصة أو هذه الورقة من أخي الحبيب، فيها أبيات من الشعر يهديها إلى الضيفين الكريمين وإلى الجميع، فيقول فيها:
سلام من صحيح القلب يهدى إلى أغلى الأحبة والصحاب
يؤرقني له شوق وذكرى وطول مدى التفرق والغياب
وأبعث ما يكن له فؤادي إلى الشنقيطي بين يدي خطابي
نقول إلى الشنقيطي وفقه الله وإلى الدويش وإلى الجميع، نسأل الله أن يوفقنا لذلك.
ونستمع الآن إلى آيات من الذكر الحكيم يرتلها علينا الشيخ خالد بن عبد الله القحطاني ، ثم نقترح على الشيخين أن يعلقا عليها لننتفع من كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وجزاكم الله خيراً، ومع التلاوة:
قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:53-61].
نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ونترك الآن المجال لفضيلة الشيخ: محمد الشنقيطي ليعلق على هذه الآيات، ثم بعد ذلك نثني بالشيخ محمد الدويش.
كلمة الشيخ محمد الشنقيطي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بسط يده للتائبين، وعمَّ برحمته ذنوب المسيئين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وجميع من سار على نهجهم إلى يوم الدين، كلما رقت قلوب المنيبين وكلما دمعت عيون المسرفين. أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي أخي الفاضل الشيخ: خالد كل خير على هذا المجمع المبارك، وأن يجزيكم جميعاً خير الجزاء وأجزله على هذا المجلس، وأن يكتب لنا ولكم الخُطى، وأن يوجب لنا ولكم بها الحب والرضا.
ثم إنه لمن توفيق الله جل وعلا أن تُختار هذه الآيات الكريمة، وهذه المقاطع الجليلة العظيمة التي كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أرجى آية في كتاب الله هي هذه الآية: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]) أرجى آية في كتاب الله تجبر كسر المكسورين، وتحدث السلوان للمصابين: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53].
هذه الآية الكريمة التي نظر الله عز وجل فيها إلى أمم غرقت في ذنوبها .. وقلوب أسرفت في غيها وفجورها.. وإلى أمم تعيش في الظلمات.. وقلوب حائرة في السقاطات والجهالات.. إلى تلك الجموع التي هوت وضلت عن سبيل الله وغوت.. إلى قلوب طالما فرت عن ربها وأفئدة طالت غربتها عن خالقها، نظر الله إليها نظر الرحمة؛ لكي يناديها بهذا النداء، فنسبها إليه جل وعلا: (قُلْ يَا عِبَادِي) ومن لهم غيره؟! ومن لهم سواه؟! ومن يرجون عداه؟! حينما عظم من النفس إساءتها، وجل منها خطيئتها ووزرها، نظرت إلى اليمين والشمال ومن فوقها ومن تحتها ومن أمامها وخلفها، فعلمت عندها أن لا مفر من الله إلا إليه.
عندها أقبلت على الله جل وعلا، والقلوب محترقة بالحزن والألم، والنفوس متوهجة من شديد العتب والندم، تحس أنه ما كان ينبغي ما فات وسودت به الصحائف، تحس أنه لا غنى لها عن ربها، وأنها قد أسرفت في فجورها وغيها، وأنه إذا لم تصب برحمة من فاطرها فالويل ثم الويل لها، فعندها أحست من صميم القلب والفؤاد أن النجاة هناك، وأن المفر إلى هناك، إلى الله وجلَّ الله.
إلى من إذا دمعت بين يديه دمعة غسلت الذنوب .. إلى من لا يذكرك بما مضى إذا أنبت بصدق إليه جل وعلا.. إلى الله الذي إن أقبلت إليه إقبال الصادقين لم يلتفت إلى ما مضى من ذنوب المسيئين، عندها أحسست أن النجاة عند الله، وأنه لا مفر من الله إلا إليه، وأن لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه.
فمن يربيهم بالنعم غيره؟ ومن يغذيهم بالفضائل والمنن غيره؟
يا من لا مفر لكم إلا إليَّ! يا من لا عدة لكم سواي! يا من طالت غيبتكم! يا من طالت غربتكم! لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] أي: لا تقنطوا مما أعددت من رحمات تُغسل بها الذنوب، وتقال بها العثرات، لا تقنطوا وإن عظمت من النفس إساءتها ولا تيئسوا وإن ذلت النفوس من خطيئتها، فللذنوب غفرانها، وللعيوب سترها، وللكروب تفريجها، كم نادى منادٍ والقلب يحترق من الألم، وقد تلطخ بالذنوب ولكن جاء يطلب الإقالة مع الندم فرجع كيوم ولدته أمه.
بغي من بغايا بني إسرائيل ما عملت خيراً قط، حياتها في الزنا والفجور، مرت على كلبٍ يلهث يأكل الثرى من الظمأ، فنزلت فملأت موقها فسقته فشكر الله لها فغفر ذنوبها.
ومر عبد على غصن شوك فزحزحه عن الطريق، فزحزحه الله به عن نار جهنم، فما أحلمه! وما أرحمه! ما ضاقت رحابه بالمنيبين، ولا طرد عن بابه المسيئين، فما وقف أحد ببابه فرده خائباً عن جنابه، وما وقف أحد ببابه فخيبه في سؤاله ورجائه.
هل وقف أحد بباب الله فطرده الله عز وجل وأبعده؟
هل رجا أحد ربه فخيبه فيما رجاه؟
فما عنده إلا الحلم والرحمة والفضل والإحسان، تبارك الله الواحد المنان.
وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) نظر إليهم في جوف الليل وقد تلطخوا بالذنوب والمعاصي، فستر وتفضل بالستر وهو قادر على الفضيحة، حتى إذا انبلج ضياء الفجر وشع ضياء الصبح وانتشر، رُفِعت الأكف إليه تدعوه وتسأله وترجوه فبسط يده بالعفو بالنهار عن ذنوب الليل: (يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار) حتى إذا أشرقت الشمس بضيائها تلطخت أمم بذنوبها وسيئاتها فغفر وستر، حتى إذا جن عليها ضياء الليل تحركت في النفوس أشجانها، ونادت النفس اللوامة: أيا نفس ماذا فعلت؟! أيا نفس أي ذنب اقترفت؟! أيا نفس أي رب عصيت؟! فدمعت بين يدي ربها، وأنابت إلى الله خالقها، فتولى ذنوبها بالعفو والصفح، فكأن لم يكن ذنب وكأن لم تكن إساءة.
فما أحلمه بعباده! وما أرحمه بخلقه! وكلما عظمت الذنوب، وكلما اشتدت الخطايا من النفوس فسلوانها أن الله لها، ومهما أساء المسيء في جنب الله فإنه بسعة عفو الله، وهو الذي يجرئه على حدود الله، وإن كان ينبغي له أن يحس بعظيم نعمة الله وأن يستحي من الله، لكن ما أحلمه! وما أرحمه! وما أكرمه!
ومع هذه الرحمات وواسع العفو والمغفرات ما قدرناه حق قدره، ولا أجللناه حق إجلاله، تمحى الذنوب من الصحائف وإذا بالعبد يعود إلى تسويدها، فكأن لم يكن وكأن لم تكن له رحمة من الله، فما أوسع رحمة الله بعباد الله! وما أجرأ الخلق على حدود الله!
وقفت مع هذه الآية الكريمة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] لا تقنطوا؛ لأن الله يغفر الذنوب جميعا، فليس هناك ذنب أكبر على الله من أن يغفره إلا أن يموت العبد على الشرك أو على الكفر والعياذ بالله، فخاب وخسر الدنيا والآخرة ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] فيكتب خالداً مخلداً في النار يوم أن يكتب عليه حرمت عليه الجنة فلا ترى عينه فردوسها ولا جنانها.
يغفر الذنوب جميعاً إذا لم تبلغ النفس إلى سكراتها، ولم تفارق أو تصل إلى حدها من حياتها: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] لا يجوز لمسلم بعد هذه الآية الكريمة إذا وقع منه أي ذنب كان أن يستعظمه على الله جل وعلا، ولو قتل ولو زنا ولو سرق ولو فعل الموبقات، ولو ارتكب كبائر الفواحش والمنكرات فليضع نصب عينيه إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
حمل عمر بن الخطاب السيف لكي يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فقلب الله قلبه في لحظة واحدة لكي يكون إماماً ورحمةً للمسلمين، فما أوسع رحمة الله بعباده! وما أوسع حلم الله على خلقه! نعصيه على أرض هي بساطه، وخيرات هي طعامه وهي نعمه جل شأنه وتقدست أسماؤه.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم: أن يمن علينا وعليكم بالتوبة النصوح، وأن يمن علينا وعليكم بغفران الذنوب وتكفير الخطايا وستر العيوب، اللهم إنا نسألك في هذه الحياة قبل لقائك بأننا نشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له كفواً أحد، اللهم لا تبقِ لنا ذنباً إلا غفرته، اللهم اغفر لنا ما كان وما سلف، اللهم بارك فيما بقي من أعمارنا، اللهم ارزقنا فيها قولاً يرضيك عنا، وعملاً يرضيك عنا، وثبت أقدامنا على طاعتك إلى لقائك، إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.
المقدم:
أحسن الله إليك، ونفع الحاضرين والمستمعين بما سمعنا، وجعلنا ممن تنفعه هذه الكلمات في دنياه وفي أخراه، فننطلق عاملين بها لا متأثرين تأثراً لحظياً، ولكن تأثراً إلى أن نلقى الله جل وعلا، وهو راضٍ عنا، كما قال الله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
نسأل الله أن يصلح ظواهرنا وبواطننا، وأن يجعلنا دائماً وأبداً ممن يخاف ربه، وممن يخشاه، وممن يرجو ثواب الله جل وعلا، فالمؤمن لابد أن يكون بين جناحين: جناح الخوف والرجاء.
الخوف: هو أن يخاف من ربه جل وعلا، ويخاف من عقابه ويخاف من تحول نعمته إلى نقمة.
والرجاء: هو أن يرجو ما عند الله، ويرجو ثواب الله، ويرجو لقاء الله وهو عنه راض، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارجه : والقلب في سيره إلى الله عز وجل بمنـزلة الطائر: رأسه المحبة وجناحاه الخوف والرجاء، فإذا قطع الرأس مات الطائر وإذا كسر أحد الجناحين فهو عرضة لكل صائد وكاسر.
فلا بد -أحبتي- أن نسير بقلوبنا إلى الله جل وعلا، محبة في الله جل وعلا وخوفاً من الله تبارك وتعالى، ورجاءً فيما عنده، حتى نكون من المؤمنين الموحدين، كما نقل عن مكحول الدمشقي ونقل هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه : أنه من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري -من الخوارج - ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله حباً فيه ورجاءً لما عنده وخوفاً من عقابه فهو مؤمن موحد.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك.
أيها الإخوة الكرام: الخوف المحمود هو: ما حجز عن محارم الله جل وعلا، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، فقد تنـزل منا دمعة وقد نتأثر لحظة أو لحظات، وقد نتأثر في رمضان خلف الإمام وخاصةً لما يدعو، وقد نتأثر من بعض الآيات، وقد نتأثر من بعض الكلمات من الدعاة الصادقين الذين نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، ولكن لابد أن يستمر العبد مع إخوانه ليزيد إيمانه، ولابد أن يستمر العمل حتى لا يصدق فينا حديث رسول صلى الله عليه وسلم -الذي رواه ابن ماجة وهو حديث حسن من حديث ثوبان : (لأعلمن أناساً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال كأمثال جبال تهامة بيضاء من الأعمال الصالحة يجعلها الله هباءً منثورا، أما إنهم منكم، يقرءون القرآن كما تقرءون، ولهم حظ من الليل ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).
نسأل الله أن يصلح ظواهرنا وبواطننا، وأن ينفعنا بما سمعنا، ونترك الآن المجال لفضيلة الشيخ محمد الدويش ليعلق على الآيات التي تليت، أو على ما تبقى منها وفقنا الله وإياكم للاستفادة، ووفق الله الشيخ للحق والسداد.
كلمة الشيخ محمد الدويش:
كلمة الشيخ: محمد الدويش:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فكما أن للكلمة الصادقة التي تصدر من قلب يخاف الله سبحانه وتعالى ويخشاه ويرجو ما عنده أثراً بالغاً في نفس مستمعها, وكأنه وهو يسمع يقرأ ما في قلب صاحبها، فإن الكلمة المتكلفة التي تصدر من اللسان والتي تصدر من قلب قاسٍ بعيدٍ عن الله سبحانه وتعالى هي الأخرى لن يكون لها نصيب من التأثير والسماع، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة، والكلام الذي خرج من اللسان لن يتجاوز الآذان.
ولهذا أرى أنني أفسد عليكم كثيراً عندما أعلق على ما قاله شيخنا حفظه الله ونفعنا بعلمه، ولا أزيد إلا على أن أؤكد على أن هذه المشاعر التي تمر بنا، عندما نسمع كلام الله تعالى، أو نسمع موعظةً لا يجوز أن تبقى مجرد مشاعر في القلب يتأثر بها المرء، فالله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:2-4].
فلابد أن يكون لهذا الخوف عمل، ولا بد أن يكون لهذا الرجاء عمل، وأن نوظف هذا التأثر -الذي نجده في نفوسنا عندما نقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى، أو نقف بين يدي الله عز وجل أو نسمع موعظة- لكي يتحول إلى رصيد من العمل، والامتناع عما حرم الله سبحانه وتعالى، والتوبة الصادقة النصوح إليه.
فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على عباده بثناء قال فيه سبحانه وتعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً [الإنسان:8-10] فأخبر الله سبحانه وتعالى أن هذا الخوف إنما قادهم إلى هذا العمل والإنفاق والبذل.
ولا أريد أيها الإخوة أن أطيل عليكم أو أثقل عليكم، ولا أزيد على أن أؤكد ما قاله شيخنا: أن نسعى دائماً إلى أن نزيد من رصيد العمل. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العمل النافع، والعمل الصالح، وأن يجزي شيخنا خير الجزاء على ما ذكرنا به ورقق قلوبنا، ونسأل الله تعالى رقة القلوب وخشيتها، هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
شكر الله لفضيلة الشيخ محمد الدويش على هذه الكلمة، وقد ذكرني عندما تكلم عن حاله بفعل كثير من سلفنا الصالح، وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، كانوا يبذلون ويعملون ويجدون ويجتهدون ويجاهدون ويضحون، ومع ذلك يقولون عن أنفسهم ولسان حالهم:
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعفُ عني
أيها الإخوة: هذا شأنهم، يعمل ويجد ويجتهد في دين الله جل وعلا، أعمال قاصرة من قيام الليل وصيام وغير ذلك، وأعمال متعدية من دعوة وتأليف وكتابة ونشر للخير وهداية للخلق، هداية دلالة وإرشاد وإلى غير ذلك، ومع ذلك يستشعر أنه مقصر في جنب الله وفي ذات الله جل وعلا.
وفي صحيح البخاري في كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، أورد أثراً عن ابن أبي مليكة يقول: [أدركت ثلاثين من صحابة رسول الله كلهم يخاف النفاق على نفسه] الصحابة وهم من هم في العلم والعمل والجد والاجتهاد والبذل في كثير من مجالات الحياة، ومع ذلك يخافون النفاق على أنفسهم، يقول ابن حجر : ومن أدرك ابن أبي مليكة؟ أدرك أناساً من كبار الصحابة، أدرك أبا هريرة وأدرك عائشة وأدرك العبادلة وغيرهم، ومع ذلك كان أحدهم يخاف النفاق على نفسه.
فاروق هذه الأمة عمر كان يبذل ويعمل وسيرته معروفة، ومع ذلك كان يقول لابنه عبد الله عند موته: [ضع خدي على التراب، فإني لا أدري أيغفر الله لي] وهذا من استشعارهم للتقصير، قال الحسن البصري رضي الله عنه: [أولئك جمعوا إحساناً وخشية، ومَن بعدهم جمعوا إساءةً وأمنا] يكون عنده معاصٍ وذنوب ثم يقول: أنا أحسن من غيري، فعلت وبذلت وغيري لم يفعل ما فعلت. نسأل الله السلامة والعافية.
فاروق هذه الأمة عمر الذي لا تخفى عليكم الأحاديث الواردة في فضله، يشهد له النبي عليه الصلاة والسلام بأنه من العشرة المبشرين بالجنة، ويوم وقف النبي على جبل أحد قال: (أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) ويقول صلى الله عليه وسلم عن عمر : (ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر) وكذلك شهد له الصحابة بذلك، يقول ابن عباس : [كثيراً ما كان يقول عليه الصلاة والسلام: جئت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر ] ومع ذلك كان يتبع حذيفة أمين سر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فينظر من يصلي عليهم حذيفة ومن لا يصلي عليهم؛ لأنه يعلم أنه يحفظ أسماء المنافقين، ثم يأتي لـحذيفة فيقول: [يا حذيفة! أسألك بالله أعدني رسول الله في المنافقين؟] عمر يخاف على نفسه؛ إذاً ماذا نقول عن أنفسنا؟
ولا يعني هذا أن نقنط، وإنما هذا شعور لابد أن نستشعره، وأن نعمل ونبذل ونستشعر الخوف من الله جل وعلا، ونخاف من عدم القبول.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم إخلاص النية، وأن يبعد عنا جميع أمراض القلوب، والعُجْبَ الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أنكم تذنبون لخفت عليكم ما هو أعظم!! العجب العجب) كما ثبت في الحديث الحسن، ونسأل الله أن يطهر قلوبنا من الرياء الذي هو الشرك الخفي، ونسأل الله أن يطهر قلوبنا من الكبر: الذي لا يدخل صاحبه الجنة، ونسأل الله جل وعلا أن يطهر قلوبنا من جميع أمراضها، وأن يطهر ظواهرنا وبواطننا، كما نسأله أن يرزقنا الاستقامة على دينه والثبات على شرعه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يلتزم السنة وهدي نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنكون من عباده المهتدين.
أما الآن فمع كلمة للشيخ محمد الشيخ حفظه الله ليتحفنا بما عنده، نسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وما نقول.
كلمة الشيخ: محمد الشيخ .
الحمد لله الكريم التواب، الرحيم الوهاب، الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، ولانت لقدرته الشدائد والأطناب، رب الأرباب، مسبب الأسباب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [غافر:3] عليه توكلت وإليه متاب، وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضلهم بلا ارتياب، وعلى سائر الأصحاب.
ثم أما بعد:
أيها الأحبة في الله: فإنه لا زيادة على ما تقدم به المشايخ، ولكن أود أن أذكر نفسي وإخواني أن الكلام الذي قيل، والآية التي تليت وفسرت ووضحت، هي تعنينا قبل غيرنا، فقد يظن الكثير أن آيات التوبة وخطاب التوبة إنما يوجه إلى من زنى أو إلى من سرق أو إلى من تراكمت عليه المعاصي .. لا، فنحن أحوج ما يكون إلى توبة نصوح.
إن الله تبارك وتعالى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيات يأمره بها وأصحابه من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، والسابقين من المهاجرين والأنصار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقدموا وبذلوا وضحوا وجاهدوا، أمرهم الله جل وعلا وهو يخاطبهم بخطاب الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [التحريم:8].
الشاهد أيها الأحباب! لا يستغني أحد منا عن أن يستغفر الله، فإذا كان نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول: (توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة) وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لعلمه صلى الله عليه وسلم أن حق الله أعظم من أن يؤديه بشر، فلا يزال كل عبد مسلم مقصراً في حق الله، ذلك أنه جل وعلا ربه ومولاه وخالقه ورازقه الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فأنَّى للعبد أن يوفيه حقه، وأن يعبده حق عبادته.
فلا شك أن العبد محتاج إلى أن يتوب من التقصير، ومن الجفاء، ومن البعد عن الله تبارك وتعالى ولو للحظة، ولذلك علَّمنا صلى الله عليه وسلم حديثاً وذكراً ما أطيبه وما أسعد من أخذ به، قال صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهل وفيت نعمته عليك بالهداية والإسلام واتباع خير الأنام؟ أبدا، فلا بد أن تقول ذلك (وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
ولا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك، وأفسد -كما ذكر ذلك الشيخ محمد - موعظة الشيخ وكلامه والذكرى التي ذكَّرنا بها.
ولعلي أختم أيها الأحبة كلمتي بالوصية بأن نشمر للجنة بالتوبة (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنـزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فسارعوا إليها بالتوبة، فسارعوا إليها بالتوبة وعمروا دنياكم بالتوبة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها:
فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنـه وإن بناها بشر خاب بانيها
أسأل الله أن يتولانا برحمته، وأن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته، وأن يسعدنا وإياكم بعبادته، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الفوز يوم أن نلقاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم:
أما الآن فمع مسك الختام ومع شيخنا الذي رغم كثرة مشاغله، ورغم كبر السن، إلا أنه أبى إلا أن يكون قلبه قلب شاب، ومن نشأ في طاعة الله أمده الله بعونه وأمده الله بتوفيقه، والله إذا رأيته خاصة عندما تراه في أراضي الجهاد يتنقل مع الشباب وكأنه لم يتجاوز العشرين، وإذا جئت إلى محاضرة وجدته، وإذا جئت إلى درس وجدته، ويذكرني ذلك بما نقل عن المحب الطبري : أنه كان ذات مرة قريباً من الشاطئ، فقبل أن يصل القارب إلى الشاطئ قفز قفزةً لا يقفزها كثير من الشباب، فلما قالوا له: يا شيخ! قد بلغت من السن قرابة الثمانين فما الذي قواك لمثل هذا؟! فقال: تلك جوارح حفظناها لله في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر.
أيها الشباب خذوا درساً من هذه الكلمات، ويذكرني كذلك بالصحابي ابن الجموح الذي أقسم أن يطأ بعرجته الجنة، وبغيره رضي الله عنهم وأرضاهم، ومع الشيخ: محمد بن سليمان الشيحة ليتكلم دقائق عدة، نختم بها هذا المجلس فليتفضل جزاه الله خيرا.
كلمة الشيخ: محمد بن سليمان الشيحة .
أحمده سبحانه وأثني عليه وأشكره على مزيد الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعزنا بالإسلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، سيد الخلق ورسول الحق وخير الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:25-28].
أما بعد:
أحييكم أيها الأحبة بتحية الإسلام المباركة: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
سمعنا -أيها الإخوة!- من أصحاب الفضيلة مشايخنا ما حذروا منه، وأوصوا به، كيف يكون المؤمن وجلاً خائفاً، وإذا غمر قلب المؤمن الخوف من عذاب الله والرجاء في ثواب الله، سارع إلى العمل الصالح، والله سبحانه وتعالى يقول ويأمر ويحذر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33] أي: اتقوه في طاعته واجتنبوا معصيته.
والتقوى: أن تطيع الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وتجتنب معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله، أي: لا يفتقدك ربك حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك.
والتقوى هي: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
هذه الدنيا -أيها الأحبة- دار الأعمال، ودار الآخرة دار الجزاء والثواب والعقاب، واغتنموا فرصة الحياة لتسارعوا إلى الأعمال الصالحة، والاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن المستقيمين لهم جزاء عظيم، إذ يقول الحق سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14] توحيد واستكانة على كلمة التوحيد، فإذا كانت حياتنا نابعة من الإيمان بالله جل وعلا وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، صلحت أحوالنا وصلحت أعمالنا وصلحت حياتنا.
مجاهدة النفس على الطاعة
الله سبحانه وتعالى يحاسبك ويستنطقك عما قدمت من أعمال في هذه الدنيا، فحذار -أيها الحبيب- هذا اليوم الذي قال الله جل وعلا فيه: فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ [عبس:33-38].
اللهم اجعل وجهنا من هذه الوجوه وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:38-42].
أيها الأخ الكريم: فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ [عبس:33] هذا اليوم الذي يفر فيه القريب من قريبه، والابن من أبيه، والأم من ابنها، كلٌ منهم همه نفسه وهمه حاله؛ لأنهم في يوم رهيب عصيب.
إذاً أيها الأخ الكريم: احذر ذلك اليوم، واعرف ما ينبغي عليك أن تؤديه في هذه الحياة الدنيا من عمل صالح يرضاه ربك وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن فعلنا ذلك أنجحنا وأفلحنا وفزنا في حياتنا الدنيوية، وفي حياتنا البرزخية وفي حياتنا الأخروية، ذلك اليوم الذي يفر الابن من أبيه، يقول الأب في ذلك اليوم لابنه: حسنة يا بني، فيقول الابن: يا أبتِ إني بحاجة إلى هذه الحسنة، كلٌ همه نفسه في ذلك اليوم، وتقول الأم لابنها: حسنة يا بني طالما كان حضني لك وقاء، وصدري لك سقاء، وحجري لك وطاء فحسنة يا بني، فيقول الابن: إنني يا أماه أشكو مما تشكين منه.
المبادرة بالإيمان الصادق والعمل الصالح
أيها الأحبة: هنا عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، فلنتقِ الله في أعمالنا وأحوالنا وأقوالنا؛ لكي نفوز برضا ربنا، ونحشر في زمرة نبينا صلى الله عليه وسلم، فهذا يحتاج إلى مجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
مرتبة الإحسان .. وأهميتها
ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما ما يحبه ويرضاه من الاستقامة على نهجه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله أسأل أن يعز دينه، ويعلي كلمته، ويصلح عباده إلى السير في طريقه المستقيم، وعلى منهجه القويم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزى الله الشيخ محمد الشيحة خير الجزاء.
وأشكركم أيها الأحبة شكراً جزيلاً على الحضور، فمنكم من تجشم الصعاب، وعلى رأسكم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الشنقيطي حفظه الله، وأمد في عمره ونفع به، ولا يفوتني أن أشكر والدي حفظه الله والذي حضر هذا المجلس، والذي قد رباني فأحسن تربيتي، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي وله وللجميع، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وأن يجمعنا وإياكم في الدنيا على محبته وطاعته، وفي الجنة بإذنه تعالى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المشكلات الزوجية وعلاجها | 3461 استماع |
رسالة إلى الدعاة | 3435 استماع |
وصية نبوية | 3327 استماع |
أهم الحقوق | 3305 استماع |
توجيه الدعاة إلى الله تعالى | 3215 استماع |
كيف نواجه الفتن؟ | 3166 استماع |
حقيقة الالتزام | 3144 استماع |
وصايا للصائمين والقائمين | 3086 استماع |
الوصايا الذهبية | 3040 استماع |
مناقشة لرسالة الدكتوراه (2) | 3008 استماع |