خطب ومحاضرات
كيف نربي أنفسنا ؟
الحلقة مفرغة
قال الشيخ سلمان بن فهد العودة حفظه الله:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71], يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19].
أيها الإخوة، إن كثيراً من الناس -وخاصة في هذه الأزمنة- يتذمرون من كثرة الوسائل والأسباب والعوامل التي تدفع الناس إلى الشر والفساد والرذيلة والانحلال, ويقولون: إن هذا الزمان هو زمن الفتن والانحرافات, ويعللون جميع ما يرون من مظاهر الشر بهذا التعليل, ولو سألت أحداً منهم، فقلت له: ما هي عوامل الشر التي طرأت في هذا العصر؟ لبدأ يعدد عليك مما يعرف, أو يسمع من هذه الوسائل, وينسى هؤلاء القوم -في مجال تبرير ما يرون من الفساد- ينسون أن الله تبارك وتعالى، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، خلقه قابلاً للخير والشر, قال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] وقال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10], وقال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] وقال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:1-10].
والله سبحانه الذي خلق الإنسان بهذه الطبيعة، لم يخلقه ملكاً مجبولاً على فعل الخير, ولا شيطاناً وجهته فعل الشر، إنما خلقه إنساناً قابلاً للهداية وقابلاً للضلال, لم يترك هذا الإنسان سدى, يبحث عن الحق بنفسه, بل أوجد من الوسائل ما يعين هذا الإنسان ويرشده ويبين له الطريق.
الإنسان مخلوق على الفطرة السليمة
وهذه الآيات المبثوثة في النفس الإنسانية وفي الكون, لا يتأملها إنسان إلا آمن بالله عز وجل، حتى إن المشرك أو الكافر الذي لم يبلغه دين سماوي ولم يعلم ببعثة الرسل، إذا تأمل في هذه الآيات آمن بوجود خالق مبدع حكيم سبحانه, فضلاً عن المسلم الذي علم ببعثة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ومع أن الإنسان خلق على الفطرة, وبث الله حوله من الآيات ما يدل عليه, ومع هذا وذاك فإن الله عز وجل بعث الرسل مبشرين ومنذرين, ليقيموا الحجة على الناس, ومع هؤلاء الرسل من الوسائل التي تساعد الإنسان على الهداية الشيء الكثير.
معهم أنهم يدعوننا إلى الله الذي خلقنا ورزقنا, وهو الذي نرجع إليه في نهاية أمرنا, ومعهم أنهم يذكروننا بوجود الموت الذي لابد أن يلاقينا طال الزمن أم قصر, وأنهم يخبروننا بالجنة والنار، وما يتبعهما من جزاء وحساب وعقاب وثواب وغير ذلك, وهذه الأشياء هي وسائل قوية جداً في دعوة الإنسان إلى الخير, أقوى بكثير من وسائل الشر المبثوثة بين الناس اليوم, لو عمل الناس على تفهم هذه الأشياء ونشرها وإلقاء أسماعهم لها.
وسائل الخير أكثر من الشر
فأولاً: خلق هذا الإنسان على الفطرة السليمة المستقيمة, كما في حديث أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مولود يولد إلا على الفطرة, حتى يبين عنه لسانه, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه} إذاً: الإنسان خلق أولاً على الفطرة, وعلى الخير , ثم إن الله عز وجل جعل لهذا الإنسان من الآيات والدلائل، ما يرشده إلى الله تبارك وتعالى, وإلى الحق؛ الآيات في النفس والآيات في الكون وفي كل شيء، قال تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:21-23].
وهذه الآيات المبثوثة في النفس الإنسانية وفي الكون, لا يتأملها إنسان إلا آمن بالله عز وجل، حتى إن المشرك أو الكافر الذي لم يبلغه دين سماوي ولم يعلم ببعثة الرسل، إذا تأمل في هذه الآيات آمن بوجود خالق مبدع حكيم سبحانه, فضلاً عن المسلم الذي علم ببعثة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ومع أن الإنسان خلق على الفطرة, وبث الله حوله من الآيات ما يدل عليه, ومع هذا وذاك فإن الله عز وجل بعث الرسل مبشرين ومنذرين, ليقيموا الحجة على الناس, ومع هؤلاء الرسل من الوسائل التي تساعد الإنسان على الهداية الشيء الكثير.
معهم أنهم يدعوننا إلى الله الذي خلقنا ورزقنا, وهو الذي نرجع إليه في نهاية أمرنا, ومعهم أنهم يذكروننا بوجود الموت الذي لابد أن يلاقينا طال الزمن أم قصر, وأنهم يخبروننا بالجنة والنار، وما يتبعهما من جزاء وحساب وعقاب وثواب وغير ذلك, وهذه الأشياء هي وسائل قوية جداً في دعوة الإنسان إلى الخير, أقوى بكثير من وسائل الشر المبثوثة بين الناس اليوم, لو عمل الناس على تفهم هذه الأشياء ونشرها وإلقاء أسماعهم لها.
إن وسائل الخير أكثر بكثير من وسائل الشر, وإن كان الله عز وجل ابتلى هذا الإنسان بخلق إبليس وجنوده وأتباعهم من شياطين الإنس, الذين ينشرون الشر والرذيلة، ويدعون إلى الفساد والانحلال.
ولذلك فإن الإنسان بحكم هذه الطبيعة القابلة للخير والشر, بحاجة إلى أن يبدأ بتزكية نفسه أولاً, بحاجة إلى أن يعلم أن الرسل كلهم -من أولهم إلى آخرهم- من لدن نوح عليه الصلاة السلام، إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنهم ما بعثوا إلا لدعوة الناس لتزكية النفوس قال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ [البقرة:151], رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129].
إذاً الرسل بعثوا للتزكية ,بعثوا لتقوية عوامل الخير في نفسك أيها الإنسان, { روى قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على ضماد خطبة الحاجة، وخطبة الحاجة هي: {إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا... إلى آخر الخطبة, فلما سمعها هذا الرجل، تأثر منها أشد التأثر, وقال: والله لقد سمعت الشعراء والسحرة والكهان فما سمعت مثل هذا الكلام, ولقد بلغنا قاموس البحر أو ناعوس البحر, ابسط يدك أبايعك فبسط الرسول صلى الله عليه وسلم يده فبايعه على الإسلام, وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: وعلى قومك -أي: وتبايعني عن قومك أن تدعوهم إلى الإسلام فيسلموا- قال: وعلى قومي، وبايعه عن قومه وذهب إلى قومه فأسلموا, قال ابن عباس رضي الله عنه: فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية، فأصابوا هؤلاء القوم، فقال قائد السرية: إن هؤلاء قوم ضماد، وإنهم قد أسلموا، فهل أصبتم منهم شيئاً؟ قال رجل: أنا أصبت منهم مطهراً -أي إناءً يتطهر به- قال: ردوه، فردوه إليهم
هذه الكلمة التي تفتتح بها المحاضرات والكلمات, هي أيضاً يجب أن نقف عندها قليلاً، وبالذات عند قوله صلى الله عليه وسلم: { ونعوذ بالله من شرور أنفسنا} ففي النفس شر, وقابلية للشر, وقابلية للوسواس والكيد, ولذلك صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}.
فشرور النفس هذه هي التي تقصد بالتزكية، أن يعمل الإنسان على دفع هذه الشرور ودرئها وإبعادها ما استطاع، عن طريق الوسائل الشرعية، من عبادة وطلب علم وغير ذلك.
الحرص على إضمار النية الصالحة
فالنية كما يقول بعض العلماء مثل الإكسير, والإكسير هو: مادة عند بعض الطبيعيين، يزعمون ويدعون أنهم إذا وضعوا هذه المادة على مادة أخرى، فإنها تحولها إلى ذهب, فلو وضعوها على حجر أو غيره, فإنها تحول هذا الحجر إلى ذهب.
أقول: إن النية هي في الحقيقة هذا الإكسير، الذي يوضع على الأشياء العادية، فيحولها إلى عبادات يؤجر عليها الإنسان, ويؤخذ من العبادات والأعمال الصالحة، فيحولها إلى أعمال مردودة يعاقب عليها الإنسان, عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { الخيل لثلاث } يتكلم صلى الله عليه وسلم عن الخيل، وربط الخيل، ومن تكون الخيل له أجراً، ومن تكون له وزراً، فيبين أن مدار ذلك كله على النية: {الخيل لثلاث: الخيل لرجل أجره, ولرجل ستره, وعلى رجل وزره} فهي نوع من الدواب، بالنسبة لهذا وبالنسبة لهذا, الخيل هي الخيل لا تختلف، لكن هذا يربطها فيؤجر، وهذا يربطها فيأثم, ويربطها الثالث فلا يؤجر ولا يأثم.
{فأما الذي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله، ربطها من أجل الجهاد في سبيل الله -فأطال لها في مرج أو روضة- أي: أطال حبلها في مرج أو روضة, فلو أنها قطعت طيلها -أي: قطعت هذا الحبل الذي ربطت فيه- فاستنت شرفاً أو شرفين -أي: قطعت هذا الحبل، فعادت وتجاوزت شرفاً أو شرفين من الأرض -ثم جاءت إلى نهر فشربت منه، كانت خطواتها له حسنات، وكانت أرواثها وأبوالها له حسنات، وكان ما شربت من هذا الماء له حسنات} هو لم يرد أن تشرب, ولم يرد أن تنطلق من هذا الحبل, ولكنها فعلت ذلك بغير إرادته، ومع ذلك فكل ما ترتب على هذا الفعل وهو ربط الخيل في سبيل الله، عده الرسول صلى الله عليه وسلم عملاً يؤجر عليه صاحبه، كما ذكر في هذا الحديث.
حتى الأعمال التي لم يردها، ويمكن أن نقيس على ذلك فنقول: إن الإنسان لو خرج للصلاة، خرج من بيته لا ينهزه ولا يدفعه إلى الخروج إلا الصلاة, هنا كانت نيته صالحة وفي سبيل الله عز وجل, فلو كتب الله على يده في مسعاه هذا عملاً لم يرده, فإن من رحمة الله عز وجل أن يثيبه الله على هذا العمل، فلو خرج إنسان يريد شراً، إما سرقة أو إساءة أو معاكسة لامرأة أو غير ذلك, فرأى هذا الإنسان فأقلع عن عمله, فإننا نطمع أن يكون الله عز وجل يثيب هذا الإنسان، حتى في هذه الأعمال التي لم يقصدها, بل ربما لم يدر ولم يشعر بها, لأن أصل العمل ومنطلقه كانت نية الخروج إلى الصلاة، فأصل النية صالحة. هذا هو النوع الأول الذي ربط الخيل في سبيل الله عز وجل.
والنوع الثاني هو: الذي ربطها مناوأة لأهل الإسلام, ومحادة لله ورسوله فهذا الفرس عليه وزره.
وأما الثالث -الذي ليس له أجر ولا وزر- فرجل ربطها تغنياً وتعففاً، إما للتجارة وإما لغير ذلك من الأغراض العادية، التي لا تدخل في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله, ولا تدخل في مناوأة الإسلام وحرب أهل الدين, فهذا ليست الخيل له أجر ولا وزر، وإنما هي له ستره.
فأنتم ترون أن العمل الواحد يثاب عليه شخص ويعاقب عليه آخر، ويكون بالنسبة للثالث لا خير ولا شر، لا ثواب ولا عقاب, وأعمال العبادات والشعائر من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها, يجري فيها هذا الأمر أو قريباً منه, فقد توعد الله تعالى المصلين في كتابه الكريم، والصلاة عبادة في أصلها، فلماذا توعدهم؟ توعدهم لأنه وصفهم بقوله: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:5-7] هذا المصلي، الذي قام بهذه العبادة من أجل الناس رياء وسمعة, يتمنى يوم القيامة أنه لم يصل, لأن الصلاة لم تزده من الله إلا بعداً ولم تزده في جهنم إلا سفلاً وتوغلاً.
ولذلك توعد الله تبارك وتعالى المنافقين بأنهم في الدرك الأسفل من النار, تحت الكفار، مع أن المنافقين كانوا يصلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصومون معه في الظاهر، بل كانوا يجاهدون, بل منهم من يقتل في المعركة, ويظهر للناس الذين حوله أنه قتل شهيداً في سبيل الله, وهو لا يزداد بهذه الأعمال من الله إلا بعداً, ولا يزداد في جهنم ودرجاتها إلا سفلاً وانحطاطاً والعياذ بالله، مع أن أصل العمل عبادة، لكن افتقد الشرط الأساس وهو النية، الذي هو (إكسير) يحول الأعمال العادية إلى عبادات يؤجر عليها صاحبها.
وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يفقهون هذا المعنى فقد بعث الرسول عليه الصلاة والسلام أبا موسى الأشعري رضي الله عنه إلى اليمن، معلماً وقاضياً، ثم بعث صلى الله عليه وسلم في إثره معاذ بن جبل, فلما جاء معاذ رضي الله عنه، سلّم على أبي موسى، فوجد رجلاً مربوطاً عنده, وقبل أن ينـزل عن راحلته قال: ما هذا؟ قال: هذا يهودي راجع دينه القديم, أسلم ثم ارتد إلى اليهودية والعياذ بالله، قال معاذ: لا أنـزل عن راحلتي حتى يقتل، حكم الله ورسوله قال أبو موسى: نعم انـزل، قال: لا أنـزل حتى يقتل كأن أبا موسى قال له: إننا سنقتله فانـزل وإننا لم نأتِ به إلا لنقتله، قال: لا أنـزل عن راحلتي حتى يقتل فقتلوه ثم نـزل معاذ رضي الله عنه, فتحدث مع أبي موسى رضي الله عنه، ما تفعل في صلاتك؟ ما تفعل في بيتك؟ فذكر معاذ رضي الله عنه وأرضاه من عبادته وقيامه في الليل شيئاً، ثم قال: [[وإني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي]] وهذا الحديث فيالصحيح، أي: أنه يحتسب وهو نائم، من الأجر مثل ما يحتسب وهو يقظ يصلي, لأنه وهو نائم يشعر أنه في عبادة.
ومعاذ من كبار فقهاء الصحابة، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {
فالنوم أخو الموت, فالإنسان وهو نائم يتقلب في فراشه، ويؤجر إذا كان نومه بنية صالحة؛ نام ليتقوى على عبادة الله, نام وهو يذكر الله, ونام على جنبه الأيمن متطهراً مستقبل القبلة, كلما تعار من الليل قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير", ثم إن استيقظ قام وتوضأ وصلى ركعتين، وعاد إلى فراشه وهكذا يتقلب في نومه، والملك يكتب له حسنات, وفضل الله أوسع وأعظم.
هذه صورة من صور أثر النية في العمل، وكثير من الناس تجد عندهم صلاح النية والقصد، فتجد أنهم يبلغون بهذا العمل الطيب، الذي هو من أعمال القلب, يبلغون به ما لم يبلغ الآخرون المكثرون من العبادة والصيام والصلاة والذكر والدعاء وغير ذلك, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إذاً الأمر الأول والمهم في موضوع تزكية النفس وصلاحها، هو: إصلاح النية، وأن يكون الإنسان في كل ما يأخذ وما يدع, لا ينظر إلا إلى هم واحد وإلى أمر واحد, وهو أن يكون هذا الأمر في مرضاة الله تبارك وتعالى.
طلب العلم النافع
وقد ظن كثير من الناس اليوم، بل ومنذ أزمنة طويلة، أن طلب العلم يعني معرفة الإنسان بالأحكام والفروع, وأن هذا مباح وهذا مستحب, وهذا مكروه وهذا محرم وما أشبه ذلك, أو أن الإنسان يقرأ القرآن أو يقرأ الحديث, وهذا ليس هو العلم فقط, هذا جزء من العلم, والعلم أوسع من هذا كله.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوما جالساً في أصحابه، كما في حديث أبي الدرداء، الذي رواه الترمذي وقال حسن غريب، ورواه الدارمي عن عدد من الصحابة، في رواية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع رأسه مرة إلى السماء، ثم قال: هذا أوان يختلس العلم حتى لا يقدر منه على شيء. وكان هناك رجل من الأنصار، اسمه
بل كان مفهوم العلم عندهم أنه العلم الموصل إلى الله, أن تعرف شيئاً يقربك إلى الله, وأن تعلم مسألة فتعمل بها؛ لتدخل الجنة وتنجو من النار, هذا هو العلم عندهم.
ولذلك الله تبارك وتعالى تعبدنا في كل ركعة من صلاتنا نفلاً أو فرضاً, أن نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] ولكن هذه -أيضاً- من الأشياء التي كررناها, حتى صرنا نقولها دون أن نعي معناها, ما هو صراط الذين أنعم الله عليهم؟ إنه المخالف لصراط المغضوب عليهم، والمخالف لصراط الضالين.
الذي يتعلق بموضوعنا الآن، أن الله عز وجل حذرنا من طريقة اليهود, ومن كان على شاكلتهم, ممن يعلمون ولكنهم لا يعملون.
فمن كان من هذه الأمة المحمدية، عارفاً بالحق ثم لم يعمل به؛ ففيه شبه كبير من اليهود, وهم المغضوب عليهم, لا أقول: هم المغضوب عليهم، كل من ضل واتبع الهوى وهو يعلم؛ غضب الله عليه, ومن هؤلاء اليهود، والسلف حينما عرفوا المغضوب عليهم بأنهم اليهود، قصدوا المثال ولم يقصدوا حصر المغضوب عليهم في اليهود, وإنما بقصد التمثيل فقط: من أمثلة المغضوب عليهم اليهود, وكل من عرف الحق فأعرض عنه فهو مغضوب عليه, إلا من رحم الله وتاب وأقلع عن هذا الأمر.
وقد يقول قائل: نحن لا نعلم فأقول: نحن نعلم أشياء كثيرة، لم نستفد منها حق الاستفادة, نحن نعلم أننا سنموت ثم ننسى ذلك, ونعلم أن هناك بعثاً وحشراً، وجزاءً وحساباً، وجنةً وناراً وخلوداً, ومع ذلك ننسى كل هذه الأشياء، حينما يبرز لنا طمع من طمع الدنيا, أو حينما تتحرك في النفس شهوة من الشهوات, ونغفل عن هذه الأشياء كلها, وننشغل بما نحن بصدده, فهذا من العلم الذي يكون حجة على صاحبه.
فلنعلم أننا مطالبون بأن نعمل، وما شرف العلم إلا بشرف العمل الذي يقود ويدعو إليه هذا العلم.
خلاصة ما سبق
أولاً: النية الصالحة الصادقة.
ثانياً: العلم الصحيح، الموافق لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: العمل الموافق لهذا العلم.
أسأل الله عز وجل -في ختام هذه الكلمة- أن يوفقني وإياكم إلى العلم النافع والعمل الصالح وأترك الفرصة للشيخ سليمان جزاه الله خيراً.
وأول وأعظم وسيلة لتزكية النفس، وإبعاد هذه الشرور عنها, هي: أن يكون الإنسان حريصاً على إضمار النية الصالحة.
فالنية كما يقول بعض العلماء مثل الإكسير, والإكسير هو: مادة عند بعض الطبيعيين، يزعمون ويدعون أنهم إذا وضعوا هذه المادة على مادة أخرى، فإنها تحولها إلى ذهب, فلو وضعوها على حجر أو غيره, فإنها تحول هذا الحجر إلى ذهب.
أقول: إن النية هي في الحقيقة هذا الإكسير، الذي يوضع على الأشياء العادية، فيحولها إلى عبادات يؤجر عليها الإنسان, ويؤخذ من العبادات والأعمال الصالحة، فيحولها إلى أعمال مردودة يعاقب عليها الإنسان, عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { الخيل لثلاث } يتكلم صلى الله عليه وسلم عن الخيل، وربط الخيل، ومن تكون الخيل له أجراً، ومن تكون له وزراً، فيبين أن مدار ذلك كله على النية: {الخيل لثلاث: الخيل لرجل أجره, ولرجل ستره, وعلى رجل وزره} فهي نوع من الدواب، بالنسبة لهذا وبالنسبة لهذا, الخيل هي الخيل لا تختلف، لكن هذا يربطها فيؤجر، وهذا يربطها فيأثم, ويربطها الثالث فلا يؤجر ولا يأثم.
{فأما الذي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله، ربطها من أجل الجهاد في سبيل الله -فأطال لها في مرج أو روضة- أي: أطال حبلها في مرج أو روضة, فلو أنها قطعت طيلها -أي: قطعت هذا الحبل الذي ربطت فيه- فاستنت شرفاً أو شرفين -أي: قطعت هذا الحبل، فعادت وتجاوزت شرفاً أو شرفين من الأرض -ثم جاءت إلى نهر فشربت منه، كانت خطواتها له حسنات، وكانت أرواثها وأبوالها له حسنات، وكان ما شربت من هذا الماء له حسنات} هو لم يرد أن تشرب, ولم يرد أن تنطلق من هذا الحبل, ولكنها فعلت ذلك بغير إرادته، ومع ذلك فكل ما ترتب على هذا الفعل وهو ربط الخيل في سبيل الله، عده الرسول صلى الله عليه وسلم عملاً يؤجر عليه صاحبه، كما ذكر في هذا الحديث.
حتى الأعمال التي لم يردها، ويمكن أن نقيس على ذلك فنقول: إن الإنسان لو خرج للصلاة، خرج من بيته لا ينهزه ولا يدفعه إلى الخروج إلا الصلاة, هنا كانت نيته صالحة وفي سبيل الله عز وجل, فلو كتب الله على يده في مسعاه هذا عملاً لم يرده, فإن من رحمة الله عز وجل أن يثيبه الله على هذا العمل، فلو خرج إنسان يريد شراً، إما سرقة أو إساءة أو معاكسة لامرأة أو غير ذلك, فرأى هذا الإنسان فأقلع عن عمله, فإننا نطمع أن يكون الله عز وجل يثيب هذا الإنسان، حتى في هذه الأعمال التي لم يقصدها, بل ربما لم يدر ولم يشعر بها, لأن أصل العمل ومنطلقه كانت نية الخروج إلى الصلاة، فأصل النية صالحة. هذا هو النوع الأول الذي ربط الخيل في سبيل الله عز وجل.
والنوع الثاني هو: الذي ربطها مناوأة لأهل الإسلام, ومحادة لله ورسوله فهذا الفرس عليه وزره.
وأما الثالث -الذي ليس له أجر ولا وزر- فرجل ربطها تغنياً وتعففاً، إما للتجارة وإما لغير ذلك من الأغراض العادية، التي لا تدخل في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله, ولا تدخل في مناوأة الإسلام وحرب أهل الدين, فهذا ليست الخيل له أجر ولا وزر، وإنما هي له ستره.
فأنتم ترون أن العمل الواحد يثاب عليه شخص ويعاقب عليه آخر، ويكون بالنسبة للثالث لا خير ولا شر، لا ثواب ولا عقاب, وأعمال العبادات والشعائر من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها, يجري فيها هذا الأمر أو قريباً منه, فقد توعد الله تعالى المصلين في كتابه الكريم، والصلاة عبادة في أصلها، فلماذا توعدهم؟ توعدهم لأنه وصفهم بقوله: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:5-7] هذا المصلي، الذي قام بهذه العبادة من أجل الناس رياء وسمعة, يتمنى يوم القيامة أنه لم يصل, لأن الصلاة لم تزده من الله إلا بعداً ولم تزده في جهنم إلا سفلاً وتوغلاً.
ولذلك توعد الله تبارك وتعالى المنافقين بأنهم في الدرك الأسفل من النار, تحت الكفار، مع أن المنافقين كانوا يصلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصومون معه في الظاهر، بل كانوا يجاهدون, بل منهم من يقتل في المعركة, ويظهر للناس الذين حوله أنه قتل شهيداً في سبيل الله, وهو لا يزداد بهذه الأعمال من الله إلا بعداً, ولا يزداد في جهنم ودرجاتها إلا سفلاً وانحطاطاً والعياذ بالله، مع أن أصل العمل عبادة، لكن افتقد الشرط الأساس وهو النية، الذي هو (إكسير) يحول الأعمال العادية إلى عبادات يؤجر عليها صاحبها.
وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يفقهون هذا المعنى فقد بعث الرسول عليه الصلاة والسلام أبا موسى الأشعري رضي الله عنه إلى اليمن، معلماً وقاضياً، ثم بعث صلى الله عليه وسلم في إثره معاذ بن جبل, فلما جاء معاذ رضي الله عنه، سلّم على أبي موسى، فوجد رجلاً مربوطاً عنده, وقبل أن ينـزل عن راحلته قال: ما هذا؟ قال: هذا يهودي راجع دينه القديم, أسلم ثم ارتد إلى اليهودية والعياذ بالله، قال معاذ: لا أنـزل عن راحلتي حتى يقتل، حكم الله ورسوله قال أبو موسى: نعم انـزل، قال: لا أنـزل حتى يقتل كأن أبا موسى قال له: إننا سنقتله فانـزل وإننا لم نأتِ به إلا لنقتله، قال: لا أنـزل عن راحلتي حتى يقتل فقتلوه ثم نـزل معاذ رضي الله عنه, فتحدث مع أبي موسى رضي الله عنه، ما تفعل في صلاتك؟ ما تفعل في بيتك؟ فذكر معاذ رضي الله عنه وأرضاه من عبادته وقيامه في الليل شيئاً، ثم قال: [[وإني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي]] وهذا الحديث فيالصحيح، أي: أنه يحتسب وهو نائم، من الأجر مثل ما يحتسب وهو يقظ يصلي, لأنه وهو نائم يشعر أنه في عبادة.
ومعاذ من كبار فقهاء الصحابة، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {
فالنوم أخو الموت, فالإنسان وهو نائم يتقلب في فراشه، ويؤجر إذا كان نومه بنية صالحة؛ نام ليتقوى على عبادة الله, نام وهو يذكر الله, ونام على جنبه الأيمن متطهراً مستقبل القبلة, كلما تعار من الليل قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير", ثم إن استيقظ قام وتوضأ وصلى ركعتين، وعاد إلى فراشه وهكذا يتقلب في نومه، والملك يكتب له حسنات, وفضل الله أوسع وأعظم.
هذه صورة من صور أثر النية في العمل، وكثير من الناس تجد عندهم صلاح النية والقصد، فتجد أنهم يبلغون بهذا العمل الطيب، الذي هو من أعمال القلب, يبلغون به ما لم يبلغ الآخرون المكثرون من العبادة والصيام والصلاة والذكر والدعاء وغير ذلك, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إذاً الأمر الأول والمهم في موضوع تزكية النفس وصلاحها، هو: إصلاح النية، وأن يكون الإنسان في كل ما يأخذ وما يدع, لا ينظر إلا إلى هم واحد وإلى أمر واحد, وهو أن يكون هذا الأمر في مرضاة الله تبارك وتعالى.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5157 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |