أرشيف المقالات

الإحسان

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
الإحـسـان
 
الإحسان عمل المقربين، وغاية العابدين، ودرجة الفائزين، وطريق المفلحين، وطريق السالكين إلى رب العالمين.
 
فالدين ثلاث مراتب أساسية: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وهو واجب شرعي أمرنا به الإسلام في كل نواحي الحياة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وعن أنس رضي الله عنه قال: قالرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان))[1].
 
ويُعرَّف الإحسان على أنَّه إتقان العمل - ديني أو دنيوي- الذي يقوم بهِ الإنسان المسلم، وبذل كل الجهد من أجل إنجازه على أكمل وجه.
 
صور الإحـسـان:
1- إحسان في العبادات: أن تؤدِّي العبادة أيًّا كان نوعها؛ مِن صلاة أو صيام أو حجٍّ أو غيرها أداءً صحيحًا، باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان لديه شعور قويٌّ بأن الله عزَّ وجلَّ يراه ويطَّلِع عليه، كما فسَّرَه رسولُ الله في حديث أبي هريرة الذي قال فيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل،فسأله فقال: ما الإحسان؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))[2]، والإحْسَان هنا على درجتين؛ الدَّرجة الأولى: وهي أن تعبد الله كأنَّك تراه، والدَّرجة الثَّانية: أن تعبد الله؛ لأنَّه يراك، والمعنى: إذا لم تستطع أن تعبد الله كأنَّك تراه وتشاهده رأي العين، فانزل إلى المرتبة الثَّانية، وهي أن تعبد الله؛ لأنَّه يراك، فالأولى عبادة رغبة وطمع، والثَّانية عبادة خوف ورهب.
 
2- إحسان في الأعمال البدنيَّة: بإجادة العمل، وإتقان الصَّنعة، وبتخليص سائر الأعمال مِن الغش والخداع، قال تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].


3- إحسان في المعاملات:
الإحسان للناس عامة حتى الكافر: وذلك ببذل النفع الديني والدنيوي لهم، ومعاملتهم بالوفاء، والصدق، والعدل، والرحمة، والتواضُع، والصبر، والقول الحسن، وكفِّ الأذى عنهم، حتى في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر يكون بالإحسان، وهناك الإحسان لهم بالجاه بالشفاعات، ويدخل فيها قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالِّهم، وإعانة ضعيفهم، وهناك الإحسان بالمال، قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].


الإحسان للوالدين: (وهي من أعظم الأعمال - ببرِّهما، وطاعتهما في غير معصية الله، وإيصال الخير إليهما، وكفِّ الأذى عنهما، والدُّعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما-)، ولذوي القربى:(ببرِّهم، ورحمتهم، والعطف عليهم، وفعل ما ينبغي فعله معهم، وترك ما يُسيء إليهم)، واليتامى: (بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم بالحُسْنى، والمسح على رؤوسهم)، والمساكين: (بسدِّ جوعهم، وستر عورتهم، وعدم احتقارهم، وعدم المساس بهم بسوء، وإيصال النَّفع إليهم)،والجار القريب: (فله حقَّانِ: حق القربى، وحق الجيرة)، والجارغير القريب،والجار الصديق: (بالكرم معهم، والمساندة لهم، وكف الأذى عنهم، وتحمل ما يصدر منهم)، وعن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسِن إلى جاره))[3]،وابن السبيل (بقضاء حاجته، ورعاية ماله، وصيانة كرامته، وبإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضلَّ)، وكل ما ملكتم: (فعن أبي بردة عن أبيه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لهم أجْرانِ- وعَدَّ منهم- ورجل كانت عنده أَمَةٌ فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدَّبَها فأحسن أدبها، ثم أعتقها وتزوَّجها فله أجرانِ))[4]، قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
 
الإحسان إلى الزوجة: أولًا: في العشرة، قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128]، وثانيًا: عند الطلاق، قال تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].
وثالثًا: بعد الطلاق، قال تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 236].
 
الإحسان إلى البنات: بحسن التربية والرعاية؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((من ابتُلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترًا من النار))[5].

الإحسان الى مَنْ أساء إليك: وهذه سُنَّة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وهي على درجتين؛ الأولى: بترك الخصومة، والتَّغافل عن الزلَّة، ونسيان الأذيَّة، والثَّانية: أن تقرِّب مَنْ يُقصيك، وتُكرِم مَنْ يُؤذيك، وتعتذر إلى مَن يجني عليك، قال ابن القيم رحمه الله: (هذه الدَّرجة أعلى ممَّا قبلها وأصعب؛ فإنَّ الأولى تتضمَّن ترك المقابلة والتَّغافل، وهذه تتضمَّن الإحْسَان إلى مَن أساء إليك، ومعاملته بضِدِّ ما عاملك به، فيكون الإحْسَان والإساءة بينك وبينه خُطَّتين؛ فخُطَّتك: الإحْسَان، وخُطَّته: الإساءة).
 
الإحسان في الكلام: (بالقول، والجدال بالتي هي أحسن) قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]، وقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
 
الإحسان في المعاملات التجارية: (بعدم الغش، واستيفاء الأجر، والسهولة في البيع والشراء، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وأداء الدين دون مماطلة أو نقص أو إساءة)، فعن أبي هريرة قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، فأغلظ له، فهَمَّ به أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لصاحب الحق مقالًا، فقال لهم: اشتروا له سنًّا فأعطوه إياه))، فقالوا: إنا لا نجد إلا سنًّا هو خير من سنِّه، قال:((فاشتروه فأعطوه إيَّاه، فإنَّ مِنْ خيركم أو خيركم أحسنكم قضاء))[6].

الإحسان في الجهاد في سبيل الله: قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120].
 
الإحسان في الديَّات: قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178].

الإحسان إلى الحيوانات: بإطعامه إن جاع، ومداواته إن مرض، وبعدم تكليفه ما لا يُطيق، وبالرِّفق به إن عمل، وإراحته إن تعب، وإزهاق روحه على أسرع الوجوه، وأسهلها؛ فعن شداد بن أَوس رضي الله عنه قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))[7].
 
الإحسان إلى البيئة والطريق: بنظافتها، والمحافظة عليها، وإماطة الأذى عنها؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((عُرِضَتْ عليَّ أعمال أُمَّتي حسنها وسيئها، فوجدت من محاسن أعمالها: الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها: النخامة تكون في المسجد لا تدفن))[8].

من ثمرات الإحسان:
قال تعالى: ﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 148]، وقال تعالى: ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [النحل: 30] رزق واسع، وعيشة هنية، وطمأنينة قلب، وأمن وسرور، ولهم في الآخرة خير من ذلك، قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، فمن أحسن عمله أحسن الله جزاءه، وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31].


أولًا: في الدنيا:
1- أنهم في معية الله: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله: (أَيْ: مَعَهُمْ بِتَأْيِيدِهِ، وَنَصْرِهِ، وَمَعُونَتِهِ، وَهَذِهِ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ)، وذلك يسبب طمأنينة للعبد أن الله معه ولن يتركه.
 
2- محبة الله لهم وَرِضَاهُ عنهم: قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93]، ومحبة الله للعبد أعظم درجات الثواب، ومَنْ أحَبَّه الله حبَّبَ فيه الناس.
 
3- محبة الناس: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، فالنفس مجبولة على حُبِّ من يحسن إليها.
 
4- الاستجابة للدعاء والنجاة من الكرب: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ [الصافات: 75 - 82]، واستجاب الله لدعاء إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 100 - 105]،قال ابن كثير: (هكذا نصرف عمَّن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا)[9]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 114 - 121] فالمحسنُ مُجابُ الدُّعاءِ؛ لِكَرامَتِه على اللهِ تعالى.

5- النَّجاةُ مِنَ المكائِدِ، والهَلَكَةِ المُتَوَقَّعَةِ: وهكذا نَجَّى اللهُ يوسفَ عليه السلام من كيد إخوتِه بتقواه وصبره وإحسانه: ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 89، 90].

6- قبول العمل: قال تعالى: ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 105].
 
7- رفع العقاب عن المحسنين لصدق نواياهم: قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91].
 
8- عدم ضياع الأجر والثواب: قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
 
9- مضاعفة الأجر والثواب: فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحسَنَ أحَدُكم إسلامَه، فكُلُّ حسنةٍ يعملُها تُكتَب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعْفٍ، وكل سيئة يعملها تُكتَب بمثلها حتى يلقى الله))[10].

10- التمكين في الأرض: قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 56]، وقال الفضيل بن عياض: (وقفت امرأة العزيز على ظهر الطريق حتى مَرَّ يوسف، فقالت: الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكًا بطاعته، والملوك عبيدًا بمعصيته)[11].
 
11- رحمة الله قريبة منهم: قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].
 
12- الرزق بالعلم والحكمة: قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22]؛ أي: يوسف عليه السلام، وقال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14]؛ أي: موسى عليه السلام.
 
13- الرزق بالذرية، واسْتِمْرارُ الهدايةِ، والزِّيادَةُ فيه: قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 84].

14- رَغَدُ العَيشِ، وزِيادَةُ الرِّزْقِ، والهداية والصحة والعافية: قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58]، قال القرطبيُّ رحمه الله: (﴿ رَغَدًا ﴾؛ أي: كَثِيرًا وَاسِعًا، وقيل: وسنزيد المحسنين بالطاعة ثوابًا)[12]، وقال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾ [الزمر: 10]، قال الشوكانيُّ رحمه الله: (لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا فِي العَمَلِ، حَسَنَةٌ فِي الدُّنْيَا؛ بِالصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، وَالظَّفَرِ، وَالغَنِيمَةِ).
 
15- البُشْرَى الحَسَنَةُ، وانْتِفاءُ الخَوفِ والحُزْنِ بعدَ وفَاتِهم: قال تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37]، قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأحقاف: 12]، قال الطبريُّ رحمه الله: (وَهُوَ بُشْرَى [يعني: القرآنَ العظيم] لِلَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ؛ فَأَحْسَنُوا فِي إِيمَانِهِمْ، وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا؛ فَحَسُنَ الجَزَاءُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ).
 

ثانيًا: في الآخرة:
1- أن لهم الجنة: قال تعالى: ﴿ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 85].
 
2- النظر إلى وجه الله تعالى: قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26]، وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ، قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيِّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحَبَّ إليهم من النظر إلى ربِّهم عزَّ وجلَّ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية:﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]))[13]، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه كان جزاؤهم النظر إليه عيانًا في الآخرة.
 
3- يُكفِّر الله عنهم سيئاتهم، ويجزيهم بحسناتهم كل ما يشاءون من أصناف النعيم: قال تعالى: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الزمر: 34، 35].


4- أن لهم فاكهة مما يشتهون في ظلال وعيون في الجنة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المرسلات: 41 - 44]، وكما جزينا المتقين نجزي المحسنين.
 
5- ندم أصحاب النار أنهم لم يحسنوا: قال تعالى: ﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 58].
 
تم بحمد الله.

 

[1] رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 12/ 474.
[2] رواه البخاري: 1/ 27، رقم 50، ومسلم: 1/ 39، رقم 9.
[3] رواه مسلم (1/ 70) رقم (48).
[4] رواه البخاري (1/ 21) رقم (97)، ومسلم (1/ 54) برقم (154) واللفظ له.
[5] رواه البخاري (5/ 2234) رقم (5649)، ومسلم (4/ 1608) برقم (2629).
[6] رواه مسلم (3/ 992) برقم (1601).
[7] رواه مسلم برقم 1955، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصحَّحَه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 1089، ص 630.
[8] رواه مسلم (1/ 326) رقم (553).
[9] تفسير ابن كثير.
[10] رواه مسلم (1/ 44 ) برقم 129.
[11] تفسير ابن كثير.
[12] تفسير الجلالين.
[13] أخرجه مسلم (1/ 163) رقم (181).

شارك الخبر

المرئيات-١