خطب ومحاضرات
غربة الإسلام
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعــد:
فقد روى الإمام مسلم-رحمه الله- في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها} ومعنى يأرز: أي يحن ويرجع، والمقصود بالمسجدين: مسجد مكة ومسجد المدينة.
وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء}.
وروى الإمام أحمد رحمه الله في المسند بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس محمد بيده إن الإسلام ليأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها}.
وروى الإمام أحمد أيضاً في مسنده بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: {طوبى للغرباء، قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أهل سوء كثير؛ من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم} وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عدد كبير من أصحابه رضي الله عنهم أنه أشار إلى غربة الإسلام، حتى قال بعض العلماء: إنه حديث متواتر يقطع بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة الذين رووا هذا المعنى عبد الله بن عمر، وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد الساعدي وسلمان الفارسي وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وابن عباس، وأبو الدرداء وأبو أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وبلال بن مرداس الفزاري وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن التابعين.
فهو حديث متواتر ثابت ثبوتاً قطعياً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فإن الحديث والكلام في معنى هذا الحديث وفي دلالته أمر مهم لكل مسلم، لأنه إذا تبين لك صحة هذا الحديث، وثبوته ثبوتاً قطعياً بقي عليك أن تعرف ما معنى الحديث.
والغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم تقوم على ثلاث درجات.
غربة المسلمين بين الكفار
غربة الأمة المحمدية بين أمم الأرض الكثيرة الكافرة، فإن هذه الأمة قليل بالقياس إلى غيرها من أمم الكفر، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثم قال: ثلث أهل الجنة، ثم قال: شطر أهل الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما أنتم في أهل الكفر إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أوكالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة} إنهم قليل وقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] كما قال الله عز وجل.
فالمسلمون بين الكفار غرباء، وهذه هي الدرجة الأولى من درجات الغربة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
غربة أهل السنة بين المسلمين
بل قال بعضهم: إن غربة أهل السنة بين المسلمين أشد وأعظم من غربة المسلمين بين أمم الأرض من الكافرين، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال عليه الصلاة والسلام: {إن اليهود افترقوا في دينهم على إحدى وسبعين ملة، وإن النصارى افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة} يعني الأهواء، يقول صلى الله عليه وسلم: {وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه} والكَلَب هو: داء يصيب الإنسان من عض الكلب المصاب، فيسري الداء في عروقه حتى يموت.
{وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه؛ لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله} إذاً فـأهل السنة هم الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة، وهذا دليل على شدة غربتهم، وقلتهم بين الضالين والمنحرفين، فهذه هي المرتبة الثانية من مراتب الغربة التي أخبر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
غربة الطائفة المنصورة بين أهل السنة
فهذه ثلاث درجات من درجات الغربة، الأولى: غربة المسلمين بين الكفار.
الثانية: غربة أهل السنة بين المسلمين.
الثالثة: غربة الطائفة المنصورة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر بين أهل السنة.
الدرجة الأولى: غربة المسلمين بين الكفار:
غربة الأمة المحمدية بين أمم الأرض الكثيرة الكافرة، فإن هذه الأمة قليل بالقياس إلى غيرها من أمم الكفر، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثم قال: ثلث أهل الجنة، ثم قال: شطر أهل الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما أنتم في أهل الكفر إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أوكالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة} إنهم قليل وقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] كما قال الله عز وجل.
فالمسلمون بين الكفار غرباء، وهذه هي الدرجة الأولى من درجات الغربة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |