امتحان في القبر


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المسلمين! غداً يدخل البنون والبنات قاعات الامتحانات، وإننا لنرى من الاستعدادات في البيوت الشيء الكثير، فقد تغيرت مواعيد الطعام والشراب، وتغيرت مواعيد الاستيقاظ ومواعيد المنام، والآباء في قلق والأمهات على حذر، والبنون والبنات أعصابهم متوترة، والبنون يكثرون من المكوث في المساجد والدعاء بعد الصلوات، وطلب الدعاء من فلان ومن فلان، لماذا؟ غداً الامتحانات.. غداً الامتحانات.. غداً الامتحانات.

أقول: أربعوا على أنفسكم، فما من امتحان إلا وهناك امتحان أصعب وأشد منه، وهذه القضية هينة، فمن استعد منذ بداية العام فلن يحمل هماً؛ لأنه على مدى العام على أتم الاستعداد، وعلى ثقة برب العالمين أنه سيكون معه وسيثبته ويؤيده، فهو متثبت من نفسه، وأما من فرط وسوّف وأخر حتى قبيل الامتحانات بأيام فهذا حاله لا يعلم به إلا الله، ومن جدَّ وجد ليس كمن نام ورقد، ومن طلب العلا سهر الليالي، وقضية الاستعداد للامتحان لا تأتي قبل الامتحان بيوم أو بيومين، فالقضية فضية استعداد منذ بداية العام.

فأقول: أربعوا على أنفسكم، فمن وفق فبتوفيق من الله تبارك وتعالى، ومن لم يوفق فليرض بقضاء الله وقدره، وإمكانية التعويض موجودة، فهناك دور أول ودور ثان، وإن لم يوفق في الدور الثاني فهناك فرصة أن يعيد العام مرة ثانية.

وماذا سيتقرر على النجاح في هذه الامتحانات؟ انتقال من مرحلة إلى مرحلة، ثم ماذا؟ إن أنهى السنوات الدراسية سيتقدم إلى الوظيفة التي سوف تدر عليه في كل شهر آلاف معدودة من الريالات، ثم على فرض أنه وفق ونال الشهادة ونال الوظيفة ماذا بعد هذا كله؟

غداً سيدخل البنون والبنات قاعات امتحانات مجهزة ومكيفة، فالإضاءة فيها على أكملها وأوجها، وتقرأ عليهم الأسئلة، ويهون عليهم من أمرها، ويمر عليهم من يخدمهم ويسقيهم الماء البارد، ويذكرونهم أن الوقت كذا وكذا، فالأمر هيّن، لكن كيف بي وبك وقد انتقلنا إلى لجنة اختبارات أخرى، وإلى قاعة امتحانات أخرى، وإلى لجان غير اللجان التي نعرفها، إنه مكان امتحان سيدخله القاصي والداني، ولا فرق هناك بين غني وفقير، ولا ذكر وأنثى، ولا عزيز وذليل.

فاللجنة هناك تختلف تمام الاختلاف، ومكان الاختبار أيضاً يختلف تمام الاختلاف.

كيف بك إذا عالجت سكرات الموت وبدأت ساعات الامتحان الرهيبة؟ ساعات لا بد أن تنزل بكل واحد منا، فأنت الآن تفعل كل شيء باختيارك، فتغدو إلى السوق باختيارك، وتذهب إلى الوظيفة باختيارك، بل وتأتي إلى المسجد باختيارك، لكنك لن تموت باختيارك، ولن تدخل القبر باختيارك، بل ستموت رغماً عنك، وستدخل القبر بغير رضاك، فهذا هو الامتحان الذي لا بد أن نستعد له في كل لحظة، فإن كانوا قد حددوا لامتحان الدنيا موعداً فامتحان القبر ليس له موعدٌ معين، بل يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون، فاللجنة هناك تختلف تمام الاختلاف، والمكان أيضاً يختلف تمام الاختلاف.

فمكان الاختبار: (القبر) طوله أذرع قليلة، وعرضه أذرع قليلة، ولا تستطيع الحركة فيه كما تشاء، وهذا الامتحان أنت لا تدري كيف ستكون النتيجة فيه، لكنك على مدى عمر كامل وأنت تستعد لذلك الامتحان.

وأسئلة الامتحان معروفة أعطيتها وتعطاها في كل يوم، وهي أسئلة ثلاثة ستقدم لك في ذلك المكان، والنور والإضاءة غير موجودة، وليس هناك خدمة ولا مكيفات، بل سينقطع عنك الهواء وينقطع كل شيء، وستنقطع عن العالم تماماً، فأنت الآن في عالم آخر وهو عالم القبور، وأنت في عالم الظلمة والتراب الذي يحيط بك من كل الجهات، وأنت لا تدري ماذا سيحدث لك في تلك اللحظات، لكنك أعطيت أسئلة ثلاثة حتى تستعد للإجابة عليها في ذلك الوقت، فمن أفلح في الإجابة عنها فقد فاز، ويرى مقعده من الجنة، ومن لم يفلح وتردد وتلعثم في الإجابة أري مقعده من النار.

وهناك لا مجال للتعويض، فلا يوجد هناك دور ثانٍ تعطاه، فقد أعطيت الفرصة عمراً كامل قدر الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين سنة؛ حتى تستعد للإجابة.

واللجنة هناك ليست كلجان القاعات فيها بشر أمثالنا نتكلم معهم ويتكلمون معنا، ويهونون علينا الأمر، بل هناك ستوسد التراب، وسيحيط بك الظلام من كل ناحية، وسيذهب عنك الأهل والأحباب يا مسكين! وستسمع قرع نعالهم وسينادى عليك: ذهبوا وتركوك، وفي التراب وضعوك، وللسؤال عرضوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولن ينفعك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19]، فالحق أنك ستموت، والحق أن الملائكة ستأتيك: إما ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، والحق أنك ستعرض للسؤال، والحق أنك سترى جنة أو ناراً، فكيف سيكون الحال؟! وكيف سيكون السؤال؟! بل ليت شعري كيف سيكون الجواب؟! وأين سيكون المصير؟! وهل سترى مقعدك من الجنة أم سترى مقعدك من النار؟!

إن ساكن الدنيا لا بد أن يعلم أنه سينتقل من هذه الدار إلى دار أخرى، يا ساكن الدنيا! إن مثواك القبر غداً، فماذا أعددت للقبر؟

إن القبر كل يوم يناديك: يا ابن آدم! تمشي في جماعة على الأرض وسوف تقع وحيداً في بطني، وتسرح وتمرح وتضحك على الأرض وسوف تبكي وحيداً في بطني.

يا ابن آدم! تأكل الحرام، وتأكل أموال اليتامى، وتأكل أموال الربا وسوف يأكلك الدود وحيداً في بطني.

يا ابن آدم! تنظر إلى الحرام، وتسمع إلى الحرام وسوف ترى الأهوال في بطني.

والقبر فاذكره وما وراءه فما لأحد عنه براءة

وإنه للفيصل الذي به يعرف ما للعبد عند ربه

والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران

فالأسئلة معروفة يعرفها الصغير والكبير: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هو ذلك الرجل الذي بعث فيكم؟

إنه اختبار للتوحيد، واختبار للصدق، واختبار لصدق الاتباع، إنها رحلة سيمر بها كل إنسان منا شاء أم أبى، رحلة تبدأ منذ الاحتضار، بل منذ أن تخرج من هذه الحياة، فقد خرجت من بطن أمك وأنت تبكي على فراق بطن أمك، فلما رأيت النور فرحت أنك قد خرجت من بطن أمك، ثم بعد سنوات وسنوات تأتيك ساعات الاحتضار فتنقل من تلك الدار إلى دار أخرى، فإن كنت قد أعددت لها فستفرح أنك فارقت الحياة، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الشورى:36] ثم ستنتقل أيضاً من تلك الدار إلى الدار الأبدية: إما جنة وإما نار، فهذه مراحل وأطوار يمر بها كل إنسان منا.

أنت الذي ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سروراً

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (بينما كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ولما يلحد بعد، جلسنا عند شفير القبر، وكان بيده صلى الله عليه وسلم عصا نكت فيها على التراب ثلاثاً، ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة، -يعني في ساعات الاحتضار- جاءته ملائكة بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، وجلسوا منه مد البصر، ثم جاء ملك الموت فيجلس عند رأسه، فيقول: يا أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى رب راض عنك غير غضبان، أيتها النفس الطيبة! أبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، فتسل روحه كما يسل القطر من السقاء، حتى إذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه الكفن الذي من الجنة، ويحنطوه بالحنوط الذي من الجنة، فتخرج منه رائحة كأطيب رائحة مسك وجدت على وجه الأرض، فما يمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: من صاحب هذه الروح الطيبة؟! فيقال: هذا فلان بن فلان، ينادى عليه بأحب أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا، ثم يعرج به إلى السماء، حتى إذا جاءوا إلى السماء الأولى واستفتحوا له فتح له، وشيعه مقربو تلك السماء إلى السماء التي تليها، حتى إذا بلغوا السماء السابعة نادى منادي الله: أن اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأرجعوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه في قبره، فيأتيه ملكان) وهنا يبدأ الامتحان يأتيه ملكان أصواتهما كالرعد القاصف، وأنفاسهما كاللهب، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فمن منا يستطيع أن يجيب وهذا هو منظر الملكين؟! قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] (فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هو ذلك الرجل الذي بعث فيكم؟ فأما العبد المؤمن -العبد الصادق المحافظ على الصلوات التارك للفواحش والمنكرات- فيقول: ربي الله حقاً، ونبيي محمد صدقاً، وديني الإسلام، فينادي منادي الله: أن صدق عبدي، -تظهر النتيجة- فافرشوا له فراشاً من الجنة، وألبسوه لباساً من الجنة، وحنطوه بحنوط من الجنة، ويوسع له في قبره مد البصر، فيأتيه رجل أبيض الوجه طيب الشمائل فيقول: من أنت؟! فوجهك -والله- الذي لا يأتي إلا بالخير، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك الصالح، فتفتح له نافذة من الجنة، فيأتيه من روحها وريحانها، ويرى مقعده من الجنة، فيقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة؛ حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال: نم كما تنام العروس) فهذا حال الذي صلى الفجر في جماعة، وهذا حال الذي طهر السمع والبصر فليس عنده أغانٍ ولا شاشات ولا قنوات.

إنه اختبار للتوحيد: من ربك؟ فلن يستطيع أن يقول: ربي الله إلا من أطاع الله، وتعرّف على الله، ولم يخش إلا الله، ولم يستعن إلا بالله، ولم يعط إلا لله، ولم يمنع إلا لله، ولم يغضب إلا من أجل الله، حياته كلها لله؛ فيثبته الله، فهو لم يشرك بالله، ولم يذهب إلى سحرة ولا مشعوذين، ولا كهنة ولا عرافين، ولم يقسم إلا بالله، وما قدم النذور إلا لله، وما ذبح إلا لله، ولم يستغث إلا بالله، فسينجح من كان هذا حاله في اختبار التوحيد والصدق.

(وما دينك؟ قال: ديني الإسلام) أي: الإسلام المبني على خمسة أركان: على شهادة التوحيد، على إقامة الصلوات، فأين المصلون؟ فصلاة الفجر تئن وتشتكي، وباقي الصلوات تئن وتبكي، والمسلمون يمرون على المساجد كأن الأمر لا يعنيهم، ستسأل يا مسكين! فإذا وسد العبد في قبره جاءته الأعمال الصالحة، وجاءته صلاته، وجاءه قرآنه، وجاءه ذكره وتسبيحه وتهليله يدرءون عنه العذاب، فيرسل الله عليه طائفة من العذاب تأتي من رأسه فيردها القرآن، فيقول: والله! إنه كان في الليل والنهار يقرأ القرآن، والله! إنه أتعب ليله ونهاره وهو يقرأ القرآن، فلا مدخل لك عليه، فيأتيه العذاب من بين يديه فترده الصدقات والصلوات وتقول: عنك والله! ما ارتاح إلا الآن في قبره، حتى وضوءه يدافع عنه في قبره، فماذا أعددنا للامتحان؟! وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

يا عجباً للناس لو فكروا أ

و حاسبوا أنفسهم أبصروا

وعبروا الدنيا إلى غيرها

فإنما الدنيا لهم معبرُ

لا فخر إلا فخر أهل التقى

غداً إذا ضمهم المحشر

ليعلمن الناس أن التقى

والبر كانا خير ما يدخر

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1] لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومن تقوى الله الاستعداد للامتحان، قال جل في علاه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116]، فخسارة الآخرة ليست كالخسارة في الدنيا، ولكن الخسارة أن تنادي بأعلى الصوت: رباه! ارجعون، فلا يستجاب لك، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54].

وأما العبد الكافر فقال صلى الله عليه وسلم فيه: (أما العبد الكافر إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة جاءته ملائكة سود الوجوه، معهم كفن من أكفان النار، وحنوط من حنوط النار، وجلسوا منه مد البصر، فيأتيه ملك الموت فيقول: يا أيتها الروح الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتسل روحه كما ينزع السفود من القطن، فإذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه الكفن الذي من النار، ويحنطوه بالحنوط الذي من النار، فتخرج منه رائحة كأنتن رائحة وجدت على وجه الأرض، ثم يعرج به إلى السماء، فما يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: من صاحب هذه الروح الخبيثة؟! فيقال: هذا فلان بن فلان، ينادى بأقبح أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا، حتى إذا وصلوا إلى أبواب السماء واستفتحوا له لم يفتح له، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]) إنها رحلة سأمر بها أنا وأنت شئت أم أبيت، (فيستفتحون له فلا يفتح له، ثم ينادي منادي الله: أن اكتبوا كتابه في سجين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه في قبره، فيأتيه الملكان فيقعدانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري) ما صلى الفجر في جماعة، ولا حفظ الجوارح والأركان، وما قدر الله حق قدره، (فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيضربانه بمطرقة على رأسه فيخر في الأرض سبعين خريفاً، حتى إذا أفاق قالا له: وما دينك؟ قال: هاه هاه لا أدري، فيضربانه حتى يخر في الأرض سبعين خريفاً، فإذا أفاق أقعداه وسألاه: ومن هو ذلك الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون كذا وكذا -فتظهر النتيجة- ويقال له: لا دريت ولا تليت، وينادي منادي الله: أن كذب عبدي، فافرشوا له فراشاً من النار، وألبسوه لباساً من النار، وحنطوه بحنوط من النار، ويضيق عليه في قبره حتى تختلف أعضاؤه، فيأتيه رجل قبيح المنظر نتن الرائحة فيقول: من أنت فوجهك -والله!- الذي لا يأتي إلا بالشر؟ فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك السيئ) أنا تركك للصلوات، أنا نومك عن الفجر والعصر، وأنا الأغاني، وأنا الربا، وأنا الغيبة والنميمة، وأنا السب واللعان، وأنا الشاشات والقنوات، فيقول: (من أنت؟ فوجهك -والله- الذي لا يأتي إلا بالشر) وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الشورى:45] فكيف سيكون الحال إذا سئلت وتلعثمت؟ فتطلب الرجوع إلى الله فلا يستجاب لك، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، فينادون بأعلى الصوت: رباه! ارجعون، فلا يستجاب لهم، (فيفتح له نافذة من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، فيقال له: هذا مقعدك من النار، فيصيح بأعلى الصوت: رب! لا تقم الساعة، رب! لا تقم الساعة، رب! لا تقم الساعة).

أنت الآن في فترة الإعداد للاختبار والامتحان، فأسألك بالله العظيم لو جاءك ملك الموت اليوم من الذي يحول بينك وبينه؟ فهل أنت على أتم الاستعداد؟ وهل أعددت للسؤال جواباً وللجواب صواباً؟

هذه أسئلة ثلاثة سأقرؤها عليك، فاكتبها عندك، واستعن بمن تشاء حتى تحل هذه الأسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هو ذلك الرجل الذي بعث فيكم؟

فهذه هي الأسئلة، وهذا هو الامتحان.

فوصيتي لك هي وصية جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وإن عزه استغناؤه عن الناس)، فالعز ليس في الشاشات ولا في القنوات، ولكنه في الدعاء والتضرع في الظُلَم.

فكم طلبنا الدشوش -الأطباق- من المصلين مرات ومرات استعداداً للاختبار؟! فما الذي ألهى الناس عن الاستعداد للاختبار؟ أليست هي الشاشات والقنوات التي دمرت أخلاق البنين والبنات!! حتى أصبحت الأعراض والمحارم تنتهك في البيوت، فمن وجد خيراً في قبره فليحمد الله، ومن وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:118].

وها نحن نكرر النداء: استجيبوا لله وللرسول، اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47]، فاستجيبوا لله، واستعدوا للاختبار، ولا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، واستعدوا للامتحان قبل أن تنادوا بأعلى الصوت: رباه! ارجعون، فلا يستجاب لكم.

اللهم وفق البنين والبنات في امتحانات الدنيا والآخرة، اللهم ثبتنا وإياهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

اللهم ارحمنا إذا وسدونا، وفي التراب وضعونا، وفي ظلمة القبر تركونا، اللهم ثبتنا بالقول الثابت يا رب العالمين!

اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنان، ولا تجعلها حفرة من حفر النيران، اللهم ثبتنا بالقول الثابت يا رب الأنام!

اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين!

اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت، وبشهادة عند الموت، وبرحمة بعد الموت يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالد والدينا، ولكل من له حق علينا.

اللهم نور على أهل القبور قبورهم، واغفر لهم وارحمهم ويسر أمورهم، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين يا أرحم الراحمين! واجمعنا وإياهم في جناتك جنات النعيم.

عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.