خطب ومحاضرات
حتى لا يلقى الطفل عند القمامة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة! جريمة الزنا من أعظم الجرائم وأبشعها وأفظعها، ضررها معلوم، تنتهك بالزنا الأعراض، وتضيع به الأنساب، وبه تنتشر الأمراض التي ما سمعنا بها في آبائنا الأولين، والقاعدة الشرعية تقول: إن الله إذا حرم شيئاً حرم كل ما يوصل إليه، فسد الله أبواب الزنا، فحرم الاختلاط، وحرم الخلوة بالمرأة، وحرم التبرج والسفور، بل حرم النظر إلى ما لا يرضي الله جل في علاه، وزيادة على هذا كله شرع أشد العقوبات لمن يرتكب هذه الجريمة العظيمة -أي: الزنا-: الرجم حتى الموت إن كان محصناً؛ لأن الجريمة بشعة، فكان الحد مناسباً لبشاعتها، الرجم حتى الموت.
ومما لا يختلف فيه: أن الرجل بحاجة إلى المرأة، وأن المرأة بحاجة إلى الرجل، فطرة الرجل تسدها المرأة، وفطرة المرأة يسدها الرجل، غريزة موجودة في الذكور والإناث، إن لم تسد هذه الغريزة بما شرع الله، فسيلجأ الناس أو ضعاف الإيمان إلى سدها بالحرام.
فمن أجل ذلك شرع الله الزواج حين حرم الزنا، ثم سد الأبواب الموصلة إلى الفاحشة.
شرع الله الزواج وهو سنة الأنبياء وسبيل المؤمنين، قال الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، وقال: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ..)، فشرع الله الزواج لتلبية الحاجة في نفوس الرجال والنساء، فلا خلاف في مشروعية الزواج وفضله، بل نهى الله عن العضل، الذي هو: منع المرأة وحبسها عن الزواج فقال الله سبحانه: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232] وعظم الله ذلك العقد بين الرجل والمرأة وسماه ميثاقاً غليظاً؛ لعظم شأنه وحرمته عند الله جل في علاه، فقال سبحانه: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21] ولأهمية الزواج قدمه كثير من المحدثين والفقهاء على الجهاد؛ لأن الجهاد يحتاج إلى الرجال، ولا سبيل لإيجاد الرجال إلا عن طريق الزواج.
ومن فوائد الزواج محاسنه:
أنه من أسباب الغنى، وصد الفقر، كما قال الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].
فبالزواج يحفظ النسل، وتصان الفروج، وتحفظ الأعراض، ويحصل الإحصان، ويأمن المجتمع من جريمة الزنا.
عباد الله! معدلات الزنا في المجتمع في ارتفاع يوماً بعد يوم، ولقد اطلعت على تقارير الهيئات في ضبط المشاكل والخلوات فوجدت أكثرها لفتيات وشبان في شقق وفي سيارات، اذهب إلى المجمعات فسترى آلافاً مؤلفة من الفتيان والفتيات في أبهى حلة، وأحسن زينة، ماذا يريد هؤلاء؟! ولماذا خرجوا؟ بحثاً عن إشباع الغرائز، ولماذا ارتفع الزنا؟ وزادت معدلاته؟
اسمع رعاك الله! قبل أن أذكر لك الأسباب سأذكر نسبة أولاد السفاح، ففي المنطقة الشرقية في العام الماضي فقط، عام 1424هـ عدد أولاد السفاح الذين وجدوا على أبواب المساجد وفي المزابل والقمامات ثمانية وأربعون طفلاً، فما ذنب هؤلاء؟
يقول أحدهم: خرج أبي لصلاة الفجر وفي طريقه إذا به يسمع صياح طفل صغير يصدر من مكان ما، ارتفع صياحه، وبحث أبي عن مصدر الصوت، فإذا به في القمامة قد لف بقطعة قماش، ورمي هناك، ما ذنب هذا الصغير؟ ومن أين أتى؟
أقول: إنها جريمة الزنا، الجريمة الشنيعة التي شرع الله أشد العقوبات لمرتكبيها من الرجال والنساء.
أسباب انتشار الزنا في زماننا عديدة من أهمها ما يلي:
أولاً: القنوات والتبرج والسفور:
إن إثارة الغرائز في كل مكان هو من أعظم أسباب انتشار الرذيلة، ففي البيوت شاشات وقنوات، ومجلات وأغان ماجنات، وفي دراسة أجريت على أكثر من خمسمائة فيلم يعرض على هذه الشاشات والقنوات، تبين أن (70%) من موادها إثارة جنسية، ودعوة إلى الجريمة والسرقة ومفاسد الأخلاق، كيف لا يتأثر البنون والبنات بمثل هذا؟!!
إن خرجنا إلى الشارع وجدنا نساء كاسيات عاريات في كل الطرقات! أين نذهب إذاً؟! وأين يفر الشباب من الفتن؟!
شاشات وقنوات ملئت بها البيوت يشاهدها الصغير والكبير بلا حياء، وبلا رقيب ولا حسيب، وأغان صباحاً ومساءً تدعو إلى مثل هذه الأمور، والأطم والأعظم تأخير الزواج بأعذار واهية، فتارة يقول الأب: ابنتي صغيرة، والله الذي لا إله إلا هو إن اللائي ضبطن في الخلوات، أعمارهن في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة، فأعمارهن لم تتجاوز العشرينات، أي صغيرة هذه؟!!
والله لو تكلمت الصغيرة- وما ردها إلا الحياء- لقالت لأبيها: إن أمنيتي رجل صالح وبيت صغير، تأوي إلى ذلك الرجل، ويأوي إليها.
اتصلت إحدى فتياتنا على أحد مشايخنا قائلة: انصحوا أبي، إنه يرد الخطاب عني، وأنا والله على خطر عظيم.
تعتذر البيوت بصغر الفتيات، وتناسى هؤلاء أن أم المؤمنين عائشة تزوجت وهي ابنة تسع سنوات.
ومن الأعذار الواهية قولهم: نريدها أن تكمل تعليمها، أقول: وهل التعليم أهم من الزواج؟! ولسنا ضد التعليم أصلاً، وما المانع من أن تتزوج وتكمل تعليمها؟! أمهات الجيل الماضي لا يقرأن ولا يكتبن وخرجن أجيالاً من أحسن الأجيال، ما ضرهن والله أنهن لا يقرأن ولا يكتبن.
تقول إحداهن: كنت صغيرة في السن حين تقدم لي الخطاب، فردهم أبي بقوله: أريدها أن تكمل تعليمها، فلما تخرجت قال: أريدها أن تحصل على الوظيفة، ولا زال الخطاب يتقدمون وهو يردهم عني، حتى بلغت الثلاثين وبدأ الخطاب يقلون عني، وهو يردهم بأوهى الأعذار، بل ربما يتقدمون وأنا لا أعلم عنهم حتى بلغت الأربعين من العمر، فجاءته الساعة التي لا بد أن تأتي لكل واحد منا، في ساعات الاحتضار يتذكر الإنسان ما قدم وما أخر، وفي تلك اللحظة تذكر الأب ذلك الظلم الذي أوقعه على تلك الفتاة، فأخذ يعتذر إليها في آخر اللحظات، قالت: والله لن أسامحك! والله لن أسامحك! صويحباتي أمهات وجدات وأنا بين الجدران الأربعة، والله لن أسامحك! مت غير مغفور لك، والله لن أدعو لك، ولن أستغفر لك، وإذا وقفت أنا وأنت أمام الله فسأخاطبك أمام الله: حرمتني حقاً من حقوقي.
والله الذي لا إله إلا هو إني لأعرف بيتاً من بيوت المسلمين فيه سبع فتيات تجاوزت أعمارهن الثلاثين، ولا يزال الأب يرد الخطاب طمعاً وجشعاً وظلماً وعدواناً، تارة صغيرة، وتارة أريد منها أن تكمل التعليم، أي تعليم هذا؟!
ثانياً: العصبية الجاهلية للأنساب:
ومن أعظم الأسباب التي تفشت بين الناس اليوم بين حضر وبدو أن هذا لا يزوج فلاناً! وهذا لا يقبل فلاناً، إنها الجاهلية بأم عينها؛ لأن الميزان في الإسلام: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فالناس عند الله سواسية كأسنان المشط، لا تقدمهم أحسابهم ولا أنسابهم، وفي الحديث: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
اسمع الطامة العظمى!
اتصلت بي إحداهن وهي طالبة في الكلية في السنوات الأولى، فقالت: نحن في خطر، تكلموا عن الخطر الذي يهددنا، الإباحية في كل مكان، نريد أن نعف أنفسنا بالزواج، ادع لي يا شيخ، قلت: عسى الله أن ييسر الأمور.
ثم اتصلت بي أخرى بعد حين باكية قائلة: تقدم لي حافظ للقرآن، حافظ لآيات الله وكلامه، ذو خلق وأدب عظيم، يشهد له القاصي والداني، فرده أبي قائلاً: أنا من قبيلة كذا وكذا فلا أزوج هذا، بل قال لي: اقطعي الأحلام، والله لأزوجنك من قاطع طريق وشارب خمر، ولا أزوجك هذا، وهو حافظ للقرآن! قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50].
إن الله وضع ميزاناً هو ميزان التقوى، وهو ميزان التفاضل بين الناس، الناس عند الله سواسية، فلماذا نرد فلاناً وفلاناً؟ ما الضابط للرجل حين يتقدم؟
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، يتقدم الشاب اليوم فلا يسأل عن خلقه ولا يسأل عن دينه، وإنما يقال له: ابن من؟ وممن؟ وما هي وظيفتك؟ ووضعنا الدين آخر الدرجات ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) والفساد واقع في كل مكان.
ثالثاً: غلاء المهور:
من الأسباب التي عطلت الزواج وجعلته عقبة في وجوه الشباب: غلاء المهور، تفرض آلاف مؤلفة ما أنزل الله بها من سلطان، من أين للشباب بثلاثين وأربعين وخمسين ألفاً ورواتبهم لا تتجاوز الألف والألفين؟! والفتن في كل مكان تطارد الفتيات والفتيان، ثم توضع هذه العقبات والعراقيل.
ثم ما المقصد من الزواج أصلاً؟ أليس المقصد حفظ الفتاة والشاب، وإنشاء أسرة مسلمة؟! اليوم لا تنشأ الأسرة المسلمة إلا بملايين الريالات؛ لأن الرجال لا يديرون الأمور، فتخلوا عن المسئولية وأعطوها للنساء.
في زواج مضى كانت حفلة الزواج فيه قد كلفت أكثر من عشرة ملايين ريال! ثم باء هذا الزواج بالفشل بعد شهر واحد، فمن أين للشباب مئات الآلاف من الريالات؟ يريد خمسين ألفاً للمهر، وخمسين لإعداد عشة الزواج، من أين لهم بمثل هذا؟! كثير من الشباب لا يبني حياته إلا على ديون لسنوات طوال، أما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره: (أبركهن أيسرهن مئونة).
وهل فتياتنا وبناتنا أحسن من أمهات المؤمنين؟! حين سئلت عائشة رضي الله عنها عن صداقه صلى الله عليه وسلم لنسائه -كما عند مسلم وغيره- فقالت: (ما زوج النبي صلى الله عليه وسلم بناته ولا أصدق نساءه بأكثر من ثنتي عشرة أوقية ونشاً، قالت: أتدري ما النش؟ نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم) خمسمائة درهم لأمهات المؤمنين، وهن أطهر النساء وأعفهن، وأكرمهن عند الله جل في علاه، ولبناتنا نطالب بثلاثين وأربعين وخمسين ألفاً، من أين يأتي الشباب بمثل هذا؟
أيسرقون أم يلجئون إلى الزنا؟ نحن الذين دفعناهم إلى هذا، كم من شاب التزم وأراد تحصين فرجه فإذا بالأبواب مغلقة أمامه! وكان ذلك سبباً في انتكاسته، الكل يتحمل المسئولية؛ لأن الحلال في المجتمع بمئات الآلاف من الريالات، والحرام بأيسر الأموال!
وجدت حالة إيدز اكتشفت في المنطقة الغربية لطالب في المرحلة المتوسطة، وبعد التتبع عثر على وكر من أوكار المتخلفين من الحج يقدم الزنا بعشرة ريالات، الحرام بعشرة ريالات في حين أن الحلال بمئات الآلاف من الريالات.
اتقوا الله عباد الله! فما أنزل الله بهذا من سلطان.
أحد الشباب يروي قصة زواجه، فيقول: حين عزمت على الزواج اخترت بيتاً صالحاً أعرفه -وهذا هو الأصل؛ لحديث: (تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس)، أي: ابحثوا عن الصلاح لا الحسب والنسب، فالضابط هو صلاح الرجل والمرأة- قال: فذهبت إلى أبيها في المسجد، وصليت بجانبه، فلما انتهى من صلاته فاتحته بالموضوع على تردد، هو يعرفني، قال: أنت ممن نرضى دينه وخلقه، جئنا بأهلك حتى نتعرف عليهم، جئته بعد أيام بأهلي، تعارف الأهل، وحصلت بينهم مودة وألفة، قال لي الأب: الأسبوع القادم إن شاء الله تأتي ومعك الشهود نعقد لك على فلانة، أردت أن يبين لي كم المهر؟ وما هي الشروط والضوابط؟ فلم يتكلم قال: الموعد الأسبوع القادم.
يقول الشاب: كنت على الوظيفة منذ عشر سنوات، جمعت مبلغ عشرين ألف ريال -وهذا إنجاز في ظل هذه الظروف التي نمر بها الآن، أي: أن يجمع إنسان مبلغ عشرين ألف ريال- قلت: عشرين ألف أستحي أن أعطيه إياها؛ لأن السائد تنافس الناس على المظاهر والإسراف والتبذير، حتى أصبحنا إخواناً للشياطين الذين من أصلهم الإسراف والتبذير، كما قال تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:26-27] فاقترضت عشريناً أخرى حتى أصبح المبلغ أربعين ألف ريال.
وقلت: الأربعون لا تكفي اليوم! فذهبت في اليوم المحدد وجاء الشيخ بعقد النكاح، وبدأت الدقائق تمر علي وأنا في حرج شديد، حتى حانت تلك الساعة التي قال فيها الشيخ: كم المهر؟ فسكت، فرددها علي، قلت: أربعين ألفاً، قال الأب: لا، فسقط قلبي بين يدي، قال الأب: خمسة آلاف تكفيها، واستعن بالباقي أنت وإياها على قضاء حوائجكما، فقمت فقبلت رأسه، وحق لمثل هذا أن يقبل رأسه، ومثله قليل.
أعينوا الشباب وساعدوهم واحفظوا الفتيات والمجتمع، فالزنا في كل مكان، أولاد السفاح في كل مكان، على أبواب المساجد .. في المزابل والقمامات!
اتقوا الله عباد الله! يسروا ولا تعسروا، اللهم من يسر على الشباب فيسر عليه، ومن عسر عليهم فرده إلى الحق يا رب العالمين!
اللهم احفظ بيوتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، ومن تقوى الله تيسير المهور، وتيسير أمر الشباب والفتيات، المقصد من الزواج بناء أسرة مسلمة نحفظ بها هذه المجتمعات من الوقوع في الفاحشة والرذيلة، ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً فقيراً بما عنده من القرآن، فمن يسن هذه السنة الحسنة اليوم فينا الآن؟! أين من يزوج الصالح؟ أين من يبحث لابنته عن ذلك الشاب التقي النقي، فيعطيها ويسلمها إليه؟
ذكر في السير: أن مجلس سعيد بن المسيب يحضره عشرات، بل مئات من الشباب الصالحين، فانقطع شاب من الشباب عن الحضور يوماً، فلما حضر بعد أيام سأله سعيد : أين كنت يا أبا وداعة ؟ قال: ماتت زوجتي، وانشغلت بدفنها وعزائها، فقال سعيد رحمه الله: هلا أخبرتنا حتى نعزيك ونواسيك؟! ثم قال له: هل نويت بأمر بعدها؟ أي: هل عزمت على زواج بعدها؟ قلت: ومن يزوجني، وأنا لا أملك إلا ثلاثة دراهم؟ قال سعيد : سبحان الله! ثلاثة دراهم لا تعف مسلماً، قلت: ومن يزوجني؟ قال: أنا، قلت: ابنة سعيد بن المسيب التي يخطبها الأمراء والوزراء ويردهم عنها، تدري لماذا؟ لأنه يريد لها صاحب الدين والخلق، ما نظر إلى الجاه ولا للحسب والنسب، يريد أن يعطي تلك الأمانة التي استرعاه الله إياها إلى يد أمينة، قال: أنا أزوجك، قلت: ابنة سعيد بن المسيب التي يخطبها الأمراء والوزراء فيردهم، قال: أنا أزوجك، فدعا من كان في ناحية المسجد، ثم قال: الحمد لله، وأثنى على الله، ثم قال: زوجنا فلاناً على فلانة بدرهمين، تم العقد، يقول: طرت من الفرح، ابنة سعيد ! ذهبت إلى داري وأنا أطير من شدة الفرح، دخلت وكان الوقت ساعة مغيب الشمس، كنت صائماً، أخرجت خلاً وخبزاً أريد الإفطار، فإذا بطارق يطرق الباب، قلت: من؟ قال: سعيد، فجاء على بالي كل سعيد إلا سعيد بن المسيب -فما رئي منذ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، ما فاتته تكبيرة الإحرام أربعين سنة- فتحت الباب فإذا بـسعيد بن المسيب قلت: لقد رجع في كلامه، قلت: لماذا أتيت كان حري بك أن تستدعيني وأنا آتيك؟! قال: مثلك يؤتى إليه، أنت إنسان زوجناك وخفت أن تبيت الليلة عزباً، ويحاسبني الله على عزوبيتك، فإذا بسواد من خلفه دفعها داخل الباب سقطت من حيائها، ثم قال: بارك الله لك وبارك عليك، هذه زوجك، أسأل الله أن يوفق ويصلح بينكما، ثم ذهب في طريقه، يقول: فنظرت إليها فإذا هي من أجمل النساء، والله ما رأت عيني أجمل منها، فصعدت إلى سطح المنزل، ناديت جيراني، قلت لهم: سعيد بن المسيب زوجني من ابنته، وقد أتى بها هذه الليلة، انزلوا عندها، وقال: سأذهب لأخبر أمي بالخبر، فذهبت إليها فقالت لي: وجهي من وجهك حرام، والله لا تقربنها إلا بعد ثلاثة أيام، حتى أزينها كما تزين العروس، وبعد ثلاثة أيام أدخلت عليها، والله ما رأت عيني أجمل منها، إن تكلمت أحسنت الكلام، وإن سكتت على أجمل مقام، مكثت معها شهراً كاملاً لم أر منها إلا صياماً وقياماً، وبعد شهر أردت الذهاب إلى مجلس سعيد ، فقالت: إلى أين تذهب؟ قلت: إلى مجلس سعيد لطلب العلم، قالت: اجلس فإن علم سعيد كله عندي، ذهبت إلى مجلس سعيد بعد شهر، فلما رآني تبسم ولم يكلمني حتى انفض الجمع من المجلس، فلما انفض جئته وجلست بين يديه، فقال: كيف ضيفكم؟ قلت: على أحسن حال، قال: إن رأيت ما لا يعجبك فالعصا، ثم أعطاني عشرين ألف دينار، وقال: استعن أنت وإياها على قضاء حوائجكما.
أين لنا بمثل سعيد اليوم؟! أين لنا بمثل هؤلاء؟! الزنا في كل مكان، والشاشات والقنوات عاثت فساداً في الأخلاق والأعراض، أعراضنا تنتهك، شبابنا لا يجدون ما يسد حاجتهم، وفتياتنا في الأسواق كاسيات عاريات، ونحن نقول: عشرات الآلاف من الريالات!
اتقوا الله عباد الله!
يسروا أمور الزواج، احفظوا المجتمع من الفواحش والمنكرات، ولن يكون هذا إلا إذا سرنا على المنهج الرباني والنبوي الصحيح، فما زوج بناته ولا تزوج أمهات المؤمنين بأكثر من خمسمائة درهم عليه الصلاة والسلام، فلماذا مثل هذا عباد الله؟!
اللهم يسر للشباب وحصن فروجهم، واحفظ الفتيات وحصن فروجهن يا رب العالمين!
اللهم من يسر على معسر فيسر عليه، ومن عسر عليه فرده إلى الحق يا رب العالمين!
اللهم احفظ مجتمعاتنا من الفتن والفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن يا رب الأرض والسماوات!
اللهم طهر بيوتنا من الشاشات والقنوات، اللهم احفظ نساءنا وأطفالنا!
اللهم وسع على شباب المسلمين يا رب العالمين!
اللهم حصن فروجهم، وغض أبصارهم، وثبتهم على الطاعة يا رب العالمين!
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم ول علينا خيارنا، واكفنا شرارنا، اجمع شملنا، ووحد صفنا، وأصلح ولاة أمورنا، وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين!
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمتك، اللهم فك أسرهم، وارفع الحصار عنهم يا رب العالمين!
اللهم أمدهم بمدد من عندك، وجند من جندك يا حي يا قيوم!
انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، قو عزائمهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم.
اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره، وكيده في نحره يا رب العالمين!
اللهم عليك باليهود والنصارى المعتدين الظالمين، وعلى أعداء الملة ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.
استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انها النار | 3543 استماع |
بر الوالدين | 3428 استماع |
أحوال العابدات | 3413 استماع |
يأجوج ومأجوج | 3350 استماع |
البداية والنهاية | 3336 استماع |
وقت وأخ وخمر وأخت | 3271 استماع |
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب | 3255 استماع |
أين دارك غداً | 3205 استماع |
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان | 3099 استماع |
أين أنتن من هؤلاء؟ | 3097 استماع |