وما قدروا الله حق قدره


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر الأحبة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وبياكم وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.

وأسأله سبحانه أن يجمع شمل أمة محمد، وأن يعلي شأنها، ويوحد صفها، ويصلح ولاة أمورها، وأن ينصرها على القوم الكافرين.

فأهلاً بكم أحبتي في ليلة قرآنية عنوانها: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67].

فمواعظ القرآن توقظ القلوب النائمة، وتذكر الأنفس اللاهية، وما أحوجنا في ظل انشغالاتنا في طلب دنيانا أن نقف مع أنفسنا، ونعرض أنفسنا على مواعظ القرآن التي لا تخلو منها صفحة من صفحات كتاب الله جل في علاه.

إن الأنفس في أمسّ الحاجة إلى قطر السماء القرآني كما أن الأرض في أمس الحاجة إلى قطر السماء المائي، فالأرض إذا انقطع عنها ماء السماء يبست وقحطت، ثم إذا تنزل عليها الماء تبدل حالها وانقلب رأساً على عقب، قال الله جل في علاه: وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً الحج:5] يعني: ميتة، فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5]، وهذا دليل ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:6]، وهذا دليل وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:7].

أرأيت كيف يتبدل حال الأرض عند نزول القطر؟ كذلك يتبدل حال القلوب إذا تنزلت عليها المواعظ القرآنية، فإن كانت الأرض في أمسّ الحاجة إلى قطر السماء فالقلوب في أمس الحاجة إلى تذكيرها بعلام الغيوب جل في علاه، فلا حياة للأرض إلا بالماء، ولا حياة للقلوب إلا بذكر الله جل في علاه.

فالقلب الذاكر قلب حي ينبض حياة في كل حين، والقلب اللاهي قلب قاس بعيد عن ذكر الله، وقد قست القلوب اليوم حين ابتعدت عن المواعظ القرآنية والمواعظ النبوية، والمطلوب عرض هذه القلوب على مواعظ القرآن وعلى المواعظ النبوية.

هناك آية عظيمة ساقها الله في سورة الزمر، وما أدراك ما سورة الزمر؟! بدأها الله ببيان عزته وحكمته: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1]، فالله عزيز في ملكه، وعزيز في قهره، وعزيز في صفاته وأسمائه جل في علاه، وحكيم في أفعاله وفي تصرفاته، ومرد ذلك إلى علمه الذي وسع كل شيء، فهو عزيز جل في علاه، ومن عزته وحكمته أنه أنزل علينا هذا الكتاب، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:1-2].

فانطلقت هذه السورة بأول سطورها تبين عزة الله وحكمته، ثم بينت ما هو المطلوب من العباد وهو تحقيق العبودية لله، وعدم الإشراك بالله جل في علاه، فقال: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ الزمر:2-3].

عدم تعظيم الناس لربهم حق التعظيم

ما قدر العباد الله حق قدره يوم أن عبدوا سواه، وما قدروا الله حق قدره يوم أن أشركوا في عبادته، وما قدروا الله حق قدره يوم أن قالوا: اتخذ الله صاحبة وولداً، وما قدروا الله حق قدره يوم خالفوا أوامره وارتكبوا نواهيه، وما قدروا الله حق قدره يوم أن قالوا: إن قدرة الله ليست بمطلقة، والله قد بين لهم أنه على كل شيء قدير، ثم جاءت آية عظيمة بين الله فيها عظمته وقدرته، فقال عن الذين أشركوا وخالفوا أوامره: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].

قوله: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: ما عظموا الله حق تعظيمه وفي الأرض آياته وبيناته التي تدل على وحدانيته وعلى قدرته، فهلا سرتَ في الأرض لترى الدلائل والعلامات على قدرة الله جل في علاه، فكل ما في الأرض يدل على أنه واحد، فكيف يعصيه العاصي أو يجحده الجاحد.

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: ما عظموه حق تعظيمه، وقد جاءت الرسل لتبين لأقوامها هذه الحقيقة، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم بيّن للناس هذه الحقيقة وهي: أن الله عظيم في قدرته، وعظيم في قوته، وعظيم في كل اسم من أسمائه وفي كل صفة من صفاته.

قال نوح عليه السلام لقومه: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] أي: مالكم لا تعظمون الله حق تعظيمه فتخافون من عذابه وأليم نقمته؟!

ثم بين لهم عظمة الله في أنفسهم، وفي آياته التي تحيط بهم يمنة ويسرة فقال: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14] يعني: أوجدكم من عدم هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1].

فمن أنت يا ابن آدم! حتى أوجدك الله وأخرجك إلى هذا الوجود؟! وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا يعني: طوراً بعد طور: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم أخرجكم طفلاً، ثم لتبلغوا أشدكم، وهكذا خلق الإنسان، فما عظَّم الله حق تعظيمه وما قدر الله حق قدره من لم يتأمل في هذه الآيات.

ثم أمرهم نبيهم صلوات ربي وسلامه عليه أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، وأن ينظروا في آيات الله يمنة ويسرة حتى يروا عظمة الله جل في علاه: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا [نوح:15-20].

قال سبحانه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].

ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً

والناس حولك يضحكون سروراً

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا

في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

ولن يكون هذا إلا إذا قدرت الله حق قدره، فما قدروا الله حق قدره يوم تخلفوا عن أوامره وتساهلوا في نواهيه، وما قدروا الله حق قدره من ناموا عن الصلوات المكتوبة، وما قدروا الله حق قدره من تطاولوا على الربويات، وما قدروا الله حق قدره من ملئوا ليلهم ونهارهم بالعكوف أمام الشاشات والقنوات، وما قدروا الله حق قدره يوم لم يستشعروا عظمته وأنه في كل مكان يراهم ويعلم سرهم ونجواهم.

فما عصى عاصي وما خالف مخالف إلا لأنه لم يقدر الله حق قدره، وما تخلف متخلف عن أوامر الله إلا لأنه ما قدر الله حق قدره.

ما قدر العباد الله حق قدره يوم أن عبدوا سواه، وما قدروا الله حق قدره يوم أن أشركوا في عبادته، وما قدروا الله حق قدره يوم أن قالوا: اتخذ الله صاحبة وولداً، وما قدروا الله حق قدره يوم خالفوا أوامره وارتكبوا نواهيه، وما قدروا الله حق قدره يوم أن قالوا: إن قدرة الله ليست بمطلقة، والله قد بين لهم أنه على كل شيء قدير، ثم جاءت آية عظيمة بين الله فيها عظمته وقدرته، فقال عن الذين أشركوا وخالفوا أوامره: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].

قوله: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: ما عظموا الله حق تعظيمه وفي الأرض آياته وبيناته التي تدل على وحدانيته وعلى قدرته، فهلا سرتَ في الأرض لترى الدلائل والعلامات على قدرة الله جل في علاه، فكل ما في الأرض يدل على أنه واحد، فكيف يعصيه العاصي أو يجحده الجاحد.

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: ما عظموه حق تعظيمه، وقد جاءت الرسل لتبين لأقوامها هذه الحقيقة، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم بيّن للناس هذه الحقيقة وهي: أن الله عظيم في قدرته، وعظيم في قوته، وعظيم في كل اسم من أسمائه وفي كل صفة من صفاته.

قال نوح عليه السلام لقومه: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] أي: مالكم لا تعظمون الله حق تعظيمه فتخافون من عذابه وأليم نقمته؟!

ثم بين لهم عظمة الله في أنفسهم، وفي آياته التي تحيط بهم يمنة ويسرة فقال: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14] يعني: أوجدكم من عدم هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1].

فمن أنت يا ابن آدم! حتى أوجدك الله وأخرجك إلى هذا الوجود؟! وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا يعني: طوراً بعد طور: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم أخرجكم طفلاً، ثم لتبلغوا أشدكم، وهكذا خلق الإنسان، فما عظَّم الله حق تعظيمه وما قدر الله حق قدره من لم يتأمل في هذه الآيات.

ثم أمرهم نبيهم صلوات ربي وسلامه عليه أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، وأن ينظروا في آيات الله يمنة ويسرة حتى يروا عظمة الله جل في علاه: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا [نوح:15-20].

قال سبحانه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].

ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً

والناس حولك يضحكون سروراً

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا

في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

ولن يكون هذا إلا إذا قدرت الله حق قدره، فما قدروا الله حق قدره يوم تخلفوا عن أوامره وتساهلوا في نواهيه، وما قدروا الله حق قدره من ناموا عن الصلوات المكتوبة، وما قدروا الله حق قدره من تطاولوا على الربويات، وما قدروا الله حق قدره من ملئوا ليلهم ونهارهم بالعكوف أمام الشاشات والقنوات، وما قدروا الله حق قدره يوم لم يستشعروا عظمته وأنه في كل مكان يراهم ويعلم سرهم ونجواهم.

فما عصى عاصي وما خالف مخالف إلا لأنه لم يقدر الله حق قدره، وما تخلف متخلف عن أوامر الله إلا لأنه ما قدر الله حق قدره.

إن الله سبحانه يري العباد الآيات في أنفسهم، وسيريهم الآيات في السماوات وفي الأرض، وأي خطب أعظم وأجل من ذلك اليوم الذي تكون فيه الأرض في قبضة الجبار قال سبحانه: وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، وهنالك سيعرف أولئك الذين ما قدروا الله حق قدره أنهم كانوا خاطئين، فإن الله سيريهم في ذلك اليوم من الآيات العظام ما الله به عليم.

وكل خطب عظيم تسبقه أمور عظام، لذلك من حكمته جل في علاه ومن رحمته بنا أن جعل لذلك اليوم علامات تدل على وقوع ذلك اليوم العظيم، وهي أمارات صغار وأمارات عظام.

فأما العلامات الصغار فقد ظهرت إلا قليلاً منها، قال الله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:18-19].

والحقيقة التي يجب ألا تغفل عنها أننا في هذه الدنيا ضيوف وعما قليل سينادي المنادي بالرحيل، فأما الذين قدروا الله حق قدره فهم على أتم الاستعداد ليوم الرحيل، وأما المفرطون الذين لم يقدروا الله حق قدره فليلهم ونهارهم سواء، قال الله عنهم: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].

يا عجباً للناس لو أبصروا

حاسبوا أنفسهم إذا قصروا

وعبروا الدنيا إلى غيرها

فإنما الدنيا لهم معبرُ

لا فخر إلا فخر أهل التقى

غداً إذا ضمّهم المحشرُ

ليعلمنّ الناس أن التقى

والبر كانا خير ما يُذْخرُ

فمن قدر الله حق قدره فليستعد لذلك اليوم.

تفاوت الناس في الإيمان بيوم القيامة

يتفاوت الناس في الإيمان الذي وقر في قلوبهم ما بين مؤمن قوي وضعيف، ويختلف الناس لاختلاف ذلك الإيمان الذي وقر في قلوبهم، ويظهر ما وقر في القلب هذا في التصرف والسلوك والأخلاق والمعاملات.

وقد بين الله لنا في كتابه أنه سيجمع الأولين والآخرين في يوم لا يغادر الله فيه صغيرة ولا كبيرة.

والإيمان باليوم الآخر قدمه الله على كثير من أركان الإيمان، فقال الله جل في علاه: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، فقدم الله الإيمان بالله وباليوم الآخر على سائر أركان الإيمان؛ والسبب: أن الإيمان بذلك اليوم هو الذي يحرك الإنسان في حياته، فمن علم أنه عبد لله، وعلم أنه سيقف بين يدي ربه جل في علاه، وعلم أنه سيسأل عن كل صغيرة وكبيرة فكيف يكون حاله في دنياه؟ وكيف يكون حال من قدر الله حق قدره، واستشعر عظمة الله، واعلم أن الله مطلع عليه ويعلم سره ونجواه؟! كيف يؤثر ذلك في سلوكه وفي تصرفاته؟ وانظر في واقع الناس اليوم فإنهم يدعون أنهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر لكن لا ترى لإيمانهم أثراً واقعاً ملموساً في حياتهم، بل تراهم يتهاونون في الطاعات ويتساهلون في المحرمات! فلماذا هذا؟

لأنهم ما قدروا الله حق قدره.

وقبل هذا اليوم العظيم أمور عظام، فكيف أنت إذا أشرقت الشمس من مغربها؟ وكيف أنت إذا سار المسيح الدجال في الأرض؟

وكيف أنت إذا خرجت الدابة تكلم الناس وتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون؟

وكيف أنت إذا فتحت يأجوج ومأجوج وظهرت هذه الآيات العظام؟! فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18].

فالمؤمن الذي قدر الله حق قدره إذا رأى هذه الآيات الصغار التي تدل على قرب الآيات العظام استعد أشد الاستعداد لملاقاة الله جل في علاه، فأنت قد تصبح ولا تدرك المساء، وأنت قد تمسي ولا تدرك الصباح، فلا بد من الاستعداد، ومن مات فقد قامت قيامته، واسمع إلى قول أولئك الذين ما قدروا الله حق قدره إذا رأوا آيات الله العظام يوم يقفون بين يدي الجبار جل في علاه: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].

فقال الله راداً عليهم: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28].

فكيف كان حالهم في دنياهم؟ قالوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ * قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:29-33].