خطب ومحاضرات
الجود والشح والكرم
الحلقة مفرغة
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
أحبتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، اللهم فرج هم المهمومين، واكشف كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين، ودل الحيارى واهد الضالين، واغفر للأحياء وللميتين .
إن ديننا يحث على التكافل والترابط والتآخي والتماسك، يحثنا على مكارم الأخلاق، وعلى نبذ كل ما لا يرضي الله عنا، فمن صفات المؤمنين الصادقين: البذل والجود والكرم والتضحية والعطاء والإيثار.. إلى غير ذلك من الصفات.
ومن صفات المنافقين: الشح والبخل والحقد والحسد والبغضاء، فميزنا الله عن أولئك المنافقين بالبذل والتضحية والعطاء.
وإن من أسماء الله جل في علاه: الغني، الكريم، الجواد، المعطي.. وكل هذه الأسماء آثارها لا بد أن تظهر في حياتنا، فديننا يحثنا على مثل هذا ..
سأجمع في موضوعنا الكلام عن الجود والشح والكرم.
فإن قلنا: الجود والكرم، فالجود هو بذل المعروف لمن تعرف ولمن لا تعرف، وأما الكرم فلا يكون إلا في إقراء الضيوف، لذلك كان الجود أعظم من الكرم، وإن كان للكرم دور عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، فنكرمه نحن على كل حال من الأحوال، لكن من الذي سيعطي المحتاج الذي نعرفه والذي لا نعرفه؟ من سيسد حاجة اليتيم والأرملة والفقير؟ وعلى أكتاف من ستقوم أعمال البر والخير؟ وعلى أكتاف من ستبنى المساجد والمدارس ودور الرعاية؟
هذه كلها لا تقوم إلا على أكتاف المنفقين الباذلين المتقين، الذين صدقوا تقواهم بحسن ظنهم بربهم.
وحين أمرنا الله بالمسارعة إلى الجنة بين لنا الطريق، فقال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] فمن أول صفات المتقين قال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، أي: في كل الأحوال يعطي، فإن كانت الصدقة من الغني جميلة، فإنها من الفقير أجمل، ومن صفاتهم قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، فهذه الصفات كلها يعود نفعها على الآخرين؛ لذلك فالأعمال التي نعملها إما أعمال قاصرة أو أعمال متعدية.
فالأعمال القاصرة هي التي يقصر نفعها على الشخص، كقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير والصلوات فرضاً أو نافلة فالمردود له، فهذه أعمال قاصرة.
والأعمال المتعدية أعظم أجراً عند الله، يقول ابن عمر : لأن أسير في حاجة أخي أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد.
وبين الله عظم أجر الذين يسعون في الخير فقال سبحانه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]؛ فإن هذه الأعمال كلها يعود نفعها على الآخرين، فقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أي: أعطاها، وقوله: أَوْ مَعْرُوفٍ أي: أحسن إلى الآخرين، أو أصلح ذات البين، فهذه أعظم الأعمال عند الله جل في علاه.
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، أي: من يتصدق ويصلح ويبذل المعروف ابتغاء وجه الله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].
فإذا قلنا: الجود، فالجود أعظم وأعم من الكرم، وضده: الشح والبخل أعاذنا الله وإياكم منهما.
والجود لغة: من جاد يجود، وكلمة جود تدل على التسامح بالشيء وكثرة العطاء، فهو يعطيه ونفسه راضية ومطمئنة، ثم لا يعطي اليوم ويمسك أياماً، بل هو دائماً كلما تيسر له البذل والعطاء أعطى، ولا يؤجل ولا يسوف أبداً، بل كل ما حانت الفرصة بحث عن الفقير والمحتاج.
والجود اصطلاحاً كما قال الزبيدي : الجواد هو الذي يعطى بلا مسألة؛ صيانة للآخذ من ذل السؤال .
فمن الصعب أن تسأل الناس، حتى ولو كان هذا الذي تسأله أخاك فإن في السؤال مذلة لا يعلمها إلا الله، لكن الحاجة هي التي تدفع الناس إلى السؤال، يقول ابن عمر : أحب الناس إلي من بات وعليه هم ولم يجد أحداً يرمي بهمه عليه إلا أنا.
أي: أحب الناس إلي ذاك الذي بات مهموماً، إما بدين أو بهم أو بغم، أو بأي حاجة من الحوائج، ثم لم يجد من يرمي بهمه عليه إلا أنا، قال: هذا أحب الناس إلي، ما جاءني إلا ثقة ومحبة في.
فالجود اصطلاحاً: قال الزبيدي : الجواد هو الذي يعطي بلا مسألة؛ صيانة للآخذ من ذل السؤال، قال الشاعر:
وما الجود من يعطي إذا ما سألته ولكن الجود من يعطي بغير سؤال
وورد حديث عند البخاري ومسلم عن أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس وأشجع الناس، قال: فزع أهل المدينة ليلة سمعوا هيعة في ناحية من نواحي المدينة، فأسرع الناس إلى ذلك المكان قبل الصوت، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً على فرس لـ
تقول عائشة رضي الله عنها: (في آخر حياته كان يصلي جالساً من كثرة ما حطمه الناس)، فهو في حوائج الناس يمنة وغفوة وصباحاً ومساءً، تقول عائشة : (حتى كانت الصبية الصغيرة تأخذه من يده حتى يقضي حاجتها) فهو الذي علمنا فقال: (أنفع الناس أنفعهم للناس) فإذا تماسك الناس فيما بينهم أصبح المجتمع مترابطاً متماسكاً يخاف على بعضه البعض، فكيف أنتم بجار ينام وجاره ليس عنده ما يملأ بطنه؟ أي جار هذا! بأبي أنت وأمي يا رسول الله، من لي بمشيك المدلل تسير بالهون وتأتي في الأول.
يقول عنه جابر : (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا)، لولا التشهد لكانت لاؤه نعم، وقد لبس مرة رداءً جاءوا به هدية له صلى الله عليه وسلم، فرآه أعرابي فقال: يا محمد! أعطني هذا، فخلعه في الحال، ولم يكن عنده غيره.
قال الحسن البصري : الجود بذل المجهود في بذل الموجود، أي: الجود بالموجود الذي عندك بدون تكلف، قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] فهذا عنده مائة ألف فأخرج ألفاً، وهذا عنده مائة ريال وأخرج عشرة ريالات، فهي تعني الشيء الكثير.
جود الصحابة وإيثارهم على أنفسهم
جاء عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود -يعني: أصابني جوع وعطش وحاجة لا يعلم بها إلا الله- وأنا ضيف عليك، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائه فقال: عندكم طعام؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا ماء، فبعث إلى البيت الثاني: أعندكم شيء؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا ماء، فطافوا على بيوته التسعة وليس فيها غير الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من يضيف ضيف النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فأخذه حتى إذا جاء إلى بيته وهو صاحب عيال وأطفال قال لزوجه: ماذا عندك من الطعام؟ قالت: والله ما عندنا إلا قوت العيال، قال: ألهيهم بأي شيء، فإذا ناموا جلسنا أنا وأنت مع الضيف -وكان ذلك قبل نزول آيات الحجاب فإن الضيف كان يجلس مع الرجل وأهل بيته- فقومي فأطفئي السراج، ثم تظاهري بالأكل حتى يشبع الضيف، فجلسوا مع الضيف ثم قامت فأطفأت السراج، ثم تظاهرا بالأكل حتى شبع الضيف ونام الضيف وارتاح، ونام الصغار وأهل البيت على جوعهم؛ إيثاراً للضيف، وليس عندهم شيء إلا ما قدموه، فلما أصبح الصباح وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله قد عجب من صنيعكما مع ضيفكما الليلة) فهم لم يقدموا إلا الموجود، وآثروا الضيف على أنفسهم وعلى صغارهم وعلى فلذات أكبادهم، وهذا هو منتهى البذل والعطاء؛ فقال الله فيهم: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
الله أكبر!
أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت على العباد من الرحمان أرزاق
لا ينفع البخل مع دنيا مضللة ولا يضر مع الإقبال إنفاق
واسمع خبراً من الأخبار حتى تعلم أن أثر الجود والكرم يبلغ السماوات السبع، وأريدك وأنت تسمع أن تقول بعدها: سبحان الله! كيف وصلوا إلى هذه الدرجة من البذل والعطاء؟ ولا عجب في ذلك، فالقرآن زكى أولئك الرجال والنساء.
جاء عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود -يعني: أصابني جوع وعطش وحاجة لا يعلم بها إلا الله- وأنا ضيف عليك، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائه فقال: عندكم طعام؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا ماء، فبعث إلى البيت الثاني: أعندكم شيء؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا ماء، فطافوا على بيوته التسعة وليس فيها غير الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من يضيف ضيف النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فأخذه حتى إذا جاء إلى بيته وهو صاحب عيال وأطفال قال لزوجه: ماذا عندك من الطعام؟ قالت: والله ما عندنا إلا قوت العيال، قال: ألهيهم بأي شيء، فإذا ناموا جلسنا أنا وأنت مع الضيف -وكان ذلك قبل نزول آيات الحجاب فإن الضيف كان يجلس مع الرجل وأهل بيته- فقومي فأطفئي السراج، ثم تظاهري بالأكل حتى يشبع الضيف، فجلسوا مع الضيف ثم قامت فأطفأت السراج، ثم تظاهرا بالأكل حتى شبع الضيف ونام الضيف وارتاح، ونام الصغار وأهل البيت على جوعهم؛ إيثاراً للضيف، وليس عندهم شيء إلا ما قدموه، فلما أصبح الصباح وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله قد عجب من صنيعكما مع ضيفكما الليلة) فهم لم يقدموا إلا الموجود، وآثروا الضيف على أنفسهم وعلى صغارهم وعلى فلذات أكبادهم، وهذا هو منتهى البذل والعطاء؛ فقال الله فيهم: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
الله أكبر!
أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت على العباد من الرحمان أرزاق
لا ينفع البخل مع دنيا مضللة ولا يضر مع الإقبال إنفاق
إن أشرف خصال تبلغ بالعبد منزلة الأخيار عشر خصال، إن طبقناها بلغنا بها منزلة الأخيار.
أولها: كثرة الصدقات، ثانيها: كثرة تلاوة القرآن؛ ليس من رمضان إلى رمضان، فقرآننا يشكو هجراً إلا ممن رحم الله، قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30].
ثالثها: كثرة الجلوس مع من يذكرك بالآخرة ويزهدك بالدنيا، وإن مجالسنا اليوم طابعها قيل وقال.
اشترط عمر بن عبد العزيز على جلسائه شروطاً ثلاثة، أولها: لا تتكلموا في الدنيا، ثانيها: لا تغتابوا أحداً في مجلسي، ثالثها: لا تمزحوا في مجلسي أبداً.
فكان حديثهم عن الآخرة: الموت، والحشر، ويوم القيامة، فقُلوبٌ هذا مدار حديثها ستكون قلوباً حية.
فوالله ما قست القلوب وابتعدت إلا بالغيبة وكثرة كلامها عن الدنيا وما فيها.
فالصحابة تعودوا على كثرة الصدقة وكثرة تلاوة القرآن، ومجالسة الذين يذكرون الآخرة ويزهدون في الدنيا، وصلة الأرحام، وعيادة المريض، وقلة مخالطة الأغنياء الذين انشغلوا بالدنيا وما فيها.
قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:131].
رابعها: كثرة التفكر فيما أنت صائر إليه غداً الجنة أو النار.
جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم ، قال: يا إبراهيم مسألة شغلتني بالليل والنهار، قال إبراهيم : اتركني لا تشغلني فإن عندي من المسائل ما الله به عليم، قال: يا إبراهيم ما الذي شغلك؟ قال إبراهيم : ثلاث مسائل شغلتني، الأولى: الله يقول: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] فأنا لا أدري إلى أي الفريقين أكون، ممن تبيض وجوههم أو ممن تسود وجوههم.
الثانية، قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ هود:105] وأنا لا أدري من الأشقياء أكون أم من السعداء، فهل فكرت أنت في العاقبة والمآل والمصير؟
الثالثة: الله يقول: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7].
فهؤلاء الصالحون شغلتهم مثل هذه الأمور بالليل والنهار، فالكل يغدو ويروح، ويسعى لفكاك نفسه من عذاب النار والفوز بجنات النعيم.
أصبح النبي يوماً سائلاً أصحابه قبل أن ينتصف النهار، فقال: (من أصبح صائماً اليوم، قال
وهذه الأعمال سهلة، لكن الموفق من وفقه الله لفعل الطاعات، وصرف عنه الفواحش والمنكرات، فتفكر إلى أين المصير، وأين دارك غداً؟
رابعها: قصر الأمل وكثرة ذكر الموت، فما ألهى الناس وصدهم عن الصدق مع الله إلا طول الأمل، ومن أطال الأمل أساء العمل، قال تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ [الحجر:3].
وقال الشاعر:
يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
كان أحد الصالحين إذا أراد الخروج من المسجد بكى، فقيل له: ما الذي يبكيك؟ قال: أخاف ألا أرجع إليه مرة ثانية.
وآخر يقول: والله ما نمت نومة إلا ظننت أني لا أستيقظ بعدها، وأما نحن فعندنا مخططات لشهور بل لسنوات، سنفعل كذا وكذا، فالأحرى بنا أن نبني على يومنا الحاضر، أما غداً فلا ندري ماذا سيكون فيه؟
خامسها: لزوم الصمت وقلة الكلام.
وما أودى بالناس وكبهم على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم.
فاللسان سلاح ذو حدين، إما أن يرفعك في الجنة درجات، وإما أن يحطك في النار على وجهك دركات.
وفي الحديث أن معاذاً (قال: يا رسول الله! أمآخذون بما نقول؟! قال: ثكلتك أمك يا
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يستهن بالكلمة، قالت عائشة كلمة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (والله يا
وقال آخر: والله ما ندمت على السكوت أبداً، ولكني ندمت على الكلام مرات كثيرة.
فالمسلم لا يندم على السكوت أبداً، إلا إذا سكت عن أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، فهذا شيطان أخرس.
سادسها: التواضع ولبس الدون، وحب الفقراء ومخالطتهم وحب اليتامى والمساكين والمسح على رءوسهم.
الجود دليل على كمال الإيمان، وعلى حسن ظن العبد بربه في تعويضه عما أعطى وزيادة حسناته
والجود والبذل والعطاء دليل على حسن الظن بالله، فالله يقول في الحديث القدسي: (أَنفق يا ابن آدم أُنفق عليك) ويقول سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39] .
فهذا أبو مسلم صحابي جليل أصابته فاقة، والعبد إذا بلغ مرتبة الولاية فليس بمستبعد أن الله يجري على يديه الكرامات، ففي بلاد اليمن أخذوا أبا مسلم ورموه في النار، فلما خمدت النار وجدوا أبا مسلم في النار قائم يصلي، فلما بلغ عمر الخبر، قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد كإبراهيم عليه السلام، أما قال الله تعالى للنار حين ألقي فيها إبراهيم: كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].
خرج أبو مسلم يوماً ثم رجع آتياً إلى أهله يطلب طعاماً، فقالت له امرأته: ما عندنا شيء، فبحثا داخل الدار فما وجدوا إلا ديناراً، فقالت له امرأته: اشترِ لنا بها طحيناً نخبز به خبيزاً، وأعطته وعاء، فخرج بالوعاء ذاهباً إلى السوق ليشتري طحيناً، فإذا بسائل فقير يسأل، وليس عنده إلا هذا الدينار، ولكنه أحسن الظن بالله وأعطاه الدينار لعل الله أن يعوضه خيراً ورجع إلى داره، فمر على مكان نجارة فملأ الوعاء بنشارة النجارة، ثم جاء إلى امرأته وأعطاها الوعاء، وذهب إلى مصلاه يصلي، وبعد فترات قصيرة جاءته امرأته بالخبز حاراً، فقال لها: من أين لنا الطحين؟ قالت: من الذي أتيت به، فجعل يأكل وهو يبكي. فلما أحسن الظن بالله لم يضيعه الله.
فهذه أخبار ثابتة عنهم، ولما سخروا أنفسهم لله سخر الله لهم كل شيء، فالله لا يعجزه شيء، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
والمطلوب: أننا نحسن الظن بالله، ونعلم أننا إذا أعطينا سيعوضنا سبحانه، فأنت عندما تحسن إلى فلان وفلان من الناس، فإنهم سيردون معروفك، فكيف وأنت تتعامل مع رب العالمين؟ يقول تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]فمن يعطي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف غير رب العالمين؟
ومن كرمه على المذنبين والعصاة أن يبدل سيئاتهم إلى حسنات، فأي كرم وجود أعظم من هذا؟
يقول في الحديث القدسي: (أتقرب إليهم بالنعم، ويبتعدون عني بالمعاصي، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر غيري، خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد، ومع هذا أطعمهم وأسقيهم)؛ لأنه غفور حليم كري، فإذا أعطيت فثق تمام الثقة أن الله لن يضيعك.
سابعها: والجود دليل على كمال الإيمان وحكم الإسلام، قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177]، إلى أن قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]، فالمتقون من اتصفوا بهذه الصفات.
والجود والبذل والعطاء دليل على حسن الظن بالله، فالله يقول في الحديث القدسي: (أَنفق يا ابن آدم أُنفق عليك) ويقول سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39] .
فهذا أبو مسلم صحابي جليل أصابته فاقة، والعبد إذا بلغ مرتبة الولاية فليس بمستبعد أن الله يجري على يديه الكرامات، ففي بلاد اليمن أخذوا أبا مسلم ورموه في النار، فلما خمدت النار وجدوا أبا مسلم في النار قائم يصلي، فلما بلغ عمر الخبر، قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد كإبراهيم عليه السلام، أما قال الله تعالى للنار حين ألقي فيها إبراهيم: كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].
خرج أبو مسلم يوماً ثم رجع آتياً إلى أهله يطلب طعاماً، فقالت له امرأته: ما عندنا شيء، فبحثا داخل الدار فما وجدوا إلا ديناراً، فقالت له امرأته: اشترِ لنا بها طحيناً نخبز به خبيزاً، وأعطته وعاء، فخرج بالوعاء ذاهباً إلى السوق ليشتري طحيناً، فإذا بسائل فقير يسأل، وليس عنده إلا هذا الدينار، ولكنه أحسن الظن بالله وأعطاه الدينار لعل الله أن يعوضه خيراً ورجع إلى داره، فمر على مكان نجارة فملأ الوعاء بنشارة النجارة، ثم جاء إلى امرأته وأعطاها الوعاء، وذهب إلى مصلاه يصلي، وبعد فترات قصيرة جاءته امرأته بالخبز حاراً، فقال لها: من أين لنا الطحين؟ قالت: من الذي أتيت به، فجعل يأكل وهو يبكي. فلما أحسن الظن بالله لم يضيعه الله.
فهذه أخبار ثابتة عنهم، ولما سخروا أنفسهم لله سخر الله لهم كل شيء، فالله لا يعجزه شيء، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
والمطلوب: أننا نحسن الظن بالله، ونعلم أننا إذا أعطينا سيعوضنا سبحانه، فأنت عندما تحسن إلى فلان وفلان من الناس، فإنهم سيردون معروفك، فكيف وأنت تتعامل مع رب العالمين؟ يقول تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]فمن يعطي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف غير رب العالمين؟
ومن كرمه على المذنبين والعصاة أن يبدل سيئاتهم إلى حسنات، فأي كرم وجود أعظم من هذا؟
يقول في الحديث القدسي: (أتقرب إليهم بالنعم، ويبتعدون عني بالمعاصي، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر غيري، خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد، ومع هذا أطعمهم وأسقيهم)؛ لأنه غفور حليم كري، فإذا أعطيت فثق تمام الثقة أن الله لن يضيعك.
وقال: الجود سبب لحب الناس وقربهم من هذا الجواد الكريم، فمن الذي يحب البخيل الذي لا يعطي، وينفر ولا يبشر؟
قال أنس رضي الله عنه: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنماً ما بين الجبلين، فرجع الرجل إلى قومه فقال: أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
قال الشاعر:
وكيف تخاف الفقر والله رازقٌ فقد رزق الطير والحوت في البحرِ
عليك بتقوى الله إن كنت جاهلاً يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري
والجود سبب لرفعة مكانة الجواد في الآخرة وحب الله له.
فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (من تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وهذا من شدة إخلاصه.
والجود سبب لقلة الأعداء والحساد، وسبب لحسن ثناء الناس، وما أكثر ما يقولون: جزى الله فلاناً خيراً بسبب جوده وفضله وعطائه، وإذا زكى الناس إنساناً فهو على خير عظيم.
وليس لنا من الناس إلا الظاهر، ومن الجهل أن يقال: المنفقون سادة الدنيا والأتقياء سادة الآخرة، فإنهم لن يكونوا متقين حتى ينفقوا كما قال الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] فقد كان من صفات الأبرار الجود والإنفاق، يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، فانظر كيف كان كل واحد يغار على جاره ويهتم بأمر جاره، يقول عمر : أهدي إلى رجل من أصحاب محمد رأس شاة، فقال: جاري أحوج مني فأهداها إليه، فلا زالوا يتناقلونها من بيت إلى بيت حتى رجعت إلى الأول.
فأي قوم هؤلاء؟! وأي جار هذا الذي ينام قرير العين وجاره لا يجد ما يلبس أو لا يجد ما يأكل ويشرب؟! قال الله عنهم: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، كانت هذه أخلاقهم وتلك صفاتهم فلا عجب أن يقول الله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ المائدة:119]، فتأمل الفرق بيننا وبينهم.
كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بمال له أنفقه قربة إلى الله، مستحضراً قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وكثير من الناس اليوم إذا بليت ثيابه وتقطعت نعاله يعطيها الفقراء والمحتاجين تخلصاً منها، لا بذلاً ولا عطاء، فهذا هو الفرق بيننا وبينهم، فهم يعطون أجود أموالهم وأحسن ثيابهم، ونحن نعطي أدنى ما نملك تخلصاً منها.
فحتى تكون جواداً منفقاً استشعر الأثر والأجر العظيم.
استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انها النار | 3543 استماع |
بر الوالدين | 3427 استماع |
أحوال العابدات | 3412 استماع |
يأجوج ومأجوج | 3349 استماع |
البداية والنهاية | 3336 استماع |
وقت وأخ وخمر وأخت | 3271 استماع |
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب | 3255 استماع |
أين دارك غداً | 3205 استماع |
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان | 3099 استماع |
أين أنتن من هؤلاء؟ | 3097 استماع |