تفسير سورة النحل (14)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:71-74].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] من هو الله يرحمكم الله؟ إنه خالقنا، رازقنا، محيينا، مميتنا، المالك لكل شيء والقادر على كل شيء، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، ومن أسمائه: الله، أي: الإله الحق المعبود الذي لا يعبد سواه.

ماذا يقول تعالى؟

يخبر فيقول: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] وهذه حقيقة لا ينكرها غير المجانين فقد فضّل بعضنا على بعض في الرزق، هذا يملك خيمة وهذا يملك عمارة، هذا في جيبه ريال وهذا في جيبه ألف، هذا له بيت وهذا يسكن تحت شجرة، فضّل بعضنا على بعض في الرزق حسب سنته في ذلك وتدبيره؛ إذ أنه العليم الحكيم.

يغني ويفقر لحكمة، يعز ويذل لحكمة، والله لا يخرج شيء عن حكمة، ما أفقر فلانًا ولا أغنى فلانًا إلا لعلم وحكمة، خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] هذا المظهر من ينكره؟ أتستطيع الآلهة الباطلة المزعومة أن تفعل شيئاً من هذا؟ لا، من أغنى وأفقر سواه؟ كيف نجحده وننكره ولا نؤمن به؟

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] أي: فيما ترزقونه من طعام وشراب ولباس ومركب ومسكن.

معنى قوله تعالى: (فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء)

قال تعالى: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [النحل:71]، كان القرآن ينزل والناس يملكون الخدم، فهل العبيد والخدم عندك تعطيهم مالك وتشاركهم فيه؟ والآن الخدم عمال عندك في مصنعك، في بيتك، في بستانك.. فهل تقتسم معهم مالك؟ هل يمكن هذا؟ مستحيل، هل هناك من يوافق على هذا؟ عامل عندك تعطيه نصف ما عندك من المال؟ الجواب: لا.

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [النحل:71] الجواب: لا والله ما يردونه، ولا يصبح المالك كالخادم سوياً في الملك.

معنى قوله تعالى: (أفبنعمة الله يجحدون)

إذاً: يقول تعالى: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71] هذه نعمة أم لا؟ كيف يجحدونها؟ ويلتفتون إلى غير الله فيعبدون الأوثان والأصنام والأهواء والشهوات؟ هل جهلوا ربهم؟ والجواب: نعم، جهلوا، كم عدد المسلمين على الأرض اليوم؟ ما هي نسبتهم إلى عالم الكفر؟ نسبة ضئيلة، والبشرية من اليابان إلى الأمريكان كلهم يكفرون بالله ولا يعرفونه، ولا يسألون عنه ولا يؤمنون به، وهم يتقلبون في النعم ليلاً ونهاراً، أليس كذلك؟ ما لهم؟ لو كانوا عقلاء -وقد بلغهم من طريق آخر أو من طريق إخوانهم أن لنا رباً خالقاً رازقاً مدبراً حكيماً، أنزل كتاباً من عنده وبعث رسولاً، وهو يحوي الشرائع والقوانين المسعدة المفضلة للإنسان المكرمة له- سيسألون ويطلبون، ولكنهم عمي لا يرون، وصم لا يسمعون، وبكم لا ينطقون، سببهم الكفر.

هذه الآيات هي التي ألقت بنور الإيمان في قلوب العرب، فآمنوا في ظرف خمس وعشرين سنة وسادوا وعزوا وكملوا؛ لأنهم فهموا هذا القرآن وكان يتلى عليهم ويقرءونه.

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] من فضّل بعضنا على بعض؟ الله وحده، ما استطاعت الحكومة أن تفعل هذا ولا تقدر عليه أبداً، الله وحده.

فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي [النحل:71] شيء من رزقهم على من يملكون من العبيد، حتى يجعلونهم سواء معهم.

ذكر المثل المضروب للمشركين في سورة الروم

ومن سورة الروم يقول تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28]؟ الجواب: لا والله ما كان، هذا مثل عجيب، فكيف -إذاً- تجعلون لله آلهة يشاركونه في العبادة؟ أنتم ما ترضون أن يشارككم أحد في أموالكم، وترضون لله أن يشاركه ألف صنم يعبدون كما يُعبد؟! أين العقول؟

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] ما هو؟ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28]؟ الجواب: لا، لماذا إذاً -والله هو الخالق الرازق المدبر الحكيم- بدل أن يُعبد وحده تعبدون معه آلهة متعددة، تجعلونها شركاء له؟! هذا لا يصح عقلاً.

هذا معنى قوله جل وعلا: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71] يا للعجب! يا للمنكر! يا للباطل! يجحدون نعمة الله عز وجل عليهم وهو خالقهم ورازقهم، بدل أن يحبوه وحده ويعظموه ويجلوه ويعبدوه يلتفتون إلى المخلوقات يعطونها قلوبهم ووجوههم، ينادونها ويستغيثون بها، ويذبحون لها، ويتقربون إليها.. أليس هذا أمرًا عجبًا؟! كيف يجحدون نعمة الله التي هي خلقهم ورزقهم، وخَلْق كل شيء من أجلهم؟

قال تعالى: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [النحل:71]، كان القرآن ينزل والناس يملكون الخدم، فهل العبيد والخدم عندك تعطيهم مالك وتشاركهم فيه؟ والآن الخدم عمال عندك في مصنعك، في بيتك، في بستانك.. فهل تقتسم معهم مالك؟ هل يمكن هذا؟ مستحيل، هل هناك من يوافق على هذا؟ عامل عندك تعطيه نصف ما عندك من المال؟ الجواب: لا.

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [النحل:71] الجواب: لا والله ما يردونه، ولا يصبح المالك كالخادم سوياً في الملك.

إذاً: يقول تعالى: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71] هذه نعمة أم لا؟ كيف يجحدونها؟ ويلتفتون إلى غير الله فيعبدون الأوثان والأصنام والأهواء والشهوات؟ هل جهلوا ربهم؟ والجواب: نعم، جهلوا، كم عدد المسلمين على الأرض اليوم؟ ما هي نسبتهم إلى عالم الكفر؟ نسبة ضئيلة، والبشرية من اليابان إلى الأمريكان كلهم يكفرون بالله ولا يعرفونه، ولا يسألون عنه ولا يؤمنون به، وهم يتقلبون في النعم ليلاً ونهاراً، أليس كذلك؟ ما لهم؟ لو كانوا عقلاء -وقد بلغهم من طريق آخر أو من طريق إخوانهم أن لنا رباً خالقاً رازقاً مدبراً حكيماً، أنزل كتاباً من عنده وبعث رسولاً، وهو يحوي الشرائع والقوانين المسعدة المفضلة للإنسان المكرمة له- سيسألون ويطلبون، ولكنهم عمي لا يرون، وصم لا يسمعون، وبكم لا ينطقون، سببهم الكفر.

هذه الآيات هي التي ألقت بنور الإيمان في قلوب العرب، فآمنوا في ظرف خمس وعشرين سنة وسادوا وعزوا وكملوا؛ لأنهم فهموا هذا القرآن وكان يتلى عليهم ويقرءونه.

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] من فضّل بعضنا على بعض؟ الله وحده، ما استطاعت الحكومة أن تفعل هذا ولا تقدر عليه أبداً، الله وحده.

فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي [النحل:71] شيء من رزقهم على من يملكون من العبيد، حتى يجعلونهم سواء معهم.

ومن سورة الروم يقول تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28]؟ الجواب: لا والله ما كان، هذا مثل عجيب، فكيف -إذاً- تجعلون لله آلهة يشاركونه في العبادة؟ أنتم ما ترضون أن يشارككم أحد في أموالكم، وترضون لله أن يشاركه ألف صنم يعبدون كما يُعبد؟! أين العقول؟

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] ما هو؟ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28]؟ الجواب: لا، لماذا إذاً -والله هو الخالق الرازق المدبر الحكيم- بدل أن يُعبد وحده تعبدون معه آلهة متعددة، تجعلونها شركاء له؟! هذا لا يصح عقلاً.

هذا معنى قوله جل وعلا: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71] يا للعجب! يا للمنكر! يا للباطل! يجحدون نعمة الله عز وجل عليهم وهو خالقهم ورازقهم، بدل أن يحبوه وحده ويعظموه ويجلوه ويعبدوه يلتفتون إلى المخلوقات يعطونها قلوبهم ووجوههم، ينادونها ويستغيثون بها، ويذبحون لها، ويتقربون إليها.. أليس هذا أمرًا عجبًا؟! كيف يجحدون نعمة الله التي هي خلقهم ورزقهم، وخَلْق كل شيء من أجلهم؟

ثم قال تعالى: وَاللَّهُ [النحل:72] أيضاً جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72]، من فعل بكم هذا؟ سيدي عبد القادر أو عيسى؟

ليس إلا الله، وَاللَّهُ [النحل:72] جل جلاله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72]، والغافلون ما يشعرون بهذه النعمة أبداً، خلق لك من نفسك زوجك، لو زوجك حيواناً أو خلق لك جنية وزوجك فكيف ستعيش معها؟ لو خلق لك زوجة رأسها بين رجليها وأذناها في قفاها كيف ستسعد معها؟

هم ما يشعرون بهذه النعمة أبداً، من خلق لك هذه الزوجة: أمك أو أبوك؟ الله الذي خلقها لك، من نفسك، آدمية مثلك، خلق الله حواء من آدم ثم تناسلا وأصبحت الدنيا ملئًا بأولاد آدم رجالاً ونساء، هل يفعل هذا عبد القادر أو عيسى بن مريم، أو سيدي فلان أو فلان فضلاً عن اللات والعزى وسائر الأصنام والأحجار؟ من يفعل هذا سوى الله؟ لم لا يقبل عليه؟ لم لا يُعبد؟ لم لا يطاع؟ لم لا يسأل عنه في الشرق والغرب حتى يحب ويعظم ويبجل؟ لم هذه الغفلة؟

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] والأزواج: جمع زوج، والزوج ما به يثنى الشيء، يصبح اثنين، أنت زوج والمرأة زوج أيضاً؛ إذ بك تصير هي زوجًا وبها تصير أنت زوجًا أيضاً، فلهذا ليس في كلمة (زوج) تاء إلا نادراً عند الغفلة أو عدم البصيرة.

معنى قوله تعالى: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)

وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ [النحل:72] أولادًا، فلو لم يشأ الله أن يرزقنا الأولاد -والبنات والبنين- فهل نستطيع أن نوجد نحن شيئاً؟ كم من إنسان عقيم زوجته عاقر، ربما كان له مائة سنة وما وجد ولدًا، أليس كذلك؟ إذاً: من أنعم علينا بنعمة البنين والبنات؟ الله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ [النحل:72]، لم لم يقل: أولادًا؟ قال: بنين، والمعلوم أنه جعل البنات أيضاً، ما السر في هذا؟

العرب أعزاء أصحاب شمم لا يرضون أن تذكر البنات معهم ولا النساء، فلهذا يتحاشى الله أن يذكر النساء إلا من ضرورة، قال: بنين، والبنات أيضاً، لكن البنات هم يدفنونهن أحياء في التراب، فما هن بنعمة عندهم إذاً، فلهذا ذكر البنين فقط، لأنهم يحبون البنين ويفرحون بهم، فمن وهبكم البنين من أزواجكم؟ أليس الله؟ هل من قائل يقول: اللات أو العزى أو مناة أو هبل؟ لا أبداً.

وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] والحفدة: جمع حافد، كخدمة وخادم، خدمة من الأصهار، من البنات، من الخدم.. وهكذا كل من يخدمك من أصهارك أزواج بناتك، من خدمك الذين يخدمونك، من أولادك، من أولادهم.. هؤلاء كلهم يخدمونك، جعل لكم منهم خدمًا يخدمونكم.

وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] والزوجة أما تخدم زوجها؟ لو لم تخدمه لما استطاع أن يعيش، من جعلها تخدم الزوج، تطبخ له الطبخ وتعد له الطعام والشراب وتغير الفراش؟ أليس الله هو الذي سخرها؟ لو كانت الزوجة كالحية لا تلتفت إلى الزوج أبداً، صماء لا تسمع؛ فماذا تصنع أنت؟ أتخلق فيها طبيعة جديدة وتجعلها تعطف عليك؟ ما تستطيع، هذا فضل الله.

وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72] أيضاً، فهذه الطيبات من الطعام والشراب كلها من رزقنا إياها؟

أنحن أوجدناها؟ ليس إلا الله عز وجل هو الذي رزقنا بهذه الطيبات.

معنى قوله تعالى: (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون)

ثم قال لنا: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72] هذا الرب الخلاق العليم الحكيم الواهب النعم ينكرونه، يتجاهلونه ويعبدون الأصنام والأحجار والرجال والنساء: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ [النحل:72] يا للعجب! وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72] ويجحدون كأن الله ما أعطاهم ولا رزقهم، مع أن كل شيء بين أيديهم الله خالقه وواهبه، من قطرات المطر النازلة من السماء إلى النباتات التي تنبت في الأرض.. كل هذا بفعل الله عز وجل.

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] قولوا: الحمد لله .. الحمد لله.. الحمد لله وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] الحمد لله.. الحمد لله وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72] الحمد لله.. الحمد لله أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ [النحل:72] يا للأسف هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72] والعياذ بالله تعالى، من هؤلاء؟ إنهم الكافرون المشركون، عبدة الأصنام، عبدة الصليب، البلاشفة الحمر، اليابان.. كل كافر على الأرض، استثن فقط الجماعة المؤمنة، وأما البقية فكلهم مشركون كافرون، عميان ضلال ما يعرفون شيئاً، مع أنهم يعرفون الدنيا بما فيها، يعرفون كيف يأكلون ويشربون وينكحون، ولكن هل يسألون عن الله؟ لا أبداً، هل يسألون عمن خلقهم؟ لا يسألون، والسر في ذلك هو أن الشيطان أعماهم وأصمهم حتى يبقوا مسخرين عبيداً له، يعبدونه ويوالونه؛ لأنه إذا آمن الواحد بالله فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تهيأ لأن يغتسل بالماء البارد في الليلة الباردة، تهيأ لأن يخرج نقوده من جيبه، تهيأ لأن يموت في سبيل ربه، تهيأ لأن يذكر الله طول الليل والنهار ويشكره، فهم يخافون من أن يندمجوا في أنوار العبادة فتتعطل الشهوات والأهواء والأطماع الدنيوية فيكفرون، فيقولون: الأسهل ألا نؤمن، فلا إله! لعنة الله عليهم.

أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72] الآن يقدسون هذه الآلات تقديساً عجباً، هذه الآلات المعاصرة من التلفاز إلى الفيديو، ونسوا من خلق الذي صنع هذه، فمن قاده وساقه إلى صنعها؟ أليس الله؟ لم لا يقولون: ربنا الله، ولا إله إلا الله؟ لأن هؤلاء بنعمة الله يكفرون، وبالباطل يؤمنون.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4608 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4014 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3695 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3616 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3549 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3509 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3466 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3367 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3235 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3167 استماع