فقه إنكار المنكر


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فكان صلى الله عليه وسلم أفضل الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والصابرين على ما أصابهم، فجزاه الله عنا، وعن سائر أمته بل عن البشرية كلها أفضل الجزاء.

أما بعــد..

رقم الدرس: هو الخامس والعشرون، وينعقد في ليلة الاثنين الحادي عشر من ربيع الثاني لعام 1411هـ وهو بعنوان: (فقه إنكار المنكر).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص هذه الأمة

إخوتى الكرام: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الخصائص والميزات التي أختص الله تعالى بها هذه الأمة من بين سائر الأمم الكافرة الضالة عن سواء السبيل، يقول الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

إذاً سبب وسر خيريتكم هو أنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وسبب فشل وضلال غيركم، أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ويقول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] فهذه صفة المجتمع المسلم أيها الأحبة.

أما المجتمعات الكافرة اليوم فنحن نراها وقد أصبحت في الوقت الذي تتغنى بما يسمى حرية الفرد، فإنها أصبحت تحارب جميع صور الفضيلة التي يريد الفرد أن يمارسها، في بلاد الغرب -فمثلاً- الحرية متاحة لأهل العري والعهر والفساد والرذيلة، لا أقول: متاحة بل مفروضة، ولكن حين تفكر فتاة مسلمة بأن تلبس الحجاب على رأسها ورقبتها ونحرها وهي ذاهبة إلى المدرسة تقوم الدنيا حينئذٍ، ولا تقعد.

كما حصل في فرنسا، منذ زمن ليس بالبعيد منذ نحو سنة، حين ذهبت ثلاث فتيات من المغرب إلى مدرستهن في فرنسا وقد لبسن الحجاب على الرأس فرفض مدير المدرسة إدخالهن حتى يخلعن الحجاب، وتطورت القضية حتى دُرست أعلى المستويات الرسمية وتدخلت فيها دول خارجية للوساطة عند والد هؤلاء الفتيات، لتغيير قناعتهن بالحجاب.

سبحان الله! ما الذي جرى؟! هل دخلت جيوش إسلامية تلك البلاد الكافرة، حتى يحصل هذا الهلع والفزع والرعب، كلا، إنما هن ثلاث من "الجنس اللطيف"! أردن ممارسة حريتهن في ممارسة الالتزام بالحجاب الشرعي، فهذه دعاوى العلمانية البراقة ودعاوى الحرية! إنما هي مجرد لافتات يضحكون بها على الناس.

وأما إذا كان الإسلام، هو الخصم فإنهم يظهرون ضراوتهم وعداوتهم جلية بدون مواربة، ولما حصلت هذه الحادثة بدأت الصحف الفرنسية كلها تكتب عن هذا الموضوع، وعندي قصاصات منها كثيرة، تكتب عن هذه القضية، هذه الظاهرة، خطورة الإسلام على فرنسا، تاريخ الحجاب، كيفية نـزع الحجاب في مصر، ودخلت فيها قضية الخميني والثورة الإيرانية وإلى غير ذلك، وحاولت أن تهول قضية كون ثلاث بنات أردن أن يدخلن المدرسة بحجاب على الرأس.

فالذي عندهم هو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف بل محاربة المعروف علناً، وقد رأيت في بعض البلاد التي هاجر إليها كثير من المسلمين هناك وأقاموا فيها وتزوجوا من أهلها أنك والعياذ بالله تجد أن المسلم الذي زوجته نصرانية من أهل تلك البلاد.

البنت التي ولدت له من هذه المرأة تمارس حريتها الكاملة على رغم أنف والدها، فتخرج متى شاءت وتدخل متى شاءت، وتأتي بعشيقها لتجلس معه في بيتها، في غرفة خاصة، والويل للأب إن أراد أن يتدخل فإنه ليس على البنت إلا أن تدير قرص الهاتف لتنادي الشرطة، فيأتوا ويأخذوا الأب إلى المخفر، ويجروا معه تحقيقاً طويلاً، لماذا تتدخل في حرية هذه البنت؟! يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.

ففي الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو بديل عما يسمونه هناك بالحرية الفردية؛ لأن الحرية الفردية في بلاد الغرب إنما هي قشر خادع -كما بينت لكم-.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من تكافل الأمة

ومن جهة أخرى، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام هو: جزء من التكافل الذي جعله الله تبارك وتعالى بين المؤمنين، -مثلاً- أنت لو وجدت رجلاً يشتري بضاعة فاسدة كان واجباً عليك أن تنبهه أن هذه البضاعة فاسدة أو غالية أو غير مناسبة له، من باب الدين النصيحة، ولو وجدت رجلاً يعرق كان واجباً عليك أن تنقذه بقدر ما تستطيع، حتى لو ترتب على ذلك أن تؤجل عبادة مفروضة قد شرعت فيها، كأن تكون شرعت في صيام تحتاج إلى الفطر لإنقاذه تفطر، شرعت في صلاة يمكن أن تنبهه وأنت تصلي، أو تقطع الصلاة لتنبيهه، لأن المحافظة على الإنسان في الإسلام قضية مهمة جداً، لكن الإنسان في الإسلام ليس فقط شهوة، إنما هو جسد وروح، فكما أننا مطالبون بالمحافظة -مثلاً- على أموال الآخرين، وعلى أرواحهم، كذلك، نحن مطالبون بالمحافظة على أخلاقهم وعلى أديانهم.

فالإسلام ضمن الحقوق الكلية للإنسان، فلا يجوز أن يجلس مسلم جائع ونحن نأكل ملئ بطوننا، ولو حصل هذا لكان واجباً عليه أن يأخذ منا بالقوة إذا لم نتبرع، يأخذ ما يسد رمقه، ونكون نحن آثمون، وكذلك الحال في أي حاجة من الحاجات الضرورية التي يحتاجها الفرد المسلم، مثله سواء بسواء، قضية المحافظة على الأخلاق والمحافظة على عقيدته، والمحافظة على دينه هي -أيضاً- جزء كذلك من هذا الواجب، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق هذا الأمر أنك إذا وجدت على أخيك المسلم نقصاً في دينه أو عقيدته أو خلقه تقوم بتكميل هذا النقص.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمان للبيئة من التلوث

من جهة ثالثة فهو ضمانة للبيئة من التلوث، أحياناً قد ينتشر في البيئة جرثومة معينة تنتشر في الهواء مثلما وصل إلى أسماع الناس اليوم من قضية ما يسمى اليوم بالحرب الكيماوية، أو الأسلحة الكيماوية -مثلاً- بمجرد ما يستنشق الإنسان هذه الكيماويات أو الجراثيم أو نحوها يموت، أو يتعرض للإصابة بأمراض فتاكة.

ومثلها تماماً جراثيم الأخلاق والأفكار تنتشر في الهواء مثلما تنتشر الجراثيم القاتلة للجسم -فمثلاً- إتاحة الفرصة لأهل الرذيلة أن يمارسوا رذيلتهم والفساد من خلال الصور، ومن خلال الأغنية، ومن خلال المجلة، ومن خلال بيت الدعارة -مثلاً- هذا يلوث البيئة العامة، ويجعل الإنسان الذي يريد الصلاح -أحياناً- قد لا يستطيع أن يكون كما يحب؛ لأن العقبات أمامه كثيرة فقد تلوثت البيئة العامة.

وكذلك نشر الشبهات التي تشكك الناس في دينهم من خلال الكتاب والمجلة والجريدة والشريط والمحاضرة والقصيدة والأمسية هي الأخرى -أيضاً- تلوث البيئة العامة، بحيث تجد أن الإنسان يبدأ يسمع شبهة هنا وشبهة هنا، وشبهة هنا، وليس صحيحاً أبداً أن الناس كلهم محصنون ضد الشهوات والشبهات، سبحان الله! الإنسان خلق كما قال الله عز وجل: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28] حتى الإنسان التقي النقي الطاهر العَلَم قد يسمع شبهة، فتظل تدور في عقله أياماً، حتى يطردها بإذن الله عز وجل، وقد يرى بعينه شهوة -امرأة حسناء- أو حتى صورة في مجلة تقع عينه عليها عن عمد- أو عن غير عمد فيجلس قلبه أياماً مريضاً لهذه النظرة.

فليس صحيحاً أن يقال: اسمح للفساد، وأن الناس عندهم حصانة ضد الفساد، من أين أتتهم هذه الحصانة، ونحن نعلم أن الإنسان نفسه أمارة بالسوء، وجُبِلَ على الشهوات، فضلاً عن تسليط الشيطان على ابن آدم؟!

ولذلك فإن إظهار المنكرات سواء كانت منكرات أخلاقية أم فكرية في المجتمع، سبب في تعرض المجتمع كله لهزات لا يعلم مداها إلا الله، ولهذا كان يقال: المنكر إذا خفي لم يضر إلا صاحبه، أما إذا أعلن فإنه يضر الخاصة والعامة، بمعنى أننا نسأل: هذا فلان من الناس الذي عنده منكر، تجد أنه إذا أراد أن يمارس المنكر يخرج إلى باب الشارع فيقفله بالمفتاح ثم يدخل إلى الباب الآخر فيقفله، وهكذا باب بعد باب بعد باب، ثم ينظر في النوافذ من هنا ومن هنا، ثم يجلس على منكره، هذا العمل يدل على ماذا؟

يدل على أن صاحب المنكر هذا يحس بأنه في وسط بيئة صالحة، وأنه يقوم بعمل ضد المجتمع، تماماً مثل ذلك الإنسان الذي يقوم بعمل تخريبي ضد مجتمع.

لو أن إنساناً -مثلاً- أراد أن يقوم بعمل تخريبي يخل بأمن المجتمع، هل كان يقوم بهذا العمل على قارعة الطريق؟ كلا، كان سيقوم به في سراديب مظلمة، فهو من الذين يعملون في الظلام؛ لأنه يدرك أن المنكر الذي يقوم به هو في الواقع عمل ضد أمن المجتمع، وأنه عمل تخريبي ضد أمن المجتمع، فيتستر به.

لكن ما بالك إذا كان الذي يعمل المنكر يعمله في الهواء الطلق، في الشارع، في المدرسة، في الحديقة، بل -أحياناً- على مرأى ومسمع من ملايين الناس الذين يتابعونه عبر جهاز معين، دعاه إلى هذا أنه يحس أنه يقوم بعمل عادي، وأن المجتمع يوافقه على هذا العمل الذي يريد أن يقوم به، لا ينكر عليه ولا يعارضه، فتجرأ على مواجهة الناس بهذا الأمر.

إذاً، إذا أعلنت المنكرات معنى ذلك أن المجتمع يعاني من قضية خطيرة جداً، في أصل وجود هذا المجتمع، وأصل القناعات الموجودة، بيئة المجتمعات العامة تلوثت بجرثومة الفساد، وكم هو مؤسف ومحزن ويجرح القلب، أن تتصور هؤلاء الأطفال من بنين وبنات في أعمار الزهور -عشر سنوات، اثنتا عشرة سنة، أربع عشرة سنة- إنهم يولدون في بيئة خاصة أو عامة فيستنشقون جراثيم الفساد، في كثير من البلدان تجد الصبي الصغير يتلقن ذلك ويتربى عليه.

كما قال نوح عليه السلام: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].

من يوم أن يولد الصبي الصغير وهو يرضع الرذيلة مع لبن الأم ويستنشق الفساد في الهواء، فتأتي إليه وهو ابن سبع أو ثمان سنين، فإذا سألته عن ثقافته وجدت ثقافته عبارة عن أغانٍ ومعلومات تافهه، وأمور رخيصة، إذا سألته عن دينه تجد أنه لا يستطيع أن يقرأ لك آية من القرآن الكريم.

أقول: هذا في كثير من البلاد الإسلامية، تجد أنه قد لا يستطيع أن يقرأ لك آية من القرآن الكريم ولا يقيم سورة، وتجد أن تصوراته تصورات منحرفة، فلو رأى في الشارع -مثلاً- امرأة محجبة لأصبح يركض إلى والده يحتمي به؛ لأنه يحس أنه رأى شيئاً موحشاً مخيفاً لأن بصره لم يعتد على رؤية الحجاب، فأصبح ينفر ويخاف منه تماماً، كما يفعل الطفل في بلاد الغرب إذا رأى مثل هذا المظهر الغريب، فإنه ينفر منه ويشمئز؛ لأنه أمر غير مألوف ولا معهود.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمانة لعدم نزول العقوبات

النقطة الرابعة: فضلاً عن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمانة دون نـزول العقوبات الإلهية التي تصيب المجتمعات في العاجل أو الآجل، وقد قص الله علينا قصص بني إسرائيل حين نهاهم أن يعتدوا في السبت: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون * َفَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:164-166] إذاً أنجينا الذين ينهون عن السوء، فإذا حق العذاب على أمة من الأمم فإن الله تعالى لا ينجي إلا الذين ينهون عن السوء.

فإذا كانت هناك أمة من الأمم لا يوجد فيها الذين ينهون عن السوء، لا ينجو منها أحد، ولذلك قال الله عز وجل: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هود:116].

فإذا وجد في الأمة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر نجا إذا نـزل العذاب، فإن حقق -فعلاً- المعروف وأزال المنكر نجا ونجت الأمة، فإذا فُقِد هذا الصنف حق العذاب على الأمة بأكملها ولم ينج منها أحد.

ولذلك روى البخاري ومسلم في صحيحهيما أن النبي صلى الله عليه وسلم نام ثم استيقظ فزعاً، وهو يقول: {لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد أقترب، لقد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وأشار بإصبعيه السبابة والإبهام، فقالت له زينب بنت جحش -راوية الحديث- رضي الله عنها: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث}.

والغريب أن هذا المعنى الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم نقل عن جماعة كبيرة من الصحابة مما يدل على عناية الرسول صلى الله عليه وسلم واهتمامه به، فنقل عن أم سلمة وأم حبيبة وعائشة وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، كلهم نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، أنكم تهلكون إذا كثر فيكم الخبث وإن وجد فيكم صالحون قليل.

هذا جزء من العذاب الذي توعد الله تبارك وتعالى به الأمة، حين تتخلى عن مهمتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك قال الإمام مالك في موطئه باب: ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة، ثم نقل عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وأرضاه، أنه قال: [[كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة]] يعني: إذا وجدت فئة خاصة من المترفين والأغنياء والكبار الذين يصرون على المنكرات سراً فإن الله عز وجل لا يعذب المجتمع كله بعملهم، لكن هكذا يقول عمر بن عبد العزيز: [[لكن إذا عملوا المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم]].

إذاً: يا إخوة، هناك قضية كثيراً ما تخفى على كثير من الناس، تأتي إلى إنسان وتقول له: سبحان الله! المجتمع فشت فيه المنكرات، وحصل كيت، وكيت، يقول لك: لا داعي للتشاؤم، المنكرات هذه موجودة منذ زمن قديم، وفي عهد الصحابة كذا وفي عهد بني أمية كذا، وفي عهد بني العباس كذا.

فأقول: ينبغي أن ننتبه إلى فرق جوهري في المنكرات، فرق بين منكر يُعْمل خفية في بيت أو مكان معزول، وبين منكر يُعمل على الملأ، فرق بين منكر شخصي ومنكر جماعي، فرق بين منكر مُحَارب وبين منكر مدعوم، فيجب أن لا نغتر بوجود أصول لبعض النكرات في أزمنة ماضية.

هذا مع أنه حتى لو كانت المنكرات موجودة منذ زمن قديم، فإن هذا لا يبرر ولا يسوغ السكوت عليها، وإلا لكان المعنى: أننا يوماً بعد يوم نـزداد من المنكرات نسكت عما مضى، وتأتينا منكرات جديدة، فيأتي الجيل الذي بعدنا فيسكت عن المنكرات التي حدثت في زماننا؛ لأنها موروثة وهكذا، وهذا معناه أن الأمة تصير في النهاية إلى التخلي عن الدين كله بهذه الطريقة.

أبو بكر يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب}. إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه.

الظلم أنواع: قد يكون الظلم بالمال نهب أموال الناس أو أخذ أموال الناس بالباطل، أو الغش أو الخديعة أو السرقة أو اللصوصية على أي مستوى كانت فهذا ظلم، لكن ليس هذا فقط هو الظلم، حتى الظالم لنفسه الذي يرتكب المعصية -مثلاً- هذا ظالم، ظالم لنفسه، وظالم لغيره -أيضاً- والظلم معنىً عام واسع يدخل فيه حتى الشرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فالناس إذا رأوا الظالم العاصي الفاسق، فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله تعالى بعقاب.

ومن أكثر الأحاديث هزاً لقلوب المؤمنين، وتخويفاً لهم، ما رواه حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده}.

إذاً يوشك ويقرب أن تصاب الأمة بالعذاب إذا لم تأمر بالمعروف ولم تنته عن المنكر، فصمام الأمان بالنسبة للأمة هو أن يكون فيها أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، وذلك أن المجتمع كله لحمة واحدة، تيار واحد مترابط، وأي انحراف أو منكر يقع في الأمة هو تماماً مثل أولئك القوم الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كما في الحديث المتفق عليه، عن النعمان بن بشير -استهموا على سفينة، ركبوا في البحر، فكان بعضهم في أعلى السفينة وبعضهم في أسفلها، فواحد من الذين في أسفل السفينة قال: أنا كلما احتجت الماء أصعد وأؤذي هؤلاء الذين فوقي عندما أغرف الماء، ليس لهذا داع، أخرق من أسفل السفينة خرقاً حتى يأتينا منه الماء ولا تؤذي من فوقنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً}.

أي: هو يقول: هذا شأني، وهذا أمر يخصني، وهذا نصيبي من السفينة، أصنع فيه ما أشاء، أخرقه أو أكسره، أصنع فيه ما أشاء، فإن قالوا: فعلاً هذه حريتك الشخصية، معناه أنهم أقروه على خرق سفينة المجتمع، لكن إذا أخذوا على يديه، وقالوا: لا هذه ليست حرية شخصية، السفينة ملك عام ويجب أن لا تقوم فيها بأي عمل يضر بنا جميعاً فإنهم يكونون سبباً في نجاته هو ونجاتهم هم أو نجاة المجتمع، فهكذا المجتمع هو عبارة عن:

سفينة في لج بحر ما له      من ساحل أبداً ولا ضحضاح

المجتمع هو السفينة، وأصحاب الفساد سواء أكان فساداً فكرياً أم خلقياً عاماً أم خاصاً، كبيراً أم صغيراً كلهم عبارة عن مجموعة معهم معاول ومسامير، كل واحد يخرق في طرف من السفينة، والناهون عن المنكر عبارة عن القوم العقلاء الصالحين الذين يبذلون جهودهم في منع كسر هذه السفينة، أو أخذ لوح منها؛ ونتيجة هلاك السفينة وغرقها، أو نجاتها؛ مبنية على نجاح أحد الطرفين فيما يريد وفيما يحاول.

إخوتى الكرام: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الخصائص والميزات التي أختص الله تعالى بها هذه الأمة من بين سائر الأمم الكافرة الضالة عن سواء السبيل، يقول الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

إذاً سبب وسر خيريتكم هو أنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وسبب فشل وضلال غيركم، أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ويقول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] فهذه صفة المجتمع المسلم أيها الأحبة.

أما المجتمعات الكافرة اليوم فنحن نراها وقد أصبحت في الوقت الذي تتغنى بما يسمى حرية الفرد، فإنها أصبحت تحارب جميع صور الفضيلة التي يريد الفرد أن يمارسها، في بلاد الغرب -فمثلاً- الحرية متاحة لأهل العري والعهر والفساد والرذيلة، لا أقول: متاحة بل مفروضة، ولكن حين تفكر فتاة مسلمة بأن تلبس الحجاب على رأسها ورقبتها ونحرها وهي ذاهبة إلى المدرسة تقوم الدنيا حينئذٍ، ولا تقعد.

كما حصل في فرنسا، منذ زمن ليس بالبعيد منذ نحو سنة، حين ذهبت ثلاث فتيات من المغرب إلى مدرستهن في فرنسا وقد لبسن الحجاب على الرأس فرفض مدير المدرسة إدخالهن حتى يخلعن الحجاب، وتطورت القضية حتى دُرست أعلى المستويات الرسمية وتدخلت فيها دول خارجية للوساطة عند والد هؤلاء الفتيات، لتغيير قناعتهن بالحجاب.

سبحان الله! ما الذي جرى؟! هل دخلت جيوش إسلامية تلك البلاد الكافرة، حتى يحصل هذا الهلع والفزع والرعب، كلا، إنما هن ثلاث من "الجنس اللطيف"! أردن ممارسة حريتهن في ممارسة الالتزام بالحجاب الشرعي، فهذه دعاوى العلمانية البراقة ودعاوى الحرية! إنما هي مجرد لافتات يضحكون بها على الناس.

وأما إذا كان الإسلام، هو الخصم فإنهم يظهرون ضراوتهم وعداوتهم جلية بدون مواربة، ولما حصلت هذه الحادثة بدأت الصحف الفرنسية كلها تكتب عن هذا الموضوع، وعندي قصاصات منها كثيرة، تكتب عن هذه القضية، هذه الظاهرة، خطورة الإسلام على فرنسا، تاريخ الحجاب، كيفية نـزع الحجاب في مصر، ودخلت فيها قضية الخميني والثورة الإيرانية وإلى غير ذلك، وحاولت أن تهول قضية كون ثلاث بنات أردن أن يدخلن المدرسة بحجاب على الرأس.

فالذي عندهم هو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف بل محاربة المعروف علناً، وقد رأيت في بعض البلاد التي هاجر إليها كثير من المسلمين هناك وأقاموا فيها وتزوجوا من أهلها أنك والعياذ بالله تجد أن المسلم الذي زوجته نصرانية من أهل تلك البلاد.

البنت التي ولدت له من هذه المرأة تمارس حريتها الكاملة على رغم أنف والدها، فتخرج متى شاءت وتدخل متى شاءت، وتأتي بعشيقها لتجلس معه في بيتها، في غرفة خاصة، والويل للأب إن أراد أن يتدخل فإنه ليس على البنت إلا أن تدير قرص الهاتف لتنادي الشرطة، فيأتوا ويأخذوا الأب إلى المخفر، ويجروا معه تحقيقاً طويلاً، لماذا تتدخل في حرية هذه البنت؟! يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.

ففي الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو بديل عما يسمونه هناك بالحرية الفردية؛ لأن الحرية الفردية في بلاد الغرب إنما هي قشر خادع -كما بينت لكم-.

ومن جهة أخرى، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام هو: جزء من التكافل الذي جعله الله تبارك وتعالى بين المؤمنين، -مثلاً- أنت لو وجدت رجلاً يشتري بضاعة فاسدة كان واجباً عليك أن تنبهه أن هذه البضاعة فاسدة أو غالية أو غير مناسبة له، من باب الدين النصيحة، ولو وجدت رجلاً يعرق كان واجباً عليك أن تنقذه بقدر ما تستطيع، حتى لو ترتب على ذلك أن تؤجل عبادة مفروضة قد شرعت فيها، كأن تكون شرعت في صيام تحتاج إلى الفطر لإنقاذه تفطر، شرعت في صلاة يمكن أن تنبهه وأنت تصلي، أو تقطع الصلاة لتنبيهه، لأن المحافظة على الإنسان في الإسلام قضية مهمة جداً، لكن الإنسان في الإسلام ليس فقط شهوة، إنما هو جسد وروح، فكما أننا مطالبون بالمحافظة -مثلاً- على أموال الآخرين، وعلى أرواحهم، كذلك، نحن مطالبون بالمحافظة على أخلاقهم وعلى أديانهم.

فالإسلام ضمن الحقوق الكلية للإنسان، فلا يجوز أن يجلس مسلم جائع ونحن نأكل ملئ بطوننا، ولو حصل هذا لكان واجباً عليه أن يأخذ منا بالقوة إذا لم نتبرع، يأخذ ما يسد رمقه، ونكون نحن آثمون، وكذلك الحال في أي حاجة من الحاجات الضرورية التي يحتاجها الفرد المسلم، مثله سواء بسواء، قضية المحافظة على الأخلاق والمحافظة على عقيدته، والمحافظة على دينه هي -أيضاً- جزء كذلك من هذا الواجب، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق هذا الأمر أنك إذا وجدت على أخيك المسلم نقصاً في دينه أو عقيدته أو خلقه تقوم بتكميل هذا النقص.

من جهة ثالثة فهو ضمانة للبيئة من التلوث، أحياناً قد ينتشر في البيئة جرثومة معينة تنتشر في الهواء مثلما وصل إلى أسماع الناس اليوم من قضية ما يسمى اليوم بالحرب الكيماوية، أو الأسلحة الكيماوية -مثلاً- بمجرد ما يستنشق الإنسان هذه الكيماويات أو الجراثيم أو نحوها يموت، أو يتعرض للإصابة بأمراض فتاكة.

ومثلها تماماً جراثيم الأخلاق والأفكار تنتشر في الهواء مثلما تنتشر الجراثيم القاتلة للجسم -فمثلاً- إتاحة الفرصة لأهل الرذيلة أن يمارسوا رذيلتهم والفساد من خلال الصور، ومن خلال الأغنية، ومن خلال المجلة، ومن خلال بيت الدعارة -مثلاً- هذا يلوث البيئة العامة، ويجعل الإنسان الذي يريد الصلاح -أحياناً- قد لا يستطيع أن يكون كما يحب؛ لأن العقبات أمامه كثيرة فقد تلوثت البيئة العامة.

وكذلك نشر الشبهات التي تشكك الناس في دينهم من خلال الكتاب والمجلة والجريدة والشريط والمحاضرة والقصيدة والأمسية هي الأخرى -أيضاً- تلوث البيئة العامة، بحيث تجد أن الإنسان يبدأ يسمع شبهة هنا وشبهة هنا، وشبهة هنا، وليس صحيحاً أبداً أن الناس كلهم محصنون ضد الشهوات والشبهات، سبحان الله! الإنسان خلق كما قال الله عز وجل: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28] حتى الإنسان التقي النقي الطاهر العَلَم قد يسمع شبهة، فتظل تدور في عقله أياماً، حتى يطردها بإذن الله عز وجل، وقد يرى بعينه شهوة -امرأة حسناء- أو حتى صورة في مجلة تقع عينه عليها عن عمد- أو عن غير عمد فيجلس قلبه أياماً مريضاً لهذه النظرة.

فليس صحيحاً أن يقال: اسمح للفساد، وأن الناس عندهم حصانة ضد الفساد، من أين أتتهم هذه الحصانة، ونحن نعلم أن الإنسان نفسه أمارة بالسوء، وجُبِلَ على الشهوات، فضلاً عن تسليط الشيطان على ابن آدم؟!

ولذلك فإن إظهار المنكرات سواء كانت منكرات أخلاقية أم فكرية في المجتمع، سبب في تعرض المجتمع كله لهزات لا يعلم مداها إلا الله، ولهذا كان يقال: المنكر إذا خفي لم يضر إلا صاحبه، أما إذا أعلن فإنه يضر الخاصة والعامة، بمعنى أننا نسأل: هذا فلان من الناس الذي عنده منكر، تجد أنه إذا أراد أن يمارس المنكر يخرج إلى باب الشارع فيقفله بالمفتاح ثم يدخل إلى الباب الآخر فيقفله، وهكذا باب بعد باب بعد باب، ثم ينظر في النوافذ من هنا ومن هنا، ثم يجلس على منكره، هذا العمل يدل على ماذا؟

يدل على أن صاحب المنكر هذا يحس بأنه في وسط بيئة صالحة، وأنه يقوم بعمل ضد المجتمع، تماماً مثل ذلك الإنسان الذي يقوم بعمل تخريبي ضد مجتمع.

لو أن إنساناً -مثلاً- أراد أن يقوم بعمل تخريبي يخل بأمن المجتمع، هل كان يقوم بهذا العمل على قارعة الطريق؟ كلا، كان سيقوم به في سراديب مظلمة، فهو من الذين يعملون في الظلام؛ لأنه يدرك أن المنكر الذي يقوم به هو في الواقع عمل ضد أمن المجتمع، وأنه عمل تخريبي ضد أمن المجتمع، فيتستر به.

لكن ما بالك إذا كان الذي يعمل المنكر يعمله في الهواء الطلق، في الشارع، في المدرسة، في الحديقة، بل -أحياناً- على مرأى ومسمع من ملايين الناس الذين يتابعونه عبر جهاز معين، دعاه إلى هذا أنه يحس أنه يقوم بعمل عادي، وأن المجتمع يوافقه على هذا العمل الذي يريد أن يقوم به، لا ينكر عليه ولا يعارضه، فتجرأ على مواجهة الناس بهذا الأمر.

إذاً، إذا أعلنت المنكرات معنى ذلك أن المجتمع يعاني من قضية خطيرة جداً، في أصل وجود هذا المجتمع، وأصل القناعات الموجودة، بيئة المجتمعات العامة تلوثت بجرثومة الفساد، وكم هو مؤسف ومحزن ويجرح القلب، أن تتصور هؤلاء الأطفال من بنين وبنات في أعمار الزهور -عشر سنوات، اثنتا عشرة سنة، أربع عشرة سنة- إنهم يولدون في بيئة خاصة أو عامة فيستنشقون جراثيم الفساد، في كثير من البلدان تجد الصبي الصغير يتلقن ذلك ويتربى عليه.

كما قال نوح عليه السلام: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].

من يوم أن يولد الصبي الصغير وهو يرضع الرذيلة مع لبن الأم ويستنشق الفساد في الهواء، فتأتي إليه وهو ابن سبع أو ثمان سنين، فإذا سألته عن ثقافته وجدت ثقافته عبارة عن أغانٍ ومعلومات تافهه، وأمور رخيصة، إذا سألته عن دينه تجد أنه لا يستطيع أن يقرأ لك آية من القرآن الكريم.

أقول: هذا في كثير من البلاد الإسلامية، تجد أنه قد لا يستطيع أن يقرأ لك آية من القرآن الكريم ولا يقيم سورة، وتجد أن تصوراته تصورات منحرفة، فلو رأى في الشارع -مثلاً- امرأة محجبة لأصبح يركض إلى والده يحتمي به؛ لأنه يحس أنه رأى شيئاً موحشاً مخيفاً لأن بصره لم يعتد على رؤية الحجاب، فأصبح ينفر ويخاف منه تماماً، كما يفعل الطفل في بلاد الغرب إذا رأى مثل هذا المظهر الغريب، فإنه ينفر منه ويشمئز؛ لأنه أمر غير مألوف ولا معهود.

النقطة الرابعة: فضلاً عن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمانة دون نـزول العقوبات الإلهية التي تصيب المجتمعات في العاجل أو الآجل، وقد قص الله علينا قصص بني إسرائيل حين نهاهم أن يعتدوا في السبت: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون * َفَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:164-166] إذاً أنجينا الذين ينهون عن السوء، فإذا حق العذاب على أمة من الأمم فإن الله تعالى لا ينجي إلا الذين ينهون عن السوء.

فإذا كانت هناك أمة من الأمم لا يوجد فيها الذين ينهون عن السوء، لا ينجو منها أحد، ولذلك قال الله عز وجل: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هود:116].

فإذا وجد في الأمة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر نجا إذا نـزل العذاب، فإن حقق -فعلاً- المعروف وأزال المنكر نجا ونجت الأمة، فإذا فُقِد هذا الصنف حق العذاب على الأمة بأكملها ولم ينج منها أحد.

ولذلك روى البخاري ومسلم في صحيحهيما أن النبي صلى الله عليه وسلم نام ثم استيقظ فزعاً، وهو يقول: {لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد أقترب، لقد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وأشار بإصبعيه السبابة والإبهام، فقالت له زينب بنت جحش -راوية الحديث- رضي الله عنها: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث}.

والغريب أن هذا المعنى الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم نقل عن جماعة كبيرة من الصحابة مما يدل على عناية الرسول صلى الله عليه وسلم واهتمامه به، فنقل عن أم سلمة وأم حبيبة وعائشة وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، كلهم نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، أنكم تهلكون إذا كثر فيكم الخبث وإن وجد فيكم صالحون قليل.

هذا جزء من العذاب الذي توعد الله تبارك وتعالى به الأمة، حين تتخلى عن مهمتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك قال الإمام مالك في موطئه باب: ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة، ثم نقل عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وأرضاه، أنه قال: [[كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة]] يعني: إذا وجدت فئة خاصة من المترفين والأغنياء والكبار الذين يصرون على المنكرات سراً فإن الله عز وجل لا يعذب المجتمع كله بعملهم، لكن هكذا يقول عمر بن عبد العزيز: [[لكن إذا عملوا المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم]].

إذاً: يا إخوة، هناك قضية كثيراً ما تخفى على كثير من الناس، تأتي إلى إنسان وتقول له: سبحان الله! المجتمع فشت فيه المنكرات، وحصل كيت، وكيت، يقول لك: لا داعي للتشاؤم، المنكرات هذه موجودة منذ زمن قديم، وفي عهد الصحابة كذا وفي عهد بني أمية كذا، وفي عهد بني العباس كذا.

فأقول: ينبغي أن ننتبه إلى فرق جوهري في المنكرات، فرق بين منكر يُعْمل خفية في بيت أو مكان معزول، وبين منكر يُعمل على الملأ، فرق بين منكر شخصي ومنكر جماعي، فرق بين منكر مُحَارب وبين منكر مدعوم، فيجب أن لا نغتر بوجود أصول لبعض النكرات في أزمنة ماضية.

هذا مع أنه حتى لو كانت المنكرات موجودة منذ زمن قديم، فإن هذا لا يبرر ولا يسوغ السكوت عليها، وإلا لكان المعنى: أننا يوماً بعد يوم نـزداد من المنكرات نسكت عما مضى، وتأتينا منكرات جديدة، فيأتي الجيل الذي بعدنا فيسكت عن المنكرات التي حدثت في زماننا؛ لأنها موروثة وهكذا، وهذا معناه أن الأمة تصير في النهاية إلى التخلي عن الدين كله بهذه الطريقة.

أبو بكر يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب}. إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه.

الظلم أنواع: قد يكون الظلم بالمال نهب أموال الناس أو أخذ أموال الناس بالباطل، أو الغش أو الخديعة أو السرقة أو اللصوصية على أي مستوى كانت فهذا ظلم، لكن ليس هذا فقط هو الظلم، حتى الظالم لنفسه الذي يرتكب المعصية -مثلاً- هذا ظالم، ظالم لنفسه، وظالم لغيره -أيضاً- والظلم معنىً عام واسع يدخل فيه حتى الشرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فالناس إذا رأوا الظالم العاصي الفاسق، فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله تعالى بعقاب.

ومن أكثر الأحاديث هزاً لقلوب المؤمنين، وتخويفاً لهم، ما رواه حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده}.

إذاً يوشك ويقرب أن تصاب الأمة بالعذاب إذا لم تأمر بالمعروف ولم تنته عن المنكر، فصمام الأمان بالنسبة للأمة هو أن يكون فيها أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، وذلك أن المجتمع كله لحمة واحدة، تيار واحد مترابط، وأي انحراف أو منكر يقع في الأمة هو تماماً مثل أولئك القوم الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كما في الحديث المتفق عليه، عن النعمان بن بشير -استهموا على سفينة، ركبوا في البحر، فكان بعضهم في أعلى السفينة وبعضهم في أسفلها، فواحد من الذين في أسفل السفينة قال: أنا كلما احتجت الماء أصعد وأؤذي هؤلاء الذين فوقي عندما أغرف الماء، ليس لهذا داع، أخرق من أسفل السفينة خرقاً حتى يأتينا منه الماء ولا تؤذي من فوقنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً}.

أي: هو يقول: هذا شأني، وهذا أمر يخصني، وهذا نصيبي من السفينة، أصنع فيه ما أشاء، أخرقه أو أكسره، أصنع فيه ما أشاء، فإن قالوا: فعلاً هذه حريتك الشخصية، معناه أنهم أقروه على خرق سفينة المجتمع، لكن إذا أخذوا على يديه، وقالوا: لا هذه ليست حرية شخصية، السفينة ملك عام ويجب أن لا تقوم فيها بأي عمل يضر بنا جميعاً فإنهم يكونون سبباً في نجاته هو ونجاتهم هم أو نجاة المجتمع، فهكذا المجتمع هو عبارة عن:

سفينة في لج بحر ما له      من ساحل أبداً ولا ضحضاح

المجتمع هو السفينة، وأصحاب الفساد سواء أكان فساداً فكرياً أم خلقياً عاماً أم خاصاً، كبيراً أم صغيراً كلهم عبارة عن مجموعة معهم معاول ومسامير، كل واحد يخرق في طرف من السفينة، والناهون عن المنكر عبارة عن القوم العقلاء الصالحين الذين يبذلون جهودهم في منع كسر هذه السفينة، أو أخذ لوح منها؛ ونتيجة هلاك السفينة وغرقها، أو نجاتها؛ مبنية على نجاح أحد الطرفين فيما يريد وفيما يحاول.

وقد يستغرب بعض الناس مثل هذا الكلام بل -مع الأسف- أصبحنا نسمع كثيراً من الناس يستغربون، خاصة لما حصلت الأحداث الأخيرة، وتكلم أهل العلم، وقالوا: إن ما أصابنا وأصاب غيرنا هو بسبب الذنوب والمعاصي، أصبحت تجد كثيراً من الناس الذين رق إيمانهم، يقولون: كيف بسبب الذنوب والمعاصي، هذا غير صحيح! بل بعضهم يقول: هذه أمور مادية! وهاهم الكفار قد وسع الله عليهم، وأعطاهم ومكَّن لهم في الأرض، وفتح لهم أبواب كل شيء، فكيف تزعمون أن ما أصابنا هو بسبب ذنوبنا ومعاصينا.

وهكذا الحال في موضوع المنكر، يقولون: كيف يحدث ترك النهي عن المنكر مثل هذه الآثار في المجتمع، ومن أجل تقريب الموضوع أذكر لكم بعض الأمثلة التي تؤكد ذلك.

الإغراق في الشهوات

مثلاً: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوجب الوقوع في الشهوات والإغراق فيها، وهذا من شأنه أن يجعل الناس مرتبطين بالدنيا، أصحاب نفوس ضعيفة ليس عندهم جدية في الأمور.

هذا الشاب -مثلاً- الذي أصبحت حياته كلها عبارة عن أغنية أو صورة فاسدة أو مجلة أو فيلم أو مكالمة هاتفية لغرض سيئ، أو البحث عن الشهوة أو السفر في الحرام، المهم أصبحت حياته كلها -باختصار شديد- مكونة من شهوة.

هذا الشاب هل يستطيع أن يحصل على العلم النافع؟ وهل عنده جدية في تحصيل العلوم الدنيوية؟ وهل عنده استعداد أن يدافع عن نفسه فضلاً عن غيره؟ هل عنده استعداد أن يحمل السلاح؟ كلا وألف كلا، ولذلك عندما يذهب كثير من الشباب من بلاد شتى سواء بلاد كافرة -كما كان الحال في اليابان لما أرادت أن تأخذ التقنية الغربية فإنها بعثت شباباً- أو من بلاد مسلمة، فتجد الشاب المتدين جاد، وهذا الشاب الملتحي المستقيم تجده جاداً حتى في دراسته، في تحصيل العلم؛ لأنه ليس عنده وقت للأمور التافهة.

لكن هذا الشاب الذي غرق في الشهوة، ليس عنده قوة تدفعه إلى أن يحضر الدرس أو المحاضرة أو يستمع أو ينصت أو يجري تجربة أو يحصل على أي علم، وبذلك تتأخر الأمة وتنهار.

حتى إنه يقال: إن اليابان لما بعثت شبابها يتعلمون في بلاد الغرب، بعثت معهم من يراقبهم بدقة، وكانوا مجموعة، فلما رجعوا أخبروا بأن هؤلاء الشباب كلهم قد وقعوا في الفساد، وأن حياتهم تتراوح بين المواخير وبيوت الدعارة والبغاء والفساد وغير ذلك، قالوا: إنهم أعدموهم عن آخرهم حتى يكونوا عِبر لغيرهم، ثم بعثوا بعثة أخرى، وأرسلوا من يراقبهم، فكان يقدم تقارير متواصلة عن جدية هؤلاء الشباب، ومحافظتهم على كل شيء، حتى على التقاليد الوثنية التي تلقوها في بلادهم -في اليابان- حتى الكفرة الوثنيين عبدة الأوثان -عبدة بوذا أو غيره- يدركون أنه إذا كان الإنسان غارقاً في الشهوة؛ فإنه لا يجد وقتاً للأمور الجادة، ولا يحدث الغرق في الشهوات إلا إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الإهمال في أخذ العدة

جانب ثانٍ: الإهمال في أخذ العدة، سواء أكانت عدة معنوية بقوة القلوب وشدتها، أم كانت عدة مادية بالاستعداد لمقاومة الأعداء، وهذه لا يمكن أن يتقنها ويجيدها إلا الناس الذين اشتغلوا بمعالي الأمور، وأعرضوا عن السفاسف، أما صرعى الشهوات فليسوا أهلاً لذلك، بل إن مجرد الكلام عن الحرب يخيفهم، مجرد إخراج إعلان أو تحذير عن الحرب تجده يخيفهم ويرعبهم، فضلاً عن الخوض في المعركة، هذا مع أننا حين نقول العذاب لا نعني العذاب عن طريق حرب من عدونا لا، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31].

التفرق والتناحر

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] هذه هي النقطة الثالثة: أو يلبسكم شيعاً، إذاً من صور العذاب الذي يصيبنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية أن يلبسنا الله تعالى شيعاً ويذيق بعضنا بأس بعض.

ولذلك قال الله عز وجل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] ثم قال في الآية التي بعدها: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105].

في عدد من البلاد المجاورة تجد أن أهم أسباب تفرقهم: أنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، فترتب على ذلك شيوع الفساد، اليوم يعلن -مثلاً- عن حفل راقص في مكان كذا، وغداً يعلن عن حفل غنائي في مكان كذا، وبعده يعلنون عن عرض مسرحيٍ في مكان كذا، وهكذا أصبحت المنكرات في بلادهم منتشرة.

فالغيورون الصالحون لم يرضوا بهذا، فصارت الأمة فرقاً بعد ذلك، لم يجدوا مجالاً للتغيير والإنكار بالأسلوب الصحيح، فلجئوا إلى أساليب أخرى، أحدثت تفرقاً آخر في الأمة، حتى تمزق المجتمع شيعاً وأحزاباً بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن المجتمع إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بد أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، ويعتبر هذا الإنسان الذي جاء يقاوم المنكر ويقضي عليه إنساناً أصولياً متطرفاً ومتسرعاً، هذا إنسان يريد أن يقضي على المكاسب الحضارية والمكاسب الوطنية للأمة، وبالتالي أنقلب الحق باطلاً والباطل حقاً.

تغيير المسار ومحاولة مسخ الأمة

وهكذا حصلت القضية الرابعة من أنواع العقاب، وهي أخطر ما يكون: وهي أن الأمة بدأ مسارها في عدد من البلاد يتغير، فالمنافقون لم يكتفوا فقط بإشاعة المنكرات، لا،بل هم يخططون إلى سلخ الأمة عن دينها بالكلية، بحيث تتحول إلى أمة أخرى غير الأمة الإسلامية، تتحول مثلاً إلى أمة علمانية لا دين لها، تقبل أن يعيش فيها المسلم واليهودي والنصراني وأن تحكم بأي شريعة، أو بأي نظام، وأن يشيع فيها أي فكر وأي مبدأ وأي منهج، ليس لها دين، وليس لها اعتقاد تلتزم به.

وهذا - في الحقيقة- أخطر من الحرب العسكرية، أرأيت الآن كم دولة إسلامية سلخت من المسلمين عن طريق الحرب العسكرية؟ قد تقول لي فلسطين، صحيح أخذها اليهود بالقوة، وأفغانستان أخذها الشيوعيون بالقوة قبل ذلك، وبلاد الأندلس أخذها النصارى بالقوة، وهكذا يبقى العدد محدوداً، لكن لو تساءلنا كم من البلاد الآن التي حكمها الإسلام يوماً من الأيام، وتجد في أهلها إسلاماً كثيراً، ومع ذلك تجدها بلاداً علمانية لا دينية.

وإذا كنت قبل قليل ذكرت لكم ما حصل في فرنسا في قصة هؤلاء البنات الثلاث، فإن المأساة هذه تتكرر في بلاد ارتفع عليها علم الإسلام يوماً من الأيام، وأصبحت تمنع الحجاب في جامعاتها وتحاربه وتحارب من يلبسه، وتعتبر هذا رمزاً للرجوع -كما يعبرون- إلى عصر الحريم، عصر القرون الوسطى، قرون التخلف، هكذا يعبرون، وهكذا يزعمون.

إذاً من أعظم الأشياء أن الأمة وقعت في أيدي المنافقين، يحاولون أن يمسخوها عن الإسلام مسخاً نهائياً ويلبسوها ثوباً آخر غير ثوب الإسلام، ويُدَيِّنوها بدين آخر غير دين الإسلام، والدين لا بد منه، إما الإسلام وإما غيره، فإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا تركه الصالحون معنى ذلك: ارتفع المنافقون، وكما قال الله عز وجل عنهم: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة:67].

كل مجتمع -وهذه قضية يحب أن تكون بديهية- كل مجتمع فيه قوتان: قوة المؤمنين وقوة المنافقين، المؤمنون والمؤمنات ذكوراً وإناثاً يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والمنافقون والمنافقات ذكوراً وإناثاً يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، والمسألة صراع، والمجتمع يكون للذي تغلب من هاتين الفئتين.

ولذلك كانت قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المسلمين قضية مصيرية، لو أن واحداً أنكر -مثلاً-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- أنكر مشروعيته أصلاً- يكون بذلك مرتداً عن الإسلام، هذا من حيث التشريع أو المبدأ النظري.

لكن من حيث المبدأ العملي كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو أعظم مؤسسة وأعظم جهاز وأعظم عمل في حياة المسلمين، لماذا كان كذلك؟ لأنه من حق كل مسلم أن ينتسب إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل مسلم من حقه ليس من حقه فقط بل من واجبه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يأمر نفسه وغيره ويأمر في بيته ويأمر في السوق، وفي المسجد، وفي الشارع، وفي المتجر، وفي المدرسة، وفي المؤسسة، ويأمر الكبير والصغير والقريب والبعيد والمعروف والمجهول والذكر والأنثى، هكذا كان، ومع ذلك كله؛ لأن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند كل مسلم قضية دين، وليست قضية وظيفة، بل كانت أكبر من ذلك، لكن مع ذلك عني المسلمون بنظام ما يسمى بالحسبة، وهو من أقدم الأنظمة الإسلامية، وأعظمها.

نظام الحسبة الذي كان فيه أناس مختصون، مهمتهم ووظيفتهم الرئيسية، هي: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ماذا تتصور وظيفة رجال الحسبة التي بدأت بشكل واضح في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، كانت وظيفة رجال الحسبة مراقبة المجتمع العام في كل شيء -كما أسلفت في بداية الحديث- مثلاً: وجدوا رجلاً يغش في البيع والشراء هذا يمنع، وجدوا شخصاً له دين عند آخر ورفض أن يعطيه يقوم رجال الحسبة بتحقيق هذا المطلب، وجدوا بيتاً يوشك أن يسقط، ويؤذي الناس، يقومون هم بمعالجة هذه القضية، وجدوا شارعاً ضيقاً يقومون هم بمعالجة هذه القضية، وتوسعة الشارع، إذا وجد من يؤذي الناس في أسواقهم يقومون بمنعه من ذلك.

إذاً كانت مهمتهم فضلاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة السلوك والأخلاق العامة، لكنني أريد أن أقول: إن مهمة رجال الحسبة في الإسلام كانت مهمة شمولية، أصبحت اليوم تسند إلى جهات كثيرة جداً، وربما تعجز عنها أو لا تقوم إلا بشيء يسير منها.

فكان رجل الحسبة هو آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر يصلح فيما بين الناس، يمنع الإيذاء أو الاعتداء على نظام المرور، يقوم بدور رجال البلدية في مراقبة المباني والأسواق وغيرها، يقوم بدور الغرفة التجارية وغيرها، ويقوم بمراقبة البيع والشراء والبضائع وأعمال الناس وما سواها.

وكانت الحسبة في الإسلام نظاماً عاماً شمولياً يهتم بمراقبة المجتمع في كل شيء، وعلى رأس ذلك مراقبة السلوك الأخلاقي، فإذا وجد إنسان يعصي أو يعتدي أو يشرب الخمر أو يؤذي المسلمين في أنفسهم أو في نسائهم أو في أموالهم كان هذا النظام يقوم بمنعه من ذلك، وما ذلك إلا لأنهم يدركون أن هذا قوام المجتمع المسلم، هذه هي النقطة الأولى التي أحببت أن أشير إليها، وهي قضية أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم.

مثلاً: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوجب الوقوع في الشهوات والإغراق فيها، وهذا من شأنه أن يجعل الناس مرتبطين بالدنيا، أصحاب نفوس ضعيفة ليس عندهم جدية في الأمور.

هذا الشاب -مثلاً- الذي أصبحت حياته كلها عبارة عن أغنية أو صورة فاسدة أو مجلة أو فيلم أو مكالمة هاتفية لغرض سيئ، أو البحث عن الشهوة أو السفر في الحرام، المهم أصبحت حياته كلها -باختصار شديد- مكونة من شهوة.

هذا الشاب هل يستطيع أن يحصل على العلم النافع؟ وهل عنده جدية في تحصيل العلوم الدنيوية؟ وهل عنده استعداد أن يدافع عن نفسه فضلاً عن غيره؟ هل عنده استعداد أن يحمل السلاح؟ كلا وألف كلا، ولذلك عندما يذهب كثير من الشباب من بلاد شتى سواء بلاد كافرة -كما كان الحال في اليابان لما أرادت أن تأخذ التقنية الغربية فإنها بعثت شباباً- أو من بلاد مسلمة، فتجد الشاب المتدين جاد، وهذا الشاب الملتحي المستقيم تجده جاداً حتى في دراسته، في تحصيل العلم؛ لأنه ليس عنده وقت للأمور التافهة.

لكن هذا الشاب الذي غرق في الشهوة، ليس عنده قوة تدفعه إلى أن يحضر الدرس أو المحاضرة أو يستمع أو ينصت أو يجري تجربة أو يحصل على أي علم، وبذلك تتأخر الأمة وتنهار.

حتى إنه يقال: إن اليابان لما بعثت شبابها يتعلمون في بلاد الغرب، بعثت معهم من يراقبهم بدقة، وكانوا مجموعة، فلما رجعوا أخبروا بأن هؤلاء الشباب كلهم قد وقعوا في الفساد، وأن حياتهم تتراوح بين المواخير وبيوت الدعارة والبغاء والفساد وغير ذلك، قالوا: إنهم أعدموهم عن آخرهم حتى يكونوا عِبر لغيرهم، ثم بعثوا بعثة أخرى، وأرسلوا من يراقبهم، فكان يقدم تقارير متواصلة عن جدية هؤلاء الشباب، ومحافظتهم على كل شيء، حتى على التقاليد الوثنية التي تلقوها في بلادهم -في اليابان- حتى الكفرة الوثنيين عبدة الأوثان -عبدة بوذا أو غيره- يدركون أنه إذا كان الإنسان غارقاً في الشهوة؛ فإنه لا يجد وقتاً للأمور الجادة، ولا يحدث الغرق في الشهوات إلا إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

جانب ثانٍ: الإهمال في أخذ العدة، سواء أكانت عدة معنوية بقوة القلوب وشدتها، أم كانت عدة مادية بالاستعداد لمقاومة الأعداء، وهذه لا يمكن أن يتقنها ويجيدها إلا الناس الذين اشتغلوا بمعالي الأمور، وأعرضوا عن السفاسف، أما صرعى الشهوات فليسوا أهلاً لذلك، بل إن مجرد الكلام عن الحرب يخيفهم، مجرد إخراج إعلان أو تحذير عن الحرب تجده يخيفهم ويرعبهم، فضلاً عن الخوض في المعركة، هذا مع أننا حين نقول العذاب لا نعني العذاب عن طريق حرب من عدونا لا، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31].

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] هذه هي النقطة الثالثة: أو يلبسكم شيعاً، إذاً من صور العذاب الذي يصيبنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية أن يلبسنا الله تعالى شيعاً ويذيق بعضنا بأس بعض.

ولذلك قال الله عز وجل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] ثم قال في الآية التي بعدها: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105].

في عدد من البلاد المجاورة تجد أن أهم أسباب تفرقهم: أنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، فترتب على ذلك شيوع الفساد، اليوم يعلن -مثلاً- عن حفل راقص في مكان كذا، وغداً يعلن عن حفل غنائي في مكان كذا، وبعده يعلنون عن عرض مسرحيٍ في مكان كذا، وهكذا أصبحت المنكرات في بلادهم منتشرة.

فالغيورون الصالحون لم يرضوا بهذا، فصارت الأمة فرقاً بعد ذلك، لم يجدوا مجالاً للتغيير والإنكار بالأسلوب الصحيح، فلجئوا إلى أساليب أخرى، أحدثت تفرقاً آخر في الأمة، حتى تمزق المجتمع شيعاً وأحزاباً بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن المجتمع إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بد أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، ويعتبر هذا الإنسان الذي جاء يقاوم المنكر ويقضي عليه إنساناً أصولياً متطرفاً ومتسرعاً، هذا إنسان يريد أن يقضي على المكاسب الحضارية والمكاسب الوطنية للأمة، وبالتالي أنقلب الحق باطلاً والباطل حقاً.

وهكذا حصلت القضية الرابعة من أنواع العقاب، وهي أخطر ما يكون: وهي أن الأمة بدأ مسارها في عدد من البلاد يتغير، فالمنافقون لم يكتفوا فقط بإشاعة المنكرات، لا،بل هم يخططون إلى سلخ الأمة عن دينها بالكلية، بحيث تتحول إلى أمة أخرى غير الأمة الإسلامية، تتحول مثلاً إلى أمة علمانية لا دين لها، تقبل أن يعيش فيها المسلم واليهودي والنصراني وأن تحكم بأي شريعة، أو بأي نظام، وأن يشيع فيها أي فكر وأي مبدأ وأي منهج، ليس لها دين، وليس لها اعتقاد تلتزم به.

وهذا - في الحقيقة- أخطر من الحرب العسكرية، أرأيت الآن كم دولة إسلامية سلخت من المسلمين عن طريق الحرب العسكرية؟ قد تقول لي فلسطين، صحيح أخذها اليهود بالقوة، وأفغانستان أخذها الشيوعيون بالقوة قبل ذلك، وبلاد الأندلس أخذها النصارى بالقوة، وهكذا يبقى العدد محدوداً، لكن لو تساءلنا كم من البلاد الآن التي حكمها الإسلام يوماً من الأيام، وتجد في أهلها إسلاماً كثيراً، ومع ذلك تجدها بلاداً علمانية لا دينية.

وإذا كنت قبل قليل ذكرت لكم ما حصل في فرنسا في قصة هؤلاء البنات الثلاث، فإن المأساة هذه تتكرر في بلاد ارتفع عليها علم الإسلام يوماً من الأيام، وأصبحت تمنع الحجاب في جامعاتها وتحاربه وتحارب من يلبسه، وتعتبر هذا رمزاً للرجوع -كما يعبرون- إلى عصر الحريم، عصر القرون الوسطى، قرون التخلف، هكذا يعبرون، وهكذا يزعمون.

إذاً من أعظم الأشياء أن الأمة وقعت في أيدي المنافقين، يحاولون أن يمسخوها عن الإسلام مسخاً نهائياً ويلبسوها ثوباً آخر غير ثوب الإسلام، ويُدَيِّنوها بدين آخر غير دين الإسلام، والدين لا بد منه، إما الإسلام وإما غيره، فإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا تركه الصالحون معنى ذلك: ارتفع المنافقون، وكما قال الله عز وجل عنهم: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة:67].

كل مجتمع -وهذه قضية يحب أن تكون بديهية- كل مجتمع فيه قوتان: قوة المؤمنين وقوة المنافقين، المؤمنون والمؤمنات ذكوراً وإناثاً يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والمنافقون والمنافقات ذكوراً وإناثاً يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، والمسألة صراع، والمجتمع يكون للذي تغلب من هاتين الفئتين.

ولذلك كانت قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المسلمين قضية مصيرية، لو أن واحداً أنكر -مثلاً-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- أنكر مشروعيته أصلاً- يكون بذلك مرتداً عن الإسلام، هذا من حيث التشريع أو المبدأ النظري.

لكن من حيث المبدأ العملي كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو أعظم مؤسسة وأعظم جهاز وأعظم عمل في حياة المسلمين، لماذا كان كذلك؟ لأنه من حق كل مسلم أن ينتسب إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل مسلم من حقه ليس من حقه فقط بل من واجبه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يأمر نفسه وغيره ويأمر في بيته ويأمر في السوق، وفي المسجد، وفي الشارع، وفي المتجر، وفي المدرسة، وفي المؤسسة، ويأمر الكبير والصغير والقريب والبعيد والمعروف والمجهول والذكر والأنثى، هكذا كان، ومع ذلك كله؛ لأن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند كل مسلم قضية دين، وليست قضية وظيفة، بل كانت أكبر من ذلك، لكن مع ذلك عني المسلمون بنظام ما يسمى بالحسبة، وهو من أقدم الأنظمة الإسلامية، وأعظمها.

نظام الحسبة الذي كان فيه أناس مختصون، مهمتهم ووظيفتهم الرئيسية، هي: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ماذا تتصور وظيفة رجال الحسبة التي بدأت بشكل واضح في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، كانت وظيفة رجال الحسبة مراقبة المجتمع العام في كل شيء -كما أسلفت في بداية الحديث- مثلاً: وجدوا رجلاً يغش في البيع والشراء هذا يمنع، وجدوا شخصاً له دين عند آخر ورفض أن يعطيه يقوم رجال الحسبة بتحقيق هذا المطلب، وجدوا بيتاً يوشك أن يسقط، ويؤذي الناس، يقومون هم بمعالجة هذه القضية، وجدوا شارعاً ضيقاً يقومون هم بمعالجة هذه القضية، وتوسعة الشارع، إذا وجد من يؤذي الناس في أسواقهم يقومون بمنعه من ذلك.

إذاً كانت مهمتهم فضلاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة السلوك والأخلاق العامة، لكنني أريد أن أقول: إن مهمة رجال الحسبة في الإسلام كانت مهمة شمولية، أصبحت اليوم تسند إلى جهات كثيرة جداً، وربما تعجز عنها أو لا تقوم إلا بشيء يسير منها.

فكان رجل الحسبة هو آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر يصلح فيما بين الناس، يمنع الإيذاء أو الاعتداء على نظام المرور، يقوم بدور رجال البلدية في مراقبة المباني والأسواق وغيرها، يقوم بدور الغرفة التجارية وغيرها، ويقوم بمراقبة البيع والشراء والبضائع وأعمال الناس وما سواها.

وكانت الحسبة في الإسلام نظاماً عاماً شمولياً يهتم بمراقبة المجتمع في كل شيء، وعلى رأس ذلك مراقبة السلوك الأخلاقي، فإذا وجد إنسان يعصي أو يعتدي أو يشرب الخمر أو يؤذي المسلمين في أنفسهم أو في نسائهم أو في أموالهم كان هذا النظام يقوم بمنعه من ذلك، وما ذلك إلا لأنهم يدركون أن هذا قوام المجتمع المسلم، هذه هي النقطة الأولى التي أحببت أن أشير إليها، وهي قضية أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم.