قال محمد بن السائب الكلبي: كانت العرب في جاهليتها تحرم أشياء نزل القرآن بتحريمها كانوا لا ينكحون الأمهات ولا البنات ولا الخالات ولا العمات
وكان أقبح ما يصنعون أن يجمع الرجل بين الأختين أو يختلف على امرأة أبيه وكانوا يسمون من فعل ذلك الضيزن
قال أوس بن حجر التميمي يعير قوما من بني قيس بن ثعلبة تناوبوا على امرأة أبيهم ثلاثة واحدا بعد الآخر:
والفارسية فيكم غير منكرة ... وكلكم لأبيه ضيزن سلف
نيكوا فكيهة وامشوا حول قبتها ... مشي الزرافة في آباطها الحجف
وكان أول من جمع بين الأختين من قريش أبو أحيحة سعد بن العاص جمع بين هند وصفية ابنتي المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم
قال: وكان الرجل إذا مات عن المرأة أو طلقها قام أكبر بنيه فإن كان له فيها حاجة طرح ثوبه عليها وإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض إخوته بمهر جديد
قال: وكانوا يخطبون المرأة إلى أبيها أو إلى أخيها أو عمها أو بعض بني عمها
وكان يخطب الكفء إلى الكفء
فإن كان أحدهما أشرف من الآخر في النسب رغب له في المال
وإن كان هجينا خطب إلى هجين فزوجه هجينة مثله
ويقول الخاطب إذا أتاهم: أنعموا صباحا ثم يقول: نحن أكفاؤكم ونظراؤكم فإن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة ( 2 \ 245 ) وأصبتمونا وكنا لصهركم حامدين وإن رددتمونا لعلة نعرفها رجعنا عاذرين
فإن كان قريب القرابة من قومه قال أبوها أو أخوها: إذا حملت إليه وأيسرت أذكرت ولا أنثت جعل الله منك عددا وعزا وخلدا أحسني خلقك وأكرمي زوجك وليكن طيبك الماء
وإذا تزوجت في غربة قال لها: لا أيسرت ولا أذكرت فإنك تدنين البعداء أوتلدين الأعداء أحسني خلقك وتحببي إلى أحمائك فإن لهم عينا ناظرة إليك وأذنا سامعة وليكن طيبك الماء
وكانوا يطلقون ثلاثا على التفرقة قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أول من طلق ثلاثا على التفرقة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وكان العرب يفعلون ذلك فتطلقها واحدة وهو أحق الناس بها حتى إذا استوفى الثلاث انقطع السبيل عنها
ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس حين تزوج امرأة فرغب قومها عنه فأتاه قومها فهددوه بالضرب أو يطلقها:
أيا جارتي بيني فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه
قالوا: ثنه
فقال:
وبيني فإن البين خير من العصا وأن لا ترى لي فوق رأسك بارقه
قالوا: ثلث
فقال:
وبيني حصان الفرج غير ذميمة ... وموموقة قد كنت فينا ووامقه
قال: وكان أمر الجاهلية في نكاح النساء على أربع:
رجل يخطب فيتزوج
وامرأة يكون لها خليل يختلف إليها فإن ولدت قالت: هو لفلان فيتزوجها بعد هذا
وامرأة يختلف إليها النفر وكلهم يواقعها في طهر واحد فإذا ولدت ألزمت الولد أحدهم وهذه تدعى المقسمة
وامرأة ذات راية يختلف إليها الكثير وكلهم يواقعها فإذا ولدت جمعوا لها القافة فيلحقون الولد بشبيهه
قال: وكانوا يحجون البيت ويعتمرون ويحرمون قال زهير:
وكم بالقيان من محل ومحرم
ويطوفون بالبيت سبعا ويمسحون بالحجر ويسعون بين الصفا والمروة قال أبو طالب:
وأشواط بين المروتين إلى الصفا وما فيهما من صور وتخايل
وكانوا يلبون إلا أن بعضهم كان يشرك في تلبيته في قوله:
إلا شريك هو لك ... تملكه وما ملك
ويقفون المواقف كلها قال العدوي:
فأقسم بالذي حجت قريش وموقف ذي الحجيج على اللآلي
وكانوا يهدون الهدايا ويرمون الجمار ويحرمون الأشهر الحرم فلا يغزون ولا يقاتلون فيها إلا طي وخثعم وبعض بني الحارث بن كعب فإنهم كانوا لا يحجون ولا يعتمرون ولا يحرمون الأشهر الحرم ولا البلد الحرام
وإنما سمت قريش الحرب التي كانت بينها وبين غيرها عام الفجار لأنها كانت في أشهر الحرم حيث لا تقاتل فلما قاتلوا فيها قالوا: قد فجرنا فلذلك سموها: حرب الفجار
وكانوا يكرهون الظلم في الحرم وقالت امرأة منهم تنهى ابنها عن الظلم:
أبني لا تظلم بمسك ... ة لا الصغير ولا الكبير أبني من بظلم بمك ... ة يلق أطراف الشرور أبني قد جربتها ... فوجدت ظالمها يبور
أبني أمن طيرها ... والوحش تأمن في ثبير
ومنهم من كان ينسئ الشهور وكانوا يكسبوا في كل عامين شهرا وفي كل ثلاثة أعوام شهرا وكانوا إذا حجوا في شهر من هذه السنة لم يخطئوا أن يجعلوا يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر كهيئة ذلك في شهر ذي الحجة حتى يكون يوم النحر اليوم العاشر من ذلك الشهر ويقيمون بمنى فلا يبيعون في يوم عرفة ولا في أيام منى وفيهم أنزلت: ( إنما النسيء زيادة في الكفر )
وكانوا إذا ذبحوا للأصنام لطخوها بدماء الهدايا يلتمسون بذلك الزيادة في أموالهم
وكان قصي بن كلاب ينهى عن عبادة غير الله من الأصنام وهو القائل:
أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل البصير
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني غنم أزور
وقيل: هي لزيد بن عمرو بن نفيل فلقي في ذلك من قريش شرا حتى أخرجوه عن الحرم فكان لا يدخله إلا ليلا
وقال القلمس بن أمية الكناني يخطب للعرب بفناء مكة: أطيعوني ترشدوا
قالوا: وما ذاك ؟
قال: إنكم قد تفرقتم بآلهة شتى وإني لأعلم ما الله راض به وإن الله رب هذه الآلهة وإنه ليجب أن يعبد وحده
قال: فتفرقت عنه العرب حين قال ذلك وتجنبت عنه طائفة أخرى وزعمت أنه على دين بني تميم
قال: وكانوا بغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم
قال الأفوه الأودي:
ألا عللاني واعلما أنني غرر ... فما قلت ينجيني الشقاق ولا الحذر
وما قلت يجديني ثيابي إذا بدت ... مفاصل أوصالي وقد شخص البصر
وجاءوا بماء بارد يغسلونني ... فيالك من غسل سيتبعه كبر
قال: وكانوا يكفنون موتاهم ويصلون عليهم وكانت صلاتهم: إذا مات الرجل حمل على سريره ثم يقوم وليه فيذكر محاسنه كلها ويثني عليه ثم يدفن ثم يقول عليك رحمة الله وبركاته
وقال رجل من كلب في الجاهلية لابن ابن له:
أعمرو إن هلكت وكنت حيا ... فإني مكثر لك في صلاتي
وأجعل نصف مالي لابن سام ... حياتي إن حييت وفي مماتي
قال: وكانوا يداومون على طهارات الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام وهي الكلمات العشر فإنهن خمس في الرأس وخمس في الجسد:
فأما اللواتي في الرأس: فالمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك
وأما اللواتي في الجسد: فالاستنجاء وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان
فلما جاء الإسلام قررها سنة من السنن
وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى إذا سرق
وكان ملوك اليمن وملوك الحيرة يصلبون الرجل إذا قطع الطريق
وكانوا يوفون بالعهود ويكرمون الجار ويكرمون الضيف
قال حاتم الطائي:
إلهم ربي وربي إلهم ... فأقسمت لا أرسو ولا أتعذر
وقال أيضا:
لقد كان في البرايا الناس أسوة كأن لم يسبق جحش بعير ولا حمر
وكانوا أناسا موقنين بربهم بكل مكان فيهم عابد بكر