أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام
وإنما عددناه من الصفاتية لأنه كان ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبيه
وقد ذكرنا كيفية خروجه وانتسابه إلى أهل السنة فيما قدمنا ذكره
وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشر فرقة . وأصولها ستة: العابدية والتونية والزرينية والإسحاقية والواحدية وأقربهم الهيصمية ولكل واحدة منهم رأي إلا أنه لما لم يصدر ذلك عن علماء معتبرين بل عن سفهاء أغتام جاهلين لم نفردها مذهبا وأوردنا مذهب صاحب المقالة وأشرنا إلى ما يتفرع منه
نص أبو عبد الله على أن معبوده على العرش استقرارا وعلى أنه بجهة فوق ذاتا وأطلق عليه اسم الجوهر فقال في كتابه المسمى ( عذاب القبر ) : إنه أحدي الذات أحدي ( 1 \ 108 ) الجوهر وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا وجوز الانتقال والتحول والنزول
ومنهم من قال: إنه على بعض أجزاء العرش
وقال بعضهم: امتلأ العرش به وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش
ثم اختلفوا:
فقالت العابدية: إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به
وقال محمد بن الهيصم: إن بينه وبين العرش بعدا لا يتناهى وإنه مباين للعالم بينونة أزلية ونفى التحيز والمحاذاة وأثبت الفوقية والمباينة
وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه والمقاربون منهم قالوا: نعني بكونه جسما أنه قائم بذاته وهذا هو حد الجسم عندهم وبنوا على هذا أن من حكم القائمين بأنفسهما أن يكونا متجاورين أو متباينين:
فقضى بعضهم بالتجاور مع العرش
وحكم بعضهم بالتباين
وربما قالوا: كل موجودين:
فإما أن يكون أحدهما بحيث الآخر كالعرض مع الجوهر
وإما أن يكون بجهة منه والباري تعالى ليس بعرض إذ هو قائم بنفسه فيجب أن يكون بجهة من العالم ثم أعلى الجهات وأشرفها جهة فوق
فقلنا: هو بجهة فوق بالذات حتى إذا رئي رئي من تلك الجهة
ثم لهم اختلافات في النهاية:
فمن المجسمة من أثبت النهاية له من ست جهات
ومنهم من أثبت النهاية له من جهة تحت
ومنهم من أنكر النهاية له فقال: هو عظيم
ولهم في معنى العظمة خلاف:
فقال بعضهم: معنى عظمته أنه مع وحدته على جميع أجزاء العرش والعرش تحته وهو فوق كله على الوجه الذي هو فوق جزء منه
وقال بعضهم: معنى عظمته أنه يلاقي مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد وهو يلاقى جميع أجزاء العرش وهو العلي العظيم
ومن مذهبهم جميعا: جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى
ومن أصلهم أن ما يحدث في ذاته فإنما يحدث بقدرته وما يحدث مباينا لذاته فإنما يحدث بواسطة ( 1 \ 109 ) الأحداث
ويعنون بالأحداث: الإيجاد والإعدام الواقعين في ذاته بقدرته من الأقوال والإرادات
ويعنون بالمحدث: ما بين ذاته من الجواهر والأعراض
ويفرقون بين الخلق والمخلوق والإيجاد والموجود والموجد وكذلك بين الإعدام والمعدوم فالمخلوق إنما يقع بالخلق والخلق إنما يقع في ذاته بالقدرة والمعدوم إنما يصير معدوما بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة
وزعموا أن في ذاته سبحانه حوادث كثيرة مثل الإخبار عن الأمور الماضية والآتية والكتب المنزلة على الرسل عليهم السلام والقصص والوعد والوعيد والأحكام ومن ذلك المسمعات والمبصرات فيما يجوز أن يسمع ويبصر
والإيجاد والإعدام هو القول والإرادة وذلك قوله ( كن ) للشيء الذي يريد كونه وإرادته لوجود ذلك الشيء وقوله للشيء ( كن ) : صورتان
وفسر محمد بن الهيصم الإيجاد والإعدام: بالإرادة والإيثار
قال: وذلك مشروط بالقول شرعا إذ ورد في التنزيل: ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) وقوله: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )
وعلى قول الأكثرين منهم: الخلق عبارة عن القول والإرادة ثم اختلفوا في التفصيل:
فقال بعضهم: لكل موجود إيجاد ولكل معدوم إعدام
وقال بعضهم: إيجاد واحد يصلح لموجودين إذا كانا من جنس واحد وإذا اختلف الجنس تعدد الإيجاد
وألزم بعضهم: لو افتقر كل موجود أو كل جنس إلى إيجاد فليفتقر كل إيجاد إلى قدرة فالتزم تعدد القدرة بتعدد الإيجاد
وقال بعضهم أيضا: تتعدد القدرة بعدد أجناس المحدثات وأكثرهم على أنها تتعدد بعدد أجناس الحوادث التي تحدث في ذاته من الكاف والنون والإرادة والتسمع والتبصر وهي خمسة أجناس . ( 1 \ 110 )
ومنهم من فسر السمع والبصر بالقدرة على التسمع والتبصر
ومنهم من أثبت لله تعالى السمع والبصر أزلا والتسمعات والتبصرات هي إضافة المدركات إليهما
وقد أثبتوا لله تعالى مشيئة قديمة متعلقة بأصول المحدثات وبالحوادث التي تحدث في ذاته وأثبتوا إرادات حادثة تتعلق بتفاصيل المحدثات
وأجمعوا على أن الحوادث لا توجب لله تعالى وصفا ولا هي صفات له فتحدث في ذاته هذه الحوادث من الأقوال والإرادات والتسمعات والتبصرات ولا يصير بها قائلا ولا مريدا ولا سميعا ولا بصيرا ولا يصير بخلق هذه الحوادث محدثا ولا خالقا وإنما هو قائل بقائليته وخالق بخالقيته ومريد بمريديته وذلك قدرته على هذه الأشياء
ومن أصلهم أن الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء حتى يستحيل عدمها إذ لو جاز عليها العدم لتعاقبت على ذاته الحوادث ولشارك الجوهر في هذه القضية
وأيضا فلو قدر عدمها فلا يخلو:
إما أن يقدر عدمها بالقدرة
أو بإعدام يخلقه في ذاته
ولا يجوز أن يكون عدمها بالقدرة لأنه يؤدي إلى ثبوت المعدوم في ذاته وشرط الموجود والمعدوم أن يكونا مباينين لذاته ولو جاز وقوع معدوم في ذاته بالقدرة من غير واسطة إعدام لجاز حصول سائر المعلومات بالقدرة ثم يجب طرد ذلك في الموجد حتى يجوز وقوع موجد محدث في ذاته وذلك محال عندهم ولو فرض إعدامها بالإعدام لجاز تقدير عدم ذلك الإعدام فيسلسل فارتكبوا لهذا التحكم استحالة عدم ما يحدث في ذاته
ومن أصلهم: أن المحدث إنما يحدث في ثاني حال ثبوت الإحداث بلا فصل ولا أثر للإحداث في حال بقائه
ومن أصلهم: أن ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى: