أصحاب نجدة بن عامر الحنفي وقيل: عاصم
وكان من شأنه أنه خرج من اليمامة ( 1 \ 122 ) مع عسكره يريد اللحوق بالأزارقة فاستقبله أبو فديك وعطية بن الأسود الحنفي في الطائفة الذين خالفوا نافع بن الأزرق فأخبروه بما أحدثه نافع من الخلاف بتكفير القعدة عنه وسائر الأحداث والبدع وبايعوا نجدة وسموه أمير المؤمنين
ثم اختلفوا على نجدة:
فأكفره قوم منهم لأمور نقموها عليه:
منها: أنه بعث ابنه مع جيش إلى أهل القطيف فقتلوا رجالهم وسبوا نسائهم وقوموها على أنفسهم وقالوا: إن صارت قيمتهن في حصصنا فذاك وإلا رددنا الفضل ونكحوهن قبل القسمة وأكلوا من الغنيمة قبل القسمة فلما رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك قال: لم يسعكم ما فعلتم قالوا: لم نعلم أن ذلك لا يسعنا فعذرهم بجهالتهم
واختلف أصحابه بذلك فمنهم من وافقه وعذر بالجهالات في الحكم الاجتهادي وقالوا: الدين أمران:
أحدهما: معرفة الله تعالى ومعرفة رسله عليهم الصلاة والسلام وتحريم دماء المسلمين يعنون موافقيهم والإقرار بما جاء من عند الله جملة فهذا واجب على الجميع والجهل به لا يعذر فيه
والثاني: ما سوى ذلك فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلال والحرام
قالوا: ومن جوز العذاب على المجتهد المخطئ في الأحكام قبل قيام الحجة عليه فهو كافر . ( 1 \ 123 )
واستحل نجدة بن عامر دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في حال التقية وحكم بالبراءة ممن حرمها
قال: وأصحاب الحدود من موافقيه لعل الله تعالى يعفو عنهم وإن عذبهم ففي غير النار ثم يدخلهم الجنة فلا تجوز البراءة عنهم
قال: ومن نظر نظرة أو كذب كذبة صغيرة أو كبيرة وأصر عليها فهو مشرك ومن زنى وشرب وسرق غير مصر عليه فهو غير مشرك وغلظ على الناس في حد الخمر تغليظا شديدا
ولما كاتب عبد الملك بن مروان وأعطاه الرضى نقم عليه أصحابه فيه فاستتابوه فأظهر التوبة فتركوا النقمة عليه والتعرض له
وندمت طائفة على هذه الاستتابة وقالوا: أخطأنا وما كان لنا أن نستتيب الإمام وما كان له أن يتوب باستتابتنا إياه فتابوا من ذلك وأظهروا الخطأ وقالوا له: تب من توبتك وإلا نابذناك فتاب من توبته
وفارقه أبو فديك وعطية ووثب عليه أبو فديك فقتله ثم برئ أبو فديك من عطية وعطية من أبي فديك
وأنفذ عبد الملك بن مروان عمر بن عبيد الله بن معمر التميمي مع جيش إلى حرب أبي فديك فحاربه أياما فقتله
ولحق عطية بأرض سجستان ويقال لأصحابه العطوية ومن أصحابه: عبد الكريم بن عجرد زعيم العجاردة
وإنما قيل للنجدات: العاذرية لأنهم عذروا بالجهالات في أحكام الفروع
وحكى الكعبي عن النجدات: أن التقية جائزة في القول والعمل كله وإن كان في قتل النفوس
قال: وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم فإن هم رأوا أن ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز
ثم افترقوا بعد نجدة إلى عطوية وفديكية
وبرئ كل واحد منهما عن صاحبه بعد قتل نجدة وصارت الدار لأبي فديك إلا من تولى نجدة
وأهل سجستان وخراسان وكرمان وقهستان من الخوارج على مذهب عطية
وقيل: كان نجدة بن عامر ونافع بن الأزرق قد اجتمعا بمكة مع الخوارج على ( 1 \ 124 ) ابن الزبير ثم تفرقا عنه واختلف نافع ونجدة فصار نافع إلى البصرة ونجدة إلى اليمامة
وكان سبب اختلافهما أن نافعا قال: التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر واحتج بقول الله تعالى: ( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ) وبقوله تعالى: ( يقاتلون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم )
وخالفه نجدة وقال: التقية جائزة واحتج بقول الله تعالى: ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) وبقوله تعالى: ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه )
وقال: القعود جائز والجهاد إذا أمكنه أفضل قال الله تعالى: ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما )
وقال نافع: هذا في أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم حين كانوا مقهورين وأما في غيرهم مع الإمكان فالقعود كفر لقول الله تعالى: ( وقعد الذين كذبوا الله ورسوله )