كان يقول في المبدع الأول: إنه ليس هو العنصر فقط ولا العقل فقط بل الأخلاط الأربعة وهي الأسطقسات أوائل الموجودات كلها ومنا أبدعت الأشياء البسيطة كلها دفعة واحدة وأما المركبة فإنها كونت دائمة داثرة إلا أن ديمومتها بنوع ودثورها بنوع ثم إن العالم بجملته باق غير داثر لأنه ذكر أن هذا العالم متصل بذلك العالم الأعلى كما أن عناصر هذه الأشياء متصلة بلطيف أرواحها الساكنة فيها والعناصر وإن كانت تدثر في الظاهر فإن صفوها من الروح البسيط الذي فيها فإذا كان كذلك فليس يدثر إلا من جهة الحواس
فأما من نحو العقل فإنه ليس يدثر فلا يدثر هذا العالم إذا كان صفوها فيه وصفوه بالعوالم البسيطة وإنما شنع عليه الحكماء من جهة قوله إن أول ( 2 \ 100 ) مبدع هو العناصر وبعدها أبدعت البسائط الروحانية فهو يرتقي من الأسفل إلى الأعلى ومن الأكدر إلى الأصفى
ومن شيعته فليوخوس: إلا أنه خالفه المبدع الأول وقال بقول سائر الحكماء غير أنه قال: إن المبدع الأول هو مبدع الصورة فقط دون الهيولى فإنها لم تزل مع المبدع
فأنكروا عليه وقالوا: إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة لما قبلت الصور ولما تغيرت من حال إلى حال ولما قبلت فعل غيرها إذ الأزلي لا يتغير وهذا الرأي مما كان يعزى إلى أفلاطون الإلهي والرأي في نفسه مزيف والعزوة إليه غير صحيحة
ومما نقل عن ديمقريطس وزينون الأكبر وفيثاغوروس أنهم كانوا يقولون: إن الباري تعالى متحرك بحركة فوق هذه الحركة الزمانية وقد أشرنا إلى المذهبين وبينا المراد بإضافة الحركة والسكون إلى الله تعالى ونزيده شرحا من احتجاج كل فريق على صاحبه
قال أصحاب السكون: إن الحركة لا تكون أبدا إلا ضد السكون والحركة لا تكون إلا بنوع زمان: أما ماض وإما مستقبل والحركة لا تكون إلا مكانية: إما منتقلة وإما مستوية ومن المستوية تكون الحركة المستقيمة والحركة المعوجة والمكانية تكون مع الزمان فلو كان الباري تعالى متحركا لكان داخلا في الدهر والزمان
قال أصحاب الحركة: إن حركته أعلى من جميع ما ذكرتموه وهو مبدع الدهر والمكان وإبداعه ذلك هو الذي يعنى بالحركة والله أعلم