و قد رزئت هذه الأمة منذ القدم بأمثال هؤلاء المستَفْتين، و الموفّق من العلماء مع عصمه الله من الوقوع في حبائلهم، و وفَّقَه للإعراض عن ضلالاتهم، و لعدم الركون إليهم.
ألا ترى أن من عظيم منن الله تعالى على خاتم أنبيائه و رسله أن ثبّته في وجه من أرادوا ليزلقوه بألسنتهم، قال تعالى: (و لَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء: 74] .
يقول العلاّمة ابن القيم رحمه الله: (يحرم عليه ـ أي على المفتي ـ إذا جاءته مسألة فيها تحايل على إسقاط واجب، أو تحليل محرم، أو مكر، أو خداع، أن يعين المستفتي فيها، و يرشده إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده؛ بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس و خداعهم و أحوالهم، و لا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً فقيهاً بأحوال