ولو كنا نتعبد لله بما تهواه نفوسنا وعلى حسب أهوائنا لكنا فِرَقا وشيعاً، كل يستحسن ما يريد، فيتعبد لله به! وحينئذٍ لا يتحقق فينا وصف الله سبحانه وتعالى في قوله (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ... ) (المؤمنون 52) .
ولننظر إلى هؤلاء الذين يتعبدون لله بالبدع التي ما أَذِن الله بها ولا أنزل بها من سلطان، كيف كانوا فرقاً يكفر بعضهم بعضا ويفسق بعضهم بعضا، وهم يقولون انهم مسلمون! لقد كُفِّر بعض الناس ببعض أمور لا تخرج الإنسان إلى الكفر! ولكن الهوى أصمهم و أعمى أبصارهم.
نحن نقول: إننا إذا سرنا على هذا الخط لا نعبد الله إلا في دين الله فإننا سوف نكون أمة واحدة، لو عبدنا الله تعالى بشرعه وهداه لا بهوانا لكنا أمة واحدة، فشريعة الله هي الهدى وليست الهوى.
إذنْ: لو أن أحدا من أهل البدع ابتدع طريقة عَقَديةً [1] (أي تعود للعقيدة) أو عملية (تعود للعمل) من قول أو فعل، إن هذه حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجُرها وأجر منْ عمِل بها إلى يوم القيامة) [2] , قلنا له بكل بساطة: هذا الحُسنُ الذي ادعيْت إنه في هذه البدعة هل كان خافياً لدى الرسول عليه الصلاة والسلام، أو كان معلوماً عنده لكنه كتمه، ولم يَطلِع عليه أحدٌ من سلفِ الأمة حتى ادُّخِر لك علمه؟!
والجواب: إن قال بالأول فشرٌ، وان قال بالثاني فأُظم واشرٌَ.
(1) - في الأصل (طريقة عقيدة) ولعل الصواب ما أثبته
(2) - أخرجه مسلم في الصحيح (كتاب الزكاة , باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة , رقم 1017) من حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم مجتابي النمار- أو العباء- متقلدي السيوف , عامتهم في مُضر , بل كلهم فَتَعمر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل , ثم خرج , فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة , فصلى ثم خطب فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَِقيباً) (النساء 1) والآية الأخرى التي في آخر الحشر رقم 18 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ... ) تَصدقَ رجلٌ من ديناره , من درهمه , من ثوبه , من صاع بُره من صاع تمره) حتى قال(ولو بشق
تمرة)فجاء رجل من الأنصار بِصرةٍ كادت كفه تعجز عنها , بل قد عجزت , ثم تتابع الناس حتى رأيتُ كومين من طعام وثياب , حتى رأيت وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مُذهبَهٌ , فقال رسول الله (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقص من أجورهم شيءٌ , ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ) .