(وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْشِّرْكِ وَأَهْلِهِ) ولا شك أن من طاعة الرب جل وعلا ترك الشرك وترك أهل الشرك، حينئذٍ صار داخلاً، وإنما نص عليه لأن بعض الآيات كما سيأتي أنه قد يُنَصّ على نفي الشرك مع كونه داخلاً فيما سبق. قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36] لا شك أن قوله: {وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} داخلٌ في قوله: {وَاعْبُدُواْ اللهَ} لأن المراد هنا بالعبادة القائمة على الإخلاص والمتابعة حينئذٍ لا بد من انتفاء الشرك، وهذا يلزم منه انتفاء الشرك صرح بما دخل ضمنًا في قوله: {وَاعْبُدُواْ اللهَ} لأنه لا تقوم العبادة ولا تصح العبادة إلا بانتفاء الشرك، فاجتناب الشرك شرطٌ في صحة العبادة، ولذلك المصنف هنا نص عليه من باب التأكيد والاهتمام بهذا الشرط العدميّ وليس بشرطٍ وجودِيّ، ... (وَالْبَرَاءَةُ) براءة أي البغض وأصلها في القلب، ويتبع ذلك ما يكون على اللسان ومجانبتهم في المكان، فأصل البراءة البغض في القلب ويتبع ذلك معاداتهم أو معاداتهم وتكفير من كفَّره الله ورسوله، ومقاتلتهم عند مشروعية ذلك. يعني عند مشروعية القتال، إذا شرع القتال حينئذٍ تجب المقاتلة. ... (وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْشِّرْكِ وَأَهْلِهِ) يعني البراءة منهم في الاعتقاد والعمل والمسكن، بل من كل خصلة من خصالهم ولا يتشبه بهم، ولذلك جاء في الحديث ( «من تشبه بقومٍ فهو منهم» ) إذًا الإسلام عرَّفه المصنف رحمه الله تعالى بهذه الأصول الثلاثة (الاِسْتِسْلاَمُ لِلَّهِ بِالْتَّوْحِيدِ، وَالاِنْقِيَادُ لَهُ بِالْطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْشِّرْكِ وَأَهْلِهِ) حينئذٍ يكون مسلمًا، من أتى بما ذُكِر، وقد سبق تعريف المسلم من أتى بالشهادتين وعمل بمقتضاهما ولم يأت بناقض. هذا الذي يُعَبّر عنه بأنه مسلم، ويقابله الكافر فمن أتى بالشهادتين ولم يأت أو لم يعمل بمقتضى الشهادتين فليس بمسلم، من أتى بالشهادتين وعمل بمقتضاهما الشهادتين في الجملة وارتكب ناقضًا فليس بمسلم، من لم يأت الشهادتين وهو قائم على كفره حينئذٍ ليس بمسلم، فهما متقابلان فالإسلام والكفر نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا يجتمعان في شخصٍ واحد فيقال هو مسلمٌ من وجهٍ كافر من وجه، ولا يرتفعان بأن يكون ثم شخص لا يوصف بكونه مسلمًا ولا كافرًا، ولذلك يحال شرعًا أن يكون الشخص موصوفًا بالإسلام متلبسًا بالشرك، فيقال إنه موحدٌ. هذا محال ولا يكون في الشرع البتة.
(وَهُوَ) أي الدين (ثَلاَثُ مَرَاتِبٍ) ، (مَرَاتِبٍ) جمع مرتبة، والرتبة هي المنزلة العالية، يقال: رتب الشيء ترتيبًا نظَّمَهُ وقارن بعضه ببعضٍٍ وجعله في مرتبته.
وكونها ثلاثة للحديث الوارد الذي سيذكره المصنف وهو حديث جبرائيل المشهور قال: ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ ثم قال في آخر الحديث: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» . سمَّى ما ذُكِر من الإسلام والإيمان والإحسان سماه دينًا، وهذه مراتب ثلاث حينئذٍ صار الدين محصورًا في هذه الثلاث، وهذا التقسيم تقسيم شرعي، بمعنى أنه لا يجوز الزيادة عليه كما أنه لا يجوز النقص منه البتة. (الْإِسْلاَمُ، وَالْإِيمَانُ، وَالْإِحْسَانُ) والدليل ما ذكرناه.