إذًا دلّ هذا النص على أن الله عز وجل هو المستحق للعبادة، وأن الرب هو المعبود لأنه قال: {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} ، وجمعت هذه الآية أيضًا في أولها وآخرها بين الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، انظر ... {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} وهو أول أمرٍ في القرآن أي وحدوا ربكم، هذا أمرٌ بالتوحيد، وقال في خاتمتها: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا} وهذا نهيٌ عن الشرك، {فَلاَ تَجْعَلُواْ} جعل هنا فعل مضارع {تَجْعَلُواْ} حينئذٍ يكون مشتقًا من المصدر، والمصدر نكرة ووقع في سياق النهي حينئذٍ يعمّ يعني يعم الشرك الأكبر والشرك الأصغر والخفيّ كذلك على القول به، و {أَندَادًا} نكرةٌ في سياق النهي وكذلك يعم أي ندٍّ كان لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلاً، ولذلك قال ابن كثير رحمه الله تعالى: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه، الخالق لهذه الأشياء المذكورات في الآية السابقة هو المستحق للعبادة، الذي خلق هذه الأشياء وأوجدها من العدم على غير مثال سابق هو المستحق للعبادة، وهذا استدلالٌ بتوحيد الروبية على توحيد الإلوهية وهو أسلوب من أساليب القرآن في تقريب التوحيد للعبادة كما هو معلومٌ في محله. ثم لما ذكر العبادة وأن الله تعالى هو المعبود والعبادة بمعناها المصدري التذلل والخضوع لله تعالى بالطاعة وبمعناها الاسمي أو العلمي هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، أراد أن يمثل لنا ما هي هذه العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله جل وعلا، فقال رحمه الله تعالى: (وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ) كثيرة (الَّتِي أَمَرَ الْلَّهُ تعالى بِهَا) كثيرة، فما أمر الله عز وجل بشيءٍ أمر استحبابٍ أو أمر إيجابٍ إلا وهو عبادة، وكذلك ما أثنى على فعلٍ أو قولٍ إلا وهو عبادة، وما أثنى على فاعليه أو رتب الأجر على فعله إلا وهو عبادة، حينئذٍ العبادة كل ما رضيه الله عز وجل، ويُعْلَمُ ذلك بالأمر به لأن الله تعالى لا يأمر إلا بما هو مصلحة خالصة أو راجحة حينئذٍ إذا أمر بالشيء سواءٌ كان أمر إيجابٍ أو أمر استحباب حملناه على أنه عبادةٌ وطاعة لله عز وجل، وإذا أثنى على فعلٍ أو على أمرٍ ما على قولٍ حينئذٍ نقول: هذا محبوبٌ لله عز وجل ورضيه فيكون عبادة، وهذا من المسائل التي تضبط بها أمور العبادة.