ثم قال المصنف رحمه الله تعالى في فائدة نفيسة لا بد من إدراكها (وَالْرَّبُّ هُوَ: الْمَعْبُودُ) أي المستحق لأن يعبد دون سواه، وليس المراد هنا أن من معاني الربوبية والرب المعبود لأنه لا يصدق عليه في لسان العرب، الرب ليس من معانيه في لسان العرب المعبود، وإنما هذا معنى شرعي حينئذٍ يفسر الرب إذا أطلق بالخالق المعبود، الخالق المالك المدبر لشؤون الخلق المعبود، حينئذٍ يكون له حقيقة شرعية كما أن للصلاة حقيقةً شرعية تحمل عليها في سائر النصوص، ولذلك قوله جل وعلا: ... {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30] إلى آخر الآية {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا} لا يحمل هنا الرب على المعنى اللغوي فحسب أو توحيد الربوبية وإنما يحمل على إن الذين قالوا معبودنا الله لأنه هو الذي تترتب عليه الاستقامة، وأما شأن توحيد الربوبية فهو شأن أو ما يسمى بتوحيد المشركين، لأن توحيد المشركين الذين أقروا به هو توحيد الربوبية، والرّبُّ هو المعبود، ولا يفهم من هذا أن توحيد الربوبية لا يُلتفت إليه، لا، ليس هذا المراد، وإنما المراد أن الله تعالى إنما أرسل الرسل من أجل تحقيق التوحيد الذي يُعَنْوَنُ له بتوحيد الربوبية، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 56] وتوحيد الإلوهية متضمنٌ لتوحيد الربوبية، توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلوهية فكلها متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض الثلاثة الأقسام بعضها لا ينفك عن بعض، ولا يمكن أن يدعي مدعٍ بأنه حقق توحيد الربوبية دون أخويه، أو أنه حقق توحيد الإلوهية دون أخويه، وإقرار المشركين بتوحيد الربوبية إنما يكون في الجملة ليس على جهة الكمال، لأنه لو وجد على جهة الكمال لتحقق ما ترتب عليه وهو أنه مستلزم لتوحيد الإلوهية، فلما انتفى اللازم دل على أنهم لم يحققوا توحيد الربوبية، وإنما أقروا بجملةٍ من معانيه كالخلق والملك ونحو ذلك، (وَالْرَّبُّ هُوَ: الْمَعْبُودُ) وكما ذكرنا ليس المراد أن من معاني الرب المعبود فإنه لا يصح لغةً، وإنما يريد أن يستدل بالربوبية على الإلوهية، (وَالْدَّلِيلُ) على أن الرب هو المستحق للعبادة (قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَأيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الذَِّي خَلَقَكُم وَالذِّّينَ مِن قَبلكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} [البقرة:21] ) ، ( {يَأيُّهَا النَّاسُ} ) هذا نداء و ... ( {النَّاسُ} ) هذا عام يشمل المؤمن والكافر، فهو من ألفاظ العموم وهو من أدلة الجمهور على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما أنهم مخاطبون بأصولها، ( {اعبُدُوا رَبَّكُمُ} ) ، ( {اعبُدُوا} ) أي تذللوا له بالطاعة محبةً وتعظيمًا، والمراد هنا تجريد العبادة لله عز وجل، ( {اعبُدُوا} ) أي أطيعوا ( {رَبَّكُمُ} ) أي بالإيمان به، وهنا رَبَّ يعرب على أنه مفعول به، حينئذٍ من متعلقات المفعول بعامله أن يكون قد وقعت عليه العبادة من حيث اللفظ وقعت عليه العبادة، وما وقع عليه الشيء حينئذٍ صح أن يُعَبّر عنه باسم المفعول كما إذا قلت: ضرب زيدٌ عَمْرًا، فعَمْرًا حينئذٍ تقول: عَمْرٌو